عن تفاهة الشر وتفاهة الشريريين: أدلوف أيخمان، عمر شارون ، جار النبي وآخرون!
تاريخ النشر: 1st, May 2025 GMT
في عام 1960 تمكنت الاستخبارات الاسرائيلية من اختطاف ادلوف ايخمان من مكان اختبائه بالارجنتين و نقلته سرا الي اسرائيل حيث تمت محاكمته في محاكمة مشهورة عالميا بالقدس و من ثم اعدامه. كان ايخمان من كبار النازيين خلال فترة حكم هتلر ويعتبر أحد العقول المدبرة لتنفيذ خطة الابادة الجماعية لليهود. كانت نظرة النخبة الصهيونية و معظم اليهود أنذاك لأيخمان باعتباره نازيا متوحشًا ساديًا فعل فعلته الشريرة تلك مع سبق الأصرار بموجب قناعة أيدلوجية, الا أن المفكرة و الباحثة الالمانية-الامريكية حنا أرندت (هي أيضا يهودية) صدمت مواطنيها اليهود ( وآخرين كثر) فيما أوردته في كتابها الشهير (أيخمان في القدس: تقرير عن تفاهة الشر).
أهم أطروحة كتاب حنا أرندت هي:
• أن إيخمان لم يكن شيطانًا متوحشًا أو ساديًا كما كان يُعتقد، بل كان بيروقراطيًا عاديًا، ينفذ الأوامر دون التفكير في عواقبها الأخلاقية.
• الشر، بحسبها، لا يأتي دائمًا من الحقد أو الكراهية العميقة، بل يمكن أن يأتي من اللامبالاة والتفكير السطحي والطاعة العمياء.
• وصفت أيخمان بأنه "يفتقر إلى القدرة على التفكير"، لا بمعنى الغباء، بل بمعنى عدم التفكير الأخلاقي: لم يتأمل في ما كان يفعله أو في معاناة ضحاياه.
• رأت أرندت أن النظام النازي حوّل القتل الجماعي إلى عملية إدارية منظمة، وأن أمثال أيخمان كانوا مجرد تروس في آلة.
• الطاعة العمياء للسلطة، والميل إلى اتباع القوانين دون تساؤل، جعلا من الجرائم الكبرى ممكنة.
نفس ماتوصلت له حنا أرندت فكريا توصل له باحثون بجامعة ييل الامريكية الشهيرة عمليا و تجريبيا, وذلك في التجربة المشهورة عالميا بتجربة ميلغرام و تلخيصها كالتالي:
• طُلب من المشاركين وهم طلبة بجامعة ييل (الذين كانوا يظنون أنهم يشاركون في تجربة عن التعلم والذاكرة) أن يلعبوا دور "المُعَلِّم-المشارك"، ويقوموا بصعق "طالب" بالكهرباء كلما أجاب إجابة خاطئة.
• الطالب" كان في الحقيقة ممثلًا، ولم تكن هناك أي صدمات حقيقية.
• مع كل إجابة خاطئة، يُطلب من "المعلم" زيادة شدة الصدمة
• كلما أبدى المشاركون ترددًا، كان هناك رجل يرتدي معطفًا أبيض (رمز السلطة العلمية) يأمرهم بعبارات مثل:
"الرجاء الاستمرار"، "من الضروري أن تتابع"، "ليس لديك خيار آخر، يجب أن تواصل.
النتائج الصادمة لتجربة علم النفس تلك هي:
أكثر من 65٪ من المشاركين-الطلبة استمروا في إعطاء "صدمات" كهربائية حتى الحد الأقصى (450 فولت)، رغم سماعهم صراخ "الطالب" وطلبه التوقف, ولو كانت تلك الصدمات حقيقية لمات بعض من تلقاها, علما بأن أؤلائك الطلاب منفذو الصدمات كانوا طلبة في واحدة من أعرق الجامعات الامريكية- جامعة ييل- وهي جامعة لايقبل بها الا الطلبة المبرزون علميا.
الاستنتاج: أغلب الناس يميلون لطاعة السلطة, مهما كانت درجة تعليمهم, حتى لو كان ذلك يعني إلحاق الأذى بالآخرين، إذا ما شعروا أنهم غير مسؤولين شخصيًا.
الصلة مع "تفاهة الشر":
تُعد تجربة ميلغرام تطبيقًا عمليًا لفكرة حنة أرندت حول "تفاهة الشر" — أي أن الأشخاص العاديين قد يرتكبون أفعالًا شريرة عندما يخضعون للسلطة دون تفكير أخلاقي مستقل.
جال خاطري بكتاب حنا و بتجربة ميلغرام و أنا مثلي مثل مع بقية السودانيين, في هذا الزمان الصعب, نتابع فظائع و مذابح الجنجويد ضد أهلنا في الجنينة و الجزيرة و الصالحة و كل منطقة دخلوها و عاثوا بها فسادا. تذكرت سفاحي الجنينة و غرب دارفور الذين دفنوا المدنيين الأبرياء أحياء , تذكرت سفاح الجزيرة عمر شارون و سفاح الصالحة جار النبي! تابعت تساؤلات البعض حول كيف يمكن لبشر أن يفعل مافعله أولائك؟
أيضا تذكرت ماحكاه لي قبل سنوات أحد أصدقائي اليساريين الذي كان معتقلا في أحد زنازين جهاز الأمن في عهد البشير و خلال اعتقاله تم استجوابه و تعذيبه قبل اخلاء سبيله. أفاد بأنه بعد اطلاق سراحه لم يعيدوا له ساعة يد قيمة كانوا قد أخذوها منه وهو لم يجرؤ للسؤال عنها عند مغادرته المعتقل. و للحصول علي ساعته طلب معاونة أحد أقاربه ممن يعملون في جهاز الأمن و ذهب بمعية قريبه لمكان اعتقاله السابق. قال بأنهم عند دخولهم لحوش المعتقل رأي من البعد رجلا فأشار لقريبه بأن ذلك الشخص شارك في تعذيبه بل أنه قد رآه يضرب فتيات معتقلات ضربا مبرحا و يمزق ملابسهن. فما كان من قريبه الا أن قال له: ( ياخ دا زول كويس, و كمان حافظ للقرآن الكريم)!
المجرم الذي قام بتعذيب صديقي هو (زول كويس) لبعضهم, تماما كما و أن السفاح عمر شارون (زول كويس) لبعض معارفه و كذلك سفاح الصالحة جار النبي و غيرهم من سفاحي الجنجويد الكثيرون. بالتأكيد فكلهم يشاركون في أفراح و أتراح أقاربهم و أصدقائهم, ربما يدفعون ماتيسر من المال في كشوفات العزاء و ألافراح, الا أنهم كلهم يتفقون في (عدم القدرة علي التفكير الأخلاقي: لم يتأمل أي منهم في ما كان يفعله أو في معاناة ضحاياه.) تماما كما قالت حنا أرندت. لم ينتقلوا من المرحلة النفسية التي وصفها القرآن الكريم ب (النفس الأمارة بالسوء) للمرحلة القرآنية التي تليها علوا وهي (النفس اللوامة) وهذا الوصف القرآني الذي تفتقده نفوس السفاحين و معذبي الناس هو نفس ماوصفته حنا أرندت ب (عدم المقدرة علي أنتقاد المرء لأفعاله) وهو يطابق ماأورده العارف بالله ابن عطاء الله السكندري في أحد حكمه حيث قال: (أصل كل معصية و غفلة و شهوه: الرضا عن النفس, و أصل كل طاعة و يقظه و عفه: عدم الرضا منك عنها).
