رسالة الجنجويد لعمدة مايرنو عبدالرحمن محمد طاهر بواسطة وكلائهم و معاونيهم ، كانت اشبه برسالة سليمان إلى بلقيس ، مفادها الاستسلام للجنجويد دون مقاومة …
اتصل حفيد المك عدلان الذي أعلن انضمامه للجنجويد عقب دخولهم مباشرة إلى سنجة ، و اتضح أنه كان متعاونا معهم في اسقاطها . اخبره المك في المكالمة بأن الجنجويد في طريقهم إلى مايرنو بعد سقوط سنجة و المرفع و ام شوكة والنورانية و كل مناطق شرق سنجة و لم يتبقى سوى مايرنو و سنار ليستلموا كافة الولاية و المدينتان محاصرتان من كل الجهات ، من الشرق جهة السوكي و قلاديمة وصولا الى تريرة التي يفصلها عن مايرنو منطقة الشيخ طلحة و النيل الازرق و كانت السلطات الامنية قد اوقفت و سحبت كل المواعين البحرية التي تربط مايرنو بالشرق و يمكن للجنجويد ان يخلوها ان احتلوا طلحة بالتدوين العشوائي ، و من الغرب استلم الجنجويد منطقة النورانية المعروفة بمايرنو الغربية و في الجنوب تعسكر قوات الجنجويد في جبل موية و تتناوش كبري العرب ، و هاهي الان تهاجم المنطقة من البوابة الجنوبية بعد احتلال كل المدن و القرى تجاه سنجة ، مما يعني الا مخرج لمحلية سنار من كماشة الجنجويد .


