أفغانستان طبيعة ساحرة وتحسن الأمن ينهض بالسياحة
تاريخ النشر: 30th, April 2025 GMT
كابل- تشهد أفغانستان، البلد صاحب التاريخ العريق والطبيعة الخلابة، تحسن ملحوظ في القطاع السياحي في السنوات الأخيرة، حيث بدأت تجذب أنظار السياح الأجانب والمحليين على حد سواء. ورغم عقود من الصراعات، تبرز البلاد اليوم كوجهة واعدة تجمع بين التراث الثقافي العميق والجمال الطبيعي الساحر، مدعومة بتحسن الأوضاع الأمنية وجهود متزايدة لتطوير القطاع.
تتمتع أفغانستان بطبيعة تجعلها وجهة مثالية لمحبي الجمال الطبيعي، حيث تمتد سلاسل جبال الهندوكوش عبر البلاد، موفرة مناظر بانورامية تخطف الأنفاس، وتضم البلاد الوديان الخضراء والبحيرات الصافية، مثل تلك التي توجد في "بند أمير" (وسط البلاد) تنوعا بيئيا نادرا، كما تضفي الأنهار الجارية والغابات في مناطق مثل نورستان (شمال شرق) على البلاد طابعا ساحرا يجذب المغامرين والباحثين عن الهدوء.
التاريخ والطبيعةتتميز أفغانستان بتنوع معالمها التي تعكس تاريخها الغني، ففي مدينة بلخ شمالي البلاد، التي تُعدّ من أقدم المدن في العالم، يمكن للزوار استكشاف بقايا المواقع الأثرية مثل "مسجد التسع قباب". وأما مدينة هرات فتشتهر بقلعتها التاريخية "اختيار الدين" ومسجد الجمعة العريق، اللذين يجذبان عشاق التاريخ. وفي غزنة جنوب غربي العاصمة كابل تبرز المآذن التاريخية التي تعود للعصر الغزنوي (بين القرن الثامن والعاشر الميلادي) كرمز للعظمة المعمارية القديمة.
وأما كابل، فتقدم مزيجا من الحداثة والتراث مع حدائق "باغ بابر" التي أسسها الإمبراطور المغولي ظاهر الدين بابور، بينما تُعدّ بست في ولاية هلمند (جنوب غرب) موطنا لقلعة "قالا بست" الأثرية. وفي ولاية باميان، تظل المنحدرات التي كانت تحتضن تماثيل بوذا الضخمة (قبل تدميرها على يد حركة طالبان في عام 2001) والبحيرات الزرقاء في "بند أمير"، المدرجة ضمن التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) نقطة جذب رئيسية.
إعلانوفي ولاية بدخشان شمالي أفغانستان، نجد الجبال الشاهقة والمناظر الطبيعية.
أفضل المواسميُعتبر فصل الربيع (من مارس/آذار إلى مايو/آيار) وفصل الخريف (من سبتمبر/أيلول إلى نوفمبر/تشرين الثاني) أفضل الأوقات لزيارة أفغانستان، حيث تكون الأجواء معتدلة والطبيعة في أوج جمالها، ففي الربيع تتفتح الأزهار وتخضرّ الوديان، بينما يوفر الخريف ألوانا دافئة وجوًا منعشا لاستكشاف المعالم والتنزه في الجبال.
مرت السياحة في أفغانستان بعدة مراحل تاريخية، ففي بداية القرن العشرين كانت البلاد وجهة متميزة، حيث كانت تجذب المسافرين الأوروبيين والآسيويين الذين كانوا يتطلعون لاكتشاف تاريخها العريق وطبيعتها الجميلة. ومع اندلاع الصراعات في السبعينيات والثمانينيات تدهورت السياحة بشكل كبير، مما جعل البلاد وجهة غير مرغوب فيها للسياح.
ومع بداية القرن الحادي والعشرين كانت أفغانستان خاضعة لضغوط اقتصادية وأمنية، إلا أن جهودا استثنائية بذلت في السنوات الأخيرة لتحسين الأوضاع الأمنية والإصلاحات الحكومية، مما ساهم في انتعاش قطاع السياحة. وبدءا من عام 2021 ومع التحسن النسبي في الأمن عادت الحياة لقطاع السياحة، وقد أطلقت الحكومة برامج تهدف لجذب المزيد من الزوار الأجانب والمحليين، مما أدى إلى زيادة أعداد السياح في السنوات الأخيرة.
فمنذ عودة طالبان إلى الحكم في أغسطس/آب 2021، اختفت الاشتباكات المسلحة في معظم المناطق الأفغانية، ما شجع السياح على زيارة البلاد التي كانت تُعتبر في السابق "منطقة خطر". هذا التحول أتاح للحكومة الترويج للمواقع السياحية وتشجيع الاستثمارات في هذا القطاع، كما وضعت سلطات البلاد خطط لدعم انتعاشة السياحة، ومنها تحسين البنية التحتية مثل بناء وتحديث الطرق والفنادق، بالإضافة إلى تطوير مشاريع سياحية جديدة.
