وكالة سوا الإخبارية:
2025-05-30@08:04:46 GMT

كيف اختفت أعياد الميلاد في غزة؟

تاريخ النشر: 28th, May 2025 GMT

في الحرب، لا تشبه الحياة شكلها المعتاد؛ يصبح كل يوم يمر دون فقدان أو إصابة إنجازًا صامتًا. في قطاع غزة ، لا تأتي أعياد الميلاد كبقية العالم. لا حفلات، لا هدايا، لا كعك، بل لحظات قصيرة من التنفّس وسط الخوف، ومحاولة بسيطة لإثبات أن الحياة ما زالت ممكنة، ولو على الهامش.

في غزة، لا تأتي أعياد الميلاد على هيئة حفلة، بل تهبط مثقلة بأسئلة وجودية أليمة: هل سننجو حتى الغد؟ هل سنعيش لنطفئ شمعة؟ ماذا لو لم نحتفل بحياتنا؟

"أنا انولدت مرتين"، تقول الطفلة "مِنّة" ذات العشرة أعوام، وهي تعرج على رجلها إثر إصابة سابقة في قصف إسرائيلي قبل عام لبيتها، فقدت فيه أخاها.

"أنا انخلقت مرتين، مرة لما انولدت، ومرة يوم طلعوني من تحت الركام لما قصفوا البيت علينا واستشهد أخويا الصغير فتحي. بس رح أحتفل بعيد ميلادي عشان أحكي للعالم إنو إحنا أقوياء".

في تلك اللحظة، لم تعد لها أمنية سوى أن قالت: "أمنيتي إنو ما أموت الليلة".

على بلاط مدرسة "النصر" غرب مدينة غزة، والتي تحوّلت إلى مركز إيواء، كانت "رهف"، في عامها الثاني عشر، تنتظر أن تهمس لها أمها بجملة تشبه الاحتفال. كانت تحلم بكعكة صغيرة، أو حتى شمعة منسية.

تقول أمها: "كنتُ أتمنى أن أصنع كعكة لابنتي في عيد ميلادها، ولكن الدقيق الذي لدينا بالكاد يكفينا لصنع خبز، وسط شبح المجاعة الذي يسود في قطاع غزة".

رهف لم تطلب شيئًا سوى "كعكة حلوة"، لكنها حين نظرت حولها إلى الأطفال الآخرين الذين خسروا أمهاتهم، قالت: "أنا أحسن... ماما وأخواتي جنبي".

في خيمةٍ قماشها لا يقي من حر أو برد أو رصاصة طائشة، جلست "فرح" تحضن طفلتها التي حملت بها وأكملت عامها الأول أيضًا في الحرب. لم يكن هناك غطاء جيد، ولا حليب، ولا حتى لحظة آمنة واحدة. ومع ذلك، غنّت لها بصوتٍ خافت:

"سنة حلوة يا جميل... سنة صامدة يا صغيرتي". ثم همست وهي تبتسم:" بنتي وُلدت في عزّ الحرب، اسمها شام، أتمنى لها حياة بعيدة .عن الحرب والدمار ..".

الأمهات في غزة لا يحتفلن، بل يُقدّسن يومًا لم يُصب فيه أطفالهن بشظايا صواريخ الاحتلال الإسرائيلي، ويومًا لم تُكتب فيه أسماؤهم في قوائم الشهداء.

"إسلام"، أمّ لأربعة أطفال وزوجة شهيد، تقول إن عيد ميلاد ابنها ذي العامين جاء بعد يومٍ واحد من مجزرة في الحي المجاور:"في يوم ميلاده، بس حضنته وقلت له: كل سنة وإنت عايش يا حبيبي... لأنه العيش صار إنجاز".

ثم أضافت: "طفلي، والذي فقد والده في الحرب، ومشى أول خطواته، ونطق أول كلماته في الحرب، صار يعرف أن عيده سيبقى ناقصًا إلى الأبد".

