ما أن أعلن وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر، عن مطلبه بوجوب إلغاء ورقة الـ200 شيكل مبررا ذلك بضرورة شل اقتصاد حماس في غزة، حتى دوت أصداء هذا المطلب في كل الاتجاهات. فاليمين الإسرائيلي الحاكم رأى في هذه الدعوة خطوة من خطوات الحرب الحاسمة ضد حماس فتبناها بقوة. وأعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تأييده لهذا المطلب واعدا ببذل كل جهد لتحقيقه.

وانشغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالبحث في أبعاد هذه الخطوة وأثرها السياسي على حماس والحرب. ولكن سرعان ما نفّس محافظ بنك إسرائيل، البروفيسور أمير يارون، هذا البالون معتبرا أنه يلحق الضرر بالاقتصاد لإسرائيلي من جهة ويضر بالتزامات إسرائيل القانونية والدولية. وسرعان ما غدا المطلب ورد محافظ البنك المركزي موضوعا للسجال السياسي الحاد بين أنصار الحرب ومؤيدي استقلالية البنك المركزي ضمن استقلالية المؤسسات المركزية في الدولة العبرية.

وقد رأى خبراء في إسرائيل في مطلب ساعر نوعا من إلقاء قنبلة صوتية في وضع متوتر. فمطلبه لم يتم بالتشاور بشأنه مع البنك المركزي، ولم يعرض بعد دراسة واضحة لجدوى ذلك. كل ما في الأمر أن ساعر استند إلى أحاديث تقول إن حماس تملك ما لا يقل عن 3 مليارات شيكل في خزانتها، وإن هذه الأموال تتيح لها البقاء كسلطة حاكمة في غزة. وتقول هذه الأحاديث إن أغلب هذا المبلغ متوفر بأوراق من فئة الـ200 شيكل، وإن إلغاء هذه الفئة يوجه ضربة قاصمة لاقتصاد غزة ولقدرة حماس على مواصلة دفع رواتب موظفيها.

إعلان

وطبعا، وكما سلف، سارع أنصار اليمين لاعتبار الفكرة عبقرية لكن خبراء اعتبروها مجرد اقتراح شعبوي وخطير بالنسبة لإسرائيل واقتصادها، وأن هذا كان السبب الرئيس وراء مسارعة بنك إسرائيل إلى إعلان رفضه مطلب ساعر وتحديد المخاطر المترتبة عليه. وبحسب الخبراء كان ساعر، ومن ورائه اليمين، يتطلع إلى عناوين إعلامية رئيسة، وليس إلى حلول فعلية. ويقول الخبراء إن ساعر لو استشار بنك إسرائيل لفهم أن إلغاء أوراق نقدية أو استبدال سلسلة منها هو عمل معقد يستغرق في المتوسط ما بين 5 إلى 6 سنوات. ويتذكر البنك كيف أن عرض هذه الفكرة لغاية أخرى قبل بضعة شهور كاد ينتهي بكارثة اقتصادية في إسرائيل.

الخبراء اعتبروا اقتراح ساعر شعبوي وخطير (مواقع التواصل) ضد الجريمة المنظمة

والواقع أنه بعيدا عن السجالات الجارية حاليا بشأن أثر إلغاء ورقة الـ200 شيكل على غزة واقتصاد حماس، لا بد من العودة قليلا إلى سبتمبر/أيلول من العام الفائت. في ذلك الوقت طرحت خطة متكاملة لمكافحة ما يعرف بـ"الأموال السوداء" وكان بين أبرز بنودها إلغاء ورقة الـ200 شيكل بشكل كامل. ونظر إلى الأمر من زاوية تقليص استخدام النقد الورقي وصولا إلى القضاء عليه وتبني الشيكل الرقمي. وجاءت هذه الأفكار ضمن رؤية لتحسين موارد الدولة في ظل دراسة تفيد بأن الأموال السوداء (معاملات خارج رقابة الدولة) تصل إلى ما لا يقل عن 3% من الناتج القومي العام. وتحدثت الدراسة عن أن إلغاء ورقة الـ200 شيكل سيزيد من واردات الدولة بما لا يقل عن 20 مليار شيكل سنويا.

