صناعة الابتكار في بيئات العمل متعددة الأجيال
تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT
في عام (٢٠١٩م)، انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي وسم مفاده: «حسنًا يا جيل الطفرة السكانية»، والجيل المقصود في هذا الوسم هم مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف الستينيات من القرن الماضي، وكان المنشور يتناول الفجوة بين الأجيال، وما يرافقها من اختلافات ثقافية، وقد اكتسح هذا الوسم المنصات، والمنتديات على نطاق واسع، وتم استغلاله تجاريا بطباعته على المنتجات التي تستهوي الفئات العمرية الأصغر، وإن كان الوسم قد اتخذ - منذ نشأته - طابعا فكاهيا؛ إلا أنه اجتذب اهتمام الباحثين والمفكرين؛ لأن الاختلافات بين الأجيال لا تقتصر على الوسط الاجتماعي، وإنما تلقي بظلالها على ديناميكيات الأجيال المتعددة في أوساط العمل الوظيفي، وريادة الأعمال، والتوظيف الذاتي، والسؤال هو: هل يُعد تعدد الأجيال تحديا أو قيمة استراتيجية؟ وكيف يمكن تعزيز الابتكار والإنتاجية من إمكانات مختلف الأجيال؟
في البدء، تعالوا نقترب أكثر من موضوع تعدد الأجيال؛ وذلك لإزالة اللبس الذي يقع بينه وبين حالات الفروقات العمرية داخل الجيل الواحد.
ويشكل تنوع الأجيال في بيئة عمل واحدة تحديا وفرصة في الوقت ذاته، ويعود منشأ معظم الصعوبات إلى مدى إدراك الأفراد من مختلف الأجيال بالصورة النمطية للجيل الذي يمثلهم، وبالأجيال الأخرى، ما يصنع حواجز مُتَصورة وليست حقيقية، وهذا ما يقف عائقا أمام استكشاف وتعزيز فرص التعاون والتكامل بين الأجيال المتعددة.
فإذا أردنا التقاط المنظور الذاتي لأعضاء فرق العمل الذين يعملون في بيئات ذات التنوع الشاسع في الأجيال، وذلك من أجل فهم التفاعل في الاختلافات بين هذه الأجيال، سنجد بأن هناك أربعة محاور أساسية للاختلاف وتشمل: فجوة التواصل، والكفاءة في استخدام التكنولوجيا، ومستوى أخلاقيات العمل، والالتزام المهني، والتمايز في هذه المحاور لا يعكس - وبشكل قطعي - تفوق جيل على آخر، وإنما يؤكد على أن التطور في معطيات العمل والحياة قد أعاد تشكيل ظروف العمل بوتيرة أسرع من الإدراك الذاتي لمنتسبي البيئات المتنوعة، وعلى الرغم من أن الأبحاث العلمية المتعلقة بالقوى العاملة متعددة الأجيال قد اكتسبت زخمًا كبيرا في الآونة الأخيرة من بعد جائحة كورونا، إلا أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في فهم الديناميكيات الدقيقة للعمل التشاركي في الفرق متعددة الأجيال، وماهية تحديات القيادة في الاستفادة من نقاط القوة الفريدة لكل جيل، وما تحملها من إمكانات هائلة في الابتكار.
وهذا ما يضع عبئا إضافيا على قادة فرق العمل الذين يصعب عليهم التعامل مع معضلة أن القيم والسلوكيات المهنية قد تكون متشابهة، إلا أن الأولويات عبر الأجيال تختلف بشكل كبير.
وهذا يقودنا إلى الاعتقاد الشائع بأن الأجيال الشابة تمتلك مهارات تقنية فائقة، وهي بذلك أكثر كفاءة في التنقل عبر المهام الوظيفية ، وذلك على النقيض من الأجيال الأكبر سنا التي تكافح للتكيف مع الأدوات التكنولوجية سريعة التطور، ولكن الواقع يظهر عكس ذلك؛ فالتطورات التكنولوجية قد ساهمت في تبسيط استخدام التقنيات ما قلص الفجوة التقنية بين الأجيال في بيئات العمل، وفي تفاصيل الحياة على حد سواء، وقد ساهم ذلك في تقليل مقاومة توظيف التكنولوجيا في المهام الوظيفية، وتلاشي ظاهرة انفصال الأجيال الأكبر سنا عن الاستفادة من الموارد الرقمية، والذي كان سائدا منذ عدة عقود، وبذلك فإن عبور الفجوة التقنية هو حجر الأساس في تعزيز التكامل والتعاون المثمر، فالأجيال الأصغر سنا لديهم المهارات التقنية التي تمكنهم من تحقيق الإنتاجية المطلوبة، وفي المقابل فإن الأجيال الأكبر سنا تمتلك مخزونا من الخبرات الطويلة التي يمكنها إلهام الأجيال الأخرى للخروج من محيط الراحة، والانفتاح على أفكار جديدة كليا، وتوظيف المعرفة التكنولوجية في بلورتها إلى ابتكارات ذات قيمة. وبذلك فإن تبادل الخبرات بين الأجيال لا تُثري بيئة العمل فحسب، بل تعزز - أيضًا - الشعور بالشمول، والتقدير المتبادل بين الأجيال.