طلب هدهد الجنجويد من عمدة مايرنو أن يخرج مع أهل منطقته لاستقبال موكب الجنجويد وسط زغاريد النساء وتهليل الرجال و هتافات الشباب و بهجة الأطفال ، و وعدوا بانهم لن يؤذوا اهل المنطقة . فقط بعض الصور و الفديوهات للتوثيق بأنهم اسقطوا مايرنو و حرروها من دولة ٥٦ فيعودوا ادراجهم بدون أن يؤذوا احد …
رغم ما عرف به العمدة بحرارة القلب و قوة الشكيمة الا انه ايضا كان حكيما فكظم غيظه و لم يلعن حامل الرسالة كما تفعل الملوك، إنما طلب مهلة ليستشير أعيان المنطقة ، فهو لا يستطيع أن يقرر عنهم هذا الأمر المصيري …
كان رد الاعيان على الطلب قويا و متوقعا، بأنهم لن يسمحوا للجنجويد أن يدنسوا أرضهم الطاهرة الا وهم في باطنها . بالرغم من إشارة البعض للأخبار التي تشير لقوة تجهيزات الجنجويد و كثافة الجنود و السلاح الذي حشد لهذه المعركة ، لكن الرد كان جاهزا في مثل هذه النقاشات : (( الذين قال لهم الناس ، ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )) …
نقاشات شابهت تماما انقسام اسلافهم في الدولة الفودية (دولة عثمان بن فودي) عندما هجم الاستعمار على الإسلام في غرب أفريقيا. فكانت سببا أن يكونوا في هذه البقعة المباركة .
كان الطرف الأول يرى ضرورة مواجهة الانجليز وقتها و ساق كل منهم الادلة الشرعية التي تجيز لهم ذلك . و اسلاف اهل مايرنو أخذوا بفتوى القاضي عبدالله ، الذي استند على الاية ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا فيم كنتم ، قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا الم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ، فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا )) ، فأفتى لهم بوجوب الهجرة لحفظ الدين من الكفار المستكبرون . فكانت اكبر هجرة في نهايات القرن الثامن عشر إلى هذه المنطقة ، و التي كانت عبارة عن غابات تعرف بغابة الجن . فاستصلحوها و عاشوا و ماتوا فيها وخلفوا هؤلاء…
لكن الآن فكرة هجرة أخرى غير واردة ، فاما الاستسلام للجنجويد ، أو المقاومة حتى الشهادة …
فكان الرأي الغالب و بالإجماع بعد نقاش طويل هو المقاومة . لمعرفتهم بأن الجنجويد اذا دخلوا قرية فعلوا فيها ما قالت بلقيس لأعيان مملكتها:( إن الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا اعزة أهلها اذلة ) . اذا كان هذا حال الملوك فما بالنا بهؤلاء الاوباش الذين يشفشفون و ينهبون و يغتصبون و يدمرون ..
كان قرار أعيان مايرنو عدم تسليمها للجنجويد طوعا، فرد العمدة لوسيطهم بأن طلبهم مرفوض من أهالي المنطقة و لن يخرجوا ليسلموا بلدتهم لاحد ، و سيدافعون عنها حتى الشهادة .
في ذات المساء جمعوا شباب و اهل المنطقة في لقاء جماهيري كبير ، اخبروهم بمطالب الجنجويد التي رفضوها حفاظا على المنطقة و أهلها، كانت الكلمات و الخطابات ملهمة لأفئدة الشباب و الشيوخ و النساء ، توافق الجميع على الثبات و مواجهة الجنجويد فقد اثبتت التجارب بأنه لم تسلم منطقة من اذاهم و شرهم حتى لو دخلوها سلما وبدون مقاومة ، لم تسلم من قتل و اذلال الاعيان و انتهاك الحرمات و نهب الممتلكات …
لذا قال احد الاعيان و هو محسوب من الكيزان ، بأنه كمعتمد سابق اول المطلوبين في المنطقة للقتل حسب ما تسرب من الكشوفات المرفوعة للجنجويد ، لكنه مع بقية زملائه لن يغادروا المنطقة ابدا ، اما النصر او ان تدفن اجسادهم هناك …
و الحقيقة تقال اتفقنا أو اختلفنا معهم الا ان الكيزان في مايرنو ضربوا مثلا في الرجولة و الفراسة ، لم يهربوا أو ينسحبوا و يتركوا أهلهم رغم معرفتهم بأن ارجوزات الإمارات ستسحلهم و تُمثل بهم أن دخلت مايرنو حربا أو سلما . لكنهم ثبتوا و حثوا الناس و الشباب على الثبات و المواجهة حتى يتحقق النصر …