وفي سبتمبر/أيلول الفائت أصدر نتنياهو تعليماته لوزير المالية، ومحافظ بنك إسرائيل، ومسؤولين آخرين، بعقد جلسة خاصة في أقرب وقت ممكن من أجل تنفيذ الإلغاء الكامل للعملة الورقية من فئة 200 شيكل، لمكافحة الأموال السوداء. واستندت تعليمات نتنياهو إلى الخطة التي وضعها فريق من 9 خبراء اقتصاديين، لمكافحة الأموال السوداء وزيادة الإيرادات الضريبية للدولة.

وفي حينه تحدث خبراء عن أن خطة سحب الورقة النقدية من التداول يجب أن تتم خلال فترة قصيرة، لأن هذا الإجراء لن يكون فعالا إلا إذا تم الإعلان فورا عن إلغاء الورقة النقدية ولن يكون استبدالها ممكنا إلا لبضعة أيام، مما يجعل من الصعب على العناصر الإجرامية التخلص من ملايين الأوراق النقدية التي تحتفظ بها مختلف عصابات الإجرام المنظم. وأوصت الخطة في الأمد المتوسط، بمواصلة تقليص استخدام النقد بشكل جذري حتى إلغاء النقد بالكامل في إسرائيل خلال بضع سنوات، كجزء من الحرب على العصابات والجريمة المنظمة. وضمن الخطة سترافق ذلك عملية "إفصاح طوعي" عن مصدر الأموال تقضي بمنع مقاضاة المتهربين شرط رفع نسبة ضرائب الدخل عليهم. كذلك تقضي الخطة بتخفيض السماح بالمعاملات النقدية من 25 ألف شيكل إلى 5 آلاف شيكل فقط في المرحلة الأولى.

نتنياهو أوعز لوزير المالية في سبتمبر/أيلول الماضي بدراسة إمكانية إلغاء الـ200 شيكل (الفرنسية)

وفي حينه أثار طرح إلغاء ورقة الـ200 شيكل مخاوف مباشرة من أن العصابات الإجرامية سوف تسارع لاستبدال هذه الفئة من الأوراق بالدولار من فئة الـ100 ما سيخلق نقصا في السيولة النقدية في السوق. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تخطاه إلى إحداث ارتباك كبير في السوق الإسرائيلي عموما. وبمجرد أن سمع الجمهور عن احتمال أن تصبح ورقة الـ200 شيكل قريبا ورقة بلا قيمة، دب الذعر في النفوس. وسارع الإسرائيليون إلى تجار العملات الأجنبية، ومحلات الصرافة لتحويل أوراقهم النقدية من فئة 200 شيكل إلى أوراق نقدية من فئة 100 شيكل أو 100 دولار.

إعلان

وبحسب ما نشر حينها اصطفت طوابير من الناس يحملون حزما من الأوراق النقدية أمام محلات الصرافة وأُجبروا على قبول أسعار صرف ظالمة. وتجاوز سعر صرف الشيكل في مكاتب الصرافة آنذاك 4.2 شيكلات مقابل الدولار، في حين كان السعر الرسمي 3.8 شيكلات فقط، وهي الفجوة التي خلقت أزمة ثقة حادة في الشيكل. كما رفضت بعض المحلات التجارية قبول الأوراق النقدية من فئة 200 شيكل خوفا من أن تصبح غير قانونية. وهكذا أصبح الاقتصاد الإسرائيلي، الذي كان يعاني بالفعل من ارتفاع الأسعار وعدم اليقين، فجأة ساحة لانعدام الثقة، وهو شرط أساسي لوجود نظام نقدي مستقر.

وبعد فوضى 26 سبتمبر/أيلول، أصدر بنك إسرائيل، الذي أدرك إمكانية حدوث أزمة قد يتدهور الاقتصادُ نحوها، بيانا رسميا في محاولة لإخماد الحريق، جاء فيه: "لا تزال ورقة الـ200 شيكل هي العملة القانونية، ولا توجد أي خطة لإلغائها". لقد أدى هذا الإعلان، إلى جانب التلميحات حول الحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار والثقة العامة، إلى مقاطعة حلم الحكومة بتحويل إسرائيل إلى دولة بلا فواتير كبيرة.

