المسلة:
2025-12-13@00:23:03 GMT

صورة على منصة الخداع: بين بريجنيف وصدام

تاريخ النشر: 30th, April 2025 GMT

صورة على منصة الخداع: بين بريجنيف وصدام

30 أبريل، 2025

بغداد/المسلة: كتب ناجي الغزي:

صورة على منصة الخداع: بين بريجنيف وصدام – حين تُختزل المأساة العراقية في لحظة مجاملة سوفيتية

في 24 مارس 1973، التقطت صورة تاريخية جمعت بين ليونيد بريجنيف، زعيم الاتحاد السوفيتي، وصدام حسين عندما كان نائباً للبكر. صورة تحمل من الرمزية والغرابة أكثر مما تحمل من المجاملة البروتوكولية؛ إذ أُحيط فيها صدام بهالة من الوقار والاهتمام المزيف، لا تتناسب مع مكانته الحقيقية في سلم القيادة العراقية أو مع تجربته السياسية في تلك اللحظة.

نشر أحد المعجبين ربما تلك الصورة بعد تلوينها من الاسود والابيض وكتب تحتها: “كم من فرصة ضُيّعت!” عبارة تختزل مأساة وطن، لا بطولة قائد.

الحقيقة أن تلك اللحظة التي يبدو فيها بريجنيف مشيداً بشخصية صدام لا تعكس واقعاً من الاحترام المتبادل بقدر ما تُجسد سلوكاً استراتيجياً سوفيتياً بارداً تجاه دول العالم الثالث. فالاتحاد السوفيتي كان يبحث عن وكلاء في ساحات النفوذ مقابل الإمبريالية الأمريكية، لا عن حلفاء حقيقيين تشغلهم قضايا شعوبهم. صدام الشاب القادم من بيئة قروية متشددة والمتعطش للسلطة والمفتون بالهيبة المصطنعة، وجد في نفسه تلك اللحظة فرصة لتعزيز ذاته أمام الداخل العراقي، أما بريجنيف، وجده مناسباً لعميلٍ يمكن الوثوق بانضباطه وتسلطه وبذخه على التسليح. فقد مارس عليه مهاراته في الاستقطاب عبر منحه هيبة مصطنعة لمجرد نائب شاب، رأى فيه سوقاً واعداً لصفقات السلاح، لا شريكاً عقائدياً ملتزماً في الاشتراكية.

لقد تعامل بريجنيف بذكاء سياسي، إذ اكتشف في صدام ثلاث خصال جعلته صفقة سياسية مغرية:
السذاجة، والنزعة التسلطية، والبذخ في الإنفاق دون وعي اقتصادي أو استراتيجي. هذه الصفات، وإن كانت كارثية على أي شعب، إلا أنها من وجهة نظر القوى العظمى تؤسس لما يُعرف بـ”الزبائن الدائمين”. وبالفعل، انخرط العراق في عقود بمليارات الدولارات مع الكتلة الشرقية، لبناء جيش لم يكن غرضه التحرير أو الدفاع عن الهوية الوطنية، بل تأمين القبضة الحديدية للنظام داخلياً وخوض مغامرات خارجية انتهت بكوارث لا تُعد ولا تحصى.

صدام – من التوقيع إلى التمزيق

ما جرى بعد تلك الصورة التاريخية كان أكثر خطورة من مجرد مجاملة بروتوكولية. فباسم “الجبهة الوطنية التقدمية”، التي تأسست في عام 1973، تم اختراق الحزب الشيوعي العراقي وجميع القوى السياسية غير البعثية، وتمت تصفيتهم لاحقاً بطريقة تدريجية، اعتقالات، واغتيالات، وإقصاء وظيفي وسياسي، وتكميم شامل لأية مظاهر للتعددية. لقد كانت الجبهة الوطنية فخاً مميتاً، نصبته السلطة لبسط هيمنتها الشمولية باسم الشراكة.

ولم يكن ذلك سوى تمهيد لما سيصبح لاحقاً نهجاً دائماً في سلوك صدام السياسي: إقصاء الخصوم، واحتكار القرار، وشيطنة أي صوت معارض. وبينما كانت شعارات الاشتراكية والعدالة الاجتماعية تُرفع أمام الشعوب، كانت السجون تُبنى، والدم يُهدر، والمعارضون يُعدمون، والبلاد تتوجه إلى نفق طويل من الحروب.

