تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تنتاب حالة من القلق بعض المستثمرين القلقين من الحروب التجارية وعدم الاستقرار الجيوسياسي واحتمال حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، وذلك وسط ارتفاع السعر الفوري للذهب بنسبة 19.3% في الربع الأول من هذا العام ليُغلق تداولاته في 31 مارس عند أعلى مستوى له على الإطلاق عند 3157 دولارا للأونصة.

آخر مرة حقق فيها سعر تداول الذهب أداءً جيدًا كانت في الربع الثالث من عام 1986عندما ارتفع بنسبة 24% فورًا بعد كارثة تشيرنوبيل النووية، عندما كان العالم في حالة توتر وسعى المستثمرون جاهدين للبحث عن أصول الملاذ الآمن.

ربع سنوي قياسي

منذ بداية عام 2025 شهد المعدن النفيس اتجاهًا تصاعديًا مستمرًا في تحطيم كل الأرقام القياسية، في ظل اقتصاد عالمي متقلب تُهيمن عليه مخاوف التضخم والتوترات الجيوسياسية والسياسات المالية المتغيرة، الأمر الذي سلط الضوء مجددًا على جاذبية الذهب التاريخية في الربع الأول.

يُشير مجلس الذهب العالمي إلى أن القفزة الهائلة في سعر الذهب من 2500 دولار أمريكي للأونصة إلى 3000 دولار أمريكي للأونصة استغرقت 210 أيام فقط، وهي خطوة أسرع بشكل ملحوظ تُؤكد الزخم الذي اكتسبه الذهب خلال العامين الماضيين، خلال عام 2024 سجل المعدن الأصفر 40 مرة أعلى مستوى قياسي جديد، وكرر هذا الإنجاز 14 مرة أخرى قبل نهاية مارس 2025، وفقًا لتقرير مجلس الذهب العالمي.

لماذا ارتفع الذهب بأكثر من 19% في عام 2025؟

خلال الربع الأول واصل الذهب ترسيخ مكانته كملاذ آمن، مع بقاء معنويات السوق قوية، مما يُشير إلى احتمالية تحقيق المزيد من النمو نظرًا لعدم اليقين في الأسواق المالية العالمية.

لقد عززت التقلبات التي شهدناها على نطاق أوسع في الأسواق العالمية في الأسابيع الأخيرة مكانة الذهب التقليدية كملاذ آمن للاستثمار، ودفعت قيمته إلى ما يزيد عن 3000 دولار.

يقول أحد خبراء سوق السلع أن مكاسب الذهب ليس مجرد ضجة إعلامية وليس مجرد زخم، بل لأن الذهب يفعل ما لطالما أحسن فعله وهو: حماية الثروة في أوقات عدم اليقين، ففي غضون بضعة أشهر فقط، شهدنا عودة مخاوف التضخم وقرارات متقلبة للبنوك المركزية وتراجعًا في البيانات الاقتصادية، وأحد أكبر التغييرات كانت في السياسة التجارية التي شهدناها منذ سنوات، مدفوعةً بالعودة السياسية لدونالد ترامب، يعزو مجلس الذهب العالمي أداء الذهب في فبراير إلى ضعف الدولار الأمريكي وتزايد المخاطر الجيوسياسية وانخفاض أسعار الفائدة، لا يزال المستثمرون يشعرون بالقلق، وعندما يبدو المستقبل متقلبًا، يصبح الذهب أكثر من مجرد معدن. 

رسوم ترامب الجمركية تزيد من التوترات التجارية العالمية

الذهب هو الرابح الحقيقي الوحيد في الحرب التجارية المريرة الحالية التي شنّها ترامب، وصل الذهب بين عشية وضحاها إلى مستوى قياسي جديد، وسجل أكبر مكاسبه الفصلية منذ أكثر من 38 عامًا، في أعقاب مخاوف المستثمرين من أن فرض رسوم جمركية كبيرة سيؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي، وأن الولايات المتحدة تحديدًا قد تشهد ركودًا.

كان إعلان ترامب عن رسوم جمركية شاملة على الواردات، فيما عُرف بـ"يوم التحرير"، أحد أكبر المحفزات لهذا الربع، وقد أثارت هذه الرسوم التي تستهدف الواردات من الصين وأوروبا واليابان وغيرها توترات في الأسواق المالية، وأثارت مخاوف من حرب تجارية ودفعت توقعات التضخم إلى الارتفاع.

