جولد بيليون: أزمة الديون الأمريكية تدعم الذهب على المدى الطويل
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تقليص المستثمرين لشراء الديون الأمريكية طويلة الأجل بعد مزاد السندات لأجل 30 عام المخيب للآمال.
وفي الوقت نفسه، ارتفع العائد على عوائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى له منذ 15 عاما.
وحسب التحليل الفني الصادر اليوم عن جولد بيليون، فقد رفض العديد من المستثمرين عمليات البيع الأخيرة للسندات طويلة الأجل، مشيرين إلى أن المستثمرين غير مهتمين بسندات الملاذ الآمن حيث لا يزال الاقتصاد الأمريكي مرنًا في ظل سوق عمل قوي، وفي المقابل زاد الطلب على السندات قصيرة الأجل التي تقدم عائد فوق الـ 5% حاليًا.
وتسبب هذا في تراجع كبير في أسعار الذهب بسبب تكلفة الفرصة البديلة منذ كون المعدن النفيس لا يقدم عائد لحائزيه مقارنة مع الاستثمار في السندات الحكومية.
وجدير بالذكر أن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد خفضت تصنيف الديون الأمريكية طويلة الأجل، وعلى الرغم من أن الأسواق تجاهلت إلى حد كبير هذا التخفيض، إلا أنه لفت الانتباه إلى العجز المتزايد لدى الحكومة الأمريكية.
والآن تراقب الأسواق الخط الفاصل وهو ما إذا ارتفعت الديون الأمريكية إلى 97٪ من الناتج المحلي الإجمالي، خاصة مع تزايد إنفاق الحكومة الأمريكية على التحول إلى الطاقة الخضراء و الإنفاق العسكري و الاستحقاقات الاجتماعية.
وتزايد الإنفاق الحكومي سيزيد طلب الحكومة على بيع السندات مرتفعة العائد وفي النهاية ستعجز عن الوفاء بالتزاماتها لسداد هذا العائد المرتفع، وعندها ستلجأ الحكومة إلى البنك الفيدرالي الأمريكي لشراء السندات وتمويل عجز الحكومة، وفي هذه الحالة سيتراجع العائد على السندات بشكل حاد لتسهيل مشتريات الفيدرالي للسندات إلى جانب خروج المستثمرين من أسواق السندات الأمريكي.
ويعد هذا السيناريو هو الأفضل بالنسبة للذهب ولكنه قد يتحقق على المدى الطويل منذ كون السندات الأمريكية طويلة الأجل مستقرة حتى الآن.
بينما هناك توقعات بأن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد يمكن أن تصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق التي سجلتها في عام 1946 بحلول عام 2028، وإذا ظل الإنفاق الحكومي على نفس المسار، فقد ترتفع النسبة إلى 110% بحلول عام 2030.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: جولد بيليون طویلة الأجل
إقرأ أيضاً:
الضريبة على دخل الأفراد هل العائد منها يسوغ تطبيقها؟
بصدور قانون الضريبة على دخل الأفراد، تتخذ سلطنة عُمان، إحدى دول الخليج العربية المصنفة ضمن الدول ذات الدخل المرتفع، مسارا جديدا نحو تنويع مصادر الدخل. لم يكن هذا التنويع غائبا في أي مناسبة وطنية، فقد تكررت التأكيدات على ضرورة عدم الاعتماد على الإيرادات النفطية كمورد أساسي للإيرادات العامة. خلال العقود الماضية، لم تكن ضريبة الدخل على الأفراد حاضرة، على الرغم من التقلبات المستمرة في أسعار النفط التي أثرت سلبا على الخطط والبرامج التنموية.
في ذلك الوقت، انحصرت الحلول في اللجوء إلى الاستدانة المالية، سواء من الداخل أو من مؤسسات التمويل الدولية، حتى وصل الدين العام لمستويات غير آمنة. بدأت بعدها مؤسسات التصنيف الائتماني تضغط بشدة على التصنيف السيادي لسلطنة عُمان، حيث أصبح هذا الدين يشكل عبئا ثقيلا على الميزانية العامة، وصلت تكلفته السنوية إلى مليار ريال عماني، وإن كانت دول متقدمة اقتصاديا مثل اليابان وألمانيا وفرنسا تعاني هي الأخرى من ارتفاع وتيرة الدين العام.
بعد تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - مقاليد الحكم، أصدر توجيهاته السديدة بسرعة البدء في برنامج اقتصادي لكبح التوسع في الدين العام وإيجاد حوكمة له وضبطه والحد من تكاليفه. ولأول مرة، تم إصدار قانون الدين العام، وبدأ العمل على وضع سيناريوهات للوصول إلى مستويات آمنة لآليات التمويل الحكومي.
