كيف تلعب إسرائيل على حافة الهاوية بين إيران وواشنطن؟
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
على حافة الهاوية، تقف إسرائيل ممسكةً بحبل مشدود بين استفزاز إيران والتودّد إلى واشنطن، كل خطوة محسوبة، لكن الرياح الإقليمية العاتية تهدد بإسقاطه.
منذ استهدافها القنصلية الإيرانية في دمشق، إلى ردّ طهران الصاروخي، ثم ضربات أصفهان وأحداث أكتوبر/ تشرين الأول، تُظهر إسرائيل براعة في "الردع الاستباقي"، لكنها تُقامر بمستقبل المنطقة.
أما واشنطن، الحليف الأقرب، فقبضتها رخوة، مشغولة بتجسيد وتحقيق حملاتها الانتخابية والمفاوضات مع إيران.
لكن، ماذا لو انقطع الحبل؟ وهل تملك إسرائيل فعلًا القدرة على التحكم في حدود التّصعيد؟
من حلفاء إلى أعداء: جذور الصراعحتى عام 1979، كانت إسرائيل وإيران ترتبطان بتحالف إستراتيجي يجمع بين مصالح أمنية وصفقات نفط وتسليح. الثورة الإسلامية قلبت هذا التحالف رأسًا على عقب، لتصبح طهران رأس حربة خطاب "إزالة إسرائيل"، وتتحوّل تل أبيب إلى خصم دائم للنفوذ الإيراني المتصاعد.
إسرائيل، التي ما زالت رهينة ذاكرة حرب 1973، تتبنى عقيدة "الضربات الاستباقية"؛ لمنع أي تهديد من التطور. وفي المقابل، نسجت إيران شبكة من الوكلاء في سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، في إستراتيجية تُغنيها عن المواجهة المباشرة.
هذا الصراع ليس فقط جغرافيًا أو أمنيًا، بل تغذَّى على مفاهيم متناقضة للشرعية والهيمنة. إيران تصدر نفسها في مواجهة مشروع استعماري-صهيوني مدعوم غربيًا، وإسرائيل ترى في إيران تجسيدًا لتهديد وجودي يجب تطويقه ومنعه من التحول لقوة نووية.
إعلان نتنياهو وإيرانمنذ عودته إلى الحكم عام 2009، جعل بنيامين نتنياهو من إيران التهديد المركزي للوجود الإسرائيلي، لكنه لم يكتفِ بالتحذير، بل حوّلها إلى أساس عقيدته السياسية والدبلوماسية.
في خطابه الشهير بالأمم المتحدة عام 2012، رفع لوحة كرتونية لقنبلة على وشك الانفجار، محددًا "الخط الأحمر" لبرنامج إيران النووي، في مشهد اختزل كيف تتحول صورة العدو إلى أداة خطابية وسياسية بيد نتنياهو.
لكن في الواقع، نتنياهو لم يسعَ أبدًا لمواجهة إيران عسكريًا بوضوح، بل مارس سياسة "إدارة العدو" بدلًا من مواجهته. اعتمد على الاغتيالات، الحرب السيبرانية، ضربات محددة، والضغط عبر الحلفاء، لكنه امتنع عن اتخاذ قرار إستراتيجي بمواجهة شاملة، رغم توفر اللحظة العسكرية أحيانًا.
في المقابل، استغلَّ التهديد الإيراني لإعادة تعريف تحالفاته الخارجية، فاليمين الإنجيلي في الولايات المتحدة تبنّى روايته عن "الخطر الفارسي"، ورأى فيه مدافعًا عن نبوءات توراتية، وهو ما مهّد لتحالف غير مسبوق بين نتنياهو والحزب الجمهوري، حيث ظهر ذلك جليًا في خطابه بالكونغرس ضد الاتفاق النووي عام 2015، متجاوزًا إدارة أوباما، في سابقة دبلوماسيّة خطيرة.
محليًا، استخدم نتنياهو "الخطر الإيراني" كبديل عن القضية الفلسطينية، فحين تساءل العالم عن الاستيطان، كان جوابه: "إيران تُهدد وجودنا"، وحين سُئل عن حل الدولتين، كرّر: "لا يمكن القبول بدولة فلسطينية في ظل وجود إيران في سوريا، وغزة".
هذا المنطق أقنع بعض الدول العربية بالمضي في التطبيع، فنتنياهو قدّم نفسه كحليف موثوق ضد طهران، لا كقوة احتلال في الضفة وغزة.
أما داخل إسرائيل، فخطابه لم يكن موضع إجماع، فقيادات عسكرية وأمنية بارزة – من رئيس الموساد السابق تامير باردو إلى رئيس الأركان أفيف كوخافي- انتقدوا محاولات نتنياهو تسييس ملف إيران.
إعلانكوخافي حذّر في 2020 من "تحويل التهديد الإيراني إلى ذريعة لتجاهل التهديدات الداخلية"، في إشارة إلى الأزمة مع الفلسطينيين، والانقسام الاجتماعي الإسرائيلي.
لكن نتنياهو نجح -حتى الآن- في تسويق إيران كعدو لا يمكن التساهل معه، دون الدخول فعليًا في حرب مفتوحة. وربما كانت لحظة أكتوبر/ تشرين الأول 2023 هي التي دفعت به لكسر هذا التوازن، حين احتاج إلى عدو خارجي يعيد ضبط المعادلة بعد فشل أمني داخلي كارثي.
ضرْب أصفهان، وردع حزب الله، وتصعيد الخطاب ضد طهران، ليست بالضرورة تستند إلى القوة وحدها، فقد تكون في العمق محاولات لطمس عجز سياسي داخلي، وشراء وقت على حساب استقرار إقليمي هش.
الردع المحسوب والابتزاز الإستراتيجيضربة إسرائيلية دقيقة، ردّ إيراني محدود، ثم صمت حذر. هذا هو نمط "اللعبة" الذي تكرّس خلال العام الأخير.
في أبريل/ نيسان 2024، أطلقت إيران أكثر من 170 طائرة مسيرة وصاروخًا باليستيًا، ردًا على مقتل ضباط في الحرس الثوري في قنصلية دمشق.
الضربة كانت استثنائية في حجمها، لكنها محسوبة بدقة لتجنّب إسقاط قتلى إسرائيليين، بينما حرصت إسرائيل على الرد عبر استهداف منشآت عسكرية في أصفهان دون الدخول في حرب شاملة.
في قلب هذا المشهد، يستخدم نتنياهو التصعيد كأداة للشرعية. فبعد أزمات سياسية متتالية، وتظاهرات حاشدة ضد حكومته، وجد في "المواجهة مع إيران" منصة لإعادة التموضع. "نحن نواجه إيران نيابة عن العالم"، كررها في مؤتمره الصحفي الأخير، مصورًا نفسه كدرع إستراتيجي للغرب.
لكن الداخل الإسرائيلي منقسم. تسريبات من جهاز الشاباك أظهرت تحفظًا على التوظيف السياسي للردع، والجيش يُحذّر من أن أي انزلاق غير محسوب قد يعيد فتح جبهات متزامنة.
المعارضة تحاول اللعب على هذا الوتر، مطالبة بإخضاع قرارات الحرب للمراقبة البرلمانية، بينما يميل الشارع الإسرائيلي نحو القلق أكثر من الحماسة.
إعلانوَفق بيانات البنتاغون، بلغ الدعم الأميركي العسكري لإسرائيل منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أكثر من 17 مليار دولار. الدعم لم يقتصر على العتاد، بل شمل تدريبًا مشتركًا على سيناريوهات "حرب إقليمية شاملة"، ومشاركة استخبارية في رصد مسارات الطائرات المسيّرة الإيرانية.
هل نُعيد هندسة قواعد اللعبة؟إسرائيل تُجيد اللعب على الحافة، لكن الحافة أصبحت أضيق.
ما بدا كإستراتيجية فعّالة للردع بات أقرب إلى رقصة على فوهة بركان. الخصوم يتغيرون، الداخل يهتز، والحليف الأميركي يترنّح بين أولويات الداخل وهموم الخارج.
التصعيد الأخير ليس مجرّد تبادل للضربات، بل هو تحوُّل في نمط الردع الإسرائيلي: من الاكتفاء بالعمل الاستخباراتي السري إلى المجاهرة العسكرية، ومن الحسابات الدقيقة إلى الانزلاق التدريجي نحو مواجهة مفتوحة. هذا الانتقال لم ينبع من وفرة القوة، بل من فراغ إستراتيجي يملؤُه نتنياهو بالضجيج والسيطرة على العناوين.
في لحظة ما بعد أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وجدت إسرائيل نفسها أمام هشاشة غير مسبوقة: انكشاف أمني، أزمة ثقة داخلية، ونظام سياسي مأزوم.
هنا، شكّل العدو الإيراني – البعيد والمجرّب والجاهز للشيطنة – الملاذ الأكثر أمنًا لتصدير القوة واستعادة زمام المبادرة. وفي هذا السياق، بات التصعيد مع طهران أداة لتثبيت شرعية سياسية، وليس فقط ضرورة أمنية.
لكن في المقابل، فإن إيران، رغم ردّها العلني، لم تغيّر قواعد الاشتباك بشكل جذري. اكتفت بإيصال رسالة عن قدرتها على الرد، دون الدخول في حرب شاملة. وهذا التردد المتبادل بين الطرفين يعكس إدراكًا ضمنيًا لحدود القوة وحدود اللعب بالنار.
الهشاشة هنا لا تقتصر على الجبهات، بل تطال مفاهيم الردع نفسها، وتكشف كم أن الاستقرار الإقليمي صار رهينة مزاج سياسي، وحسابات بقاء، وأزمات شرعية ممتدة.