وفقًا لجولدمان ساكس، أدت هذه التحركات إلى "إعادة تسعير" مخاطر التضخم، وأدت إلى ارتفاع حاد في الطلب على الملاذ الآمن.

ما أهمية ذلك للذهب؟ لأن ارتفاع التضخم وانخفاض توقعات النمو يدفعان رأس المال إلى الذهب، لأنه يتميز بالتحوط وأفضل ملاذ آمن، إنه ليس مرتبطًا بحكومة أو سياسة أو شركة، بل هو فقط يحافظ على قيمته، لهذا السبب يتجه المستثمرون إليه الآن.

ردًا على هذه التحولات في السوق، رفع جولدمان ساكس توقعاته لسعر الذهب عدة مرات، وتشير توقعاتهم الحالية إلى هدف للربع الثاني عند 3190 دولار، مع احتمال ارتفاعه إلى 3450 دولار بحلول نهاية العام إذا استمرت مخاوف التضخم وعدم اليقين السياسي.

ويشيرون إلى ثلاثة أسباب رئيسية:

1.تدفقات هائلة إلى صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب، مما يشير إلى طلب مؤسسي قوي.

2.شراء البنوك المركزية للذهب، وخاصةً من قِبل الأسواق الناشئة التي تسعى إلى التنويع.

3.انخفاض العائدات الحقيقية على السندات الحكومية، مما يزيد من جاذبية الذهب.

لكن الأهم هو أن هذا ليس مجرد رهان قصير الأجل، بل يعكس مخاوف أعمق بشأن اتجاه الاقتصاد العالمي ودور الذهب المتجدد كملاذ آمن.

وفي تطور جديد، وقّع ترامب أمرًا تنفيذيًا في مارس لزيادة الإنتاج المحلي للمعادن لأغراض الأمن القومي، ويشمل الأمر التنفيذي معادن أساسية، بالإضافة إلى الذهب واليورانيوم والبوتاس والنحاس.

في حين أن الأمر التنفيذي يستهدف في المقام الأول الإنتاج المحلي الأمريكي، ويعتبر ذلك مؤشر واضح على القيمة الاستراتيجية للذهب، ويدعم الرأي القائل بأن ظروف السوق الحالية مواتية لجذب رؤوس الأموال لتطوير مشاريع جديدة.

البنوك المركزية في الأسواق الناشئة لا تزال متعطشة للذهب

في غضون ذلك، تواصل البنوك المركزية عمليات الاستحواذ الضخمة، وفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، زادت احتياطيات الذهب العالمية بمقدار 694 طنًا في الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي، بما يتماشى مع الرقم القياسي لعام 2023.

في الأرباع الثلاثة الأولى من العام الماضي، سجل البنك المركزي الهندي وحده صافي مشتريات من الذهب بلغ 77 طنًا، يليه البنك المركزي التركي بـ 72 طنًا، مما رفع حصة احتياطيات الذهب من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي إلى 34%، وكان ثالث أكبر مشترٍ للذهب في عام 2024 هو البنك المركزي البولندي بـ 69 طنًا، واحتلت الصين التي برزت كأكبر مشترٍ للذهب في السنوات الأخيرة المرتبة الرابعة بما يقل قليلًا عن 30 طنًا.

كان قرار الدول الغربية بفرض عقوبات على احتياطيات البنك المركزي الروسي في عام 2022 بمثابة نقطة اللا عودة، ويشير إلى أن أي دولة تجد نفسها في خلاف سياسي حاد مع الغرب قد تُعرّض نفسها ضمنيًا لخطر مصادرة أصولها في المستقبل، ونتيجةً لذلك، زادت البنوك المركزية حول العالم احتياطياتها من الذهب، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في عام 2025.

يكشف مسح احتياطيات الذهب للبنوك المركزية لعام 2024 الذي أجراه مجلس الذهب العالمي، أن 69% من البنوك المركزية التي شملها الاستطلاع تتوقع المزيد من عمليات الشراء الصافية لاحتياطيات الذهب وإن كانت معتدلة في المستقبل، وأكدوا على دور المعدن النفيس كأصل استراتيجي للحد من مخاطر المحفظة وتنويع احتياطيات النقد الأجنبي، يعتمد 83% من البنوك المركزية في الدول الصناعية أيضًا على وظيفته التقليدية كأداة تحوط من التضخم وملاذ آمن في أوقات الأزمات، وتصل هذه النسبة إلى 90% بين البنوك المركزية في الأسواق الناشئة التي شملها الاستطلاع.

