الكتاب: أنطولوجيا الوعي الجمالي عند سارتر
الكاتب: عبد الباسط محمد حاجة
الناشر: تموز ـ ديموزي للطباعة والتوزيع والنشر-دمشق، الطبعة الأولى 2025، (عدد الصفحات 144 من الحجم الوسط).

نشأ المذهب الخاص بالوجودية في النصف الأول من القرن العشرين، وكان الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر (1905-1980)، رائد هذا التيار، وهو الفيلسوف الأكثر جرأة في التعبير عن الفلسفة الوجودية.

من الفلاسفة الذين نهل منهم سارتر واشتق أفكاره الغنية عن الفلسفة الوجودية، نذكر ديكارت أعظم الفلاسفة الفرنسيين المحدثين. وكوجيتو ديكارت الشهير "أنا أفكر، إذن أنا موجود". الفلسفة تبدأ من التأكيد المطلق على الوعي بالنفس. أنا ككائن مفكر، موجود.

ثاني منهل نهل منه سارتر، هو فلسفة الفينومينولوجيا لإدمون هيوسيرل (1859 ـ 1938م)، ومارتن هيدجر (188 ـ 1976م). كلمة فينومينولوجيا، مشتقة من كلمة يونانية تعني الظواهر. أي أن هذه الفلسفة تدرس ظواهر الأشياء. لقد درس سارتر هذه الفلسفة الجديدة بتعمق، عندما كان في المعهد الفرنسي ببرلين. وهناك مارتن هيدجر، الفيلسوف الوجودي الألماني العظيم، الذي كان تلميذًا لهيوسيرل ومساعدًا له، وخليفته في تدريس الفلسفة في جامعة فريبورج بألمانيا. لكنه يختلف عن هيوسيرل في أن هيدجر يركز على وجود الإنسان نفسه.

وجد سارتر أيضا، أفكارا عديدة في فلسفة هيجل وماركس وكيركجار ونيتشه وداروين. الصراع حتى الموت، والعلاقة بين السيد والعبد، والوعي غير سعيد، وموت الرب، والاغتراب، كلها مفاهيم ليست غريبة علينا. جاءت في أعمال هؤلاء الفلاسفة السابقين. هذه المواد الفلسفية والعلمية مع خبرته الأكاديمية، ساعدت سارتر على بناء صرح الفلسفة الوجودية الفرنسية. قام بتدعيمها بالقصص القصيرة والروايات والمسرحيات والمقالات السياسية.

يشكل الوعي الجمالي سؤالاً إشكالياً عند فيلسوف إشكالي وجودي مثل سارتر، قدم فلسفته عبر الرواية والمسرح، وتكمن أهمية البحث هنا في محاولة التصدي للسؤال المحوري حول ماهية الوعي الجمالي بأبعاده المختلفة الوجودي والنفسي والفينومينولوجي.في هذا الكتاب الجديد المعنون: "أنطولوجيا الوعي الجمالي عند سارتر" للكاتب عبد الباسط محمد حاجه، المتكون من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، ويحتوي على 144 صفحة من القطع المتوسط، يطرح الكاتب تشكل الوعي الجمالي باعتباره نوعاً من أنواع الوعي الإنساني، وتأتي أهميته بوصفه نظرة إلى الوجود ومحاولة تفسيره، إضافة إلى تداخله في مجالات الحياة الإنسانية كافة.

يشكل الوعي الجمالي سؤالاً إشكالياً عند فيلسوف إشكالي وجودي مثل سارتر، قدم فلسفته عبر الرواية والمسرح، وتكمن أهمية البحث هنا في محاولة التصدي للسؤال المحوري حول ماهية الوعي الجمالي بأبعاده المختلفة الوجودي والنفسي والفينومينولوجي.