كان رأي البعض أن يغادر السلطان إلى مكان آمن ، حتى إذا سقطت المنطقة الا يكون موجودا فيها ، الا انه رفض ذلك في شجاعة نادرة مرددا حسبنا الله ونعم الوكيل ، و كان ثباته و معه قيادات المنطقة سببا في ثبات الجميع .
انفض اللقاء في تلك الامسية ب تعاهد الجميع على الثبات و المواجهة بنفوس ممتلئة بالحماس .
ولسوء حظ الجنجويد، انهم هجموا على المنطقة في صباح اليوم التالي مباشرة ، استيقظ المواطن فجرا على أصوات السلاح و لازالت نفسه مشحونة بحماس اللقاء الذي دار بالأمس …
كانت خطة الجنجويد هي تمويه الجيوش بمهاجمة كبري عرب و كجيك و حلة البئر لصرف النظر عن مايرنو ، و سحب الجنود غربا إلى تلك المناطق . بدأ الهجوم هناك في الساعة الثالثة صباح الحادي عشر من يوليو ، ذاك اليوم يمثل تاريخا جديدا ليس لمايرنو و سنار فقط بل لكل السودان ، لأن دخول الجنجويد إلى مايرنو يعني سقوط سنار و إستلام كافة الولاية مما يسهل لهم اجتياح النيل الأبيض و القضارف و من ثم حصار و إسقاط النيل الأزرق. بعدها لن تستطيع اي قوة أن تقف أمامهم. لكن قدر المولى عز وجل و ارادة المواطن و القوات في محور مايرنو وسنار المختلفة ودعوات الرجال و النساء و ابتهالاتهم غيرت تلك الخارطة السوداوية.
جاءت الإشارة إلى الجنجويد بالتوجه نحو مايرنو في عدد كبير من السيارات و الجنود المدججين بأسلحة ضخمة أكثر من مئتي تاتشر مدججة ، بدأت المعركة بكثافة نيرانية كبيرة جدا ثم الضرب بالمسيرات، فكانت اول مسيرة سقطت في مدخل مايرنو الغربي فأودت بحياة اول شهيد ، الشاب عبدالرؤف ابن عمدة مايرنو و عدد كبير من المصابين …
سوء حظ الجنجويد في اختيار توقيت الهجوم كان من جنود المعركة، فقد كان انسان مايرنو في تلك اللحظة جاهز تماما للمواجهة و الثبات ..
فقد خرج الشباب و المواطنين كل بما يملك من سلاح و أدوات الدفاع عن النفس ، البعض كان مسلحا بالاسلحة النارية ، لكن معظم المواطنين كانو باسلحة بدائية من نِشاب وسيوف و عصي و حراب ، أسلحة الآباء التراثية المعلقة في حوائط الغرف و التي لا تتحرك الا عند الذهاب إلى صلاة العيد ، فكان العرف المتوارث منذ تأسيس المنطقة أن يخرج الجميع إلى صلاة العيد بما يملك من سلاح . تلك الأسلحة البدائية حملها الناس و تدافعوا بها نحو الدفاعات المتقدمة لمواجة الجنجويد . كان الجميع يستشعر خطر دخول الجنجويد إلى المنطقة .
وقتها كان الجنجويد قد حشدوا جيوشهم وألياتهم، فبدأ بإطلاق نيران المدافع و الهاونات و الرباعي و الثنائي و عدد كبير من المسيرات ، لكن برحمة من الله طاشت كلها عن اهدافها .
بينما كان الشباب و الاطفال يساندون القوات المسلحة كان الكهول يتضرعون إلى المولى عز وجل في المساجد والخلاوي بالنصر على الاوباش . كان ذكر حسبنا الله و نعم الوكيل، ولا حول ولا قوة الا بالله، وسورة يس اوردا ثابتة في كل البيوت و المساجد …
من لا يحمل سلاحا كان يساعد الجنود ، فالبعض يذهب إلى النيل لجلب الماء لسقاية الجنود ، أسرة كاملة استشهدت و هي تمارس السقاية ، الوالد مصطفى يجلب الماء من النيل و أبناءه يقومون بسقاية الجنود ، احد القناصين صوب نحو الطفل مبارك مصطفى الذي كان يسقي احد الجنود فارداه شهيدا في الحال . بعد ساعتين اصاب القناص شقيه ادم و هو يؤدي نفس الدور . و استشهد بعدها متأثرا بجراحه ، بعد المعركة بأيام اصيب والدهم مصطفى بالكوليرا التي اجتاحت المنطقة و مات شهيدا …
