علماء يضعون خريطة للبلاستيك بالمحيطات والنتائج صادمة
تاريخ النشر: 2nd, May 2025 GMT
يُعد تلوث البلاستيك البحري قضية عالمية ملحة، إذ يدخل ما بين 9 و14 مليون طن متري من البلاستيك إلى المحيطات، وتشكل الجزيئات المتحللة الخطر الأكبر على النظم البيئية البحرية، وتؤثر على تخزين الكربون في أعماق البحار.
وفي حين ركزت معظم الأبحاث السابقة على المياه السطحية، حيث تُؤخذ العينات عادة من أعلى 15 إلى 50 سنتيمترا، رسم العلماء لأول مرة خريطة عالمية لتوزيع البلاستيك الدقيق من سطح البحر إلى أعماقه، كاشفين عن أماكن تراكمه، وعن كيفية تسلله إلى أنظمة المحيطات الحيوية.
وفي الدراسة التي نشرت في مجلة "نيتشر"، جمع الباحثون بياناتٍ من أعماق البحار من 1885 نقطة بين عامي 2014 و2024 لرسم خريطة لأنماط توزيع البلاستيك الدقيق حسب الحجم ونوع البوليمر، مع تقييم آليات النقل المحتملة. ويمثل ذلك نقطة تحول في فهم كيفية تحرك المواد البلاستيكية الدقيقة عبر المحيط العالمي وتأثيرها عليه.
وكشفت الدراسة أن جزيئات البلاستيك الدقيقة، التي يتراوح حجمها بين ميكرون واحد أو ميكرومتر (جزء من المليون من المتر) و5 مليمترات، تمثل الغالبية العظمى من القطع البلاستيكية المكتشفة، وتمثل مخاطر جسيمة على صحة المحيطات.
وأشارت النتائج إلى أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة ليست مجرد ملوثات سطحية، بل هي متأصلة بعمق في بنية المحيط، ويتراوح تركيزها بين مئات وآلاف من الجسيمات لكل متر مكعب، ويحدد حجمها نمط تحركها.
إعلانوحسب الدراسة، تنتشر الجسيمات الأصغر (من 1 إلى 100 ميكرومتر) بشكل أكثر توازنا وتخترق أعماق المحيط، في حين تتركز الجسيمات الأكبر (من 100 إلى 5 آلاف ميكرومتر) قرب السطح، وخصوصا ضمن أعلى 100 متر من الدوامات المائية، التي تعمل كدوامات ضخمة بطيئة الحركة تحتجز الحطام العائم وتُركّز البلاستيك.
وتشير الدراسة إلى أن تلك الجسيمات البلاستيكية الدقيقة أصبحت جزءا ملموسا من دورة الكربون في المحيط، إذ تشكل 0.1% من جزيئات الكربون على عمق 30 مترا، لكنها ترتفع إلى 5% على عمق ألفي متر.
ويكشف ذلك أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة ليست ملوثات ثابتة فحسب، بل إنها متجذرة بعمق في جميع أنحاء المحيط، من المياه الساحلية إلى البحر المفتوح، وقد تُغير العمليات البيوكيميائية في أعماق البحار.
كما حدد الباحثون أكثر من 56 نوعا من البوليمرات البلاستيكية (تتكون البوليمرات من سلاسل طويلة من الجزيئات المتكررة أو المونومرات) في قاعدة بياناتهم عن البلاستيك الدقيق. ورغم هيمنة المواد الطافية عموما، فإن البلاستيك الدقيق الأكثر كثافة هو الأكثر انتشارا في عرض البحر، ويرجع ذلك على الأرجح إلى سهولة تفتيته.
وتصبح البوليمرات الكثيفة هشة وتتحلل أسرع، لا سيما بعد التعرض الطويل للعوامل الجوية. ويمكن للجسيمات الصغيرة الثابتة، وغالبا ما تكون من معدات الصيد والحاويات مثل زجاجات البوليستر، أن تبقى في المحيط لعقود.
وفي المقابل يتحلل البولي بروبيلين ضوئيا أسرع من البولي إيثيلين المستخدم في الأكياس البلاستيكية وزجاجات المياه. ولعل هذا يُفسر انخفاض وفرته في المياه العميقة.
وجد الباحثون أيضا أن البوليمرات الموجودة في هذه المواد البلاستيكية تُشكل نسبة كبيرة من جزيئات الكربون العائمة. وعلى أعماق ألفي متر، حيث يكون النشاط البيولوجي أقل مقارنة بالمناطق الأقرب إلى السطح، تُشكل هذه البوليمرات ما يبلغ 5% من الكربون.
إعلانوكشفت الدراسة عند أخذ عينات البلاستيك الدقيق تحت السطح في المحيط الأطلسي والمحيط المتجمد الشمالي، أن وفرة البلاستيك الدقيق في المياه التي يتراوح عمقها بين متر واحد و60 مترا يمكن أن تصل إلى 800 جسيم لكل متر مكعب بمتوسط 0.49 جسيم لكل متر مكعب.
كما قد لوحظت وفرة عالية باستمرار في المياه العميقة، بما في ذلك أكثر من 1100 جسيم لكل متر مكعب عند 100-270 مترا في مقطع عرضي بين شمال وجنوب المحيط الأطلسي.
كما وجد 600 جسيم لكل متر مكعب عند ألفي متر في دوامة شمال المحيط الهادي شبه الاستوائية. وعلى طول الساحل الكوري وحده، يوجد ما يقدر بنحو 3.13 تريليونات من البلاستيك الدقيق بحجم 0.33-4.75 ملم في عمود الماء.