لا شك أن الوعي الجمالي يشكل أحد أهم المباحث الفكرية والفلسفية التي كانت وما زالت موضع اهتمام العديد من الفلاسفة والباحثين على مر العصور، سؤال الفلسفة عن الوعي الجمالي ماهيته وبنيته وخصائصه، من أهم الأسئلة التي طرحتها الفلسفة. وتأتي أهمية هذا العمل كمحاولة للتصدي للسؤال المحوري ألا وهو ما خصوصية الوعي الجمالي عند سارتر؟

الوعي الجمالي وخصائصه

حاول الكاتب في هذه الدراسة العودة إلى نصوص الفلسفة السارترية، ليبحث عن فكرة الجمال والوعي الجمالي، وكيف عبر سارتر عن هذا الوعي الجمالي؟ وما علاقة الوعي الجمالي بالخيال؟ وكيف تجلى هذا الوعي عبر الرواية والمسرح؟

بداية التعريف بالوعي الجمالي، الإنسان كائن جمالي، يعني أنه ذو حساسية ذوقية تجاه الظواهر والأشياء، بهذه الحساسية يقبل أو ينفر، أو يستأنس أو يستوحش، إنه كائن ينتج الأدوات والأشكال وفق تصوراته الذهنية والجمالية، الأمر الذي يجعل النزوع الجمالي لديه أشبه بالنزوع الغريزي، فالعلاقة الجمالية مرهونة بما هو اجتماعي عام، بالرغم من كونها فردية الأداء، ومن ثم فالعلاقة الجمالية متعددة العناصر والمستويات منها الحسي... النفسي... الذهني... ومنها الفردي والاجتماعي والإنساني.

وتاريخ النزوع الجمالي هو نفسه تاريخ الإنسان، فقد مر بالكثير من المراحل الحضارية، كما مرت علاقة الإنسان الجمالية بالعالم بمستويات كثيرة ومتباينة، تداخل فيها الجمالي بكل من النفعي والسحري والديني والجنسي على نحو يصعب التمييز أحياناً فيها في ذلك التداخل، لأن هذا التداخل ناتج عن تداخل في الوعي الإنساني نفسه، من هنا استحالة الحديث عن نزوع جمالي صرف.

يقول الكاتب: "إنَّ الجمال يتداخل في جميع مجالات الحياة الإنسانية، كما أننا نصادفه في كل مكان حيث يعد الوعي الجمالي نوعاً من الوعي، وإنّ ولادة علم الجمال لم يكن لها أن تكون لولا التاريخ المديد من رغبة الإنسان بالجمال. غاية الحاجة الجمالية التأمل الجمالي وليس لها أغراض أخرى، وهي حاجة عامة وشاملة وضرورية، وكل شخص منا له نوع من الاتجاه أو النزوع الجمالي وغالباً ما نجعل من الفن الملجأ في سبيل التأمل والإشباع الجمالي لحاجاتنا ولهذا النزوع، فهذه الحاجات تنمو وتتطور مع تقدم السن وبما أن تاريخ النزوع الجمالي هو نفسه تاريخ الإنسان فقد مر بالكثير من المراحل الحضارية التي يصعب معها تحديده علمياً إلا حسب كل مرحلة فقد مرت علاقة الإنسان الجمالية بالعالم بمراحل ومستويات مختلفة يتداخل فيها الجمالي بكل من النفعي والسحري والديني، ودون هذه الجوانب التي تداخلت مع الوعي البشري لأمد طويل من التاريخ يستحيل علينا الحديث عن النزوع الجمالي.

حيث كان الإنسان البدائي أسير الطبيعة، ولم يتطور الوعي إلا بعد مراحل متقدمة، إن انعطاف الفنّ القديم نحو الطبيعة، أي نحو عناصر الجمال في الطبيعة هو دليل على أن الفن القديم لم يكن وسيلة للسحر والاستقرار فحسب، بل كان وسيلة للجمال، ومن الواضح أن مفهوم الجمال لم يكن واحداً في كل العصور وفي كل أطراف الأرض، بل هو مرتبط بالعالم الخاص الذي يعيشه الفنان، وعالم الإنسان القديم هو المغاور والحيوانات التي يصارعها ويحلم بتذليلها والسيطرة عليها هكذا كانت موضوعاته محصورة ضمن نطاقها، ولكن هذا لم يمنعه من تحديد طريقة مستقلة، وقد بدأ بتطوير عمله بعد أن كان سجين الطبيعة" (ص 22).

من الناحية التاريخية لا تنشأ الفنون إلا بالعمل المستمر، والمتحرر من الطبيعة والسيطرة عليها، هنا تنشأ أولى مراحل الوعي البشري وهي الانفصال عن الطبيعة والتحرر من سيطرتها، على ضوء ذلك فإن الفنان القديم لم يكن يستطيع التمييز بين الواقع والخيال وكان إذا أراد رسم الحيوانات على جدران الكهوف، رسمها بطريقة مطابقة للواقع، وبعدها يضع سهماً في جسمها، يعتقد بهذه الطريقة أنه يستطيع السيطرة على الطبيعة واصطياد الحيوان لغاية الطعام وليس لغاية جمالية.

إذا تتمثل أولى مراحل الوعي البشري بالانفصال عن الطبيعة والتحرر منها، بعد ذلك تطور الوعي لدى الإنسان البدائي حيث بدأ بالصيد والصناعة والزراعة، كما بدأ بصناعة الأدوات وعمل على تطوير هذه الأدوات أدوات العمل المطارق والأزاميل ومن ثم حول عمله من العمل الفردي إلى العمل الجماعي، لم يعد يهتم برسم الصور المطابقة للطبيعة، كان كل ما يريده هو الرمز والإشارة، بعد ذلك انتقل عن طريق وعيه المتطور من إنسان مستهلك إلى إنسان منتج، أصبح ينتج كل ما يحتاجه وتأمين غذائه بنفسه، من هنا أصبح الإنسان القديم في مرحلة متقدمة من مراحل تطور الوعي البشري، فلم يعد يعتمد على الطبيعة وإنما على نفسه، تخلص من ممارسة السحر والصيد الذي كان سائداً في العصر البدائي القديم أصبح المزارع يؤدي دوراً مهماً في هذا العصر، وهو أكثر وعياً، وبالتالي لم يعد الفن تصويراً ومطابقة للواقع، بل رمزاً وإشارة للعمل الفني.

من أهم خصائص الوعي الجمالي أنه يهدف إلى تحليل المفاهيم والتصورات الجمالية، وإلى دراسة المسائل التي يثيرها تأمل موضوعات التجربة الجمالية كالقيم والأحكام والقوانين التي تحدد الجمال وإلى الكشف عن العلاقة بين الذات المتذوقة للجمال وبين الموضوع الجمالي، إذ نشأ وتطور عبر مرحلة طويلة من تطور الوعي الإنساني، وذلك نتيجة تعقد الخبرات الإنسانية عبر التاريخ البشري وانتقالها من البسيط إلى المركب.

الوعي الجمالي لدى الاتجاه الذاتي

تقوم الدراسات الجمالية على مبدأين أساسيين هما الذات والموضوع، فهما مكونان رئيسيان في أية دراسة جمالية، ليس قمة دراسة في غياب أحد هذين المبدأين، إذ لا بد من حضورهما.

من خلال القراءة لبنية الوعي الجمالي تبين أنه لا يمكن أن يكون هناك وعي جمالي بدون الذات الإنسانية، وكذلك بدون الموضوع المدرك، فالذات والموضوع ثنائية لا غنى عنها في الوعي الجمالي.

ينتقل الكاتب عبد الباسط محمد إلى استعراض رأي بعض الفلاسفة المدافعين عن طبيعة الجمال عند الاتجاه الذاتي، فيقول: "نشأ التيار الذاتي للرد على التيار الموضوعي، فإذا افترض أنصار الاتجاه الموضوعي أن الجمال صفة موجودة فقط في الشيء الجميل، فإن أنصار هذا التيار يرفضون ذلك، ويقررون أن الجمال ذاتي وأن التعبير عن الذات يختلف من شخص إلى آخر، وإن كل فرد له المقاييس الجمالية الخاصة به التي يتميز بها عن غيره، فما يراه بعض الأشخاص جميلاً، مثل لوحة فنية أو شجرة، قد يكون غير جميل بالنسبة لشخص آخر لنأخذ المرأة كمقياس للجمال، فهي بصرف النظر عن إحساسات الإثارة التي قد تشعلها في مجموعة من الرجال، فإن كل رجل في هذه المجموعة يعجب لشيء ويعكس فيه نفسيته وذاتيته، لذلك فإن صورة المرأة تتعدد بعدد الرجال الذين ينظرون إليها أي أن هذا الاتجاه يؤكد أن النسبية هي المعيار الوحيد لنظريتهم في الوعي الجمالي، حيث نشأ هذا التيار لتأكيد أهمية الذات في الحكم الجمالي وللتأكيد على أهمية النسبية في طبيعة الجمال (ص26).

