ما المصير الذي ينتظر ترامب في قضية جورجيا؟
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
سلّم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، نفسه، الخميس، لسجن في مقاطعة فولتون في أتلانتا بولاية جورجيا الأميركية، على خلفية قضية تتعلق بأكثر من 12 تهمة تزعم محاولته عكس نتائج انتخابات الولاية لعام 2020.
وخرج ترامب بعد إيقافه في السجن لفترة وجيزة، ووافق على دفع كفالة بلغت 200 ألف دولار أميركي.
ويواجه ترامب أربع محاكمات جنائية، العام المقبل، تزامنا مع استعداد المرشحين الجمهوريين، والذي يعتبر الرئيس السابق الأوفر حظا بينهم، للمشاركة في السباق الرئاسي، في حين تتراود تساؤلات حول مصيره في حال إدانته بالتهم الموجهة بحقه في جورجيا تحديدا.
خلفية القضية خسر ترامب الانتخابات في ولاية جورجيا لصالح منافسه، جو بايدن، في نوفمبر من عام 2020، وبعد الانتخابات بادر ترامب وأعوانه بضغط «عدواني فاشل» لقلب نتائج الانتخابات كمحاولة لتحقيق الفوز على الرقعة الوطنية، بحسب «الغارديان».
وفي الثاني من يناير عام 2021، تحدث ترامب مع براد رافينزبيرغر، الجمهوري الذي كان يحتل منصبا رفيعا في لجنة الولاية المشرفة على الانتخابات.
وقال ترامب في تسجيل صوتي للمكالمة نشرته وسائل الإعلام الأميركية بشكل واسع: «كل ما أريد فعله هو التالي، أود فقط أن تعثر على 11780 صوتا، والتي هي أكثر مما لدينا لأننا فزنا بالولاية». إلا أن رافينزبيرغر رفض.
وأتت المكالمة تزامنا مع نشر ترامب وحلفائه، من ضمنهم، رودي جولياني، أخبارا كاذبة بشأن الانتخابات في جورجيا والتي هدفت إلى زرع الشك بمصداقية نتائجها، بحسب الغارديان.
ونشر جولياني وآخرون مقطع فيديو من كاميرا مراقبة زعموا أنه يظهر العاملين لدى مركز للاقتراع وهم يأخذون أصواتا من تحت الطاولة، ويقومون بعدّها بعد مغادرة المشرفين على الانتخابات، لكن تلك الادعاءات كانت خاطئة لأن عدّ الأصوات لم يكن قد انتهى مساء في الولاية، بعد إغلاق صناديق الاقتراع.
وتذكر لائحة الاتهام تصريحات ترامب وحلفائه، التي لا أساس لها من الصحة، بشأن إحدى العاملات في الانتخابات على وجه الخصوص، روبي فريمان، التي قالت إنها وابنتها أُجبرتا على الاختباء بعد تعرضهما لاعتداءات عنصرية بسبب قيامهما بعملهما.
وتذكر لائحة الاتهام أن قسيسا من شرطة من إلينوي توجه إلى منزل فريمان وهددها، بحسب «واشنطن بوست».
وتشير الصحيفة الأميركية أيضا إلى أن الاتهامات تشمل أيضا الوصول إلى المعدات الانتخابية.
فبعد فترة طويلة من فرز الأصوات، قام حلفاء ترامب بنسخ معدات انتخابية حساسة في إحدى مقاطعات جورجيا الريفية ثم شاركوها مع رافض نتائج الانتخابات في جميع أنحاء البلاد.
ورغم أنه لم تكن لديهم القدرة على تغيير الأصوات، إلا أن خبراء الأمن يشعرون بالقلق من أنها أعطت المتسللين معلومات قيمة عن البنية التحتية للانتخابات، بحسب «واشنطن بوست».
يزعُم المدعون أنهم انتهكوا العديد من قوانين أمن الكمبيوتر في جورجيا، مثل حيازة أوراق الاقتراع بشكل غير قانوني، وسرقة وتخريب كمبيوترات، والتدخل في الانتخابات التمهيدية والانتخابات العامة.