ما المتوقع للذهب في الربع الثاني لهذا العام؟

سيتحدد سعر الذهب للربع الثاني بناءً على كيفية انتهاء الربع الأول وعاملين اقتصاديين رئيسيين آخرين:

العامل الأول: هو فرض رسوم جمركية إضافية من ترامب أو رد فعل مماثل من شركاء الولايات المتحدة التجاريين.

العامل الثاني: اجتماعات البنوك المركزية حول العالم هذا الشهر وقرار إبقاء أسعار الفائدة المرجعية على الإقراض ثابتة، وقد كان لهذا أيضًا تأثير طفيف على أسعار الذهب، لكن بنوكًا مثل الاحتياطي الفيدرالي قد ألمح بالفعل إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة مرتين قبل نهاية العام.

إذا استمرت رسوم ترامب الجمركية في إثارة حالة من عدم اليقين ومخاوف التضخم في السوق، فستواصل أسعار الذهب ارتفاعها، ولكن إذا تبرد التضخم العالمي وبدأت البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة، فإن أسعار الذهب سوف تستقر، مع احتمال طفيف للميل إلى الهبوط وفقدان مستوى الدعم البالغ 3 آلاف دولار.

لنتحدث عن الأرقام، بناءً على حركة السعر الحالية، يُتوقع أن يصل الذهب إلى هدفين رئيسيين للصعود: هما 3200 دولار وهي منطقة مقاومة قصيرة الأجل، و3600 دولار وهو توقع أكثر طموحًا على المدى المتوسط ​​إذا استمرت التقلبات.

ولكن بعد هذا الارتفاع السريع، لن يكون التراجع مفاجئًا بل يتوقعه العديد من المتداولين، فقد نشهد في الربع الثاني تراجع إلى حوالي 3000 دولار والذي قد يُمثل مستوى دعم قويًا جديدًا، وارتداد نحو 3300 دولار خاصةً إذا استمرت أخبار التضخم والأحداث السياسية، وهناك احتمالية استمرار السعر عند 3450 دولار فأكثر بحلول أواخر الربع الثاني أو أوائل الربع الثالث إذا ارتفعت التقلبات مجددًا.

وهذا يعني أن الربع الثاني قد يكون فرصة شراء رئيسية لمن فاتتهم الخطوة الأولى أو وقتًا مناسبًا لإعادة التوازن والاستفادة من الاتجاه.

3 طرق لتحقيق مكاسب كبيرة مع ارتفاع سعر الذهب إلى مستويات قياسية جديدة

أشعلت حرب الرسوم الجمركية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فتيل الأزمة في سعر الذهب، حيث يجذب الذهب الملاذ الآمن التقليدي اهتمامًا متزايدًا في أوقات عدم اليقين، ويثير ترامب الكثير من الشكوك.

تُعطي هذه الرسوم دعمًا قويًا للذهب، ليس فقط بسبب آثارها التضخمية الكامنة ولكن أيضًا لأن السياسة الخارجية الأمريكية المتشددة بشكل متزايد قد تُسرّع خطط التخلي عن الدولار.

إلى جانب شراء السبائك المادية والاحتفاظ بها، هناك ثلاث طرق يمكن للمستثمرين من خلالها الاستفادة من ارتفاع سعر الذهب:

الطريقة الأولى هي الاستثمار في صندوق تداول الذهب (ETF)، تهدف صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب إلى تتبع تحركات أسعار الذهب الفعلي بالدولار، على مدار الاثني عشر شهرًا الماضية، حقق هذه الصناديق مكاسب كبيرة.

طريقة أخرى للاستفادة من الارتفاع السريع في أسعار الذهب هي الاستثمار في صندوق تداول شركات تعدين الذهب، على سبيل المثال: يستثمر صندوق VanEck Gold Miners ETF (ASX: GDX) في مجموعة واسعة من شركات تعدين الذهب العالمية، تُشكل أسهم الذهب من كندا والولايات المتحدة وأستراليا أكبر ثلاث مناطق جغرافية.

أكبر ثلاث استثمارات في صندوق التداول هي أسهم الذهب المدرجة في مؤشر S&P/ASX 200 (ASX: XJO)، وهي شركة Newmont Corp (ASX: NEM)، وشركة Agnico Eagle Mines Ltd (NYSE: AEM)، وشركة Barrick Gold Corp (NYSE: GOLD).

الآن، إذا كنت مستعدًا لمزيد من البحث، فإن الطريقة الثالثة لتحقيق مكاسب هائلة من ارتفاع سعر الذهب هي الاستثمار في أسهم الذهب الفردية، على سبيل المثال: ارتفعت أسهم شركة Northern Star Resources Ltd (ASX: NST) بنسبة 29.2% على مدار 12 شهر، في الوقت نفسه، شهدت أسهم شركة التعدين المنافسة Evolution Mining Ltd (ASX: EVN) ارتفاعًا هائلًا في سعر سهمها بنسبة 85.8% خلال عام واحد.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الذهب سعر الذهب أسعار الذهب مجلس الذهب العالمی البنوک المرکزیة فی احتیاطیات الذهب أسعار الفائدة البنک المرکزی مخاوف التضخم الربع الثانی الملاذ الآمن الربع الأول أسعار الذهب فی الأسواق إذا استمرت سعر الذهب فی الربع ارتفاع ا فی عام

إقرأ أيضاً:

«السودان بين كماشة التقسيم والانهيار».. دارفور نموذجًا لتحلل الدولة المركزية

في أعماق الجغرافيا السودانية، حيث كان النيل يُغني للحضارات القديمة من كرمة إلى مروي، يقف السودان اليوم على شفير هاوية جديدة، ليست فقط هاوية الحرب الأهلية، بل هاوية تفكك الدولة الوطنية كما نعرفها، والحدث الأحدث في سلسلة الانحدار هو تشكيل حكومة في إقليم دارفور، في مشهد يراه البعض خطوة نحو «الاستقلال الناعم»، أو بالأدق، بداية تقسيم المُقسَّم.

منذ انفصال الجنوب عام 2011، وما تبعه من صراع في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، بدا واضحًا أن السودان، الذي خرج من الاستعمار البريطاني بخريطة واسعة لكنها هشة، بات أكثر عرضة للانشطار من الداخل، بفعل تركيبة إثنية ومناطقية لم تُعالَج بسياسات عادلة، بل زُرعت فيها الألغام منذ فجر الاستقلال.

دارفور: الدولة القادمة؟

خطوة تشكيل كيان حكومي في دارفور، وإن جاءت في سياق اتفاق جوبا للسلام، فإنها في الواقع تكرّس سلطة أمراء الحرب، وتخلق نموذجًا لدولة داخل الدولة، في ظل تآكل دور الحكومة المركزية وانقسام المؤسسة العسكرية إلى جناحين: أحدهما يمثله الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، والآخر تمثله قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، التي باتت تسيطر فعليًا على مناطق واسعة في الغرب والجنوب والخرطوم ذاتها.

حميدتي ليس مجرد قائد مليشياوي تقليدي، بل رأس حربة لمشروع إقليمي ودولي للسيطرة على الموارد، خصوصًا الذهب، الذي أصبح «النفط الجديد» في معادلات القوة. وبحسب تقارير دولية، فإن صادرات الذهب السوداني تصل إلى الأسواق العالمية عبر قنوات غير رسمية، يمر أغلبها عبر موانئ خاضعة لتأثير قوى تمتلك المال والنفوذ البحري، بينما تحظى قواته بدعم سياسي وعسكري غير مباشر من أطراف ترى في إضعاف المركز فرصة لتعزيز حضورها الاقتصادي والاستراتيجي.

البحر الأحمر: لعبة النفوذ

في الشرق، تتحول جزيرة سواكن إلى مسرح تنافس حاد.تركيا، التي حصلت سابقًا على حق إدارة الجزيرة في عهد البشير، تحاول استعادة نفوذ عثماني قديم يعيدها إلى صدارة البحر الأحمر، ويؤسس لحزام نفوذ يمتد من الصومال إلى ليبيا مرورًا بقطر والسودان. وفي المقابل، تتحرك قوى إقليمية ذات تأثير اقتصادي ولوجستي واسع، تحرص على بقاء قبضتها على الموانئ والممرات البحرية، ضمن سباق محموم للسيطرة على طرق التجارة، وخطوط الربط الجديدة بين آسيا وأوروبا.

إسرائيل والسماء المفتوحة

وفي تطور لافت، سمحت الحكومة السودانية بعبور طيران العال الإسرائيلي فوق أراضيها نحو أمريكا الجنوبية، في خطوة تمثل تطبيعًا واقعيًا رغم غياب الإعلان الرسمي الكامل. هذه الخطوة ليست رمزية فحسب، بل تعكس عمق التحولات في بنية الدولة السودانية المنهارة، حيث تُدار السياسة الخارجية بدافع الحاجة إلى الحماية والدعم، لا من منطلق السيادة الوطنية.

تل أبيب، التي تراقب الموقف عن كثب، لا ترى السودان فقط من منظور التطبيع، بل كجزء من صراع على ممرات استراتيجية. فهي تدرك أن الوصول إلى أعالي النيل والقرن الأفريقي، وامتلاك موطئ قدم قرب قناة السويس، يمنحها أوراق ضغط إضافية في موازين القوى الإقليمية، خاصة مع تقاربها مع إثيوبيا وتنسيقها مع قوى بحرية مؤثرة في المنطقة.

تفكيك الجغرافيا: التاريخ يعيد نفسه؟

السودان لا ينزلق فقط نحو تفكك سياسي، بل إلى تفكك جغرافي ناعم، يمر عبر بوابة الفوضى، وصراعات الموارد، وتضارب الولاءات. هذا التفكك يجد جذوره في التاريخ، فالسودان الحديث وُلد بعملية جراحية استعمارية جمعت شمالًا عربيًا، وجنوبًا أفريقيًا، وغربًا صحراويًا، وشرقًا بحريًا، دون رابط قومي أو ديني أو لغوي موحد، بل بتوازن هش بين المركز والهامش.

وحين فشلت النخب السودانية بعد الاستقلال في بناء مشروع وطني جامع، استغلت القوى الخارجية ذلك التصدع. واليوم، يبدو المشهد تكرارًا مأساويًا لهذا المسار، لكن هذه المرة بوسائل أكثر تعقيدًا: شركات أمن خاصة، مليشيات قبلية، سماسرة ذهب، تطبيع معلن وخفي، وصراعات لوجستية في البحر والجو والبر.

ما المصير؟

لا يزال السودان يمتلك، من حيث الإمكانات، كل مقومات الدولة القوية: موقع استراتيجي، موارد طبيعية، نهر عابر للقارات، وشعب ذو حضارة ضاربة في التاريخ. لكن استمرار غياب القيادة الوطنية، وتفتت المؤسسة العسكرية، وتضارب المشاريع الإقليمية، قد يجعل من السودان ساحة صراع دائم، بدلًا من أن يكون جسرًا حضاريًا بين أفريقيا والعالم العربي.

وفي الخلفية، تظل يد خفية تجمع بين الذهب والموانئ، وتربط بين موارد الأرض ومفاتيح البحر، لتعيد رسم الخرائط بما يخدم مصالحها، بينما يدفع السودان ثمن موقعه وثرواته قبل أن يجني منهما شيئًا.

اقرأ أيضاًوزير الخارجية ونظيره التركي يؤكدان على ضرورة وقف إطلاق النار في السودان

سفير السودان بالقاهرة: مصر شريك استراتيجي موثوق في كافة المجالات

مصر والسودان يتفقان على تنشيط التعاون على المستوى الجامعي والدراسات العليا

مقالات مشابهة

  • أستراليا تخفض الفائدة للمرة الثالثة هذا العام
  • تحذير عاجل وتوقعات جديدة لأسعار الذهب
  • الذهب يصعد هامشيًا مع ترقب قرارات البنوك المركزية
  • الذهب يسجل أفضل أداء نصف سنوي منذ عام 2007
  • تراجع الذهب والدولار مع ترقب الأسواق لرسوم جمركية وبيانات التضخم الأمريكية
  • تراجع أسعار الذهب ترقبًا لبيانات التضخم الأمريكية
  • اسعار الذهب تتراجع في ظل التضخم الأميركي
  • الملاذ الآمن.. الفضة تحافظ على بريقها خلال 2025 وتزاحم الذهب في المكاسب
  • «السودان بين كماشة التقسيم والانهيار».. دارفور نموذجًا لتحلل الدولة المركزية
  • تراجع الدولار يخفف الضغوط على البنوك المركزية الآسيوية