من أهم خصائص الوعي الجمالي أنه يهدف إلى تحليل المفاهيم والتصورات الجمالية، وإلى دراسة المسائل التي يثيرها تأمل موضوعات التجربة الجمالية كالقيم والأحكام والقوانين التي تحدد الجمال وإلى الكشف عن العلاقة بين الذات المتذوقة للجمال وبين الموضوع الجمالي، إذ نشأ وتطور عبر مرحلة طويلة من تطور الوعي الإنساني، وذلك نتيجة تعقد الخبرات الإنسانية عبر التاريخ البشري وانتقالها من البسيط إلى المركب.من أنصار هذا الاتجاه الذاتي  ليو تولستوي Letoltoy  (1828 - 1910م) الذي، يرى أن قيمة الأثر الفني الحقيقية ترجع إلى تأثيره أولاً وأخيراً فيمن يدركونه، وإن جمال الأثر الفني يقوم على أساس تقدير الناس له، إذاً قيمة الأثر الفني تزداد بازدياد عدد المتذوقين له؛ الجمال موجود في شعورنا فهو لا يوجد إلا من أجلنا ويرجعون جمال الأشياء وقيمتها إلى الطريقة التي نتصورها بها، أي إن هذه الأشياء ليست جميلة أو قبيحة في ذاتها، لأنها لا تتغير وإنما نحن الذين نضفي عليها صفة الجمال. لذلك فهم يذهبون إلى أن الأشياء قد تفقد قيمتها إذا فصلناها عن ذات الإنسان، فالجمال إنما هو جمال ذاتي، نحن من نعطي العمل الفني صفة الجمال، فما يعجبني قد لا يعجب الآخرين، إذا حكم الجمال الذاتي مختلف من شخص إلى آخر.

أما كانط فنجده يميز بين موضوعين موضوع المعرفة والموضوع الحقيقي الموجود في العالم الخارجي، وقد بين أنّ الثاني مجهول من قبلنا أما الموضوع الأول وهو موضوع المعرفة فإنه مصنوع من قبل الذات العارفة، ومن قبل الموضوع المجهول أو ما يسميه الشيء في ذاته. ومن ثم فإنّ عملية المعرفة الكانطية تقتصر على الذات العارفة، وعلى أن الحكم على الجمال حكم ذاتي ويتغير من شخص إلى آخر معتبراً أن مصدر الشعور بالجمال كامن فينا، في مزاج الروح وليس في الطبيعة، إذا ينكر الوجود الموضوعي لنظرية المعرفة، ويؤكد دور الذات في عملية المعرفة، أي أن المعرفة الكانطية هي من صنع الذات العارفة وحدها، ولا يوجد للموضوعات الخارجية أي دور في عملية المعرفة.

أما الفيلسوف التجريبي (ديفيد هيوم David Home) (1711 - 1776م) فقد حصر الذهن العارف ضمن الحدود التي لا تتعدى دوره السلبي، وبموجب هذا التصور قسم المدركات الحسية إلى انطباعات وأفكار، فالانطباعات هي الإحساسات المباشرة التي تنطبع على الذهن حين يحس شيئاً بأحد حواسه، أما الأفكار فهي الصور الذهنية التي تحفظ في الذهن أو الذكريات التي تخلفها الانطباعات، أي إن الفكرة ليست إلا انطباعا بعد أن خفت حدته، وبذلك فإنّ الفرق بين الانطباع والفكرة هو الفرق بين الشيء حين أدركه مباشرة وبين الشيء عندما أستعيده بذاكرتي، فالذات وفقاً لتحليل هيوم تصبح ذاتاً سلبية، لا يمكنها أن تسعى إلى خلق أي شيء في عملية المعرفة، وإنما يقتصر دورها على التلقي السلبي لما يمكن أن يرد إليها من موضوعات.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب سوريا كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الوعی الإنسانی الوعی الإنسان عملیة المعرفة الوعی البشری تطور الوعی من أهم لم یکن