كما أن الاتهامات تشمل التزوير المتعلق بالناخبين المزيفين، فبعد انتخابات عام 2020، أنشأ الجمهوريون في سبع ولايات خسرها ترامب قوائمهم الخاصة من الناخبين المؤيدين للرئيس السابق، للتنافس مع القوائم الرسمية للناخبين المؤيدين لبايدن.
وفي جورجيا، التقى الجمهوريون في عاصمة الولاية، كما يفعل الناخبون الشرعيون، وأشرف الرئيس السابق للحزب الجمهوري في جورجيا على الاجتماع. ووجهت إليه تهمة انتحال صفة موظف عام.
وتضم هذه الاتهامات أيضا عضو مجلس الشيوخ الحالي في جورجيا، شون ميكا تريشر ستيل. وتزعم لائحة الاتهام أن اجتماع الناخبين المزيفين مرتبط بحملة ترامب، لأن محاميه، رودي جولياني، ساعد في تنظيمه.
ما هو قانون «RICO»؟ تشير «الغارديان» إلى أن الادعاء العام في جورجيا يستخدم قانون «RICO» للدفع بحجته في القضية بحق ترامب.
و»RICO» (أو ريكو)، هو اختصار لـ «Racketeer Influenced and Corrupt Organizations» أي قانون «تأثير الابتزاز والمنظمات الفاسدة».
ويسمح القانون للادعاء بربط جرائم عدة يتهم أشخاص مختلفون بارتكابها سويا وجلب الاتهامات الجنائية تحت مظلة منظمة إجرامية أوسع.
ويفرض القانون على الادعاء إظهار أدلة تشير إلى منظمة إجرامية ارتكبت تحت جناحها جريمتان على الأقل.
وكان الادعاء العام قد لجأ إلى القانون ذاته لملاحقة عصابات المافيا عبر أرجاء الولايات المتحدة، إلا أن النسخة الخاصة من «RICO» بولاية جورجيا تحديدا تعد أوسع بكثير.
وتوضح «الغارديان» أن قانون «RICO» في جورجيا يسمح للمدّعين في الولاية بجلب اتهامات بالابتزاز في حال خطط أو مهد متهم لتنفيذ جريمة، حتى ولو لم يجلبوا اتهامات فردية لكل جريمة على حدة.
وتضيف «واشنطن بوست» أن نسخة جورجيا من القانون تتيح للادعاء «حبك عدة جرائم مزعومة معا»، وفي هذه الحالة ستضم التهم المتمثلة بـ «التآمر للاحتيال على الدولة، وبيانات وكتابات كاذبة، وانتحال صفة موظف عام، والتزوير، وسرقة معلومات من الكمبيوترات وعشرات غيرها»، في تهمة واحدة، قد ينجم عنها في النهاية حكم بالسجن قد يصل إلى 20 عاما.
وضمن هذا القانون، يزعم الادعاء أن حملة ترامب الانتخابية «هي المنظمة الإجرامية» وأن «مخططها كان قلب نتائج الانتخابات في جورجيا»، بحسب «واشنطن بوست».
وبعد تحقيق دام حوالي عامين ونصف، جمع المدّعون وثيقة مكونة من 98 صفحة، موجهة اتهامات بحق 19 شخصا و13 اتهاما بحق ترامب وحده.
ونقلت «واشنطن بوست» عن خبراء قانونيين قولهم إن الهدف من استخدام نظام كهذا يكمن في «الإمساك بالسمك الكبير».
مصير ترامب في حال إدانته تختلف القضية التي يواجهها ترامب في جورجيا عن غيرها، بأنه في حال إدانته بتهمة تحت قانون «RICO» فإن ذلك سيعني حكما لا يقل عن خمس سنوات، إلا إذا قرر القاضي فرض غرامة بدل السجن، بحسب موقع «فايف ثيرتي إيت».