تلك التوجيهات أدت إلى تغيير المعادلة، حيث تراجعت مؤسسات التصنيف الائتماني في تقييم سلطنة عُمان إلى مستويات جيدة ومستقرة. أدى هذا التقييم إلى قفزة نوعية في المؤشر الفرعي للصحة المالية لسلطنة عُمان ضمن مؤشر الحرية الاقتصادية لعام (2024)، حيث حصلت على درجة (73.8) مقارنة بالدرجة (12.1) للعام السابق له. كان هذا التحسن نتاجا مباشرا لارتفاع أسعار النفط، واستمرار انخفاض الدين العام إلى جانب الإصلاحات الهيكلية.
من الملاحظ أنه بعد إصدار قانون ضريبة الدخل على الأفراد، كان تعاطي المجتمع مع صدور القانون أقل من المتوقع. قد يعزى ذلك إلى النظرة الحكومية التي ارتأت التأني في التطبيق ليكون في العام (2028)، مما يساعد الجهات المختصة بالضريبة من العمل على وضع خطط تعريفية للوصول إلى أكبر شريحة من الخاضعين للضريبة لتوضيح المسوغات الاقتصادية لفرضها. وأيضا، خلال مدة ما قبل التطبيق، من الممكن العمل على رصد التداعيات ودراسة الآثار الناتجة عن فرض الضريبة. حيث تشير التقديرات إلى أن عدد الخاضعين للضريبة يصل إلى (50) ألف شخص من إجمالي السكان الذين تجاوزوا الخمسة ملايين نسمة.
هذا العدد من الخاضعين للضريبة يكشف أيضا بأنه لا يوجد عدد كبير من الأثرياء من أصحاب الدخول المرتفعة من العمانيين وغير العمانيين ممن لديهم استثمارات خاصة، وأن غالبية السكان من الطبقات المتوسطة والمنخفضة الدخل، حيث إن ما يقرب من (99 %) من السكان لا تشملهم ضريبة الدخل على الأفراد.
على الرغم من توجه الحكومة نحو فرض ضريبة الدخل على الأفراد، بنسبة (5 %) فهي تعتبر الأقل على مستوى العالم حيث تم تحديد هذه النسبة للتخفيف من التداعيات والآثار الاقتصادية والاجتماعية على الأفراد الخاضعين لها. حيث يخضع للضريبة فقط الأفراد الذين تتجاوز دخولهم السنوية مبلغ (42) ألف ريال عماني - مخصوما منه التكاليف الناتجة عن الدخل - سواء كانوا عمانيين أو مقيمين، حسب ما نص عليه قانون الضريبة.
عند استعراض قانون الضريبة على دخل الأفراد، من المناسب الإشارة إلى مثالين يتعلقان بالضرائب. الأول من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم اعتماد هذا العام قانون الضرائب وخفض الإنفاق الحكومي. القانون يمنح استمرار العمل بالتخفيضات الضريبية للشركات الكبيرة وكذلك لأصحاب الدخل المرتفع. البعض علل ذلك استنادا إلى نظرية «اقتصاد التوزيع المتسرب»(Trickle- down economics)، التي يرى مؤيدوها أن أصحاب الدخول المرتفعة في حال حصلوا على معاملة ضريبية أقل، فإنهم يسهمون في الانتعاش الاقتصادي وإيجاد وظائف أكثر، وإن كان هناك من يهاجم تلك النظرية ويصفها بأنها تظلم الطبقات المتوسطة والضعيفة.
وبالتالي، فإن توجه الضريبة في سلطنة عُمان قد يكون مغايرا لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية، وهو توجيه الضريبة نحو أصحاب الدخول المرتفعة.
المثال الآخر من المملكة المتحدة، وحسب تقارير لمؤسسات دولية، فإن هناك ما يقارب من (16) ألف مليونير غادروا أو يخططون لمغادرة المملكة المتحدة - خلال هذا العام - إلى بلدان أخرى، منها الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات وإيطاليا، حاملين معهم أصولا تقدر بنحو (62) مليار جنيه إسترليني. تعزى هذه الهجرة إلى أسباب عديدة، منها إلغاء الامتيازات الضريبية للمقيمين على دخولهم الخارجية.
هذا المثال يعطي إشارة بأن المستثمرين وأصحاب الدخول المرتفعة والأثرياء يبحثون دائما عن الملاذات الآمنة من الضرائب. وإن كان من السابق لأوانه الحكم بدرجة تأثير فرض ضريبة الدخل على الاستثمار وحركة رأس المال الخاص في سلطنة عُمان، إلا أن دراسة تداعيات الضرائب وتأثيراتها الاقتصادية في الدول الأخرى، قد يساعد في إيجاد مسارات أكثر فاعلية للتخفيف من تلك الآثار.