إقرأ أيضاً:

ساهم بإعادة ترامب.. كتاب يكشف تستر الديمقراطيين على تدهور صحة بايدن

واشنطن- صدر قبل أيام كتاب "الخطيئة الأصلية: تدهور الرئيس بايدن والتستر عليه واختياره الكارثي للترشح مرة أخرى"، الذي يُفصل في كيفية تستر قيادات الحزب الديمقراطي، بالتواطؤ مع عائلة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، على تدهور حالته العقلية والصحية خلال العامين الأخيرين من فترة حكمه.

وفي 319 صفحة و18 فصلا، عرض الصحفيان الأميركيان المخضرمان جيك تابر (المذيع بشبكة سي إن إن) وأليكس طومسون (كبير مراسلي موقع أكسيوس بالعاصمة واشنطن) عن تفاصيل لم يكشف عنها من قبل بشأن هذا التستر، وكيف أسهم ذلك في إعادة الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض.

ويستند الكتاب -الذي صدر عن دار نشر بينغوين- إلى أكثر من 200 مقابلة، معظمها مع ديمقراطيين قريبين من بايدن، وأُجريت جميعها تقريبا بعد انتهاء انتخابات 2024.

بداية التدهور

يستدعي الكتاب لحظات لم يتعرف فيها بايدن على أشخاص قريبين منه، مثل مساعده مايك دونيلون، أو الممثل الشهير جورج كلوني. ويجادل بأن هناك نسختين من الرئيس السابق، واحدة "تعمل" والأخرى "غير عاملة". وعملت الدائرة المقربة منه على حماية النسخة "غير الفعالة" من الظهور أمام الأميركيين، بمن فيهم عديد من مسؤولي البيت الأبيض.

إعلان

ويُرجع الكتاب بداية تدهور حالة بايدن، وفقده تسلسل أفكاره في محادثات مهمة، ونسيانه تواريخ مهمة، بما في ذلك وفاة ابنه الأكبر بو، إلى بدايات 2023 (أي العام الثالث في فترة حكمه)، ورغم تأكد الجميع من ذلك، فإن بايدن اتخذ أحد أكثر القرارات مصيرية في تاريخه السياسي بإعلانه خوض انتخابات 2024، وسط جهود يائسة لإخفاء مدى هذا التدهور الذي عانى منه.

وظهرت الطامة الكبرى لبايدن والديمقراطيين في مناظرته الرئاسية مع ترامب في 27 يونيو/حزيران 2024، التي كشفت للأميركيين وللعالم عن حجم الخداع وعمق التستر المحيط بترشح بايدن وعدم قدرته على أداء مهامه الخطيرة، وعلى رأسها كونه القائد الأعلى للقوت المسلحة الأميركية.

يأخذنا الكاتبان تابر وطومسون إلى النقاشات الخاصة المغلقة في دوائر الحزب الديمقراطي، ودهاليز منظومة الحكم الأميركية، ويكشفان عن حجم المشكلة وعدد الأشخاص الذين يعرفون عنها سواء من موظفي البيت الأبيض من أعلى المستويات إلى أدناها، أو من قادة الكونغرس إلى الوزراء، ومن حكام الولايات إلى المانحين ونجوم هوليود.

واعتبرا أن الحقيقة تُظهر أن قرار بايدن بإعادة الترشح -وإن بدا نرجسيا ومتهورا على نحو صادم- لم يكن له أي سوابق مماثلة تاريخية بما يستدعي كثيرا من المساءلة، والاستقصاء الذي قد يستمر لعقود.