وتقول إليزابيث تاكسر، بروفيسورة القانون لدى جامعة جورجيا والمتخصصة في القانون الجنائي، للموقع إنه في حال تمت إدانة ترامب في جورجيا وإن منح حكما أكثر من خمس سنوات فإنه لن يتاح له الخروج بكفالة خلال فترة الاستئناف. أما في حال إدانته والحكم بسجنه أقل من خمس سنوات فيمكن للقاضي وضع تقديرات ضمن الإطار الفيدرالي المعتمد في ولايات أخرى.
ولن تمنع إدانة ترامب، في حال تأكيدها، ترشحه للرئاسة الأميركية، فالدستور الأميركي لا يحظر تولي شخص مدان أو متهم بارتكاب جريمة من تولي منصب الرئاسة.
لكن الغارديان تنوه إلى أن التعديل 14 في الدستور الأميركي يمنع أي شخص كان قد أقسم على حماية الولايات المتحدة وانخرط بـ «عصيان أو تمرد» من الوصول للرئاسة، ووفق ذلك النص من المتوقع أن ترفع محاكم الولايات قضايا مدنية منفصلة في المستقبل القريب لمنع ترامب من الوصول لسدة الحكم.
وفي حال إدانته بأي من القضايا الأربع التي يواجهها ترامب، فإنه لن يكون أول شخص مدان يترشح للرئاسة الأميركية.
ففي عام 1920، حظي الاشتراكي، يوجين ديبس، بقرابة مليون صوت من زنزانة السجن، حيث كان يقضي عقوبة لعشرة أعوام، وفق «فايف ثيرتي إيت»
كما أدار مروّج نظريات المؤامرة، ليندون لاروش، عدة حملات انتخابية بعد إدانته بالاحتيال البريدي والتآمر للاحتيال على مصلحة الضرائب الأميركية «آي آر إس».
وكان كيث جود، أيضا خلف القضبان، حيث فاز بـ 41 في المئة من الأصوات خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية ويست فرجينيا، عام 2012.
إجراءات جورجيا وشُدّدت الإجراءات الأمنية قبل وصول ترامب إلى سجن مقاطعة فولتون، وهو مركز احتجاز معروف بأنّه غير آمن ويفتقر لشروط النظافة وموبوء بالحشرات ويشمله تحقيق تجريه وزارة العدل، بعد وفاة عدد من السجناء فيه، بحسب فرانس برس.
وصباح الخميس، تمّ إغلاق المدخلين المؤديين إلى السجن أمام حركة المرور، باستثناء مركبات قوات الأمن. وعند أحد هذين المدخلين، كان شرطيون يرتدون سترات مضادّة للرصاص ينتظرون داخل شاحنة صغيرة.
وقبل وصوله إلى السجن الخميس، غيّر ترامب رسمياً المحامي الذي سيتولى تمثيله في جورجيا. ولم يقدم أي تفسير لماذا استعاض ترامب عن المحامي درو فيندلينغ، بالمحامي سيفن سادو، أحد أبرز المحامين في أتلانتا، علماً بأن كلا الرجلين معتاد على الدفاع عن المشاهير.
ولم يُضطرّ ترامب لتحمّل إهانة التقاط صورة جنائية له في المرات الثلاث التي أوقف فيها هذا العام وهي، في نيويورك بتهم دفع أموال لإسكات ممثلة إباحية، وفي فلوريدا لإساءة التعامل مع وثائق حكومية بالغة السرية، وفي واشنطن بتهم التآمر لقلب خسارته في 2020 أمام بايدن.
ونشرت شرطة فولتون صورة ترامب الجنائية والتي التقطت كإجراء روتيني يتم تنفيذه مع جميع المتهمين.
ودفع الرئيس الأميركي السابق، الخميس، ببراءته، واصفا الاتهامات بمحاولة قلب النتائج الانتخابية في جورجيا بـ «مهزلة قضائية».
وأتت تصريحات ترامب لصحفيين خلال مغادرته الولاية، بعد أن سلم نفسه لسجن مقاطعة فوتون.
وقال ترامب: «لم أفعل شيئا خاطئا».
ووصف الرئيس السابق الاتهامات بحقه أنها «مهزلة قضائية».
