"يا فرحة ما تمت"، بهذه العبارة يصف الحاج عبد الحميد الفجر حال بلدته الواقعة في ريف إدلب الجنوبي شمال سوريا، بعد عودته إليها في 30 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، عقب تحريرها.

فرحة الفجر سرعان ما تلاشت بسبب تغيّر معالم بلدته لأن جميع أشجارها اقتلعت ومعظم منازلها هدمت.

كان لدى الفجر 5 آلاف شجرة زيتون، تدر عليه سنويًا أطنانًا من الزيت، يبيعها ويعيش من خيراتها، وما يفيض منها كان يدّخره لشراء أراضٍ جديدة وتوسيع رأس ماله.

وعند عودته، فوجئ بأراضيه وقد تحوّلت إلى أرض جرداء، بعد اقتلاع جميع الأشجار من جذورها على يد عناصر نظام الأسد.

يقول الفجر في حديثه للجزيرة نت: "قريتي حاس لم تسلم فيها شجرة واحدة، علمًا أن عدد أشجار الزيتون فيها يُقدّر بنحو 140 ألف شجرة".

وأوضح أن عملية الاقتلاع لم تقتصر على قريته فقط، بل امتدت لتشمل عشرات القرى والمناطق من ريف إدلب الجنوبي حتى ريف حماة الشمالي وسهل الغاب.

ويشير الفجر إلى أن نحو 90% من السكان يعيشون على الزراعة، خاصة الزيتون والمواسم الصيفية والتين، موضحا أن معظم هذه الأشجار يزيد عمرها عن100 عام، وأن استعادة إنتاجيتها تحتاج إلى أكثر من 15 عامًا، وهو أمر مكلف للغاية.

إعلان كارثة اقتصادية

شكل اقتلاع عشرات آلاف الأشجار المثمرة من جذورها -خصوصًا الزيتون والتين والرمان- ضربة قاصمة للقطاع الزراعي في ريف إدلب الجنوبي، الذي يعتمد في اقتصاده على الزراعة البعلية كمصدر رئيسي للدخل والغذاء.

تقدّر خسائر المزارعين في قرى جبالا وكفرنبل وحدها باقتلاع نحو 200 ألف شجرة زيتون (الجزيرة)

وكانت هذه الأشجار تشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي، وتوفّر دخلًا مستقرًا نسبيًا للأهالي رغم ظروف الحرب. ومع تدمير هذا الغطاء النباتي، فقدَ الأهالي مصدر رزقهم الرئيسي، مما تسبب في ارتفاع معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

مأساة

يؤكد ياسر المحمود، وهو مزارع يعمل في شراء وبيع الأراضي الزراعية، أن عدد السكان المتضررين من عمليات القلع الممنهج يتراوح بين نصف مليون إلى مليون نسمة.

ويُقدّر عدد الأشجار التي اقتلعت من جذورها بمئات الآلاف، بينما قطعت ملايين الأشجار جزئيًا.

ويقول المحمود: "منطقة بين جبالا وكفرنبل وحدها اُقتلع منها نحو 200 ألف شجرة زيتون، علمًا أن 90% من سكان هذه القرى يعتمدون على الزراعة وبيع المحاصيل لتأمين قوتهم طوال العام".

ويضيف أن هذه الأراضي الممتدة من ريف إدلب الجنوبي إلى ريف إدلب الشرقي وريف حماة الشمالي وسهل الغاب، كانت تدر في مواسم عشرات ملايين الدولارات سنويًا من منتجات الزيت والتين والفستق الحلبي، وتصدر إلى خارج سوريا.

ويؤكد محمود أن فقدان هذه الأشجار المعمّرة لا يمكن تعويضه سريعًا، إذ تحتاج الأشجار الجديدة سنوات حتى تبدأ بالإنتاج، ويقول إن الاقتلاع أدّى إلى تآكل التربة وزيادة هشاشتها أمام عوامل التعرية، مما أثر سلبًا على جودة الأراضي الزراعية وأضعف إنتاجية المحاصيل الموسمية الأخرى.

%90 من سكان ريف إدلب الجنوبي يعتمدون على الزراعة مصدرا رئيسيا للعيش (الجزيرة) النزوح من الأرض إلى الخيام

دفعت هذه الأوضاع كثيرًا من المزارعين إلى هجر أراضيهم أو تغيير أنماط الزراعة إلى محاصيل سريعة النمو لكنها أقل مردودية.

وفي ظل تدمير منازلهم، لجأ كثير منهم إلى الإقامة في الخيام، محاولين التكيف مع الواقع الجديد، مما ساهم في تراجع التنوع الزراعي التقليدي في المنطقة.

من جانبه، تحدث محمد الحمادو من مدينة خان شيخون، التي يقطنها نحو 150 ألف نسمة، عن معاناته: "فقدت حقلي الذي يحتوي على نحو ألف شجرة فستق حلبي، قبل أسبوع فقط من تحرير المدينة، بعد أن فقد الضباط الأمل في استثمار الأرض من جديد".

إعلان

ويضيف الحمادو في حديثه للجزيرة نت، أن هناك ورشات يجلبها متعهدون يتفقون مع الضباط على قطع الأشجار وبيعها في الأسواق بأسعار زهيدة، ثم تُتقاسم العائدات بين المتعهد والضابط المسؤول عن المنطقة.