أعتقد أيضا أن تفهاء السفاحين و المجرمين ممن ينتمون لجماعة ما, يفعلون منكرهم متأثرين بنظريه في علم الاجتماع تسمي نظرية السلوك الجمعي (Collective Behavior ) فحسب هذه النظرية:
عندما يكون الإنسان ضمن مجموعة، تحدث عدة آليات نفسية واجتماعية تجعله يتصرف بشكل مختلف , عن تصرفه عندما يكون منفردا و ذلك للأسباب التالية:
إزالة الهوية الفردية (Deindividuation)
يشعر الفرد بأنه مجهول أو غير مرئي داخل الحشد, و أن جرم ماسيرتكبونه كجماعه لن يتحمله وحده. يؤدي هذا الشعور إلى انخفاض الإحساس بالمسؤولية، فيكون أكثر عرضة لارتكاب سلوك غير أخلاقي أو عدواني.
العدوى الاجتماعية (Social Contagion)
تنتشر العواطف والسلوكيات بسرعة بين أفراد المجموعة (كالغضب، الصراخ، الفوضى).
التبرير الجماعي (Diffusion of Responsibility)
عندما يكون هناك الكثير من الناس، يقل الإحساس بالمسؤولية الفردية ("الكل يفعلها"، أو "لست وحدي")
الضغط الجمعي (Peer Pressure)
يخاف عضو المجموعة التي ترتكب فعلا اجراميا من أن يُعزلوا أو يُنتقدوا إذا لم يتبعوا سلوك المجموعة.
يصف القرآن الكريم هذا السلوك الجمعي, الذي يذيب المسؤلية الفردية في قوله تعالي ( وكنا نخوض مع الخائضين), أي أن الكل حولنا كان يفعل ذلك و نحن كنا نفعل مثلهم. الإسلام يؤكد بوضوح أن الإنسان مسؤول عن أفعاله فرديًا، بغض النظر عن ما يفعله الآخرون. ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾, أي لا أحد يتحمل ذنب غيره. ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾, أي كل نفس مسؤولة عن عملها الخاص. لكل ذلك نري أن المسؤلية في الأسلام هي مسئؤلية فردية في المقام الأول {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} , حتى لو كنت ضمن جماعة في الدنيا، تقف فردًا يوم الحساب. ففي ذلك اليوم الذي هو آت لاريب فيه لايمكن للسفاح, المغتصب , أو من يعذب الناس بأن يبرر جريمته بالقول (بأن الكل كان يفعل ذلك),
و نجد مزيدا من محاربة الأسلام للانقياد للسلوك الجمعي في حديث المصطفي عليه أفضل الصلاة و السلام:"لا يكن أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا".
و بالله التوفيق و السداد.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: تفاهة الشر ما کان
إقرأ أيضاً:
أيهما أفضل ليلة الجمعة.. قيام الليل أم الصلاة على النبي؟
قال الدكتور مجدى عاشور، المستشار العلمي السابق لمفتي الجمهورية السابق، إن قيام الليل والصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الجمعة من أفضل الأعمال.
وأضاف عاشور، خلال لقائه ببرنامج "دقيقة فقهية"، في إجابته عن سؤال «أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟»، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لنا وظائف الأوقات، أي أنه قال فى وقت الصلاة علينا أن نركع ونسجد ونقوم ولا نقرأ القرآن إلا في حال القيام فقط وهو الذى بين لنا هذا، كذلك بين لنا أن الاستغفار أولى في الثلث الأخير من الليل بدلا من قراءة القرآن.
وأشار إلى أن الأوقات التي بين لنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمالا محددة لها فضائلها وعلينا أن نلتزم بها لنأخذ هذا الثواب، ثم بعد ذلك نقرأ القرآن في أي وقت، لافتا إلى أن الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي الأفضل في يوم الجمعة من قراءة القرآن.
قال أحد السلف (أتعجب ممن له عند الله حاجة كيف ينام وقت السحر).
