حصن بيت المراح في ينقل .. أيقونة التاريخ وشاهد على عبق القرون
تاريخ النشر: 11th, April 2025 GMT
يقف حصن بيت المراح شامخًا في قلب ولاية ينقل بمحافظة الظاهرة، كأحد أبرز المعالم التاريخية التي لا تزال تحكي قصص الأجداد، وتوثق عراقة المكان وتفاصيل الحياة العُمانية في حقبٍ مضت، إنه ليس مجرد بناء قديم، بل رمز لأصالة تنسجها جدران سميكة تحيط بها بساتين النخيل وأفلاج المياه، في مشهد يأسر الزائر منذ اللحظة الأولى.
وتُعد ولاية ينقل من الولايات الثلاث التابعة لمحافظة الظاهرة، إلى جانب عبري وضنك، وتزخر بتاريخ طويل ومعالم أثرية عديدة، غير أن حصن بيت المراح يبقى درة التاج وواحدًا من أهم الحصون التي لا تزال محافظة على هيئتها وسط طبيعة خلابة وجغرافيا تجمع بين الجبال والسهول، وأهمها جبل الحوراء الذي يُعد أعلى قمة في الولاية، وقد اُتخذ شعارًا رسميًا لها.
ويتوسط الحصن موقعًا استراتيجيًا يحيط به سوق الجناة من جهة، وتفترش من حوله حارة الشعبانية أكبر الحارات في الولاية، وكأنما يشكّل مركزًا روحيًا وثقافيًا ينبض بالحياة، وقد حظي الحصن بمكانة خاصة في نفوس الأهالي الذين لطالما جعلوه نقطة انطلاق للفنون الشعبية والمناسبات الدينية والاجتماعية، خاصة في الأعياد، حيث يتوافد الأهالي بعد الصلاة في موكب تقليدي يحمل الطبول ويقدّم العازي والرزفة أمام بوابته العريقة.
سوق الجناة.. ظل الحصن الحي
إلى جوار الحصن يقع سوق الجناة، الذي يحمل في جدرانه عبق التاريخ، ويُقدّر عمره بنحو 200 سنة، حيث إن السوق كان ولا يزال ملتقى للقرى المجاورة ومحطة نشطة للتجارة الشعبية التي تشمل التمور والحبوب والمنسوجات والحلي والمنتجات الحرفية، إضافة إلى بيع المواشي واللحوم والأسماك، كما يتميّز السوق بموقعه بين النخيل واحتضانه لمسجد أثري وسبلة لتحفيظ القرآن الكريم.
وقال محمد بن سعيد العلوي، أحد أبناء الولاية: إن سوق الجناة سُمّي نسبة إلى "حارة الجناة"، ويتميّز بشعبية واسعة، إذ يتزوّد التجار فيه بالبضائع من مختلف ولايات سلطنة عمان، وحتى من خارجها، وكان من أبرز دلاليه قديمًا سعيد بن حارب وسليم بن شوين.
أما حارة الشعبانية، فتقع على مقربة من الحصن، وتُعد واحدة من أقدم الحارات وأوسعها في ينقل، وتتميّز بتاريخها الاجتماعي والثقافي الغني، حيث كانت تُقام فيها الفنون التقليدية مثل الرزحة والعيالة والميدان، إلى جانب سبلة للمناسبات الدينية والاجتماعية ومسجد تُضيء فيه الروحانيات وليالي الذكر.
وفي مواسم الأعياد، كان سكان الحارة والحارات المجاورة يتجمعون عند "مطلاع العيد"، لينطلقوا بمسيرهم إلى حصن بيت المراح في أجواء من الفرح والاحتفاء، حيث تتعالى الأصوات بالهتافات والطبول، وتُقدّم العروض الشعبية أمام الحصن، لتتحول ساحته إلى مسرح نابض بالتقاليد والأصالة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
شربات غولا الموناليزا أيقونة اللاجئين الأفغان
تحولت الطفلة الأفغانية شربات غولا إلى أيقونة عالمية بعد أن انتشرت صورة لها على غلاف مجلة ناشيونال جيوغرافيك الأميركية عام 1985 وهي تنظر بعينين خضراوين إلى عدسة الكاميرا، مثيرة فضولا واسعا بشأن هويتها واهتماما كبيرا بمأساة ملايين اللاجئين مثلها.
في عام 2002 عرف العالم أن تلك الفتاة اسمها شربات غولا، واكتشف فصول حياتها بدءا من نزوحها وهي طفلة إلى باكستان تحت القصف الروسي، وعاشت هناك فترة طويلة قبل ترحيلها عام 2016 إلى بلادها، ثم أُجليت عام 2021 برفقة أفراد عائلتها إلى إيطاليا بعد تولي حركة طالبان مقاليد الحكم في أفغانستان.
المولد والنشأةتختلف الروايات بشأن تاريخ ميلاد الفتاة الأفغانية شربات غولا، وتتراوح التقديرات بين عامي 1972 و1974 وفق مجلة ناشيونال جيوغرافيك التي كان سباقة إلى معالجة قصتها في عام 1985، ورجحت آنذاك أن يكون عمرها متراوحا بين 10 سنوات و12 عاما.
وبعد أن كشفت المجلة الأميركية في عام 2002 هوية تلك الفتاة اهتمت وسائل إعلام دولية كثيرة بقصتها، وأصبح متداولا في أكثر من موقع إخباري أن شربات غولا ولدت في 20 مارس/آذار 1972 في منطقة جبلية تقطنها أغلبية من عرقية البشتون قرب الحدود مع باكستان.
وترجح المجلة أن شربات غولا كانت في السادسة من عمرها عندما قصفت طائرات سوفياتية قريتها وقتلت والديها، فاضطرت إلى النزوح مشيا على الأقدام في ذروة فصل الشتاء وموسم الثلوج إلى باكستان برفقة جدتها وأخيها وأخواتها الأربع.
انتقلت شربات غولا من بيت قروي إلى خيمة في مخيم ناصر باغ المكتظ باللاجئين في محيط مدينة بيشاور الباكستانية قرب الحدود مع أفغانستان.
إعلانوهناك قضت بقية طفولتها والتحقت بمدرسة غير نظامية تابعة للمخيم، لكنها لم تتلق تعليما كافيا، وكان نصيبها من التحصيل أنها تعلمت كتابة اسمها فقط، وفق روايتها.
وفي عام 1984 حصل موقف غير متوقع غيّر لاحقا وبشكل جذري حياة شربات غولا، إذ زار مصور أميركي مخيم ناصر باغ في إطار مهمة لتغطية أوضاع اللاجئين الأفغان بباكستان، واستأذن من معلمة للبنات من أجل الدخول إلى فصل دراسي عبارة عن خيمة من أجل التقاط صور لبعض الطالبات.
يروي المصور ستيف ماكوري أنه أثناء التقاط الصور لفتت انتباهه فتاة كانت أكثر خجلا من الأخريات لكنها لم تمانع في أن يصورها، وفعلا التقط لها بعض الصور وعندما تفحصها لاحقا فوجئ بملامح الطفلة، إذ تبدو ثابتة وهادئة، لكنه اكتشف لاحقا بعد التدقيق في ملامحها وقسمات وجهها أن لون عينيها ليس عاديا.
أما بالنسبة للفتاة فقد كانت تلك أول مرة في حياتها تقف أمام إنسان غريب ويلتقط لها صورة، لكن الموقف في مجمله لم يعن لها الشيء الكثير لحظتها في ظل حياة المخيم الصعبة والمليئة بالإكراهات والتحديات.
وفي يونيو/حزيران 1985 أطلت شربات غولا على العالم من صفحات مجلة ناشيونال جيوغرافيك بعد أن تصدرت صورتها غلاف المجلة.
فتاة أفغانية ذات عينين خضراوين تحدق في الجميع بنظرة ثاقبة، فيها مزيج من البراءة والحيرة والقلق.
كان لتلك الصورة مفعول غير عادي، سواء على المصور الذي التقط الصورة أو على كل من وقعت عيناه على غلاف المجلة الأميركية.
هنا بدأ الجميع يتساءلون عن هوية الفتاة ذات العينين الخضراوين، وأثناء البحث في ثنايا المجلة الناشرة وفي صفحات التقرير المطول عن محنة اللاجئين الأفغان عرف القراء أنها عنوان لملايين الهاربين من جحيم الحرب الدائرة في أفغانستان بعد أن غزتها قوات الاتحاد السوفياتي في أواخر 1979.
وفي السنوات اللاحقة تحولت تلك الصورة إلى أيقونة تجوب العالم، وذهبت التعليقات عليها في كل الاتجاهات إلى درجة أن الكثيرين وصفوا الفتاة بـ"الموناليزا الأفغانية"، في حين اكتسب ملتقط الصورة الأميركي ستيف ماكوري شهرة عالمية وشبهه كثيرون بالرسام الإيطالي ليوناردو دافنتشي.
وفي غضون ذلك، واصلت الفتاة الأفغانية العيش في عالم آخر، عالم المخيم وهي لا تدري ماذا حصل بعد لحظة وقوفها أمام شخص غريب يحمل كاميرا ويلتقط لها صورة.
في غمرة الاهتمام العالمي بحقيقة "الفتاة الأفغانية" لم يتوقف المصور الأميركي ماكوري بدوره عن السعي لمعرفة هوية الفتاة التي كان لها دور كبير في تحوله أيضا إلى نجم كبير في عالم التصوير والإعلام.
إعلانمنذ التقاط الصورة الشهيرة في أواخر 1984 ونشرها حصلت تطورات كثيرة في الولايات المتحدة الأميركية، أبرزها هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وفي أفغانستان التي خرجت منها القوات السوفياتية وآلت فيها مقاليد الحكم إلى حركة طالبان، قبل أن تتعرض البلاد لغزو جديد بقيادة الولايات المتحدة أطاح بتلك الحركة في أواخر 2001.
وفي ذلك السياق -وتحديدا في عام 2002 بعد 17 عاما على نشر الصورة- قرر المصور ماكوري التوجه على رأس فريق من ناشيونال جيوغرافيك إلى باكستان بحثا على الفتاة التي لم تبق مجرد صورة، بل تحولت إلى أثر فني.
وبعد الكثير من التحريات والاتصالات والمقارنات والمحاولات في مخيم ناصر باغ وفي محيطه اهتدى ماكوري وفريقه إلى شربات غولا.
فبعدما خفت وطأة القتال في أفغانستان في مطلع تسعينيات القرن الـ20 عادت إلى بلادها للعيش في قرية جبلية بمنطقة تورا بورا شرقي أفغانستان، وهناك وجدها ماكوري مع بناتها الثلاث.
تبعد تلك القرية عن مكان التقاط الصورة التاريخية بأقل من 200 كيلومتر، لكن الوصول إليها تطلّب من فريق ناشيونال جيوغرافيك 6 ساعات من السياقة و3 ساعات من المشي في المسالك الجبلية.
وهناك جدد ماكوري اللقاء مع "ضالته"، وقد تغيرت ملامحها بالكامل إلى درجة أن شكوكا انتابته بشأن حقيقتها.
وللتأكد من التطابق بين فتاة الصورة ذات العينين الخضراوين وشربات غولا التي هدّها العيش في المخيم بباكستان وفي جبال أفغانستان استعان الطاقم بموظف بمكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي) وخبير في قزحية العين من جامعة كامبردج البريطانية.
أخبرته شربات غولا أنها لم تعلم شيئا عن تلك الصورة طوال تلك الفترة، وإن كانت فعلا تتذكر لحظة التقاطها في المخيم، وأنها بعد ذلك التاريخ بفترة قصيرة تزوجت في المخيم ذاته من لاجئ أفغاني وهي في سن تتراوح بين 13 و16 سنة.
في هذه الأجواء المفعمة بالدهشة والغرابة التقط ماكوري صورا أخرى لشربات غولا تظهر في إحداها وهي تحمل صورتها الملتقطة عام 1984، وتصدرت تلك الصورة الجديدة بدورها غلاف مجلة ناشيونال جيوغرافيك في نسخة أبريل/نيسان 2002، واكتشف العالم هوية "الموناليزا الأفغانية".
إعلانبعد ذلك تحولت قصة شربات غولا إلى أيقونة لمعاناة اللاجئين الأفغان، وأصبحت مصدرا لجذب انتباه الرأي العام الدولي إليهم، وهكذا تبلورت مبادرات كثيرة في شكل حملات للتبرع أو إنشاء جمعيات ومنظمات لدعم النازحين وتوفير سبل التعليم والرعاية الصحية للأطفال.
أما شربات غولا فحاولت البقاء أطول فترة ممكنة في باكستان بالقرب من زوجها الذي توفي عام 2012 بسبب التهاب الكبد الوبائي، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016 اعتقلتها السلطات الباكستانية أسبوعين بتهمة تزوير بطاقة هوية باكستانية، في محاولة للعيش بالبلاد، وتم ترحيلها إلى بلادها.
تجربة لجوء جديدةوفي العاصمة كابل حظيت شربات غولا وبناتها باستقبال من طرف الرئيس آنذاك أشرف غني وسلفه حامد كرزاي، وفي ديسمبر/كانون الأول 2017 منحتها الحكومة مسكنا في العاصمة ومعاشا شهريا قدره 700 دولار.
بعد ذلك تزوجت شربات غولا للمرة الثانية وأنجبت بنتا رابعة، وعندما استولت حركة طالبان على الحكم في أفغانستان في صيف عام 2021 حصلت على مساعدة الحكومة الإيطالية، وأُجليت برفقة أفراد عائلتها إلى إيطاليا، وهي تعيش هناك وتفضل عدم الكشف عن مكان إقامتها.
وفي حوار مع صحيفة إيطالية عام 2022 قالت شربات غولا إن الصورة التي نشرتها ناشيونال جيوغرافيك عام 1984 سببت لها الكثير من المشاكل.
وقالت "كنت أتمنى لو لم تلتقط أبدا، أتذكر ذلك اليوم جيدا، وأتذكر ذلك المصور الذي وصل إلى مدرسة مخيم ناصر باغ، كنت طفلة، لم أكن أحب الصور، في الثقافة الأفغانية النساء لا يظهرن في الصور، لكن لم يكن لدي خيار".