دواء متاح في الأسواق يعيد الأمل لمرضى تسمم الدم
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
الجديد برس|
أثبت باحثو المركز الطبي بجامعة رادبود أن دواء يوجد حاليا في الأسواق، يمكنه إنعاش الخلايا المناعية التي توقفت عن العمل بشكل صحيح، ما يبشر بعلاج شلل المناعة لدى مرضى تسمم الدم.
ويرتبط حوالي 20% من الوفيات العالمية بتسمم الدم، الذي يعتبر السبب الرئيسي للوفاة في وحدات العناية المركزة. ويتميز تسمم الدم بفشل الأعضاء، مثل الكلى والرئتين، نتيجة خلل في الاستجابة المناعية للعدوى.
ولفترة طويلة، اعتقد الأطباء أن الوفيات الناتجة عن تسمم الدم ترجع فقط إلى استجابة مناعية حادة مفرطة العدوانية تؤدي إلى تلف الأعضاء. لكن الدراسات الحديثة أظهرت أن الوفيات قد تنجم أيضا عن استجابة مناعية مثبطة بشدة، تُعرف بشلل المناعة.
ويعاني مرضى شلل المناعة من صعوبة في مكافحة العدوى، ما يعرضهم للإصابة بعدوى جديدة، مثل العدوى الفطرية.
وللتصدي لهذا التحدي، درس فريق من الباحثين في مركز رادبود الطبي في نايميخن الاستجابة المناعية لدى متطوعين أصحاء، حيث تم تحفيز المناعة عن طريق حقنهم بقطع من البكتيريا الميتة، تسمى “السموم الداخلية”.
واستخدم الفريق تقنيات متقدمة لتتبع كيفية تغير الجهاز المناعي خلال كل من مرحلة الالتهاب الحاد والمرحلة التي يصاب فيها الجهاز المناعي بالشلل.
وفي المختبر، فحص الباحث الرئيسي، فريد كراماتي، الخلايا المناعية المأخوذة من دم ونخاع عظام المشاركين، ولاحظ أن بعض الخلايا المناعية، مثل الخلايا الوحيدة، لم تنضج بشكل صحيح بعد الاستجابة المناعية الحادة، ما أثر على أدائها.
وقد تمكن الباحثون من تحديد آلية حاسمة تساهم في شلل المناعة، حيث تلعب الخلايا الوحيدة دورا حيويا في دفاع الجسم ضد العدوى.
ويوضح كراماتي قائلا: “منحنا هذا التحليل الشامل فهما دقيقا لما يحدث خلال الاستجابة المناعية. وقد زودنا بأدلة قد تكون مفيدة في تطوير علاجات لتحفيز الدفاعات الضعيفة للجسم ضد العدوى”.
وبهذا الصدد، أضاف الباحثون الدواء المتاح في الأسواق “إنترفيرون بيتا”، إلى الخلايا الوحيدة في المختبر.
ويستخدم هذا الدواء في علاج التصلب اللويحي (MS)، حيث يعاني الجسم من خلل في الجهاز المناعي يؤدي إلى التهاب في الجهاز العصبي المركزي.
وكان لـ”إنترفيرون بيتا” تأثير إيجابي على الخلايا الوحيدة المشلولة، حيث نضجت وعادت للعمل بشكل أفضل.
ويؤكد الباحث الرئيسي، ماتيس كوكس، أن هذه النتائج واعدة، إلا أنه لا يزال هناك المزيد من الخطوات التي يجب اتخاذها.
وحتى الآن، اقتصرت الدراسات على اختبار تأثير “إنترفيرون بيتا” على الخلايا في المختبر. وتتمثل الخطوة التالية في إعطاء هذا الدواء للمشاركين الأصحاء خلال المرحلة اللاحقة بعد تحفيز الاستجابة المناعية باستخدام السموم الداخلية، للتحقق من قدرته على مواجهة شلل المناعة.
كما يهدف الباحثون إلى اختبار قدرة “إنترفيرون بيتا” على تحسين وظيفة الخلايا الوحيدة لدى مرضى الإنتان في وحدة العناية المركزة.
نشرت نتائج الدراسة في مجلة Nature Immunology.
المصدر: الجديد برس
إقرأ أيضاً:
ثقافة "أبو العُريف" واختبار المناعة المعرفية في عصر الشائعات
في عصرٍ تفيض فيه الشائعات على منصات التواصل الاجتماعي، وتسبق فيه المعلومةُ الزائفة الحقائق بخطوات، تبرز ظاهرة "أبو العريف" كأحد أكثر مظاهر الخلل المعرفي انتشارًا.
شخصٌ لا صلة له بالعمل الإعلامي، ولا يشغل منصبًا رسميًا، ولا يرتبط بمصدر قريب من دوائر صناعة القرار، لكنه يكتب بمنتهى الثقة: يعلن عن اسم المرشح لمنصبٍ من المناصب، ويحدد موعد اتخاذ القرار، ويشرح أدوار المرشحين الذين لم تُعلَن أسماؤهم بعد، ويحلل ملامح المرحلة المقبلة، وكأنه كان يجلس في كواليس الاجتماعات المغلقة!
ومع كل حالة ترقّب سياسي أو اجتماعي، يصبح هذا النمط أكثر حضورًا، فيختبر وعينا، ويضع مناعتنا المعرفية أمام تحدٍّ جديد:
هل نملك أدوات التمييز بين الحقيقة والوهم؟
وهل أصبحنا أسرى لثقافة العارف الزائف؟
رغم افتقاده لأي صفة رسمية أو مهنية تخوّله الإدلاء بمثل هذه "المعلومات"، إلا أن منشوراته تنتشر، ويتفاعل معها الآلاف، بل ويقتبسها آخرون كأنها وثائق مسرّبة، لتتحول بسرعة إلى "حقيقة شعبية" تسبق أحيانًا المعلومات والبيانات الرسمية نفسها.
فما الذي يدفع شخصًا عاديًا إلى لعب دور "أبو العريف" العليم ببواطن الأمور؟ ولماذا يجد كثيرون أنفسهم أسرى لهذا النمط من السرد، رغم افتقاره إلى مصدر صحيح؟
في علم النفس التحليلي، يُصنَّف هذا السلوك ضمن آليات التعويض، وتُعرف هذه الحالة بـ"وهم المعرفة"، حيث يخلط الشخص بين ظنونه ومعلومات مؤكدة أو غير مؤكدة. وغالبًا ما يتعزز هذا الوهم بمتابعة شائعات أو أخبار غير مؤكدة، متداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويربط خيوطًا متفرقة بطريقة تمنحه شعورًا زائفًا بأنه يمتلك "الصورة الكاملة".
بمعنى: الشخص الذي يشعر بأنه مهمَّش سياسيًا أو معرفيًا، أو أنه لا يملك تأثيرًا حقيقيًا في مجريات الأمور، قد يلجأ إلى ترويج "معلومة لم ولن يتحقق من صحتها" كنوعٍ من فرض الذات.
هذا الوهم يمنح الفرد شعورًا بالقوة والسيطرة المعرفية، ويجعل من الطبيعي بالنسبة له أن يكتب منشورًا يبدأ بجملة مثل: "وصلتني معلومات مؤكدة من مصدر موثوق جدًا.. ."، حتى وإن كان المصدر مجرد تدوينة من حساب وهمي أو مجهول، قرأها، أو همسة سمعها في دردشة جانبية.
وفي ظل سيولة الشائعات، وصعوبة الرد على كل من يهرف بما لا يعرف، تتيح هذه الحالة مجالًا واسعًا للخيال والتكهنات، فيندفع بعض الأفراد لملء هذا الفراغ بمحتوى يقدّمونه على أنه معلومات حصرية، تعويضًا لحالة الشك والضبابية.
بعيدًا عن وهم المعرفة، هناك دافع نفسي أكثر تعقيدًا: الحاجة إلى الشعور بالقوة. فالشخص الذي ينشر شائعة بلا مصدر، ويعرض نفسه كمطّلع، لا يبحث فقط عن إثبات وجهة نظر، بل يسعى أحيانًا إلى إثبات "مكانة" يتطلع إليها. يريد أن يكون مرجعًا، مصدرًا، أو حتى جزءًا من مشهد لا ينتمي إليه فعليًا.
هنا، تتحول المعلومة — حتى وإن كانت مكذوبة — إلى وسيلة لتحقيق شعور زائف بالسلطة. لا يمتلك هذا الشخص نفوذًا سياسيًا، ولا موقعًا إعلاميًا مؤثرًا، لكنه يجد في "امتلاك السبق" فرصة لتعويض هذا الغياب.
وكلما زاد التفاعل مع منشوره، شعر أنه يؤثّر ويقود ويُستشار. وأي تفاعل، سواء تعليق أو مشاركة، يعزّز داخله وهم الأهمية، ويؤدي إلى تحفيز مركز المكافأة في الدماغ.
وعندما يتفاعل الجمهور بالسخرية أو النقد، يُفسَّر داخليًا باعتراف ضمني بقيمة ما يُقال، وخاصة إذا تفاعل مع منشوراته صاحب منصب مرموق أو مكانة في المجتمع.
وفي ظل غثاء السيل المتدفّق من مئات الحسابات والصفحات، تصبح الشائعات أحيانًا مرآة لرغبات مكبوتة أكثر من كونها تعبيرًا عن وقائع.
هذا النمط من التماهي النفسي لا يعبّر فقط عن سلوك فردي، بل يعكس حاجة مجتمعية أوسع للانتماء، للمعرفة، وللمشاركة في تشكيل الرواية.
وأحيانًا، لا يُنشر الخبر لإقناع الآخرين، بل لإقناع الذات: "أنا مهم، أنا أعلم، أنا في قلب المشهد".
وفي زمن المنصات التي تفتح أبوابها لتأسيس حسابات وهمية بلا ضوابط، يتحول كل منشور يحظى بالتفاعل إلى "مكافأة" نفسية لصاحبه، تعزّز سلوكه وتدفعه لتكرار الأخطاء والخطايا. وهنا تبرز مفارقة لافتة: لا يهم إن كانت المعلومة صحيحة، المهم أنها أثارت ضجة، وولّدت نقاشًا، ووضعت صاحبها في مركز الصورة، ولو مؤقتًا.
وحتى بعد تكذيب الخبر رسميًا، قلّما يعتذر مُروّج الشائعة أو يعيد النظر في نفسه.
بل يلجأ غالبًا إلى إحدى آليات الدفاع النفسي: قد ينكر قائلًا إن "القرار تغيّر فجأة"، أو يلمّح إلى أن "الحقائق تُخفى عن الناس عمدًا".
وربما يُلقي باللوم على جهة أخرى: "أنا فقط نقلت"، أو يلتزم الصمت حتى تهدأ العاصفة، ويعاود الكرّة لاحقًا بشائعة جديدة.
هذه الآليات تحميه من الإحراج، وتُبقي على الصورة التي رسمها لنفسه أمام متابعيه، حتى لو كانت قائمة على سراب.
والأخطر من ذلك أن سلوك هذا الفرد لا يتوقف عنده، بل ينتقل للآخرين.
فحين يرى الجمهور أن من يروّج الشائعات يحظى بالاهتمام والتأثير، دون محاسبة أو تدقيق، يبدأ كثيرون في تقليده.
وهنا يجب أن نتوقف وندقّ ناقوس الخطر: فليس كل ما نسمعه يُقال، وليس كل ما يُقال يستحق النشر، وليس كل من يدّعي أنه عليم ببواطن الأمور جدير بالتصديق.
فالضرر لا يتوقف عند حدود الخطأ الفردي، بل يمتد إلى إرباك الوعي الجمعي، ويجعل التمييز بين المعلومة والتقدير والتمنّي مهمة شبه مستحيلة.
وتهتز الثقة بالمصادر الرسمية، لأن الشائعة، حين تُكذَّب، تُتَّهَم مؤسسات الدولة بالتعتيم، لا المُروّج بالكذب. وهكذا، يعيش الناس في واقع بديل، وتحت وقع "توقعات زائفة"، فينكسر التفاعل مع الحقائق حين تظهر.
إن ترويج شائعة بلا مصدر موثوق، حتى بدافع الفضول أو التسلية، يعني المشاركة في تشويش البيئة المعرفية، وربما دفع الرأي العام نحو استنتاجات خاطئة ذات كُلفة سياسية واجتماعية.
وربما آن الأوان لأن نسأل أنفسنا، قبل أن ننشر أي معلومة:
لماذا ننشرها؟
ما مصدرها؟
وماذا لو لم تكن صحيحة؟
في الإجابة على هذه الأسئلة، تبدأ أولى خطوات بناء مناعة مجتمعية ضد "ثقافة أبو العُريف".
فالمسؤولية الأخلاقية والمعرفية لم تعد ترفًا، بل أصبحت فرضًا.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط نشر الحقيقة، بل أيضًا كبح الرغبة الجامحة في التظاهر بمعرفتها.