بالنسبة للإيرادات الحكومية أو العائد من تطبيق الضريبة، فإن التقديرات الأولية تشير إلى أنه قد يتم تحصيل ما مقداره (88) مليون ريال عماني في السنة الضريبية الأولى. عليه، فإن ذلك العائد من الإيرادات، في حال مقارنته بالإيرادات الحكومية الكلية، يمثل أقل من (1 %). هذا بالإضافة فإنه للحصول على ذلك العائد فيحتاج إلى أنظمة تشغيلية ورقابية لها تكاليفها الإضافية. يأتي ذلك التقدير من التوجه الحكومي المتوازن نحو الإبقاء على معدل (5 %) من الدخل الصافي الخاضع للضريبة على الأفراد.
التساؤل الذي يطرح نفسه هو: هل الإيرادات المتوقعة أعلى من التأثيرات الاقتصادية وما ينتج عنها من آثار اجتماعية أو هروب لرؤوس الأموال إلى دول خليجية أو أية دول أخرى؟ هذا التساؤل تم تداوله كثيرا، بيد أن التوجهات الحكومية ترى بأن الضريبة تمثل مصدرا ماليا أكثر استدامة من الإيرادات الناتجة عن النفط والغاز والتي تتأثر بالتقلبات السعرية اليومية. كما أن الضريبة مخطط لها أن تسهم في سد العجز في تكاليف الحماية الاجتماعية.
ولكن هناك رأي آخر يقول بأن فرض الضريبة بصفة فردية (وليست كضريبة القيمة المضافة مع دول مجلس التعاون الخليجي) قد يؤثر على الميزة التنافسية لسلطنة عُمان التي تتمتع بموقع استراتيجي وجغرافي يؤهلها لجذب الاستثمارات الأجنبية بتأسيس أو الدخول في شراكات تجارية مع مستثمرين عمانيين، وكذلك جذب الاستثمار الخاص من الأفراد نظرا لاستقرارها السياسي والأمني.
كما أن سلطنة عُمان حصلت على مرتبة متأخرة في المؤشر الفرعي للعبء الضريبي بين دول مجلس التعاون الخليجي، حسب مؤشر الحرية الاقتصادية لعام (2024). والمقصود بالعبء الضريبي هو مستويات الضريبة على الشركات والضرائب المطبقة في الدولة بشكل عام. وبالتالي، بعد تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد، فإن ذلك من شأنه زيادة تكلفة العبء الضريبي لسلطنة عُمان مقارنة بدول مجلس التعاون.
أيضا هناك حالات التهرب الضريبي لضريبة الدخل على الشركات، حيث يلاحظ أنها لا تزال تحتاج إلى حلول تنظيمية ورقابية وإلكترونية. فقد كشفت تقارير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة عن حالات للتهرب والتحصيل الضريبي. مع العلم بأن التهرب الضريبي على الدخل الناتج من الشركات مسألة معقدة، وأن أغلب دول العالم تعاني منها. عليه، هناك هاجس بشأن القدرة عن الحد من حالات التهرب الضريبي عند تطبيق الضريبة على دخل الأفراد، والذي قد يكون أكثر تعقيدا لأن الدخل الشخصي من الصعوبة حصره وتتبعه ومعرفة مصادره المالية، سواء كان ذلك الدخل محققا في سلطنة عُمان أو خارجها.
إن تحقيق إيرادات تقدر بثمانية وثمانين مليون ريال عماني جراء فرض الضريبة على دخل الأفراد في السنة الضريبية الأولى، مقارنة بالآثار الاقتصادية المحتملة وتأثر الميزة التنافسية لسلطنة عُمان كبيئة استثمارية، قد يكون لها ما يبررها من القائمين والاقتصاديين الذين يعملون على ملف تنويع مصادر الدخل الوطني. ولكن في الجانب الآخر، فإن قرار التروي وعدم التسرع في التطبيق ليكون في العام (2028) قد تطرأ عليه مستجدات أخرى، على سبيل المثال: الاستمرار في ضبط الإنفاق الحكومي، منح حوافز استثمارية إضافية، ومراجعة لآليات التحصيل ومنع التهرب الضريبي. هذه المستجدات قد تساعد في تضييق الفجوة بين العائد المالي منها قياسا بالآثار التي قد تنتج عند تطبيقها، وبالتالي الوصول إلى قناعة بأن الضريبة - ولا غيرها - هي الخيار الأمثل لتنويع مصادر الدخل.
د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس