أكّدت ندوة «الإعلام والهوية الوطنية.. استراتيجيات تعزيز القيم»، التي نظّمتها جمعية الصحفيين العمانية بمسرح الجمعية اليوم، برعاية معالي الدكتور عبدالله بن محمد السعيدي، وزير العدل والشؤون القانونية، على أهمية وجود استراتيجية وطنية شاملة تتبناها الجهات المسؤولة، تُعنى بتفعيل دور الإعلام بمختلف وسائله لتعزيز السمت العُماني، لاسيما في المجال الدرامي لما له من أثر عميق في تشكيل الوعي المجتمعي وترسيخ القيم الوطنية.

كما أوصت الندوة بضرورة صياغة سياسات وتشريعات إعلامية تضمن تحقيق التوازن بين الأصالة والانفتاح الواعي، بما يسهم في دمج المجتمع العُماني في العالم المعاصر دون التفريط بجذوره الثقافية، وأكدت على أهمية دراسة الآثار الاقتصادية والرقمية التي تهدد الثقافة الوطنية، مع البحث عن حلول مبتكرة للتقليل من تداعياتها السلبية.

وفي سياق دعم الحراك الثقافي، دعت الندوة إلى رعاية المبدعين وصنّاع المحتوى، وتمكينهم من تجسيد الهوية العمانية عبر محتوى رقمي مستدام يعزز مكانة سلطنة عمان الثقافية عالميًا، وشددت على ضرورة إشراك الشباب في تنفيذ أهداف «رؤية عمان 2040»، لا سيما في مجالات الهوية والمواطنة والتراث والثقافة الوطنية.

كما طالبت الندوة بـتكثيف الحملات الإعلامية والإعلانية التي تبرز مضامين الهوية الوطنية، إلى جانب تزويد المجتمع بالمعلومات الكافية لتعزيز قيم المواطنة والانتماء الوطني، مع ضرورة رصد التحديات المجتمعية والعمل على التصدي للأفكار الدخيلة التي تهدد نسيج المجتمع العُماني.

ومن أبرز التوصيات التركيز على تعليم الأطفال والناشئة الهوية العمانية بأساليب تربوية حديثة وإبداعية، والحرص على إجراء دراسات أكاديمية معمقة لتوضيح ملامح الهوية الوطنية، فضلاً عن ضرورة إعادة توجيه المناهج التربوية لترتكز على مهارات التربية الذاتية، وبناء شراكات مجتمعية فاعلة بين المؤسسات التربوية والإعلامية، بعيدًا عن الفعاليات الشكلية، بما يضمن دمج الهوية الوطنية في الحياة اليومية للمجتمع.

وأكدت الندوة أن الإعلام التربوي الهادف يشكل خط الدفاع الأول في معركة الهوية، مما يستوجب تحفيز المؤسسات الإعلامية على إنتاج محتوى متجدد يعزز الثوابت الوطنية.

وقال الدكتور محمد بن مبارك العريمي، رئيس مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية: إنّ الهوية الوطنية ليست شعارًا يُرفع، ولا كلمات تُردد فحسب، بل هي روحٌ نابضة تسري في وجدان كل مواطن عماني، تُجسد أصالة القيم التي تربى عليها، وتعكس عمق ارتباطه بتاريخه العريق وتراثه الأصيل.

وأشار إلى أن الهوية الوطنية ليست كيانًا جامدًا أو ثابتًا، بل هي كائن حي يتفاعل مع متغيرات الزمن، يستمد من الماضي جذوره العميقة، ومن الحاضر زخمه، ويتأهب للمستقبل بروح متجددة دون أن يفقد أصالته.

وأوضح العريمي أن الإعلام والمؤسسات التربوية والثقافية يقع على عاتقها دور محوري في تعزيز هذه الهوية، وترسيخها في عقول الأجيال؛ لتظل صمام الأمان في مواجهة التحديات الثقافية والفكرية والاجتماعية.

وأكد العريمي أننا نعتز بهويتنا التي تمزج بين الإرث التاريخي العريق والانفتاح الواعي على العالم، مما جعل سلطنة عمان أنموذجًا مشرقًا للتسامح والتعايش مع مختلف الثقافات دون أن تتنازل عن أصالتها أو تذوب في تيارات التغيير السريعة.

وأضاف أن العولمة رغم ما تتيحه من فرص للتواصل والانفتاح أصبحت تمثل تحديًا خطيرًا للهوية الوطنية، خاصة مع تدفق قيم ومفاهيم وافدة تتعارض مع موروثاتنا الأصيلة.

وبيّن أن الإعلام الغربي والمنصات الرقمية الحديثة تسعى أحيانًا إلى تطبيع أفكار دخيلة لا تتسق مع قيمنا الأخلاقية والاجتماعية، مما يفرض على الجميع تعزيز الوعي الوطني وتحفيز جهود الإعلام الوطني لبناء خطاب إعلامي قوي وواعٍ.

كما حذر من الحملات الفكرية التي تبث عبر وسائل الإعلام الغربية الحديثة، والتي تستهدف تقويض الروابط الأسرية، وإضعاف القيم الإسلامية والأخلاقية، ومحاولة تشويه التاريخ العُماني العريق بحجة الحداثة والتطور.

وختم العريمي كلمته بالتأكيد على أن بناء إعلام وطني صلب وقادر على حماية الهوية الوطنية أصبح ضرورة لا تحتمل التأجيل، مشددًا على أهمية تقديم محتوى إعلامي هادف ينمي الوعي ويرسخ الانتماء الوطني بين صفوف الناشئة.

الجلسة الأولى

دور الإعلام في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز القيم

اُستعرض في الجلسة الأولى محور (دور الإعلام في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز القيم) جوانب متعددة حول دور الإعلام في دعم الهوية الوطنية، حيث تحدث المكرم الدكتور صالح بن محمد الفهدي، عضو مجلس الدولة ورئيس مركز قيم، عن أهمية تعزيز السمت العماني والهوية الثقافية المتفردة.

كما تناولت الدكتورة ريا بنت سالم المنذرية، عميدة شؤون الطلاب بجامعة السلطان قابوس، أهمية التعليم والإعلام في بناء الإنسان العُماني، مؤكدة على تكامل الأدوار بين الإعلام والتربية لترسيخ الهوية الوطنية لدى الأجيال.

بدوره، أشار الدكتور سيف بن ناصر المعمري، رئيس المجموعة البحثية للتربية على المواطنة بجامعة السلطان قابوس، إلى أهمية المحتوى الثقافي والتاريخي باعتباره عنصرًا جوهريًا في بناء الهوية، داعيًا إلى توظيف الإعلام لتعزيز الوعي بالتراث العُماني وقيمه الراسخة.

وسلط الدكتور سيف بن سالم الهادي الضوء على تأثيرات العولمة الثقافية، محذرًا من مخاطر التداخل الثقافي العشوائي على الهوية الوطنية، ومؤكدًا على دور الإعلام العُماني في تحصين المجتمع ضد هذه التأثيرات من خلال خطاب إعلامي مستنير.

واتفقت الجلسة على أن الإعلام العُماني يمثل أداة حيوية لإبراز السمات الثقافية العمانية للأجيال الجديدة، وضمان الاستمرارية الثقافية رغم تحديات العصر الحديث.

الجلسة الثانية

كما ناقشت الجلسة الثانية محور (التحديات والفرص في مواجهة التغيرات العالمية)

حيث استعرضت المكرمة الدكتورة عائشة بنت حمد الدرمكية عضوة مجلس الدولة، رئيسة قسم الدراسات اللغوية والعامة بالجامعة العربية المفتوحة، التهديدات الثقافية التي تواجهها الهوية الوطنية نتيجة التأثيرات الإعلامية الغربية، مشيرة إلى ضرورة تعزيز الحصانة الفكرية والثقافية لدى المجتمع العماني.