في قلب كل هذا، تزداد الحاجة إلى هندسة جديدة لقواعد اللعبة. قواعد تعترف بأن الردع لا يُبنى بالقصف وحده، ولا بالتحالفات الظرفية، بل بإعادة تعريف المصالح الإستراتيجية خارج منطق العسكرة المستمرة. وحتى ذلك الحين، ستبقى إسرائيل تمشي على حافة الهاوية، لا لأنها واثقة بخطواتها، بل لأنها لا تملك طريقًا آخر.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تشرین الأول إیران ت
إقرأ أيضاً:
د. شيماء الناصر تكتب: العالم على حافة الانهيار البيئي
إن استمرار العالم في تجاهل التغير المناخي، أو بالأحرى التباطؤ في التحرك لمواجهته، يضع البشرية جميعًا على حافة الانهيار البيئي. نحن نشهد يوميًا تفاقم الكوارث البيئية، التي قد تتجاوز قدرتنا على التكيف والتعافي. الأحداث الأخيرة، مثل الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة المحيط الهادئ، والذي تبعه تسونامي وتحذيرات بالإخلاء لكثير من الجزر والشواطئ، تمثل إنذارات قوية لما يمكن أن يحدث إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لمواجهة التغير المناخي.
وعلى الرغم من أن الزلازل ناتجة عن انزلاق الصفائح التكتونية وتحرر الطاقة الزلزالية بشكل مفاجئ، فإن العلاقةالمحتملة بينها وبين التغير المناخي تستحق الانتباه.
فعلى الرغم من أن الربط بينهما قد يبدو ضعيفًا، يمكن القول إن التغير المناخي يسهم في زيادة هذه الكوارث الطبيعية بشكل غير مباشر. فذوبان الجليد في القطب الشمالي يحرر الضغط عن القشرة الأرضية، مما قد يؤدي إلى زيادة النشاط الزلزالي والبركاني في مناطق معينة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستوى البحار والمحيطات وزيادة وزن المياه فوق قاع المحيطات تؤثر على مناطق الصدوع، بينما قد يؤثر التغير في أنماط الأمطار والفيضانات على زيادة الانهيارات الأرضية، مما يسهم فيحدوث زلازل أصغر.
السؤال المطروح هو: متى وكيف سيتحرك العالم بشكل أسرع لمواجهة التغير المناخي؟ يبدو أن الخطوات الحالية بطيئة، على الرغم من التحذيرات المناخية التي صدرت على مدار العقود الماضية. كما أن التمويلات المتاحة لمواجهة التغير المناخي لا تزال غير كافية. إذا لم يتحرك العالم بسرعة، فإن الصورة المستقبلية ستكون مروعة، حيث ستتزايد الكوارث الطبيعية بشكل غير مسبوق، مما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات فقدان الأرواح والممتلكات. ستشكل هذه الكوارث تهديدًا للأمن الغذائي العالمي، بسبب تدهور المحاصيل الزراعية، مما يهدد حياة ملايين الأشخاص. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى تهجير ملايين السكان من مواطنهم، في حين أن انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة لتراكم المياه غير النظيفة سيزيد من تعقيد الأوضاع الصحية.
وفي هذا السياق، يتوجب على الدول الكبرى، التي تعتبر المتسبب الأكبر في زيادة التلوث وانبعاثات الغازات الدفيئة عدم التملص في أن تتحمل مسؤولياتها وليس كما فعلت الولايات المتحدة الامريكية بانسحابها من اتفاقية باريس للمناخ، للمرة الثانية، تحت ذريعة اعتبارات اقتصادية، حيث يُظهر تجاهلها لقضية التغير المناخي وآثارها الوخيمة على العالم. لذا، يجب تعزيز الضغط الدولي من قبل الحكومات الأخرى، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمعات المحلية، لحسم وتوحيد الجهود. ومن الجوانب الأساسية التي ينبغي التركيز عليها
المطالبة بالشفافية العالمية حيث يجب على جميع الدول، وخاصة الكبرى، أن تكشف عن حجم انبعاثاتها الحقيقية والجهود المبذولة لتقليل تلك الانبعاثات.
ثانياً. تطبيق العقوبات الدولية
يجب فرض عقوبات على الدول التي تتقاعس عن الالتزام بتعهداتها في اتفاقيات المناخ، لضمان أن تكون هناك عواقب رادعة لتلك الأفعال.
ثالثاً. مساعدة الدول النامية
ينبغي تعزيز التعاون الدولي لمساعدة الدول النامية على التكيف مع آثار التغير المناخي، إذ تدفع هذه الدول ثمنًا باهظًا من الأرواح نتيجة الأزمات المناخية، بسبب نقص الموارد المالية والتقنية.
إن التغير المناخي ليس مجرد مسألة بعيدة أو مستقبلية، بل هو واقع نعيشه اليوم. لتجنب السيناريو المأساوي الذي ينتظرنا، يتعين على المجتمع الدولي العمل بشكل عاجل ومنسق. إن الوقت ينفد، وكل لحظة تمر دون اتخاذ إجراءات فعلية تعتبر فرصة مهدرة. لذا، يجب أن نتحد جميعًا لنكون جزءًا من الحل، لضمان مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة.