جنوب لبنان- بعد تأجيل متكرر فرضته الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية المتلاحقة، تعود الانتخابات البلدية والاختيارية هذا العام إلى الواجهة في لبنان، لكنها لم تعد مجرد محطة لتنمية محلية، بل تحولت إلى ساحة اختبار سياسي في ظل واقع يثقل كاهل البلاد بين عدوان إسرائيلي وأزمات معيشية وإنمائية متفاقمة.

ويتجلى التحدي الأكبر في الجنوب اللبناني، حيث خلفت الحرب دمارا واسعا في القرى الحدودية الأمامية، كما طالت الأضرار البنى التحتية في بلدات الخط الثاني، مما يجعل من تنظيم الانتخابات هناك مهمة شاقة وسط مشهد إنساني مأزوم.

إداريا، يتوزع لبنان على 8 محافظات تضم 25 قضاء وهي بيروت، وجبل لبنان، والشمال، وعكار، والبقاع، وبعلبك-الهرمل، والجنوب، والنبطية. ويضم 1080 بلدية تتولى إدارة الشؤون المحلية وتقديم الخدمات الأساسية للسكان، وتشكل ركيزة رئيسية في العمل الإداري والإنمائي.

الحرب الإسرائيلية خلفت أضرارا في مقر بلدية ميس الجبل (الجزيرة) تحديات وعوائق

ومن المقرر أن تنطلق الانتخابات البلدية في 4 مايو/أيار المقبل، وفق جدول زمني يمتد لـ4 أسابيع موزعة على المحافظات كما يلي:

4 مايو/أيار: محافظة جبل لبنان. 11 مايو/أيار: محافظتا الشمال وعكار. 18 مايو/أيار: بيروت، والبقاع، وبعلبك-الهرمل. 24 مايو/أيار: الجنوب والنبطية.

في بلدة ميس الجبل الحدودية التي نكبت جراء العدوان الإسرائيلي الأخير، تتقاطع مشاعر القهر والإصرار بين سكانها العائدين إلى ركام المنازل وغياب مقومات الحياة.

إعلان

عاد حسين حمادة، أحد أبنائها، ليجدها على حد وصفه "منكوبة لا أثر للحياة فيها، المحل الذي كنت أملكه بات ركاما، ولا طرقات مفتوحة، والمنازل مدمرة، تكاد لا تطيق النظر إلى بلدتك بهذا الشكل وتشعر بالقهر والعجز".

مسجد الحي الغربي في بلدة ميس الجبل مدمر بالكامل (الجزيرة)

ورغم هذا الواقع المؤلم، فلا يخفي حمادة عزمه على المشاركة في الانتخابات البلدية المقبلة، مؤكدا أنه لطالما مارس هذا الحق، ويدعو الآخرين إلى الاقتداء به والوقوف صفا واحدا خلف البلدية المقبلة من أجل النهوض بميس الجبل، ويقول للجزيرة نت "هذه المرة نحن مع الجميع، سواء حزب الله أو حركة أمل، لا يهم من يفوز، المهم أن يعمل من أجل ميس الجبل، نريد أن نعيش كما كنا قبل الحرب".

أما خليل، الذي فقد منزله ومصدر رزقه، فاختار العودة إلى ميس الجبل حاملا معه رسالة صمود وإصرار على البقاء، ويعتبر مشاركته في الانتخابات تعبيرا عن تمسكه بالأرض وبحقوقه كمواطن، وخطوة نحو استعادة الحياة تدريجيا في بلدة دمرتها الحرب.

ويعرب للجزيرة نت عن أمله في أن يتمكن المجلس البلدي الجديد من إعادة تأهيل البنية التحتية، وإحياء المرافق الحيوية، مؤكدا أن المهمة لن تكون سهلة في ظل الخراب الواسع الذي خلفه العدوان الإسرائيلي، و"أعاد البلدة سنوات إلى الوراء".