كان القناصون يركزون على الشباب الذين يؤدون الخدمات المهمة للجيش خاصة السقاة، كان الاستاذ الشاب مدير المدرسة منصور يتحرك يمينا و يسارا يسقى الجنود ايضا حينما صوب القناص نحوه فارداه شهيدا . في هذه المعركة استشهد أكثر من عشرة من خيرة أبناء المنطقة ، كانت دماءهم ثمنا لدحر الجنجويد و تأمين بوابة سنار الجنوبية …
الشي الذي ادهش الجنود بأن بعض شباب مايرنو تعلموا ضرب النار في نفس اللحظة ، شرحوا لهم كيف يستخدم السلاح ، فاظهروا مهارات عالية في الضرب و الهجوم بضراوة، كانو يصطادون الجنجويد كالطير … بعض الاطفال كان يعبئ الرصاص في الدوشكا و القرنوف بالرغم من انهم يرون هذه الأسلحة لأول مرة . هذه السردية واقع حصل في معركة مايرنو و ليست من نسج الخيال ، و الجنود شهود على هذه المعجزات التي حدثت في ذاك اليوم ، بعض الجنود كانو يحاولون أبعاد الشباب صغيري السن لكنهم كان يندفعون في مواقف بطولية بثت الشجاعة في نفوس الجنود ..
عندما عجز الجنجويد عبور الكبري بسبب إغلاقه بكونتينر و بسبب كثافة النيران من كل الجهات التف بعضهم إلى نهاية الترعة عند النيل و عبروا إلى خلف دفاعات الجيش ، كانت هناك امرأة خرجت من بيتها مع أطفالها الثلاث من منطقة عريديبة مكان انطلاق النيران قاصدة الهروب شمال إلى داخل مايرنو ، لكن كثافة النيران جعلتها تختبئ خلف بعض الشجيرات و تخبئ أطفالها و تغطيهم بجسدها، عندما وجدها الجنجويد على هذه الحالة اردوها بوابل من الرصاص هي و أطفالها فماتوا في الحال …
كانت المواجهات في النقطة صفر ، فقط الترعة هي الفاصل بين الجيشين و الجنود و المسنفرين اظهروا بطولة و شجاعة نادرة في هذه المعركة …
في نفس اللحظة كانت تدور معركة تمويهية في كبري العرب غرب مدينة سنار . قامت قوات العمل الخاص بردعهم بقيادة البطل الرائد الشوبلي الذي يستحق أن يكون فريق ، لما اداه في منطقة سنار ، بل كل الضباط و الجنود و المستنفرين يستحقون ذلك .
لحظات رعب حقيقية عاشتها المنطقة في ذاك اليوم ، القائد الفذ اللواء علي بيلو كان يجوب و يتفقد جنوده ذهابا و ايابا ، و عندما اصيب احد جنوده قائد الدوشكا الذي يحبس الجنجويد من التقدم ، استلمها منه القائد علي بيلو بنفسه . كانت معركة اشترك فيها كل الضباط و قادة محور سنار في الصفوف الامامية ….
معركة مختلفة تماما عن كل المعارك ، كانت ستحدد سيطرة الجنجويد و الإمارات على السودان إلى الأبد ، أو سيندحر التمرد إلى الأبد، فعلا كانت الفاصلة ، قرر الجميع الا يمر الجنجويد إلى سنار الا على اجسادهم، في تلك اللحظات العصيبة و بعد أن بلغت القلوب الحناجر، ظهرت قوات العمل الخاص بقيادة الشوبلي بعد ان دحروهم في كبري العرب . بمجرد ان رأى الجنجويد قوات العمل الخاص ، اطلقوا صافراتهم و تقهقروا هاربون، هربوا و هم يرددون كالمجانين البراءون البراءون، حملوا معهم بعض الجثث من أصحاب المصارين البيض و تركوا جثث الرعاع غذاءا للكلاب و الصقور …
معركة استشهد فيها قائد كتيبة البراء و العديد من شبابهم الذين استبسلوا في شجاعة نادرة تضرب بها الأمثال ….
معركة ١١ يوليو ٢٠٢٤ يجب ان تخلد و يكرم شهدائها لأنها كتبت بدمائهم ميلادا جديدا للسودان بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من سقوطه في أيدي الأوباش . لكن ارادة الله كانت أقوى منهم و من الدويلة التي كانت تنتظر هذه المعركة بفارغ الصبر، الا انها اصبحت وبالا عليهم و نقطة النهاية لأحلامهم الطفولية و بداية لانطلاق الجيش و المواطن لدحر التمرد الآثم ….
الرحمة و المغفرة لكل الشهداء و الشفاء للمصابين .