في وصفٍ دقيق لما تعنيه أعياد الميلاد في زمن الحرب، ترى الأخصائية النفسية في شؤون المرأة، حنين زيدية، أن هذه المناسبات لا تمرّ كأيام احتفال عادية، بل تتحوّل إلى "ندوب داخلية وعلامات زمنية مشوّهة".

يصبح يوم الميلاد أثقل من أن يُحتفل به ببراءة، مثقلًا بما يحمله من وجع وخسارات. ورغم ذلك، يُصرّ الناس، خاصة النساء والأطفال، على التمسّك بهذه اللحظة – حتى لو كانت مكسورة. ليس لأنهم بخير، أو لأن الفرح حاضر، بل لأنهم في أمسّ الحاجة للتشبّث بأي لحظة تُشبه الحياة، حتى لو كانت تُعاش في خيمة، بلا كهرباء، وتحت أصوات القصف.

وفي التجربة النفسية التي ترصدها "زيدية"، يتكوّن لدى النساء والأطفال نوعٌ خاص من الذاكرة العاطفية، حيث تُصبح أعياد الميلاد ذكرى مزدوجة تحمل وجع الفقد، لكنها أيضًا دليل على النجاة.

وكأنهم يُعيدون بناء الصلابة من تحت الركام، يلتقطون من تحت الرماد ما يمكن أن يُعينهم على الاستمرار. إنها المقاومة النفسية التي تولد من لحظةٍ موجوعة، فتتحوّل إلى ما يُدفئ القلب ويُبقي على الأمل حيًا، مهما كانت الحياة منزوعة من ملامحها المعتادة.

نزح أكثر من 1.9 مليون فلسطيني داخل قطاع غزة، أي نحو 85% من سكانه، بحسب تقارير الأمم المتحدة، ومع تهدّم البنية التحتية وتوقّف الإمدادات، يهدّد شبح المجاعة أرواحًا لا تعرف سوى الانتظار.

ورغم ذلك، تقرّر "صابرين"، 30 عامًا، الاحتفال بيوم ميلادها بعد أن نزحت مرارًا وقُصف منزلها.

تقول: "قررت أزور البحر وما أخلي شي ببالي... يمكن أموت بكرة، بس حبيت أقول لنفسي: أنا عايشة".

لا تأتي الأعياد في غزة محمولة على تقويم، بل تأتي محمولة على لحظات النجاة: حين لا يقع صاروخ على رأسك، حين تجد ما تأكله في وجبة واحدة، حين تبقى أمك حيّة رغم كل القصف، فذلك يومٌ تستحق أن تحتفل به.

كل يوم لا يُقتل فيه طفل وامرأة في غزة هو عيد ميلاد. كل ليلة تمرّ دون أن يفقد شخصٌ أطرافه أو أحبّته، هي شمعة تُضاء في صمت. وكل امرأة تحضن طفلها بعد القصف، تكون قد منحت هذا العالم ميلادًا جديدًا، رغم كل شيء. فهل ستظل ذكرى الميلاد في غزة شبحًا ثقيلًا؟ أم تتحوّل، رغم كل شيء، إلى نشيد حياة؟

ملاحظة : هذا النص مخرج تدريبي لدورة الكتابة الإبداعية للمنصات الرقمية ضمن مشروع " تدريب الصحفيين للعام 2025" المنفذ من بيت الصحافة والممول من منظمة اليونسكو.

المصدر : وكالة سوا - لمى أبو عاصي اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين عن تجربة معالجة نفسية في غزة حماس: ننتظر الرد النهائي على ما تم الاتفاق عليه مع ويتكوف الأحمد: الذكرى الـ61 لتأسيس منظمة التحرير محطة مفصلية وتجسيد لإرادة التحرر الأكثر قراءة سفارة فلسطين بالقاهرة تعلن استئناف معاملات تقديم طلبات جوازات السفر البيومترية سفير فلسطين بالقاهرة يكشف عن عدد الغزيين الذين استقبلتهم مصر منذ بدء الحرب إدانات دولية واسعة لاستهداف الاحتلال وفدا دبلوماسيا في جنين العليا الإسرائيلية: قرار إقالة رئيس الشاباك غير قانوني وشابه تضارب مصالح عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

المصدر: وكالة سوا الإخبارية

كلمات دلالية: أعیاد المیلاد فی الحرب فی غزة

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تقول إنها ستبدأ في إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين

مايو 29, 2025آخر تحديث: مايو 29, 2025

المستقلة/- أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يوم الأربعاء أن الولايات المتحدة ستبدأ “بشكل حازم” بإلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين، بمن فيهم أولئك المرتبطون بالحزب الشيوعي الصيني أو الذين يدرسون في مجالات حيوية.

إذا طُبقت هذه الخطوة على شريحة واسعة من مئات الآلاف من طلاب الجامعات الصينيين في الولايات المتحدة، فقد تُعطل مصدر دخل رئيسيًا للمدارس الأمريكية، ومصدرًا حيويًا للمواهب لشركات التكنولوجيا الأمريكية.

سعت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى تكثيف عمليات الترحيل وإلغاء تأشيرات الطلاب في إطار جهودها واسعة النطاق لتحقيق أجندتها المتشددة بشأن الهجرة.

وفي بيان، قال روبيو إن وزارة الخارجية ستُراجع أيضًا معايير التأشيرات لتعزيز التدقيق في جميع طلبات التأشيرات المستقبلية من الصين وهونغ كونغ.

وقال: “ستعمل وزارة الخارجية الأمريكية مع وزارة الأمن الداخلي لإلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين بشكل حازم”.

تعهدت وزارة الخارجية الصينية سابقًا “بحماية الحقوق والمصالح المشروعة” لطلابها في الخارج بحزم، وذلك في أعقاب قرار إدارة ترامب إلغاء قدرة جامعة هارفارد على قبول الطلاب الأجانب، وكثير منهم صينيون.

تقع الصين أيضًا في قلب حرب ترامب التجارية العالمية التي عصفت بالأسواق المالية، وزعزعت سلاسل التوريد، وزادت من مخاطر حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي حاد. ويأتي قرار إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين على الرغم من توقف النزاع التجاري الأمريكي الصيني مؤخرًا.

ساهم الطلاب الدوليون – الذين يمثلون معًا 54% منهم من الهند والصين – بأكثر من 50 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي في عام 2023، وفقًا لوزارة التجارة الأمريكية.

تتمتع وزارة الخارجية بسلطة واسعة في إصدار وإلغاء التأشيرات. وقد أشارت الإدارة الأسبوع الماضي إلى علاقات جامعة هارفارد بالصين كأحد أسباب عديدة لإلغاء قدرتها على قبول الطلاب الأجانب، وهي خطوة أوقفها قاضٍ أمريكي مؤقتًا.

ولم يقدم بيان روبيو تفاصيل عن نطاق تطبيق إلغاء التأشيرات. فحتى عدد صغير نسبيًا قد يعرقل تدفق الطلاب الصينيين الراغبين في الالتحاق بالتعليم العالي في الولايات المتحدة، والذي بدأ في أواخر سبعينيات القرن الماضي قادمين من الصين التي كانت تحت الحكم الشيوعي.

شهدت العقود الأخيرة تحول الولايات المتحدة إلى الوجهة المفضلة للعديد من الطلاب الصينيين الباحثين عن بديل للنظام الجامعي الصيني شديد التنافسية، والذين ينجذبون إلى السمعة الطيبة للجامعات الأمريكية. وعادةً ما ينحدر هؤلاء الطلاب من عائلات ثرية قادرة على تحمل التكلفة العالية للجامعات الأمريكية.