وتطرق ترامب في حديثه الموجز مع الصحفيين إلى القضايا الأخرى الموجهة بحقه، وقال: «هذه واقعة واحدة، لكن لديك ثلاث وقائع أخرى. هذا تدخل في الانتخابات».
ومكث ترامب في أتلانتا لحوالي ساعة ونصف، بحسب شبكة «سي إن إن»، قبل أن يخرج بكفالة بلغت 200 ألف دولار.
وذكرت الشبكة أن «رقم النزيل» الخاص بترامب في سجن فولتون هو «P01135809».
ونقلت عن وثائق السجن أن ترامب يبلغ طوله ستة أقدام وثلاث إنشات (1.9 متر) وأنه وزنه يبلغ 216 باوند (97.9 كلغ). وصنف بأن لديه عينين زرقاوتين وشعرا «أشقر أو أشقر أقرب للاحمرار».
وحتى الآن سلم حوالي 12 متهما، بينهم ترامب، أنفسهم للولاية، ودفع ترامب برفقة عشرة آخرين كفالات، بينما يظل واحد، غاريسون فلويد، قيد التوقيف.
ويتوجب على المتهمين السبعة الباقين تسليم أنفسهم قبل ظهر الجمعة، بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
والأربعاء، قام رئيس بلدية نيويورك السابق، جولياني، المتهم بمساعدة ترامب على التلاعب بالانتخابات، بتسليم نفسه لسلطات ولاية جورجيا التي أطلقت سراحه لاحقا بكفالة قدرها 150 ألف دولار.
والأربعاء، قال جولياني إنه تحدث مع ترامب ليتمنى له التوفيق حين يسلّم نفسه، الخميس.
وعند مغادرته السجن بعد دفعه الكفالة، هاجم جولياني السلطات القضائية، مؤكداً أن «ما يفعلونه به هو هجوم على الدستور الأميركي».
ومن بين المتهمين في هذه القضية كل من مارك ميدوز، كبير موظفي البيت الأبيض في عهد ترامب، وجون إيستمان، وهو محام محافظ.
أربع محاكمات مرتقبة ويواجه ترامب أربع محاكمات جنائية، العام المقبل، خلال موسم الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري الذي يبدأ في يناير، وفي ذروة الحملة الرئاسية في نوفمبر عام 2024.
وقدّم المدعي العام الخاص، جاك سميث، مقترحا ببدء محاكمة ترامب، في يناير، بتهم التآمر لقلب نتائج انتخابات 2020 وبحملة من الأكاذيب، كانت وراء الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 من يناير عام 2021 الذي نفّذه مؤيدون لترامب.
بالمقابل، طلب محامو الرئيس السابق تحديد أبريل عام 2026 موعدا لبدء محاكمة موكلهم بالتهم الفيدرالية الموجهة إليه، وهي التآمر لإلغاء نتيجة انتخابات عام 2020. والموعد الذي طلبه المحامون بعيد نسبياً من الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
ومن المتوقع أن تُصدر القاضية، تانيا تشوتكان، في 28 أغسطس، قرارها بشأن موعد بدء المحاكمة.
وطلبت المدّعية العامة، فاني ويليس، تحديد الرابع من مارس موعداً لبدء محاكمة ترامب في قضية التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية في ولاية جورجيا، وهو نفس الشهر الذي من المقرر أن يمثُل فيه الرئيس السابق لمحاكمته في نيويورك في التهم الجنائية الموجهة إليه في قضية تزوير وثائق على صلة بدفع مبلغ للممثلة الإباحية، ستورمي دانيالز، مقابل التستّر عن علاقة يُعتقد أنّها كانت قائمة بينهما.
ويتوقع أن يمثل ترامب، في مايو من العام المقبل، أمام هيئة محلفين في فلوريدا في قضية يُتّهم فيها بانتهاك قانون مكافحة التجسّس.