مهمة صعبة

من جهته، ينتظر المهندس حسن طه الانتخابات بفارغ الصبر، آملا في ولادة مجلس بلدي فاعل يضم كفاءات قادرة على تنفيذ مشاريع تنموية تتناسب مع حجم الكارثة، ويؤكد للجزيرة نت أن البلدة بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل المستشفيات والمدارس، وشبكتي الكهرباء والمياه، فالمقومات الأساسية للحياة باتت شبه معدومة، ومن الضروري الإسراع بإطلاق ورش العمل لإعادة الحد الأدنى من الخدمات.

وفي بلدة حولا الجنوبية التي أنهكها الدمار وأثقلها الخراب، عاد علي حمدان ليقف على أطلال بيته الذي كان يوما يعج بالحياة، ويقول بمرارة للجزيرة نت "كل زاوية في هذا البيت تحمل ذكرى والآن لم يبقَ منها إلا الجدران المحروقة، رغم الخراب عدتُ إلى حولا لأن الانتماء للأرض أقوى من الحرب".

إعلان

ويؤكد حمدان أنه سيتوجه إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة "لأنها بداية الطريق نحو استعادة بلدتنا، وعلى المجلس الجديد أن يكون بمستوى آلام الناس وتطلعاتهم، ما نحتاجه ليس فقط إعادة إعمار الحجر بل إعادة بناء الثقة والأمل، فحولا ليست مجرد بلدة، إنها بيت كبير علينا جميعا أن نعيد إليه نبض الحياة".

ركام منازل المواطنين يملأ شوارع بلدة ميس الجبل (الجزيرة)

بدوره، يتهيأ أحمد عواضة، أحد أبناء البلدة العائدين حديثا، للمشاركة في السباق الانتخابي القادم حاملا معه قائمة طويلة من المطالب والآمال، ويوضح للجزيرة نت "الانتخابات هذه المرة ليست مجرد استحقاق بلدية بل معركة من أجل البقاء، نريد مجلسا بلديا يعكس وجع الناس ويبدأ فورا بورش العمل لإعادة تأهيل ما دمرته الحرب".

ويشدد عواضة على ضرورة أن يضم المجلس الجديد شخصيات كفؤة ونزيهة قادرة على التعامل مع حجم الكارثة التي لحقت بالبنية التحتية والخدمات الأساسية، ويتابع "نحتاج إلى خطط سريعة لإصلاح شبكات الكهرباء والمياه، وإعادة فتح الطرق والمدارس، وتأمين الدعم للعائلات المتضررة".

ويؤكد أن أبناء حولا اليوم لا يطلبون ترفا بل الحد الأدنى من مقومات الحياة. وبالنسبة له، الاقتراع هذا العام هو فعل صمود، وممارسة ديمقراطية تحمل في طياتها نداء لإنقاذ بلدة أرهقتها الحروب وأحيتها الإرادة.

رسالة صمود

من جانبه، قال رئيس بلدية حولا شكيب قطيش للجزيرة نت إن الوضع في البلدة بالغ الصعوبة وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة ومع ذلك ستُجرى الانتخابات البلدية، وهذه المرة تأتي محملة بأبعاد تنموية وإنمائية ووطنية، وتحمل في الجنوب اللبناني رسالة صمود وإرادة حياة فوق الركام والدمار.

وأضاف أن البلدية تواجه اليوم تحديات جسيمة في وقت تعد فيه ميزانيتها ضئيلة حتى في الظروف العادية. متسائلا "فكيف الحال في ظل ما نمر به من أوضاع استثنائية؟ نحن بحاجة إلى كل شيء، من إعادة إعمار إلى ترميم المدارس والمستشفيات والمساجد".

إعلان

وحسب قطيش، فإن معظم مباني البلديات إما مدمرة أو متضررة، لكن هذه الانتخابات تحمل بعدا وطنيا يؤكد أن أهل الجنوب رغم الدمار والعدوانية الإسرائيلية التي طالت بلداتهم، لا يزالون متمسكين بأرضهم وحقهم في الحياة.

وختم بدعوة الأهالي إلى المشاركة في الانتخابات، قائلا "صوتكم اليوم ليس مجرد خيار إداري، بل فعل صمود ومقاومة، عبر الاقتراع نثبت أننا شعب لا تكسره الحروب ولا تهزم إرادته".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الانتخابات البلدیة فی الانتخابات للجزیرة نت میس الجبل مایو أیار فی بلدة

إقرأ أيضاً:

غارات إسرائيلية تستهدف أطراف بلدة بنعفول في قضاء صيدا

أفادت وسائل إعلام لبنانية اليوم الخميس أن جيش الاحتلال الإسرائيلي شن غارات استهدفت أطراف بلدة بنعفول في قضاء صيدا جنوب لبنان.

الكرملين : تزويد كييف بصواريخ "توماهوك" خطوة نحو مستوى جديد من التصعيدمستشار الرئيس الفلسطيني: نثق في الدور المصري ولدينا انسجام كامل في الرؤى معها

وأمس الأربعاء، استهدفت مسيّرة إسرائيلية، سيارة "رابيد" بصاروخين على طريق صديقين - كفرا في محلة العاصي جنوب لبنان.

ورغم سريان وقف معلن لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل منذ 27 نوفمبر 2024 بين، تشن القوات الاحتلال غارات متكررة على مناطق مختلفة في الجنوب اللبناني، والبقاع، مؤكدة أنها "تستهدف حزب الله".

وفي سياق آخر، أكد وزير الدفاع الإسرائيل يسرائيل كاتس، اليوم الخميس أن جيش الاحتلال سيواصل تنفيذ هجمات ضد الحوثيين في المستقبل.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي "أعلنت منظمة الحوثي الإرهابية، أن رئيس هيئة الأركان الحوثية الذي تعرض للضربة الأولى القوية التي أفشلت معظم قيادات الحوثيين في اليمن، قد لقي حتفه متأثراً بجراحه، لينضم بذلك إلى رفاقه المهزومين في محور الشر في أعماق الجحيم".

تدخل البنك المركزي الهندي يدعم الروبية في مواجهة المضاربينوزير الخارجية: مصر تحرص على خلق مناخ إستثماري أكثر تنافسية وجاذبية للاستثمارات

وأضاف كاتس "قمت بزيارة "مقر الحوثيين" التابع لدائرة الاستخبارات العسكرية وشكرته لرئيس دائرة الاستخبارات العسكرية اللواء شلومي بيندر وبقية الدائرة على العمل الممتاز الذي قاموا به وسيواصلون القيام به ضد الحوثيين في المستقبل".

لقد اتخذنا إجراءات واسعة النطاق ضد الحوثيين لإزالة التهديدات الكبيرة - وسوف نفعل ذلك ضد أي تهديد في المستقبل.

وقال الحوثيون في بيان لهم : جولات الصراع مع العدو لم تنتهِ وسيتلقى العدو الصهيوني بما ارتكبه من جرائم جزاءه الرادع.

طباعة شارك غارات إسرائيلية بلدة بنعفول قضاء صيدا جيش الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تشن 9 غارات جوية على جنوب لبنان
  • لبنان.. راشيا الوادي بلدة الحنين والجمال تروي ذاكرة الجبل
  • مشاهد من الجنوب... غارات إسرائيليّة جديدة تستهدف هذه البلدات (صور وفيديو)
  • غارة إسرائيلية تستهدف بلدة كفررمان جنوب لبنان
  • غارات إسرائيلية تستهدف أطراف بلدة بنعفول في قضاء صيدا
  • مسيرة إسرائيلية تستهدف بلدة بليدا جنوب لبنان أثناء قطف الزيتون
  • رغم اتفاق وقف إطلاق النار .. الاحتلال يقصف شرق غزة وخانيونس
  • إصابة 3 مدنيين في غارتين للعدو الصهيوني على جنوب لبنان
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي ينفذ تفجيرات كبيرة في بلدة ميس الجبل بلبنان
  • الجيش الإسرائيلي ينفذ تفجيرا كبيرا في حي الكساير في ميس الجبل