الفكرة مجددا

بعد وقت قصير من إعلان ساعر مطلبه، وعندما تبين له صعوبة تنفيذ ذلك عرض فكرة معدلة أساسها ليس إلغاء الورقة فئة الـ200 شيكل وإنما تجميد سلسلة أرقام معروفة، حسب ظنه، للأوراق النقدية لدى حماس. وحسب معلقين فإن فكرة ساعر جاءت من أحد كبار مساعديه ممن كان ضمن الفريق الذي وضع خطة إلغاء ورقة الـ200 شيكل في سبتمبر/أيلول الماضي. وقد استندت الفكرة الجديدة إلى أمرين أولهما أن حماس سيطرت على مبالغ كبيرة من هذه الفئة كانت موجودة في البنوك الفلسطينية في القطاع عند اندلاع الحرب. وأن هذه المبالغ كانت قد نقلت إلى فروع البنوك في غزة عبر بنوك إسرائيلية والأرقام التسلسلية لهذه المبالغ معروفة لإسرائيل. وبالتالي يمكن إلغاء أو تجميد هذه الأرقام.

تاجر عملة وزبائنه في غزة عام 2009 (الأوروبية- أرشيف)

وبحسب صحيفة "غلوبس" الاقتصادية قال الدكتور آدم رويترز، أحد قادة مجموعة الخبراء التي بادرت بطلب إلغاء أوراق الـ200 شيكل سابقا، "اكتشفنا أننا نعرف الأرقام التسلسلية لجميع الأوراق النقدية تقريبا في قطاع غزة. لقد تلقوا أوراق الشيكل عبر شاحنات برينكس من البنوك الإسرائيلية، لذا يوجد سجل بها جميعا". وأضاف: "خلال الحرب، نهبت حماس جميع بنوك غزة، كما فرضت ضرائب على جميع المعاملات المالية التي تتم عبر التجار والعصابات التي تستولي على الغذاء والوقود. واليوم، تملك حماس ثروة نقدية تقدر قيمتها بـ3 إلى 4 مليارات شيكل، معظمها من فئة 200 شيكل". وزعم رويترز أن هذه الأموال "قد تؤدي إلى أزمة سيولة حادة في حماس، التي تُعتبر أكبر مُشغِّل في غزة. وإذا علمت أن هذه الأموال ستكون بلا قيمة، فسوف تُعاني من ضغوط". وبحسب قوله فإن هذا "قد يؤدي حتى إلى إطلاق سراح الرهائن".

إعلان

لكن بنك إسرائيل مرة أخرى رفض الفكرة من أساسها. وبيّن خبراء أن إسرائيل لا تعرف ما بقي لدى حماس وما انتقل منها إلى الناس وكذلك ما تم نقله أو تهريبه إلى الضفة أو إسرائيل مباشرة أو بشكل غير مباشر. ولذلك فإن كلاما كهذا يعني ضرب عشواء عدا عن أن هناك احتمالات أن تنتقل الأرقام الملغاة إلى تجار ليس مطلوبا منهم التدقيق في الأرقام التسلسلية لهذه الفئة من العملة. وكذلك ليس هناك ما يضمن عدم استمرار التعامل بهذه الفئة من الأوراق في غزة ذاتها لعدم وجود بديل لها في ظل حقيقة أن سلطة النقد الفلسطينية هي الجهة المخولة في هذا الصدد. وهذا يضع علامات سؤال كبيرة حول جدوى هذه العملية ومدى الحاجة إليها في ظل الوضع القانوني ومترتباته.

الصراع مع بنك إسرائيل

ما إن عبّر البنك المركزي عن رفضه لمطلب ساعر حتى بدأت هجمة سياسية عليه، وعلى محافظ البنك. فقد اعتبره ساعر وأنصاره أنه شخصيا يمنع تحقيق النصر المطلق على حماس وبالتالي فإنه يضر بالجهد الحربي للدولة. ووفق هذا المنطق قال ساعر: هناك حاجة ملحة لشن حرب اقتصادية على حماس. وما دام بنك إسرائيل مصر على رفضه التعاون مع هذه الخطوة، فسأقترح دراسة إمكانية تنفيذها من خلال قرار حكومي وتشريع، إذا لزم الأمر.

بنيامين نتنياهو (يسار) وبنك إسرائيل رفضا مطلب ساعر (الصحافة الإسرائيلية)

وعدا عن الآثار التي سبق الإشارة إليها يرى بنك إسرائيل أن إسرائيل تشكل حالة خاصة حيث يستخدم الاقتصاد غير الإسرائيلي أمواله كعملة قانونية في بلده أيضا. وهناك اتفاقات موقعة مع السلطة الفلسطينية بضمانات دولية يصعب النكوث بها. كما أن هناك جانبا إداريا مهما وهو أن بنك إسرائيل يصر على أن هذا الأمر يقع ضمن سلطة المحافظ وحده وفق القانون الإسرائيلي. وفي نظره يشكل استقلال بنك إسرائيل ركيزة مهمة لمرونة الاقتصاد الإسرائيلي ومصداقيته. إن انتهاكها قد يؤدي إلى فقدان الثقة بين المستثمرين وشركات التصنيف الائتماني في إسرائيل.

إعلان

عموما وفي حمى الصراع بين نتنياهو ومؤسسات الحكم التي يسميها "الدولة العميقة" ثمة من يرون في فكرة ساعر، وانتقاله السريع لمهاجمة بنك إسرائيل جزءا من الصراع الداخلي على إعادة تشكيل المجتمع الإسرائيلي أكثر مما هي محاولة لضرب اقتصاد حماس.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الأموال السوداء الأوراق النقدیة البنک المرکزی سبتمبر أیلول بنک إسرائیل فی إسرائیل النقدیة من هذه الفئة فی غزة

إقرأ أيضاً:

ليست حماس فقط.. إسرائيل تستهدف الجميع

"نريد تدمير ما تبقّى من القطاع.. حتى لا يبقى حجر على حجر.. سكان غزة سينتقلون إلى جنوب القطاع، ومن هناك إلى دولة ثالثة"، بهذه الكلمات يختصر وزير المالية الإسرائيلي أهداف الحرب بعد 19 شهرًا من الوحشية، والتجويع والقتل والتدمير الممنهج.

بعده بأيّام، في 21 مايو/ أيار، خرج رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في إطلالة إعلامية مباشِرة، ليحدّد أهداف الحرب على غزة؛ بتسليم الأسرى، ونزع سلاح حماس، وخروج حماس من القطاع، ومن ثم تطبيق خطة ترامب التي تعني تهجير الفلسطينيين إلى خارج القطاع.

هذا يعني وبوضوح وعلى لسان أرفع مسؤول في الحكومة؛ أن إسرائيل المحتلة لا تريد الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار، وما المفاوضات الجارية في الدوحة والقاهرة، إلا شكل من أشكال إدارة الحرب، فبنيامين نتنياهو أكّد أنه لو تم تسليم الأسرى كإحدى نتائج المفاوضات مع حماس، فإن الحرب ستُستأنف بعد انتهاء الهدنة المؤقتة، حتى تحقيق أهداف الحرب المشار إليها.

موقف نتنياهو يعني استدامة الحرب، بأفق زمني يقترب من عقد الانتخابات الإسرائيلية في منتصف العام 2026.

وحتى يوفّر نتنياهو لنفسه غطاءً ودعمًا أميركيًا مستمرًا لهذه الحرب، فإنه أعلن استجابته لطلب أصدقاء إسرائيل في الكونغرس الأميركي، بإدخال مساعدات لتجنّب حدوث مجاعة في غزة، كما زعم، حتى يوفّروا له غطاء لكافة متطلبات الحرب السياسية والمادية لحسم المعركة في غزة.

إعلان

في هذا السياق، قام الاحتلال الإسرائيلي بإدخال 92 شاحنة، من أصل 45 ألف شاحنة يحتاجها قطاع غزة بشكل عاجل وتدفق مستمر لتجاوز المجاعة الناتجة عن الإغلاق التام والحصار المطبق لأكثر من 80 يومًا، ما دفع مفوضة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس لوصف ذلك بأنه؛ قطرة في محيط الاحتياجات الإنسانية.

العبرة بالأفعال

واشنطن وإن بدت راغبة بوقف الحرب في قطاع غزة وصناعة السلام في المنطقة العربية، كما جاء على لسان الرئيس ترامب، إلا أن سلوكها لا يشي بذلك، بل يخلق شكوكًا حول مصداقية موقفها الداعي لوقف الحرب، التي تحوّلت إلى إبادة جماعية للفلسطينيين، فإسرائيل ما زالت تقتل بلا حدود، وتجوّع الفلسطينيين بلا حدود، وواشنطن- واقعيًا وعمليًا- تدعمها بلا حدود.