سالم الأمين بشير / ديسمبر ٢٠٢٤

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: هذه المعرکة الا ان

إقرأ أيضاً:

معركة الفنادق مع بوكينغ.. ما الذي تعنيه للمسافرين؟

إذا كنت من عشاق السفر وحجز الفنادق عبر الإنترنت، فلا بد أن اسم "بوكينغ دوت كوم" (Booking.com) مرّ عليك مرات لا تُعد. هذه المنصة العالمية العملاقة للحجز الفندقي، ومقرها في هولندا، أصبحت الوجهة الأولى للمسافرين في أوروبا والعالم، لكنها اليوم تقف في قلب معركة قانونية كبرى قد تغيّر طريقة حجزنا للغرف الفندقية إلى الأبد.

قبل أيام فقط، أعلنت أكثر من 10 آلاف فندق من مختلف الدول الأوروبية انضمامها إلى دعوى قضائية جماعية ضد "بوكينغ" أمام محكمة في العاصمة الهولندية أمستردام.

اقرأ أيضا list of 3 itemslist 1 of 3أبرز 7 تطبيقات للسفر 2025.. تعرف عليهاlist 2 of 3كيف تسافر بأقل التكاليف في الطيران والإقامة والتنقل؟list 3 of 3سفر أكثر ذكاء و أقل كلفة.. 4 توصيات لصيف 2025end of list

هدف هذه الفنادق كان واضحا وهو الحصول على تعويضات عن خسائر استمرت 20 عامًا بسبب ما، يُعرف ببنود أفضل الأسعار.

ما قصة "أفضل الأسعار"؟

بند "أفضل الأسعار" هي سياسة كان يفرضها عملاق الحجز على الفنادق، إذ يلزمها بعدم عرض أسعار أرخص مما يعرضه على المواقع الرسمية لتلك الفنادق أو على أي منصة منافسة لبوكينغ.

على مدى سنوات طويلة كان بوكينغ يفرض على الفنادق ألا تعرض على مواقعها أسعار أدنى مما يعرضه على منصته (شترستوك)

قد يبدو هذا الأمر للوهلة الأولى حماية للمنصة مما يُسمى "الانتفاع المجاني"، أي أن يبحث المسافر عن الفندق على المنصة، ثم يذهب للحجز مباشرة من موقع الفندق بسعر أقل.

ولكن على أرض الواقع، أدت هذه البنود إلى التالي:

حرمان الفنادق من حرية التسعير وإجبارها على رفع الأسعار لتغطية العمولات العالية التي تذهب لمنصة بوكينغ. ثانيا، شفافية أقل تجاه المسافرين، إذ تبدو الأسعار موحّدة ولا تمنح الفرصة للعميل للحصول على العروض المباشرة الأرخص. ثالثا، إضعاف المنافسة في السوق لصالح المنصة العملاقة على حساب المواقع والمنصات الصغيرة والناشئة. القضاء يدخل على الخط

لم تأتِ الخطوة القانونية للفنادق ضد عملاق الحجز من فراغ، ففي 19 سبتمبر/أيلول 2024، أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكما اعتبر بنود "أفضل الأسعار" مخالفة لقوانين المنافسة في الاتحاد الأوروبي.

الحجز الفندقي الإلكتروني أصبح هو الغالب على باقي أصناف الحجز ما يجعل التنافس على هذه السوق كبيرا (غيتي)

ورغم أن "بوكينغ دوت كوم" ألغت هذه البنود في يوليو/تموز 2024 بعد إدراجها كـ "حارس بوابة" بموجب "قانون الأسواق الرقمية"، فإن الضرر الاقتصادي على الفنادق ظل قائمًا، خاصة وأن هذه السياسة كانت مطبقة منذ 2004 وحتى 2024.

إعلان

الآن، تطالب الفنادق الأوروبية منصة بوكينغ بتعويض عن الخسائر التي نجمت عن هذه البنود، والتي تمثلت في عمولات مرتفعة وأسعار مقيدة. وتقود هذه الجهود منظمة الضيافة الأوروبية "هوتريك"، بالتعاون مع أكثر من 30 اتحادًا وطنيًا للفنادق في أكبر تحرك قانوني من نوعه في قطاع الضيافة الأوروبي.

أي تأثير على المسافر؟

أولا زيادة الشفافية: ستصبح الأسعار المباشرة على مواقع الفنادق متاحة بوضوح، ما يمنح فرصة للحصول على عروض أرخص مقارنة بالسابق. فالمسافر لن يكون مضطرا للاعتماد على سعر موحد تفرضه منصات الحجز الكبرى، بل يمكنه مقارنة الأسعار بين الموقع الرسمي للفندق والمنصات المختلفة لاختيار الأنسب له.