وقد بقي العديد منهم بعد تخرجهم، ويُنسب إليهم الفضل في إسهامهم في تعزيز القدرات البحثية الأمريكية والقوى العاملة الأمريكية.

انخفض عدد الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة إلى حوالي 277,000 طالب بحلول عام 2024، من أعلى مستوى له عند حوالي 370,000 طالب في عام 2019، وذلك نتيجةً لتزايد التوتر بين أكبر اقتصادين في العالم، وتشديد الرقابة الحكومية الأمريكية على الطلاب الصينيين، وجائحة كوفيد-19.

مع تصاعد التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين إلى ما يعتبره العديد من المحللين شكلاً جديدًا من أشكال الحرب الباردة، عززت الوكالات الأمريكية والكونغرس الرقابة على نفوذ الصين المدعوم من الدولة ونقل التكنولوجيا في الكليات والجامعات الأمريكية.

ازداد قلق واشنطن من استخدام بكين لبيئات بحثية مفتوحة وممولة اتحاديًا في الولايات المتحدة للالتفاف على ضوابط التصدير وقوانين الأمن القومي الأخرى.

أدى التدقيق المتزايد وعدم اليقين بشأن التأشيرات إلى تفضيل المزيد من الطلاب الصينيين الدراسة في جامعات أوروبية، كما يعود المزيد من الخريجين الآن إلى الصين لممارسة مهنهم.

قالت ياكيو وانغ، وهي باحثة في مجال حقوق الإنسان مقيمة في الولايات المتحدة، جاءت من الصين كطالبة، إن بكين استغلت بالفعل الانفتاح الأكاديمي الأمريكي للانخراط في التجسس وسرقة الملكية الفكرية، لكنها وصفت إعلان روبيو بأنه “مقلق للغاية”.

وأضافت: “إن عمليات الإلغاء والحظر الشامل على نطاق واسع لن تُعرّض حقوق وسبل عيش الطلاب الصينيين الذين يدرسون ويعملون في الولايات المتحدة للخطر فحسب، بل ستُهدد أيضًا مكانة أمريكا الراسخة كقائدة عالمية في الابتكار العلمي”.

خلال إدارة ترامب الأولى، قاد وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، حملةً لتطهير الجامعات الأمريكية من المراكز الثقافية التابعة لمعهد كونفوشيوس، الممولة من الحكومة الصينية، مدعيًا أنها تعمل على تعزيز “الدعاية العالمية والنفوذ الخبيث” للصين وتجنيد “جواسيس ومتعاونين”.

ونتيجةً لذلك، قطعت العديد من المؤسسات الأمريكية علاقاتها مع هذه المراكز.

ويوم الثلاثاء، أفادت وكالة رويترز أن وزارة الخارجية الأمريكية أوقفت التعيينات الجديدة لجميع الطلاب الأجانب ومقدمي طلبات تأشيرات التبادل، وفقًا لبرقية داخلية.

ووسّعت إدارة ترامب نطاق التدقيق في بيانات الطلاب الأجانب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتسعى إلى تكثيف عمليات الترحيل وإلغاء تأشيرات الطلاب في إطار جهودها واسعة النطاق لتحقيق أجندتها المتشددة بشأن الهجرة.

مقالات مشابهة

  • أين اختفت المحكمة الجنائية الدولية؟
  • الولايات المتحدة تقول إنها ستبدأ في إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين
  • 4 طرق مختلفة لـ استخراج شهادة الميلاد.. اعرف الخطوات
  • ماذا تقول في العشر من ذي الحجة ؟ 3 كلمات تفتح لك أبواب الجنة
  • بين الخيمة وأسرة المرضى: عن تجربة طبيبة طوارئ
  • عن تجربة معالجة نفسية في غزة
  • الحرب تعيد الخربة إلى أصلها: هل كانت مزرعة عدس؟
  • كفتة العدس - حين يصبح الصمود وجبة
  • غزة: الجوع يدفع سيدة فلسطينية للبحث عن الطعام بين النفايات