واشنطن إن كانت معنية بوقف الحرب، فهي تستطيع، بقرار سياسي حقيقي وليس إدارة إعلامية، فالرئيس الأميركي آيزنهاور وباتصال مباشر مع بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل، استطاع أن يوقف العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ما أدّى لخروج بريطانيا، وفرنسا من قناة السويس، وانسحاب إسرائيل من سيناء وقطاع غزة.

الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الغربية- ولا سيّما بريطانيا، وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، والنرويج، وهولندا، وكندا وغيرها- دعوا رسميًا وعلى لسان أرفع المسؤولين بوقف الحرب وإدخال المساعدات فورًا وبلا قيود، وهدّدوا بمعاقبة إسرائيل على سلوكها، إن لم تستجب لدعواتهم.

هذا الموقف وإن جاء متأخرًا جدًا، شكّل نقلة نوعية في الخطاب، ولكنه في ذات الوقت أمام اختبار حقيقي، فالعبرة بالأفعال وليست بالأقوال.

يُشهَد للعديد من الشعوب الأوروبية وشرائح أميركية موقفهم التاريخي الرافض لحرب الإبادة والتطهير العرقي في غزة، بعد أن انكشف الاحتلال الإسرائيلي على حقيقته المتوحّشة، ما كان سببًا مهمًا لتغيير مواقف حكوماتهم المُحْرجة سياسيًا وأخلاقيًا أمام شعوبها التي يمكن أن تعاقبها عبر صناديق الاقتراع في أقرب الآجال.

إعلان

يبقى الحكم على مواقف الدول الغربية، التي لطالما ادّعت وزعمت حمايتها للقانون الدولي والإنساني، مرهونًا بخطواتها وإجراءاتها العملية ضد إسرائيل على شكل عقوبات تحول دون استمرار عدوانها على غزة، فالاتحاد الأوروبي أخذ ضد روسيا نحو 17 حُزمة من العقوبات المتراكمة للحيلولة دون استمرار حربها على أوكرانيا، وهذا يعدّ حجة على الاتحاد الأوروبي ومصداقيته، وهو المنظومة الأكثر شراكة تجاريًا وعسكريًا وثقافيًا مع إسرائيل المحتلة.

حماس ليست الهدف الأساس

إن كان الحديث عن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي أساسيًا بحكم موقعهما الأكثر تأثيرًا على المنظومة الدولية وعلى إسرائيل بوجه خاص، فهذا الأمر لا يُعفي جامعة الدول العربية والدول العربية من مسؤوليتها الأخلاقية والقومية والسياسية، وهي الأكثر قربًا وتأثّرًا بتداعيات الأحداث الدامية في قطاع غزة، وهي الأكثر تأثيرًا على إسرائيل إذا أرادت استخدام أوراق قوّتها لوقف الإبادة الجماعية وتهجير الفلسطينيين من أرضهم.

الدول العربية باستطاعتها وقف التطبيع مع إسرائيل المحتلة، ووقف كافة الشراكات الاقتصادية والأمنية معها، وتفعيل المقاطعة الشاملة ضد الاحتلال، حتى وقف هذه المقتلة بحق الفلسطينيين والإنسانية، فالصمت يشجّع الاحتلال على ارتكاب المزيد من الحماقة والجنون الذي سيطال الجميع فلسطينيين وعربًا.

من نافلة القول، أن معركة إسرائيل ليست مع حركة حماس والمقاومة الفلسطينية بشكل أساس، وإنما مع الشعب الفلسطيني وتطلعاته الوطنية، ومع الأطفال والنساء والشباب الفلسطيني؛ فالاحتلال يعتقد أن الديمغرافيا الفلسطينية، والعنفوان الفلسطيني، والكفاءات العلمية الفلسطينية هي تحدٍ تاريخي له، فهم أصحاب الأرض الأصليون ويرفضون التخلّي عنها، وهذا ما كان طوال 77 سنة من الاحتلال القائم على القتل والتهجير.

إعلان

معركة إسرائيل مع الجميع وتستهدف فيها الجميع. فحركة حماس هي حلقة من حلقات النضال، وإن ذابت وفنت فلن يفنى النضال ولن تتراجع الثورة الفلسطينية عن التحرير والعودة لشعب قارب تعداده الـ 15 مليون نسمة، نصفهم داخل فلسطين، والنصف الآخر مهجّر يعيش أغلبه في دول الطوق العربي.