الحروب العبثية – غرور السلطة وتدمير الأمة

الاندفاع الأهوج نحو الحرب مع إيران (1980-1988)، ثم غزو الكويت (1990)، شكّلا ذروة الغرور السياسي الذي عاشه صدام. لم تكن تلك الحروب تُخاض من أجل أمن العراق أو مصالحه العليا، بل كانت نتاجاً لعقلية مهووسة بالزعامة، غير قادرة على تحليل التوازنات الإقليمية والدولية. لقد دمر الدكتاتور المريض ما تبقى من الدولة العراقية، أرهق الشعب، وأجهز على الاقتصاد، وبنى جمهورية الخوف التي لم تكن تحتمل حتى التلميح بوجود رأي مختلف.

أما التدخلات الإقليمية – من تجاوز الحدود، إلى تهديد الجيران، إلى انتهاك السيادة باسم “الزعامة القومية” فقد حوّلت العراق إلى مصدر تهديد بدلاً من أن يكون ركيزة استقرار. الغطرسة كانت أداة الحكم، والعنف وسيلته الوحيدة، والخوف هو الغلاف الذي التفّ به النظام حتى آخر لحظة من عمره.

شكر لعدالة السماء – و تحية لليد التي أعدمته

وفي مشهدٍ حُفر في ذاكرة العراقيين والعالم، كان فجر يوم 30 كانون الأول/ديسمبر 2006 — اليوم الذي أُعدم فيه الدكتاتور صدام حسين، لحظة فاصلة في التاريخ. تلك اللحظة لم تكن نهاية رجل فقط، بل إغلاقاً صريحاً لحقبة سوداء من الظلم والدم والدمار.

هنا، لا بد من توجيه دعوة شكر صادقة لعدالة السماء، وتحية لليد التي امتلكت شجاعة التوقيع على قرار القصاص، هي يد السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء حينها، الذي واجه ضغوطاً هائلة وتحديات داخلية وخارجية، لكنه اختار أن ينحاز إلى ذاكرة الضحايا، لا إلى رهانات السياسة.
لقد تجرأ المالكي على ما عجز عنه الآخرون: بتنفيذ القصاص بحق رمز الطغيان، دون أن يختبئ خلف التسويات أو الحسابات الضيقة. إنها لحظة عدالة عراقية خالصة، سجّلت في ضمير الأمة، لا في بروتوكولات المحاكم فقط.

الدرس المؤلم: صورة تساوي سقوط وطن

الصورة التي منحت لصدام هيبة وهمية، كانت في الحقيقة لحظة تأسيس وهم كبير عاش عليه النظام القمعي، وصدقته نخبة ساذجة وسطحية مغلقة على ذاتها، قبل أن ينهار نظام البعث في 9 نيسان 2003، وتسقط اقنعة الزيف، وتدفع الأجيال ثمن تلك اللحظة.

إن أكبر خطأ تاريخي كان يتمثل في الاعتقاد أن المجاملات الدولية تمنح شرعية. وأن التسلط الداخلي يضمن البقاء. وأن السلاح يحمي الدولة بدل أن يحمي الشعب. لقد كانت تلك “الفرصة الضائعة” بالفعل لحظة نادرة، لا لصدام بل للعراق، لكي يتجه نحو دولة مؤسسات لا دولة أفراد.
وفي النهاية، يبدو أن من جلس على منصة المجاملة مع بريجنيف لم يكن يدرك أنه يجلس على ركام مستقبل وطن، لا منصة أمجاد تاريخية.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: تلک اللحظة

إقرأ أيضاً:

لحظة تأمُّل

 

بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود

في لحظة هدوء، وأنا جالس أتأمل تاريخ هذه الدولة المباركة، منذ بزوغ فجرها الأول على يد الإمام محمد بن سعود 1139/1727، ثم أفول نجمها لتشرق شمسها من جديد على يد الإمام تركي بن عبد الله 1240/1824، وذهابها مرة أخرى لتعود أكثر قوة وأشد ثباتاً ورسوخاً وتغلغلاً في جذور التاريخ لأنها دولة رسالة سامية عظيمة، على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود 1319/1902.