وهذا التبادل التشاركي للأفكار والخبرات في بيئات العمل لا يأتي بشكل تلقائي، وعلى قادة العمل انتهاج مسارات استباقية لتعزيز الإدماج، والفهم المشترك، والدعم عبر الأجيال، وهي عملية مركبة وتتطلب التوافق على أهمية التنوع في الخبرات والكفاءات والرؤى لدعم الابتكار، ووضع آليات صغيرة وموجهة لتحقيق التعاون المثمر بين الأجيال، والابتعاد عن الخطط ذات المدى الواسع، وذلك للحفاظ على التركيز الاستراتيجي المطلوب، وهي تشمل مجموعة من الخطوات العملية سريعة التنفيذ، وكذلك واضحة الأثر، مثل معسكرات التدريب، وجلسات الاستماع للخبرات، وقصص النجاح السابقة، وبرامج نقل المعرفة، وغيرها من الأنشطة التي يمكنها بطريقة غير مباشرة تغيير أسلوب التواصل، ونهج الحوار بين مختلف الأجيال، وتقليص المسافات التي تفرضها أحيانا الاختلافات الثقافية، وتقبل التباين كعامل حاسم في خلق القيمة الابتكارية في سياقات أخرى مكملة للاتجاهات التكنولوجية السائدة.
إن التقدم العلمي الهائل الذي تشهده بيئات العمل لا يعني بالضرورة بأن تنوع الأجيال سوف ينعدم في المستقبل، فكلما تقدمت التكنولوجيا، ظهرت معها أجيال تمتلك المعرفة الجديدة، وتشكلت أجيال أخرى بحاجة لمواكبة التطورات مع تقادم المعرفة والخبرات المرتبطة بالتقنيات السابقة، ما يفرض إيلاء الأهمية لموضوع لتنوع الكفاءات والخبرات، ووضع الأدوات التنفيذية الكفيلة لتقليص الفجوة بين الأجيال، ودعم صناعة الابتكار المنبثق عن الاستثمار في إمكانات تعدد الأجيال، وذلك عبر دمج الأفكار المبتكرة والجديدة، وتعظيم الاستفادة من خبرة كل جيل، وإتاحة المعرفة المهنية والحكمة لدعم الإنتاجية، وتوظيف التطورات التكنولوجية مثل الأدوات المدعمة بالذكاء الاصطناعي للتجسير بين مختلف الأجيال، وتعزيز بيئات عمل أكثر شمولاً وإنتاجية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مختلف الأجیال بین الأجیال بیئات العمل فی بیئات
إقرأ أيضاً:
العلامة الهدار يؤكد أهمية الدورات الصيفية في تربية الأجيال
الثورة نت/..
زار عضو رابطة علماء اليمن العلامة طاهر الهدار، اليوم، مدرسة الإمام علي الصيفية في منطقة الجند بمحافظة تعز.
حيث التقى خلالها إدارة المدرسة والكادر التعليمي والطلاب، وألقى محاضرة توجيهية تناولت أهمية العلم والإيمان في بناء وعي الأجيال.
وعبَّر العلامة الهدار -خلال المحاضرة- عن اعتزازه بالدور الذي تضطلع به الدورات الصيفية في تربية النشء على القيم والمبادئ الإسلامية الصحيحة.. مشيداً بإسهامها في تحصين الشباب بالوعي والبصيرة والعلم النافع، بما يُسهم في تعزيز عزة الأمة وكرامتها.
وأشار إلى أن المسيرة القرآنية نعمة إلهية عظيمة على الشعب اليمني؛ لما تحمله من قيم العزة والكرامة، بفضل القيادة القرآنية التي يجسّدها قائد الثورة، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، والمشروع الإيماني الذي أسسه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.
وتطرق إلى أن طلاب المدارس الصيفية يعيشون نعمة عظيمة باصطفائهم لطريق الموالاة الحقة، وابتعادهم عن الملهيات التي تهدف إلى تفريغ الشباب من القيم والوعي.. داعياً إلى شكر الله قولاً وعملاً على هذه النعمة، في ظل ما يعيشه كثير من شباب الأمة من ضياع وانشغال بالمواقع والقنوات التي تسعى لتفريغهم من القيم والوعي.
وأشاد العلامة الهدار بالجهود التي يبذلها القائمون على الدورات الصيفية.. مثمناً حرصهم على إعداد جيل متسلح بالعلم والإيمان، مؤكداً أن هذه المشاهد التربوية والإيمانية تبعث الطمأنينة وتشرح الصدر.