الناظر يرى مستوى وحشية الاحتلال، وكراهيته وانتقامه من المدنيين الفلسطينيين في غزة، فغالبية الشهداء من المدنيين، وثلث الشهداء البالغ عددهم نحو 54 ألفًا إلى اللحظة من الأطفال.

الاحتلال ومنذ الأشهر الأولى من هذه المعركة، سعى لتدمير الجامعات والمدارس؛ لأنها منبع التربية والمعرفة، كما سعى لقتل الأطباء والمهندسين والمعلمين والأكاديميين والصحفيين وموظفي القطاع العام ونشطاء المجتمع المدني؛ لأنه يرى فيهم عدوًا عنيدًا صلبًا في مواجهته كاحتلال فاشيّ متوحّش.

الاحتلال كان وما زال يرى في الفلسطيني عدوًا يجب التخلّص منه؛ فمن دمّر أكثر من 500 بلدة وقرية وهجّر ثلثي الشعب الفلسطيني في العام 1948، ما زال يعمل بنفس العقلية وعلى ذات النهج والسياسة.

إذا كان بعض العرب يرى في حركة حماس والمقاومة الفلسطينية طرفًا غير مرغوب فيه لخلفيتها الإسلامية، فهذا ليس مبرّرًا للصمت على قتل الأطفال، وتدمير معالم الحياة في قطاع غزة.

علاوة على ذلك فإن تهجير الفلسطينيين، سيُعيد ثِقل النضال الوطني من الداخل إلى الخارج، وهذا ليس في صالح الفلسطينيين والعرب على حد سواء، وفقًا لتجربة الثورة الفلسطينية؛ فإسرائيل تسعى لنقل أزمتها كاحتلال إلى الدول العربية، لتصبح المشكلة بين الفلسطينيين الساعين للتحرير والعودة، وبين الدول العربية التي ستكون في موقع الدفاع عن إسرائيل بحكم اتفاقيات التطبيع.

حركة حماس أحسنت لفلسطين وللدول العربية عندما نقلت النضال من الخارج إلى الداخل، ولم تتدخل في شؤون الدول العربية بذريعة مقاومة الاحتلال، وهذا يتطلب أقلّه دعمًا للفلسطينيين إن لم يكن وقوفًا مع حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في وجه الاحتلال، الذي يشكّل خطرًا إستراتيجيًا على الأمة العربية كلها والإنسانية بأكملها، والذي بات اليوم واضحًا أكثر من أي وقت مضى.

إعلان

الواقع الكارثي الذي يعيشه الفلسطيني في قطاع غزة، وعلى شاكلته في الضفة الغربية والقدس، بسبب الاحتلال الإسرائيلي، يضع العرب والإنسانية أمام امتحان تاريخي؛ فالعالم إما أن يستمر في صمته المخجل ويخسر إنسانيته، وإما أن يتحرك لإنقاذ البشرية والتي أضحى أحد أهم عناوينها غزة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • أخبار التوك شو| متحدث التعليم يحذر من عقوبة تصوير ورقة الامتحانات في اللجان.. متحدث الخارجية: امتلاك إسرائيل السلاح النووي يهدد الأمن الإقليمي
  • محللون: إسرائيل تلقت ضربة مزدوجة من اليمن وغزة ومتورطة بحرب استنزاف
  • "خطة نشر اليأس".. كيف تدفع إسرائيل سكان غزة لمغادرة أراضيهم؟
  • ماذا تعني عودة التداول في بورصة دمشق لاقتصاد سوريا؟
  • مفاوضات غزة: إسرائيل تُقرّر عدم إرسال وفد تفاوضي إلى الدوحة
  • ليست حماس فقط.. إسرائيل تستهدف الجميع
  • إبراهيم النجار يكتب: وقف إطلاق النار في غزة.. مؤقت أم فرصة أخيرة؟!
  • حماس: الاحتلال رفض ورقة تفاهم صيغت مع الوسيط الأمريكي وتحمل ثغرات كارثية
  • ما الذي تضمنه رد حركة حماس على ورقة ويتكوف للهدنة؟
  • 425 مليون شيكل.. تكلفة يوم واحد من حرب غزة تكسر ميزانية إسرائيل