كيفية صلاة قيام الليلالأفضل في صلاة الليل أن تكون مثنى مثنى، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «صلاةُ اللَّيل مثنى مثنى، فإذا خَشي أحدُكمُ الصُّبح، صلَّى ركعةً واحدةً تُوترُ له ما قد صلَّى وأقل الوتر ركعة واحدة يصليها بعد صلاة العشاء، فإن أوتر بثلاث ركعات فالأفضل أن يسلّم بعد الركعتين ويأتي بواحدة، وإن أوتر بخمسة فيسلم بعد كل ركعتين ومن ثمّ يأتي بركعة واحدة، ويراعي في صلاته الطمأنينة وعدم العجلة والنقر، فيخشع في صلاته ولا يتعجل فيها، فأن يصلي عددًا قليلًا من الركعات بخشوعٍ وطمأنينةٍ؛ خيرٌ له مما هو أكثر بلا خشوع.
ماذا يقرأ في صلاة قيام الليل
يقوم المسلم بأداء ركعتين ركعتين، والمقصود أن يسلّم بعد كلّ ركعتين يؤدّيهما، ثمّ يؤدّي الوتر، وذلك اقتداءً بفعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في قيامه، وإن خاف المسلم أن يدرك صلاة الصّبح وهو لم يوتر بعد فيجوز له أن يوتر بركعةٍ واحدةٍ، يتلو فيها بعد سورة الفاتحة سورة الإخلاص، ثمّ يدعو دعاء القنوت.
وصلاة قيام اللّيل تكون في أوّل اللّيل، أو أوسطه، أو آخره، لكن في الآخر أفضل، وهو الثّلث الأخير، وعددها من حيث الأفضل أن تصلّى إحدى عشر ركعة، أو ثلاثة عشر ركعة، ومن السّنة أن يقوم المسلم بترتيل الآيات الكريمة عند القراءة، وقراءة ما تيسرّ له من القرآن الكريم، ومن المستحبّ عند القراءة أن يستعيذ بالله عند قراءة الآيات التي فيها وعيد، وأن يسأل الله الرحمة عند الآيات التي فيها رحمة، وأن يسبّح حينما تمرّ به آية تسبيح، وأن يطمئنّ في صلاته، ويخشع في ركوعه وسجوده.
والوتر إما أن يكون ركعةً واحدةً، أو ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، أو تسعًا، فعدد ركعات الوتر فرديّة، وقد رُوي عن أبي أيّوب الأنصاريّ أنّه قال: « الوترُ حقٌّ، فمن شاءَ أوترَ بخمسٍ، ومن شاءَ أوترَ بثلاثٍ، ومن شاءَ أوترَ بواحدةٍ»، وفيما يأتي تفصيل لما ورد في صلاة الوتر:
1- أن يصلّى الوتر ركعةً واحدةً، كما كان يؤدّيها رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-.
2- أن يصلّى الوتر ثلاث ركعات، فيقوم المسلم بصلاة الثّلاث ركعات متصلات، بحيث يسلّم في نهاية الصلاة، كما كان يفعل السّلف، ويقرأ فيهم: سورة الأعلى، وسورة الكافرون، وسورة الإخلاص، أو يصلّي ركعتي شفع ويسلّم، ثمّ يتبعها
بركعة وترٍ منفصلة عن أوّل ركعتين، فيشاء له ذلك مع ضرورة النّية من بداية الصّلاة.
3- أن يصلّى الوتر خمس أو سبع ركعات، ويكون ذلك بتشهّدٍ واحدٍ كما كان يفعل رسول الله، فقد رُوي عن أمّ سلمة -رضي الله عنها- أنّها قالت: « كان رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلم- يوترُ بسبعٍ أو بخمسٍ، لا يفصلُ بينهنَّ بتسليمٍ ولا كلام».
4- أن يصلّى الوتر تسع ركعات، ويجلس المسلم للتّشهد في الرّكعة الثّامنة، ثمّ يتمّ الرّكعة التّاسعة، بعدها ينهي صلاته بالتّشهد والسّلام.
وبصلاة الوتر تُختم صلاة اللّيل، لكن يجوز للمسلم أن يصلّي بعد ذلك ما يشاء من عدد ركعات القيام، على أن تكون الصّلاة ركعتين ركعتين، ولا يعيد الوتر، فقد رُوي عن قيس بن عليّ أنّه قال: «لاَ وترانِ في ليلةٍ».