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا نتائج الانتخابات الرئیس السابق الانتخابات فی ولایة جورجیا العام المقبل واشنطن بوست فی جورجیا ترامب فی فی قضیة عام 2020
إقرأ أيضاً:
رواية سلالة من طين للفلسطينية قمر عبد الرحمن: المصير الواقعي والمتخيل
تأثرت مآلات شخصيات الرواية بما له علاقة بحياة الناس، أكان ذلك في وقوع يوسف في البئر، أو رحيل مريم والوالد بسبب العنف، أو استشهاد هبة بعد قصف الاحتلال. ثمة مآلات أخرى، كوقوع نضال في الأسر، وكوقوع آدم في الحب، وخلال ذلك كله، يطل علينا آدم كشخصية محورية من جهة، وسارد مع (الساردة الكاتبة) من جهة أخرى. هنا نرى الحياة الفلسطينية كحياة طبيعية، في ظل تأثيرات الاحتلال على مجمل الحياة، بل لعلّ الفقر والعنف هما مظهران له.
آدم، وأمه، وهبة، ونضال، وكل واحد من هؤلاء في محيطه. آدم وأسرته وشفا ابنة المغدورة مريم وخالته أم رضا، كذلك هبة، ونضال في مجموعة الأسر: أبو الوفاء وكمال ومؤيد وكفاح وأبو كرم، وحكايات الأسرى.
حدث القصة الرئيس تعرض مريم للقتل (ربما الخطأ) في أسرتها إثر مشكلتها مع زوجها الذي يمارس العنف معها، فما كان من أخيها آدم الفتى، إلا اصطحاب مريم للحصول على تقرير طبي لحالة مريم المعنّفة من قبل زوجها، وتقديم الشكوى في مركز الشرطة. لكن الوالد يخشى توابع هذا التصرف، حيث يقضي الوالد المتهم بفعل ذلك بالسجن ندما وحزنا.
هنا يبدأ آدم بالقيام بمسؤوليته تجاه أسرته، حيث تعيش الطفلة شفا معهم، ويظهر الاستقرار النسبي الذي يسمح لآدم بالشعور العاطفي تجاه هبة طالبة طب الأسنان في السنة الثالثة، التي التقاها صدفة أول مرة على شاطئ البحر، والتقاها صدفة في المرة الثانية في العيادة التي تتدرب فيها، حيث يتقدم لخطبتها، خلال ذلك. ولكن خلال إحدى الحروب على غزة، تستشهد هبة تاركة آدم للبحر مرة أخرى.
ولعل الحرب المقصودة هنا ليست الحرب الأخيرة، وأظن أن الأقرب لها زمنيا هي واحدة من الحروب السابقة: 2008، و2012، 2014، 2019، 2021، 2022. وقد حاولت التعرف زمنيا على الحرب المقصودة، فلم أستطع، لكن الأقرب لها هو حروب ما بعد 2014.
ولما كان الزمان يقودنا إلى المكان، فإن كتابة قمر عبد الرحمن الخليلية عن غزة مغامرة على عدة مستويات، حيث إن المكان هنا يمكن أن يكون أي مدينة بحرية. وليس المكان فقط، بل بما فيه من حياة، حيث إننا لم نشعر بأننا في غزة بما يكفي للاقتناع. ولم تكن الكاتبة مضطرة لاختيار غزة للكتابة الروائية عنها، خاصة في ظل تجربتها الروائية الثانية بعد رواية "كوفيد الأحلام".
فنيا، في ظل تحليل بنية الرواية، وشخصياتها، سنجد ما حضر من محاولة نثمنها من حيث مبادرة النشر، وسنجد ما غاب من شروط السرد الروائي؛ حيث سنرى أولا أنها نوفيلا لا رواية، كذلك سنرى أن تقديم الشخصيات كان سريعا، فبالرغم من محاولتها بناء الشخصيات كما في آدم ومن هم في الأسر، إلا أن ذلك لم يذهب إلى المدى المطلوب، فجعلها معرضة لوصفها بالتسطيح والنمطية، بل والمبالغة، ليس فقط في "إنهاء حيوات الشخصيات"، بل في مبررات الحدث الرئيس؛ فلم تظهر علاقة الزوج بمريم زوجته، حيث اقتصر الوصف على التعنيف، كما اقتصر تعامل الوالد مع ابنته على العنف الذي وصل إلى القتل. ويرتبط بذلك وقوع الطفل يوسف في البئر، ولا ندري لم اختارت عبد الرحمن اسم يوسف الذي يصعب عزله عن الميثولوجيا.