في لحظة الصفاء تلك، أقشعر بدني لما استحضرته من فضل الله علينا ونعمه العظيمة، ثم لهذا العزم الذي لا يحيد والإصرار الأكيد، لهذه القيادة الرشيدة التي هي من رحم هذا الشعب الجبار العظيم، كما يصفه اليوم أخي العزيز الغالي، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، ولي العهد القوي بالله الأمين. فكان لا بد لشعب مثله، ثابت على العهد، حافظ للوعد، متطلع إلى غدٍ مشرقٍ دوماً، أن يحظى بجهد القيادة الرشيدة التي تعمل ليل نهار، غير عابئة بما يعتري طريقها من صعاب وأخطار، لكي تكون دوماً عند أكثر من حسن ظن شعبها بها.

وهكذا تحقق المستحيل بعون الله وتوفيقه، ثم بعزم القيادة الرشيدة ووفائها لرسالة بلادها، والتحام شعبها بها وإخلاصه لها وصدقه معها، ومن ثم تشميره عن ساعد الجد.

فانتقلنا من السيف الذي كان ذات يوم أمضى سلاحنا، والخيل والجمال التي كانت تمثل في بداية عهد تأسيس دولتنا أهم ناقلات الجند لدينا وأعظمها، إلى هذا العهد الزَّاهر الميمون، عهد الرؤية العبقرية التي أصبحت فيها تنمية البلاد وتطويرها، وإدارتها وحفظ أمنها واستقرارها وحماية استقلالها.. أصبح فيها ذلك كله يتم بمجرد ضغطة زر.

ومع هذا كله، لم نكن لننسى سيفنا الذي أصبح السيف الأجرب رمزاً له، بل خلَّدناه في رايتنا، تأكيداً لقدرتنا بعد عون الله وتوفيقه على رد أي عدوان يستهدفنا، وحفظ الأمن وحماية الأرواح وصيانة الأعراض والحقوق.

ومع هذا كله أيضاً، لم يكن ما تحقق لنا من تنمية حملتنا إلى عصر الذكاء الاصطناعي، لينسينا خيلنا وإبلنا التي مازالت، وستظل إلى الأبد، تمثل جزءً أصيلاً من ثقافتنا وإرثنا التاريخي؛ فاتصلت عنايتنا بها واهتمامنا إلى تنظيم أهم سباقات لها في العالم، يتسابق المهتمون في قارات العالم كلها للمشاركة فيها.

وقبل هذا كله وذاك، نعتز بثباتنا، ثبات طويق، على عقيدتنا.. عقيدة التوحيد التي تمثل لحمة الأمر كله وسداه، وتتضاعف سعادتنا كل يوم بعنايتنا بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة ورعاية ضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين وزائرين.

فلنحمد الله عزَّ و جلَّ على هذه القيادة الرشيدة، وعلى هذا الوطن العزيز الغالي، الذي ليس مثله في الدنيا وطن، وعلى تلاحمنا ووحدتنا الفريدة الاستثنائية، وعلى هذا الخير الوفير، ولنداوم عى شكره ليل نهار فهو أهل الفضل والثناء الحسن.. فبالشكر تدوم النعم.

مقالات مشابهة

  • صدام علني بين الحلفاء.. الإخوان يكشفون دورهم في حرب السودان
  • صدام تايلاند وكمبوديا: مقاتلات أمريكية في مواجهة صواريخ صينية وروسية
  • أشار إلى سقوط صدام وهزيمة داعش.. مبعوث ترامب يوجه رسالة إلى حكومة العراق
  • لجنة حماية الصحفيين: حرب غزة كانت الأكثر دموية للصحفيين
  • الفريق صدام حفتر يستقبل وفدًا عسكريًا أردنيًا لبحث التعاون المشترك
  • قبل صدام ربع النهائي… آرنولد يرفع سقف التحدي وسلامي يردّ بثقة: “النشامى جاهزون”
  • لحظة تأمُّل
  • الفريق أول ركن “صدام حفتر” يبحث مع وفد عسكري أردني سبل تطوير برامج التدريب ورفع قدرات القوات المسلحة
  • أمريكا ترامب: سلامٌ بالقُوّة (القوّة الذّكيّة)
  • أمريكا ترامب: سلامٌ بالقُوّة (القوّة الذّكيّة[1])