كما تهدف الحكومة إلى الحفاظ على المعالم التاريخية وتعزيز دورها في جذب السياح الدوليين، مع التركيز على تسهيل الإجراءات الخاصة بالتأشيرة، وتعزيز الأمان في جميع أنحاء البلاد. علاوة على ذلك، تعمل الحكومة على الترويج لأفغانستان كوجهة عبر الحملات الإعلامية والاتفاقات مع شركات السياحة العالمية لجذب المزيد من الزوار.
ماذا تقول الأرقام؟تشير التقارير إلى ارتفاع مطرد في أعداد السياح الأجانب خلال السنوات الأخيرة، ففي عام 2024 سجلت أفغانستان زيارة أكثر من 6 آلاف سائح أجنبي وفقا لإحصائيات وزارة الثقافة والإعلام، مقارنة بقرابة ألفي شخص فقط في عام 2021.
وذكر مسؤولون في وزارة الثقافة والإعلام الأفغانية في تصريحات للجزيرة نت أن عدد السياح الأجانب والمحليين زاد في عام 2024، إذ زار البلاد أكثر من 6 آلاف أجنبي، في حين سجلت الوزارة أكثر من 9 ملايين سائح داخلي. ويُعزى هذا النمو إلى تحسن الأوضاع الأمنية واستمرار جهود الحكومة لدعم قطاع السياحة. كما أشار المسؤولون أنفسهم إلى أن هذا التطور في القطاع السياحي لم يقتصر فقط على زيادة أعداد الزوار، بل شمل أيضا تنشيط العديد من الشركات السياحية في مختلف أنحاء البلاد، مع تسجيل حوالي 3 آلاف شركة سياحية.
إعلانوقدمت وزارة الثقافة والإعلام الأفغانية خططا لتطوير السياحة تشمل توسيع وتحديث المنشآت السياحية، مثل بناء فنادق جديدة في مناطق سياحية مشهورة، إضافة إلى تحسين تسهيلات السفر مثل تبسيط إجراءات التأشيرة وتهيئة بيئة آمنة للسياح. كما تعمل سلطات كابل على تعزيز تسويق أفغانستان كوجهة عبر الحملات الإعلامية بالتعاون مع شركات السياحة العالمية.
على لسان سياحأعرب عدد من السياح الإيطاليين الذين جاؤوا لزيارة المعالم التاريخية في ولاية بلخ (شمال غرب) عن رضاهم عن الأمن الذي تم فرضه في هذه الولاية. وقد عبر لوكا وهو سائح إيطالي وصل إلى بلخ مع مجموعة من تسعة أشخاص، عن اهتمامه بتقاليد وعادات الشعب الأفغاني قائلاً "أشعر براحة كبيرة. أجد نفسي مرتاحا جدا في الملابس الأفغانية. هذه الملابس جيدة جدا في الطقس الحار، حقا هذه الملابس مصممة بما يتناسب مع مناخ أفغانستان".
وأضاف لوكا "عندما أعود إلى إيطاليا سأخذ هذه الملابس معي أيضا"، وقد زارت المجموعة التي كان ضمنها لوكا -منذ بدء زيارتهم لأفغانستان قبل 10 أيام- باميان وهرات وكابل قبل أن يصلوا إلى بلخ.
ويقول روبرتو، وهو سائح إيطالي آخر، إنه "حقا سعيد للغاية لأنني جئت إلى هنا في هذا البلد الجميل، البلد الذي يتمتع بتاريخ طويل وثقافة قديمة جدا".
تحديات قائمةرغم التقدم، تواجه السياحة في أفغانستان تحديات كبيرة، ومن أبرزها البنية التحتية الضعيفة، بما في ذلك الطرق غير الممهدة والفنادق المحدودة، وهو ما يعيق تجربة السياح. إضافة إلى ذلك فإن تحذيرات السفر التي تصدرها الدول الغربية والعقوبات الدولية على البلاد تؤثر على الاستثمار وتطوير قطاع السياحة.
ويتوقع المراقبون أن تستمر السياحة في النمو، إذا استثمرت الحكومة في تحسين البنية التحتية وتعزيز الترويج الدولي، ومن خطط تحسين هذه البنية مشروع إعادة تطوير منطقة كابل القديمة، والذي يهدف إلى إنعاش المناطق التاريخية وجذب المزيد من الزوار إلى العاصمة الأفغانية.
عير أن الطرق الريفية غير الممهدة تجعل التنقل بين المدن صعبا، كما ان الفنادق غالبا متواضعة وقليلة العدد خارج العاصمة كابل ومدينة هرات. مع ذلك بدأت شركات سياحية محلية بالظهور لتلبية الطلب المتزايد، وهناك خطط لتحسين مطار كابول الدولي لاستقبال رحلات أكثر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات السنوات الأخیرة السیاح الأجانب البنیة التحتیة السیاحة فی بند أمیر فی ولایة فی عام
إقرأ أيضاً:
تقرير: عناصر من طالبان يتسلحون بالقلم لكتابة مذكراتهم عن سنوات الحرب
كابول "أ ف ب": يستفيد عناصر من حركة طالبان التي استعادت السلطة في أفغانستان قبل سنوات، من الهدوء الذي ساد من جديد ليكتبوا مذكراتهم المرتبطة بالحرب، كوسيلة لسرد روايتهم الخاصة عن عشرين عاما من المواجهة مع الغربيين الذين يتهمونهم بتشويه "الواقع".