كلما كان من الممكن أن تشدنا الرواية ترتخي، فلم يكن التشويق السردي رافعا للنص، في ظل التكلف، والابتعاد عن المصداقية الحيوية والإنسانية، حيث لم يتم تقديم الشخصيات من داخلها كما ينبغي.
كان من الممكن أن نقرأ داخل الشخصيات عبر مونولوجات عميقة، كذلك عبر حوارات حقيقية غير جاهزة. ولعل ذلك لربما هو ما دفع الكاتب محمود شقير الذي حين قام بتقديم الرواية، بوصفها في العبارة الأولى من التقديم: "بلغة خبرية وبسرد تقريري لا يترك للمتلقي أي فراغ"، بما له علاقة بصوت الساردة الأحادي ربما.
كذلك ظهر البحر كمكان شاعري، لا كمكان له علاقة بالشخصيات، كون الكاتبة من مدينة جبلية ولم تختبر حياة البحر.
من ناحية أخرى، فلم تكن الكاتبة لتزيد الكثير من تأملاتها التي وددنا أن نلمسها كمنطلقات في تصوير الشخصيات، حيث تؤثر اللغة التقريرية على السرد، وتسطو عليه، بل وتنتقص منه.
جاءت قمر عبد الرحمن إلى الرواية من الشعر، وهذا ما جعلها تبوح خلال السرد بانفعالاتها، حيث إن ميل الكاتبة لإثارة الشعور، كان على حساب البناء الواقعي للشخصيات، كذلك علاقة الشخصيات بمحيطها.
لعل لغة الكاتبة قمر عبد الرحمن، التي تجمع اللغة العادية مع اللغة الجمالية، هي من تثير اهتمامات القارئ، حيث تنبئ عن ممكنات لغوية تلائم القصة والرواية. لكن ما يؤخذ على اللغة هو الدمج بين اللهجة العامية واللغة الفصيحة، والحق أن المزاوجة بينهما بتوازن يكون أكثر إبداعا، فلا يستحسن إيراد مستويات من اللغة واللهجة في العبارات المتتالية في فقرة واحدة، بمبرر الحوار.
لكن في الوقت نفسه، نحن إزاء نثر أدبي جميل، بنيت فيها العبارة بناء محكما، ومنا بالطبع ما هو إبداعي، من ذلك: "كيف يشكون همهم للماء" صفحة 4. و"مشى البحر من ذاكرة نضال وعاد مرة أخرى إلى ذاكرة آدم" صفحة 58. ومنه ما هو فكري واضح بلغة قريبة تظهر تمكنها من الفكرة، كما في الحديث عن انفعالات الأمومة كما في صفحة 27.
رواية "سلالة من طين" مذيلة بالعوان بـ"غزة الباكية"، تجعلنا نبحث عن تلك السلالة، ولكن عند الانتهاء منها، نتساءل عن هذه السلالة، فهل هو قدر الأجداد والآباء والأحفاد؟
وبعد، فإن الفرصة الآن أمام الكاتبة لاستثمار شغفها بالكتابة، وامتلاكها لغة غير مثقلة، يمكن أن تكون رافعة من روافع السرد الروائي والقصصي.
وأخير، هل كانت "رواية "سلالة من طين:"غزة الباكية"، نبوءة ما للحرب الأخيرة أكتوبر 2023؟ الجواب على ذلك أن مآلات الشخصيات كانت لها علاقة بمؤثرات المكان، بمعنى أن التحقق كان نسبيا، كما حصل في الحروب الست، لكن لم يكن، في ظل أشد أنواع الكوابيس، تخيل ذبح غزة وهدمها.
*صدرت الرواية عن دار الرقمية للنشر 2025. ووقعت في 172 صفحة. وقد صدر للكاتبة ثلاثة دواوين شعرية.