ويضيف: "خسائر المزارعين لا تُقدّر بثمن، وما جرى يُعد إبادة ممنهجة للأشجار من جيش النظام السابق، وربما لن تُعوض إلا بعد مرور أجيال، خصوصًا وأن المزارعين لا يزالون في حيرة من أمرهم بشأن نوع الزراعة المناسب لأراضيهم بعد فقدان غطائها النباتي".

مطالبات بالعدالة والمحاسبة

وطالب السكان والمزارعون الحكومة السورية الجديدة بملاحقة المتعهدين والضباط والورشات التي شاركت في عمليات التدمير، ومحاسبتهم قانونيًا والحصول على تعويضات ضمن مسار العدالة الانتقالية المنتظرة.

ويقول الحقوقي السوري أحمد الأيمن: "من المفترض أن تشكل الحكومة محاكم خاصة لاستقبال دعاوى المتضررين، وخصوصًا أصحاب الأراضي، وملاحقة كل من شارك في عمليات القطع والبيع، وسجنهم وتغريمهم مقابل ما اقترفوه بحق السكان".

ويضيف في حديثه للجزيرة نت، أن مسار العدالة الانتقالية يجب أن ينطلق بأسرع وقت، لأن التأخر فيه قد يفتح أبوابًا للانتقام الشخصي، مما يهدد السلم الأهلي الذي تسعى الحكومة إلى الحفاظ عليه.

ويبقى المزارعون في ريف إدلب الجنوبي بانتظار تحرك فعلي من الجهات المعنية، لوقف نزْف الأرض وتعويض المتضررين، في وقت لا تزال فيه آثار الحرب تلاحقهم حتى في أرزاقهم، وتعيق حلم العودة الكاملة إلى حياتهم الزراعية التي عرفوها سنوات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ریف إدلب الجنوبی على الزراعة ألف شجرة

إقرأ أيضاً:

لوحة جدارية تزين مدخل مدينة طرطوس الجنوبي بطول 180 متراً

طرطوس-سانا

زينت مدخل طرطوس الجنوبي لوحات جدارية فنية مستوحاة من صور فوتوغرافية لمختلف أرجاء المحافظة تعبر عن هويتها الخاصة ومعالمها المميزة.

وجاء تنفيذ هذه اللوحات بمبادرة من فريق لون الحرية، بالمشاركة مع سبعة فرق تطوعية وأهلية عملت على إبراز المعالم الجمالية للمدينة.

وأوضح المشرف على الوحدات الإدارية في محافظة طرطوس عبد الفتاح الخطيب لمراسلة سانا أن هذه اللوحات التي حملت عنوان (هويتنا بجدارية) عبارة عن منظر جمالي لتجميل المدخل الجنوبي، وخطوة أولى في تحسين المنظر العام للمدينة، ضمن مساعي المحافظة لدعم الفرق المتطوعة وفرق المجتمع المدني في الأعمال التطوعية والخدمية في طرطوس، حيث تم تزويد الفرق بالتجهيزات وفرق الصيانة لتنظيف الطرقات.

مصمم الجدارية المهندس المعماري عمر زين أوضح أنه استند على صور فوتوغرافية التقطت في أرجاء طرطوس بحراً وجبلاً وسهلاً بكل الفصول، فضلاً عن معالم المدينة وبماذا تشتهر من مناطق سياحية وتربية النحل والحمضيات والآثار، لرسم هذه اللوحة بطول 180 متراً، حيث استغرق تنفيذها 15 يوماً.

ولفت زين إلى أنه تم الربط بين الصور عن طريق الخطوط للإيحاء بأنها قصة، باستخدام ألوان الحرية لإضفاء طاقة إيجابية على المارين بقربها، ومعتمداً الألوان الأبيض والأخضر والأحمر كألوان أساسية في الرسم ومن ثم الدمج بينها.

وبين محمد قدور من فريق لون الحرية أن الهدف من رسم الجدارية إعطاء هوية بصرية عن طرطوس لتعبر عن هويتها بمشاركة فرق “الدفاع المدني، وأهلاً بأثرك، ونبض، وويف، وجسور الأمل، ولون الحرية، وفريق في”.

تابعوا أخبار سانا على 

مقالات مشابهة

  • الشواطئ المغربية تُشهر منع نصب الخيام والطاولات في وجه الفوضويين
  • بدون إصابات.. سقوط شجرة ضخمة في حلوان| صور
  • السيطرة على حريق محل فى منطقة الزيتون
  • في هذه البلدة الجنوبيّة... مسيّرة إسرائيليّة تستهدف شابًا!
  • السيطرة على حريق اندلع داخل مخزن فى منطقة الزيتون.. صور
  • لماذا يجب ألا نبالغ في الهوس بزيت الزيتون؟
  • لوحة جدارية تزين مدخل مدينة طرطوس الجنوبي بطول 180 متراً
  • مكوّن الحراك الجنوبي يدين العدوان الأمريكي على إيران
  • الحراك الجنوبي يدين العدوان الأمريكي على إيران
  • عباد يطلع على مبادرة لزراعة الأشجار وحملة لإزالة العشوائيات بمديرية الثورة