وكُتبت كتب كثيرة عن الحرب ضد الحركة المتشددة والانتصارات التي تتحدث عنها بمواجهة الغرب الذي فشل في منع استعادة طالبان السلطة في صيف عام 2021.
ويقول خالد زدران، العضو في شبكة حقاني المتهمة بارتكاب الكثير من الهجمات الدامية، والذي أصبح ناطقا باسم شرطة كابول، لوكالة فرانس برس "مهما كتب الأجانب عنا، فقد تجاهلوا إلى حد كبير حقيقة ما حدث لنا وأسباب اضطرارنا إلى القتال".
في كتابه الضخم الواقع في 600 صفحة، والذي صدر باللغة البشتونية في أبريل، يروي زدران أولى التوغلات الأميركية في ولاية خوست، مسقط رأسه في جنوب كابول، وطفولته المليئة بقصص "الفظائع"، ورغبته في الانضمام إلى طالبان باسم "حرية" بلاده.
ويوضح في كتابه "15 دقيقة" الذي استلهم عنوانه من هجوم مسيّرة أمريكية نجا منه بفارق ربع ساعة "كنتُ أشهد قصصا مروعة كل يوم، وأرى جثثا ممزقة على جانب الطريق".
ويقول نائب وزير الإعلام والثقافة مهاجر فرحي "يجب أن نذكر الحقائق: أمريكا، خلافا لادعاءاتها، ارتكبت أعمالا وحشية وهمجية ودمرت بلدنا بالقنابل، وقضت على البنية التحتية، وزرعت الفتنة .. بين الأمم".
في كتاب "ذكريات الجهاد، 20 عاما تحت الاحتلال"، يكتب فرحي أن طالبان حاولت التفاوض مع الولايات المتحدة على مصير أسامة بن لادن الذي أرادت واشنطن رأسه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، على قوله.
"تنين" أمريكي
كان من الواضح أن "الأمريكيين خططوا مسبقا لاحتلال أفغانستان"، وفق فرحي الذي لا يؤمن بـ"الحرب على الإرهاب".
ويقول "في البداية، ظنّ الأفغان أن حادثا وقع على بُعد آلاف الكيلومترات من ديارهم في دولة غربية لن يؤثر عليهم .. ثم أدرك الجميع أن أبرياء في بلدنا سيُعاقَبون".
دارت حربٌ دامت عشرين عاما بين قوات طالبان وتحالف من 38 دولة عضوا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بقيادة الولايات المتحدة دعما للجمهورية الأفغانية.
وقضى عشرات آلاف الأفغان في المعارك والهجمات التي شنّتها طالبان، بالإضافة إلى ما يقرب من 6000 جندي أجنبي، من بينهم 2400 أمريكي.
يرى فرحي أن الحرب أتت نتيجة رغبة الغرب في "فرض ثقافته وأيديولوجيته على الدول الأخرى".
يمزج كتابه المُتاح بما لا يقل عن خمس لغات، بين ذكريات ميدانية وفصول من كتيبات تهاجم ما يصفه بأنه "تنين أميركي متعطش للدماء".
ويقول لوكالة فرانس برس إن الكتاب "يكشف حقائق لم تُروَ من قبل لأن وسائل الإعلام، وخصوصا الغربية، قدّمت صورة مغايرة للحرب".
وبحسب قوله، فإن المقاتلين المؤيدين لطالبان، وإن كانوا أقل تجهيزا بكثير، حققوا النصر بفضل وحدتهم وبعون الله.
جبهة جديدة
أصدرت حركة طالبان كتابات أخرى تتباهى فيها بمآثرها العسكرية وبما تعتبره إنجازات "الإمارة الإسلامية"، تماشيا مع السردية السائدة في أفغانستان اليوم.
لكنّ قليلا منها اتخذ شكل سير ذاتية تجذب جمهورا يرغب في فهم الحرب "من الداخل"، كما يقول خالد زدران.
وقد بيع كتابه الذي طُبع في ألفي نسخة، بسرعة كبيرة لدرجة أن ألف نسخة أخرى قيد الإعداد، بالإضافة إلى نسخة باللغة الدارية، وفق زدران.
تتناول العديد من فصول الكتاب قصة بوي بيرغدال، الجندي الأميركي الذي احتُجز رهينة لخمس سنوات. وتسرد هذه الفصول الرحلات الشاقة عبر جبال الحدود الأفغانية الباكستانية بحثا عن ملجأ جديد، ومحاولة إقناعه باعتناق الإسلام، وحبيبته في الولايات المتحدة.
لكن لا يُولى اهتمام يُذكر للمدنيين الذين يُقتلون في الهجمات، خصوصا الانتحارية، والتي نشرت الرعب في جميع أنحاء أفغانستان.