وتناول المكرم الدكتور محمد بن سعيد الحجري رئيس اللجنة الاجتماعية والثقافية بمجلس الدولة التحديات التكنولوجية، لافتًا إلى أن التعامل مع الثورة الرقمية يجب أن يتم بحذر وذكاء، لضمان استخدام التكنولوجيا في دعم الهوية لا في تفتيتها.

وأشار الدكتور زكريا بن خليفة المحرمي طبيب وكاتب وباحث عماني إلى أهمية المواءمة الذكية بين الحفاظ على الخصوصية الوطنية والانفتاح على العالم، بحيث يتمكن العماني من التفاعل مع الحداثة دون التخلي عن جذوره الثقافية.

فيما عرج الدكتور محمد بن مبارك العريمي رئيس جمعية الصحفيين العمانية على مخاطر وسائل الإعلام الأجنبية، مشددًا على ضرورة إنتاج محتوى إعلامي محلي متجدد ومنافس قادر على التصدي للثقافات الوافدة.

وختمت الدكتورة حنان بنت محمود أحمد باحثة في الهوية الوطنية بمداخلة حول تعزيز الانتماء الوطني من خلال الإعلام التربوي، داعية إلى تبني مبادرات وطنية متكاملة لغرس قيم المواطنة لدى الأجيال الصاعدة.

وشددت الجلسة على أن مواجهة التحديات الإعلامية تتطلب توحيد الجهود الوطنية، وإيجاد خطاب إعلامي يعزز الأصالة ويواكب الحداثة.

وعلى هامش أعمال الندوة، افتتح معرض للصور جسّد جوانب متعددة من الثقافة العمانية، واستعرض ملامح التاريخ والتراث العريق لسلطنة عمان، مساهمًا في تعزيز الوعي بأهمية الهوية الوطنية، وضرورة حمايتها من الذوبان وسط العولمة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الهویة الوطنیة دور الإعلام الإعلام فی أن الإعلام الع مانی

إقرأ أيضاً:

الجوائز الثقافية الوطنية: منظومة تكرّم المبدعين وتوثّق الحراك الثقافي

رغم مرور خمس دورات على انطلاق الجوائز الثقافية الوطنية، وما يصاحب أمسيات إعلان الفائزين من احتفالات رسمية وحضور لافت، يبقى جزء كبير من العمل الفعلي بعيدًا عن أنظار الجمهور.
فبينما يرى الحضور فقط أسماء الفائزين ووميض عدسات الكاميرات ولحظة الصعود إلى المنصّة، تقف خلف هذه الصورة النهائية رحلة معقّدة تمتد أشهرًا، ترتكز على الفرز والتدقيق والمراجعة وصولًا إلى نتائج تعكس أعلى درجات الدقة والمصداقية.
أخبار متعلقة تتصدرها تبوك.. قائمة أقل درجات الحرارة في المملكة اليوم الخميسالدمام 20 مئوية.. بيان درجات الحرارة الصغرى على بعض مدن المملكةتبدأ العملية مع فتح باب الترشيحات، وهو تقليد رسّخته وزارة الثقافة منذ النسخة الأولى عام 2021، بحيث تُتاح الفرصة للمبدعين لترشيح أنفسهم، كما يُفتح الباب للمجتمع لترشيح أفراد ومؤسسات.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } تتويج الفائزين بالجوائز الثقافية الوطنية في دورتها الخامسة - حساب وزير الثقافة على إكستنوّع الملفات
هذا الانفتاح أدى إلى زيادة تنوّع الملفات الواردة، وإلى تمثيل أوسع لطيف المشهد الثقافي السعودي، حيث تتوافد الترشيحات من مختلف المناطق والتخصصات، وتعكس منسوب الحراك الثقافي واتساع دوائره عامًا بعد عام.
عقب استلام الطلبات، تخضع الملفات إلى مرحلة فرز أولي مبنية على معايير “الصلاحية” الخاصة بكل جائزة، للتأكد من استيفائها الشروط الفنية والإجرائية، وانتمائها إلى أعمال مكتملة.
وفي هذه المرحلة تتشكل أول صورة سنوية للحصاد الثقافي، تكشف اتجاهات جديدة في الإبداع، وتجارب شابة صاعدة، وأعمالًا راسخة تواصل إثراء القطاعات الثقافية المختلفة.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } تتويج الفائزين بالجوائز الثقافية الوطنية في دورتها الخامسة - حساب وزير الثقافة على إكستطور القطاع الثقافي
تُعد مرحلة التحكيم أكثر المراحل حساسية ودقة؛ إذ تُعرض الترشيحات على لجان تضم خبراء ومختصين وممارسين من مجالات متعددة، ليتم تقييم كل عمل وفق عدد من المعايير، تشمل أثره الثقافي، أصالته، جودته، ومدى ارتباطه بتطور القطاع الثقافي المحلي.
وغالبًا ما تشهد هذه المرحلة نقاشات مطوّلة للوصول إلى قوائم مختصرة تمثل أعلى مستويات الإنجاز خلال العام، قبل اعتماد النتائج النهائية.
بعد الانتهاء من عمليات التحكيم، تُبنى تفاصيل الحفل الختامي على هذا العمل المتراكم. وهنا تتحول الجهود الإجرائية والمعرفية إلى لحظة احتفاء علنية تكرّم المبدعين أمام الجمهور.رحلة طويلة
قد شكّل ختام النسخة الخامسة في سبتمبر الماضي نقطة التقاء بين هذه الرحلة الطويلة وبين اللحظة التي شهدها الحضور، حيث ظهرت أسماء جديدة أضيفت إلى سجل الثقافة السعودية.
تحوّلت عملية الترشيح والتحكيم، عبر السنوات، من خطوات إدارية إلى سردية ثقافية كاملة تصنع من خلالها الجوائز نموذجًا سعوديًا فريدًا في الاحتفاء بالإبداع؛ نموذج يقوم على الشفافية والدقة، وعلى الإيمان بأن الإنجاز لا يكتمل إلا حين يحصل صاحبه على اعتراف مستحق.
وهكذا، فإن الظهور على المنصّة ليس إلا الفصل الأخير في رحلة تبدأ بملفات الترشيح، وتمتد عبر نقاشات اللجان، وتنتهي بتدوين أسماء جديدة في ذاكرة الثقافة السعودية، لتؤكد الجوائز الثقافية الوطنية دورها كأحد أهم المبادرات الداعمة للمشهد الإبداعي في المملكة.

مقالات مشابهة

  • مدبولي يؤكد دعم الدولة لمختلف المشروعات الثقافية المتنوعة التي تستهدف تقديم الخدمات خاصة للشباب والنشء
  • مختص: حصول العلا على لقب أفضل مشروع للسياحة الثقافية عالميا نتيجة التوازن بين الأصالة والتجديد
  • محددات العلاقة بين إيران والمقاومة: قراءة في خطاب ظريف حول الهوية الوطنية للفصائل
  • باحث قانوني: بعض الموظفين بمكاتب السجل المدني حوّلوا الهوية الوطنية إلى سلعة تباع وتُشترى
  • الأرشيف والمكتبة الوطنية يستعرض رؤى وطموحات الهوية الوطنية
  • الجوائز الثقافية الوطنية: منظومة تكرّم المبدعين وتوثّق الحراك الثقافي
  • بحضور السيدة الأولى.. متحف بيروت يعزز الإبداع والهوية الوطنية عبر الفن والتعليم
  • التراث العربي: إدراج الكشري في قائمة اليونسكو خطوة مبهجة تعزز الهوية الثقافية المصرية
  • ندوة بالشارقة توصي بإطار عربي للتعليم الرقمي
  • فعاليات متنوعة لترسيخ الهوية الثقافية ضمن احتفال جامعة صحار بـ"اليوم العالمي للغة العربية"