ويشيران إلى مفارقة لاذعة ارتكبها قادة الديمقراطيين، فباسم هزيمة ما سموه تهديدا وجوديا للديمقراطية المتمثل في ترامب، أنكروا وجود مشكلات صحية وذهنية بدت واضحة للشعب الأميركي خلال السنوات الأخيرة، مما أدى للحكم على الديمقراطيين بالهزيمة.

ومثّل قرار بايدن بإعادة الترشح ما وصفها الكاتبان بـ"الخطيئة الأصلية" له، واعتبرا أن دعم هؤلاء القادة لذلك تمهيد غير محسوب لدفع ثمن باهظ يهدد بالفعل ديمقراطية أميركا، ألا وهو عودة ترامب التاريخية للسلطة.

إعلان مجموعة مغلقة

ويقول الكاتبان إن "ما رآه العالم في مناظرة بايدن الوحيدة (مع ترامب) لم يكن حالة شاذة، لم يكن شخصا غير مستعد أو مفرِطا في الاستعداد أو متعبا بعض الشيء. لقد كانت نتيجة طبيعية لرجل يبلغ من العمر 81 عاما تتضاءل قدراته لسنوات. إذ جعل بايدن وعائلته وفريقه مصلحتهم الذاتية وخوفهم من فترة ولاية أخرى لترامب تبرر محاولة وضع رجل مسن -مضطرب في بعض الأحيان- في المكتب البيضاوي لمدة 4 سنوات أخرى".

وذكرا أن بايدن كان محميا من مجموعة معزولة ومغلقة تحيط به طوال الوقت، وعلى رأسها زوجته جيل وابنه هانتر، ومساعدون قدامى أطلقا عليهم وصف "المكتب السياسي"، في إشارة إلى لجنة قيادة الأحزاب الشيوعية في الاتحاد السوفياتي.

وأضافا أن السيناتورة الديمقراطية السابقة من ولاية ميشيغان، ديبي ستابينو، سألت السيدة جيل بايدن سؤالا غير مباشر عقب المناظرة بأيام، قائلة: "لا نعرف إذا ما كان هذا شيئا يحدث لمرة واحدة، أو أن هناك شيئا آخر يحدث مع الرئيس. لكني أعرف أنك تعرفين"، ولم تجب السيدة الأولى عن السؤال، وعبّرت عن غضبها من مغزاه.

وتضمّن الكتاب إشارة للحظات اعتبرت فيها عائلة بايدن أنه يتمتع بما يلزم للقيام بمهامه والتقدم لإعادة الانتخاب. فبعد أدائه الجيد في "خطاب حالة الاتحاد" في مارس/آذار 2024، انزعج بعض مساعدي البيت الأبيض بشدة عندما خاطب بايدن فصلا من طلاب إحدى المدارس الثانوية لاحقا بكلمة عفوية غير مكتوبة، وصرخ أحد المساعدين قائلا: "ما الذي رأيناه للتو؟ لن ينجح ولا يستطيع فعل ذلك! هذا جنون".

وبعد أيام من صدور الكتاب، تضاعف الاهتمام به وبتركيزه على عُمر بايدن وصحته، وذلك بعدما قال مكتب بايدن -في بيان- إن الرئيس السابق تم تشخيصه بحالة متقدمة من سرطان البروستاتا الذي امتد ووصل إلى عظامه، وإنه وعائلته "يراجعون خيارات العلاج مع أطبائه".

إعلان

أثار التشخيص سيلا من الدعم والأمنيات الطيبة لبايدن، بما في ذلك تغريدة ترامب على منصته "تروث سوشيال"، قائلا "أنا وميلانيا حزينان لسماع التشخيص الطبي الأخير لبايدن. نتقدم بأحر وأطيب أمنياتنا لجيل زوجته والعائلة، ونتمنى له الشفاء العاجل والناجع".

تشخيص بايدن بالإصابة بسرطان البروستاتا من النوع الخبيث pic.twitter.com/ItVDl2Ze6c

— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 18, 2025

لقاء عاصف

كذلك نشر موقع أكسيوس تسجيلا صوتيا من مقابلة بايدن مع المستشار الخاص روبرت هور بشأن تعامله مع الوثائق السرية، وهي التحقيقات التي اختار رئيس فريق التحقيق فيها عدم توجيه الاتهام إلى بايدن لإساءة التعامل مع المعلومات السرية جزئيا بسبب الطريقة التي ستنظر بها هيئة المحلفين إلى عمره، مما تسبب في غضب الديمقراطيين حينذاك، خاصة بعدما قال إن بايدن كان "رجلا مسنا وحسن النية وذا ذاكرة سيئة".