فئة من المسافرين أصبحوا يفضلوا الحجز مباشرة عبر مواقع الفنادق عوض اللجوء إلى منصة بوكينغ سعيا وراء خفض الكلفة(غيتي)

ثانيا انخفاض التكلفة النهائية: وذلك نتيجة تحرر الفنادق من العمولات المرتفعة والقيود التسعيرية، وبالتالي يمكنها تقديم خصومات أو عروض خاصة مباشرة للمسافرين، وهذا يعني أن ما يدفعه السائح سيعكس القيمة الحقيقية للإقامة، من دون تكاليف خفية ناتجة عن سياسات منصات الحجز.

ثالثا تنوع المنافسة: ستتمكن المنصات الصغيرة والناشئة من المنافسة على تقديم خدمات مبتكرة وأسعار جذابة، ما يوسع خيارات المسافر ويخلق عروضا أفضل وأكثر تنوعا. وهذا قد يشمل مزايا إضافية مثل وجبات الإفطار المجانية أو خصومات على الإقامات الطويلة.

رابعا، تجربة أكثر عدالة ومرونة: مع اختفاء القيود القديمة، سيشعر المسافر بحرية أكبر في اختيار المنصة التي يفضلها للحجز، سواء عبر موقع الفندق مباشرة أو عبر منصة أخرى، من دون القلق من دفع مبالغ إضافية بسبب الاتفاقيات المبرمة بين الفنادق والمنصات.

باختصار، فإن نجاح هذه الدعوى القضائية لا يعود بالنفع على الفنادق فحسب، بل قد يفتح بابًا أمام مرحلة جديدة من التنافسية والشفافية في سوق الحجز الفندقي الإلكتروني، ما يمنح كل مسافر تجربة أفضل وأسعارًا أكثر عدالة.

أكبر من معركة تعويضات

هذه القضية تكشف الجانب الخفي لعصر الحجز الإلكتروني، ففي عام 2023، استحوذت شركة بوكينغ على نحو 71% من سوق الحجز الإلكتروني في أوروبا، بينما تراجعت نسب الحجز المباشر للفنادق. هذه الحصة الكبيرة للعملاق الهولندي جعلت الفنادق تعتمد كليا عليه كمنصة للوصول إلى العملاء، رغم تكلفتها العالية.

ويبلغ عدد مستخدمي تطبيق بوكينغ حول العالم 135 مليون مستخدم في العام 2014، بلغد عدد مرات الحجز عبر بوكينغ 1.1 مليار ليلة في السنة الماضية.

وتعد منصة بوكينغ أكبر وكالة سفر عبر الإنترنت من حيث حجم الحجز والإيرادات، وهي مسؤولة عن 25% من جميع حجوزات الفنادق حول العالم وفقا لمنصة "بيزنس أو آبس"، بلغ حجم الحجوزات عن طريق بوكينغ 165 مليار دولار، وحقق التطبيق صافي دخل بقيمة 5.8 مليارات دولار في عام 2024.

نتيجة الدعوى القضائية المرفوعة ضد بوكينغ في هولندا سيكون لها تأثير في سوق الحجز الإلكتروني بأوروبا (رويترز)

وهذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها "بوكينغ" عقوبات، فقد فرضت إسبانيا عليها غرامة قدرها 413 مليون يورو بسبب إساءة استغلال موقعها المهيمن، وفرض شروط غير عادلة.

إعلان

ورغم أن الشركة استأنفت هذه القرارات، إلا أن الضغوط القانونية والتنظيمية تتصاعد عليها في أكثر من دولة أوروبية.

نحو سوق أكثر عدالة

إن انضمام آلاف الفنادق الأوروبية إلى هذه الدعوى ليس مجرد محاولة للحصول على أموال، بل هي رسالة قوية بأن سوق الحجز الفندقي يجب أن تكون عادلة.