كما وجد أكثر من 13 ألف جسيم بلاستيكي دقيق لكل متر مكعب على عمق يقارب 7 كيلومترات في خندق ماريانا، وهو أعمق منطقة على سطح الكرة الأرضية في غرب المحيط الهادي.
ومع تحرك الجسيمات البلاستيكية الدقيقة عبر هذه المساحة الشاسعة في المحيطات، فإنها تتفاعل مع الجسيمات والعمليات الطبيعية، مما قد يؤثر على كيفية عمل المحيطات وقدرتها على إزالة الكربون من الغلاف الجوي وعلى النظم البيئية البحرية.
وتلعب المحيطات دورا حاسما في دورة الكربون على الكوكب، وتمثل بالوعة هامة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وتؤدي بالتالي دورا رئيسيا في تنظيم المناخ.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تلوث الجسیمات البلاستیکیة الدقیقة البلاستیک الدقیق لکل متر مکعب الکربون فی فی المحیط
إقرأ أيضاً:
مادة “تلتهم” ثاني أكسيد الكربون.. هل تصبح أساس بناء بيوت المستقبل؟
انضم إلى قناتنا على واتساب
شمسان بوست / متابعات:
لو سألت أي مهندس عمّا يبقي المدن واقفة، فستسمع كلمة واحدة تتكرر، إنها الخرسانة، المادة الأكثر استخدامًا في البناء على الكوكب، لكنها تحمل “فاتورة كربون” ثقيلة؛ إذ ترتبط صناعة الخرسانة والأسمنت بانبعاثات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.
بل ويقدّر نصيب الخرسانة من انبعاثات هذا الغاز الضارة، بنحو قرابة 8% من الانبعاثات العالمية، وفق ما ورد في تصريحات فريق بحثي بجامعة ووستر بوليتكنك الأميركية.
وأخيرا، قدّم هؤلاء الباحثون مادة إنشائية جديدة اسمها “المادة الإنشائية الإنزيمية”، لا تَعِد فقط بتقليل الانبعاثات، بل تمتص ثاني أكسيد الكربون أثناء التصنيع وتحبسه على هيئة معادن صلبة، وتتماسك خلال ساعات بدلا من أسابيع.
الجوهر الكيميائي للفكرة مستوحى من الطبيعة، فكثير من الكائنات تبني أصدافها بتحويل الكربون الذائب إلى كربونات الكالسيوم (حجر جيري).
استعار فريق جامعة ووستر بوليتكنك المبدأ نفسه، لكن بدلا من النشاط الحيوي يستخدم إنزيما يسرّع تفاعلًا معروفًا في الكيمياء الحيوية، وهو تحويل ثاني أكسيد الكربون المذاب في الماء إلى “بيكربونات” أو “كربونات”، اللبنات التي تُسهِّل تكوين كربونات الكالسيوم كبلّورات صلبة.
الإنزيم المذكور في هذه الحالة هو “أنهيدراز الكربونيك”، وهو إنزيم يعتمد على الزنك ويشتهر بقدرته على تسريع ترطيب ثاني أكسيد الكربون في الماء.
إنزيم “سحري”
وتُظهر الاختبارات، التي أورد الباحثون نتائجها في دراستهم التي نشرت بدورية “ماتر”، على ملاطّات جيرية أن هذا الإنزيم يمكنه فعلا رفع سرعة تكوّن بلورات من كربونات الكالسيوم وتحسين القوة المبكرة لأن التفاعل يسير أسرع.
بعد ذلك، يستخدم الفريق تقنية تسمى “المعلّقات الشعرية”، وتتمثل في نظام ثلاثي (سائل-سائل-صلب) تُضاف إليه نُقطة من مادة غير ممتزجة لتكوين جسور شعرية بين الحبيبات، فتتشابك تلقائيا في شبكة قوية تشبه الجل.
وبحسب الدراسة، فإن كل متر مكعب من المادة الإنشائية الإنزيمية يمكن أن يحجز أكثر من 6 كيلوغرامات من ثاني أكسيد الكربون، في حين أن مترا مكعبا من الخرسانة التقليدية قد يرتبط بانبعاث نحو 330 كيلوغراما من ثاني أكسيد الكربون.
ومن ناحية القوة الميكانيكية، فإن المادة الإنشائية الإنزيمية حققت قوة ضغط في نطاق 25-28 ميغاباسكال، أي قريبة من الحد الأدنى لبعض خرسانات الاستخدام الإنشائي، مع امكانية مقاومة الماء.
تحديات ليست سهلة
هذه الأرقام واعدة، لكنها لا تُغلق النقاش، فالفرق بين “نموذج واعد” و”مادة تدخل كود البناء” يمر باختبارات طويلة للعمر التشغيلي، والتشققات، والدورات الحرارية، والتآكل الكيميائي، وسلوك المادة تحت أحمال متكررة، وهي خطوات عادة ما تكون أطول بكثير، وتطلب المزيد من البحث العلمي.
كما أن التحدي ليس علميًا فقط، بل اقتصادي وتنظيمي أيضا، فما تكلفة الإنزيم؟ وما مدى استقراره في خطوط إنتاج كبيرة؟ وكيف سيندمج في أكواد البناء الحالية؟ يتطلب ذلك أيضا المزيد من البحث.
لكن في النهاية، فإن البحث العلمي في هذا النطاق يسرّع الخطى، لحل واحدة من أكبر مشكلات الكوكب كله، وهي نفث ثاني أكسيد الكربون، والذي يتسبب في الاحتباس الحراري، بما له من أثر ضارب في العالم.