في الفترة التي سبقت قرار بايدن في يوليو/تموز 2024 بالانسحاب من السباق الرئاسي، أشار الكتاب إلى لقاء عاصف جمع بايدن وتشاك شومر زعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ وزميل بايدن السابق لأكثر من 30 عاما، الذي سافر إلى ولاية ديلاوير لإجراء المحادثة الصعبة.

وكتب المؤلفان أن شومر أخبر بايدن أنه سيحصل على 5 أصوات فقط إذا كان هناك اقتراع سري للديمقراطيين في مجلس الشيوخ، وحذره من أنه "سيسجل في التاريخ الأميركي بوصفه واحدا من أسوأ الشخصيات". وردّ بايدن "هل تعتقد أن كامالا يمكن أن تفوز؟"، وأجاب شومر: "لا أدري. أنا فقط أعلم أنه لا يمكنك أن تفوز".

بعد إعلان مرض بايدن.. ترمب يبدي تعاطفه معه بعد سنوات من السخرية والانتقاد. pic.twitter.com/GVbXMJ6bB0

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) May 19, 2025

ودافع بايدن وزوجته عن أدائه رئيسا -في مقابلة مشتركة مع برنامج على شبكة "إيه بي سي" جرت قبل أيام- ورفضا ما اعتبراها ادعاءات بمعاناته من تدهور معرفي وذهني خلال عامه الأخير في منصبه. وقالت جيل إن "الأشخاص الذين كتبوا هذا الكتاب لم يكونوا في البيت الأبيض معنا، ولم يروا مدى صعوبة عمل جو كل يوم".

إعلان

كما انتقد مكتب بايدن ما جاء في الكتاب، وصرح أحد مساعديه بأنه "ما زلنا ننتظر أي شيء يوضح أين كان على بايدن اتخاذ قرار رئاسي، أو أين تعرض الأمن القومي للتهديد، أو حيث كان غير قادر على القيام بعمله. بل تشير الأدلة إلى عكس ذلك؛ لقد كان رئيسا فعالا للغاية".

في النهاية، ذكّر الكاتبان القراء بما تعهد به بايدن عندما أطلق محاولته الناجحة لانتخابات عام 2020 بهدف معلن يتمثل في إنقاذ الأمة من ولاية رئاسية ثانية لترامب، ويصبح رئيسا لفترة واحدة انتقالية ليكون جسرا يمهد لجيل جديد من القادة الديمقراطيين. ولم يفِ بايدن بتعهده، بل عمل جسرا بين رئاستي ترامب الأولى والثانية.

مقالات مشابهة

  • ساهم بإعادة ترامب.. كتاب يكشف تستر الديمقراطيين على تدهور صحة بايدن
  • كتاب (الحوت والأخطبوط)
  • قراءة فى كتاب رئيس الوزراء: القول الأنيس فى خطاب ادريس
  • العاديات.. رؤى خارج الإطار
  • الوعي العلمي في ختام سلسلة ندوات بناء الإنسان بالنيابة الإدارية
  • ثبات نبي الله إبراهيم عليه السلام في مواجهة الطاغوت : قراءة في المحاضرة الثالثة للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ضمن سلسلة دروس القصص القرآني
  • في ذكرى ميلادها.. مارلين مونرو أسطورة الجمال التي هزّت هوليوود ورحلت في غموض
  • نائب رئيس قومي حقوق الإنسان: نثمن دور الفن في دعم القيم الإنسانية
  • نجل فؤاد المهندس يتسلم تكريم اسم والده في مهرجان التميز الدرامي لـ حقوق الإنسان
  • تكريم محمد صبحي عن مجمل أعماله في حفل توزيع جوائز الإنتاج الدرامي لحقوق الإنسان