وأما بالنسبة للمسافرين، فقد تفتح هذه المعركة القانونية الباب أمام عصر جديد من المنافسة والشفافية في أسعار الغرف، حيث يمكن الحصول على أفضل العروض دون قيود خفية.

ومع اقتراب المحاكم من البت في التعويضات، ربما نشهد في السنوات القادمة إعادة رسم خريطة سوق الحجز الفندقي الأوروبي بطريقة تضمن حقوق الفنادق وراحة المسافرين في الوقت نفسه.

إذا كنت تحجز من بوكينج وتظن أنك ذكي اقرأ هذا

لعشرين سنة، بوكينج كان يبيعك وهم أفضل سعر.

كنت تفتح موقعه تشوف السعر تروح لموقع الفندق نفسه تلقاه نفس
السعر أو أغلى.

فتقول: بوكينج هو الأرخص.
الحقيقة أنت كنت في فخ محكم الإغلاق.

الفخ اسمه بند أفضل سعر
(Best
Price Clause).

شرط… pic.twitter.com/Hh83iC5U0L

— منطـــقي (@KwRedpill) August 9, 2025

هذه القصة تذكير بأن رحلة السفر تبدأ قبل الوصول إلى الفندق؛ تبدأ من سوق عادلة وحرية اختيار حقيقية للمسافرين.

بين الماضي والحاضر

ويبقى أن القارئ الذي لم يقم بتجربة الحجز الفندقي الإلكتروني ربما يحتاج لبعض التوضيح..

ففي الماضي، لم يكن حجز الفنادق كما هو الآن، فقد كان على المسافر أن يتواصل مع الفندق هاتفيا أو يقوم بزيارة إحدى وكالات السفر أو حتى الذهاب شخصيا إلى استقبال الفندق لحجز غرفة (إذا كان قد وصل بالفعل إلى وجهته).

وقتها كان المسافر يعتمد في هذا الشأن على دليل السفر الورقي أو توصيات محلية، أو حتى بعض الحظ للحصول على إقامة فندقية مناسبة.

ولكن في العقدين الماضيين، شهدت صناعة السفر تحولا رقميا كاملا، فأصبح بإمكان المسافر حجز غرفته بعدة نقرات فقط عبر الإنترنت، بفضل منصات حجز الفنادق المنتشرة عبر الإنترنت، سواء المواقع أو التطبيقات أو صفحات مواقع التواصل، وأشهرها "تريب أدفايزور" و"أغودا" و"إكسبيديا" و"بوكينغ" وتريبس".

ويعد "بوكينغ دوت كوم" اليوم أحد أكبر مواقع الحجز الفندقي في العالم، إذ يتيح للمسافر تصفح آلاف الفنادق، ومقارنة الأسعار فورا، وإتمام الحجز والدفع إلكترونيا، وذلك دون أي حاجة للتواصل المباشر مع الفندق.

مقالات مشابهة

  • غانم العطار.. معركة صمود امتدت من مقاعد الجامعات لطوابير البحث عن الحياة
  • غانم العطار.. معركة صمود امتدت من مقاعد الجامعات لطوابير الحياة
  • خبير إسرائيلي: كذب نتنياهو حول المشاهد بغزة يدفع الجنود للانتحار
  • هل يشارك الجنود الأمريكيون في الحرب على غزة؟.. جنرال متقاعد يفجر جدلا برسالة غامضة
  • النقابة التونسية تدفع ثمن خياراتها السياسية
  • الاحتلال يصادق اليوم على تجنيد آلاف الجنود لحرب غزة
  • أزمة نفسيّة متفاقمة داخل “الجيش” الإسرائيلي
  • معركة الفنادق مع بوكينغ.. ما الذي تعنيه للمسافرين؟
  • لحج.. ضبط رافعات مخصصة لإنزال حاويات السفن كانت في طريقها إلى الحديدة
  • الهند تعلن إسقاط 6 طائرات باكستانية خلال الحرب