حاتم الطائي
◄ ترامب يقود أمريكا نحو هاوية تاريخية وسط تراجع سياسي واقتصادي
◄ أفكار ترامب منتهية الصلاحية ولا يملك نظرية اقتصادية حقيقية
◄ الديمقراطية الأمريكية تنهار أمام اعتقال المتظاهرين والتنكيل بالمهاجرين
ظلّت الولايات المتحدة الأمريكية طيلة عقود خلت، تزعم أنها راعية الحُريات في العالم، وأنها تملك المنظومة الأكثر تنوعًا وتسامحًا مع الآخر؛ بل وادَّعت أنها بلد الديمقراطية الأول في الكوكب، وأنها الدولة صاحبة براءات الاختراع في جميع المجالات، وفوق كل ذلك سعت للارتكاز على قوتها العسكرية المُفرِطة، لتكون القوة الغاشمة في العالم، دون الالتزام بأية قيم أو مبادئ أو أخلاقيات.
وفي المُقابل نعتت أمريكا الكثير من دول العالم بعكس هذه، وأشهرت سلاح الديمقراطية في وجه العديد من البلدان، ومارست ابتزازًا سمجًا على مُعظم دول الشرق الأوسط، تحت مزاعم "الحريات" و"الديمقراطية"، واستباحت خيرات الدول تحت مظلة "التجارة الحُرة"، لكنها اليوم وبعد كل هذه العقود، تتراجع عن كل هذه الشعارات، وتتخلى عن "القيم الأمريكية"، لأنَّ عجوزًا ديكتاتوريًا عاد مرة أخرى إلى البيت الأبيض، في أعقاب عجوز ضعيف حكم لمدة 4 سنوات. هذه المفارقة العجيبة أصبحت حديث العالم، منذ أن عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الحكم إثر إلحاق الهزيمة الطبيعية بسلفه جو بايدن. عاد ترامب زاعمًا أنه يقود بلاده نحو "أمريكا العظيمة"، غافلًا عن حقيقة لا تقبل الشك وهي أن الولايات المتحدة ومنذ فترة حكمه الأولى ثم فترة حكم بايدن، قد دخلت فعليًا مرحلة الشيخوخة السياسية، وها هو اليوم يقودها في مرحلة الشيخوخة الاقتصادية.
التراجع السياسي للولايات المُتحدة في العالم، دشنه ترامب في عُهدته الأولى؛ إذ حرص على جني المال على حساب الدور السياسي لواشنطن كقوة عالمية، في ظل النظام أحادي القطب، وفاقم من هذا التراجع، إثر هزيمته النكراء أمام جو بايدن "النائم"- كما كان يُحب أن يُسميه. ولا أدلَّ على ذلك من الفضيحة العالمية التي تسبب فيها ترامب عندما حرّض مؤيديه على اقتحام مبنى الكابيتول في الكونجرس الأمريكي، ومشاهد عشرات الآلاف من مُناصريه يحاولون إحراق أمريكا، ويسيرون بين النَّاس بالأسلحة والسيوف والسكاكين، عندئذ زُلزِلت صورة أمريكا الديمقراطية، وصعدت صورة أمريكا الرجعية. وعندما عاد مُجددًا هذه المرة قبل نحو 100 يوم فقط، بدأت أمريكا مرحلة الشيخوخة الاقتصادية، مع إشعال ترامب لحرب تجارية عالمية، وارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وحرية التعبير في بلده!
هذه الشيخوخة، ليست سوى انعكاس للانحطاط الأمريكي الذي انزلقت له الولايات المتحدة، خاصة وأنَّ الأفكار التي يطرحها ترامب ويتوهم أنها قادرة على معالجة أزمات وتحديات الاقتصاد الأمريكي، هي أفكار بلهاء ومُنتهية الصلاحية، وتعود إلى فترة السبعينيات من القرن الماضي وما قبلها، وتطبيقها اليوم يُلحق بالفعل أضرارًا هائلة بالاقتصاد الأمريكي، وهي أفكار تجاوزتها الثورة الصناعية الرابعة بفكرها المُتجدِّد في عالمٍ بلا حدود وبلا رسوم جمركية. ومن تبعات هذا الفكر الترامبي العقيم أنَّ المصانع الأمريكية لم تعد تستوعب الآلاف من العمال، على عكس ما أراد ترامب؛ حيث إنَّ الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت هي المُسيطرة على عمليات التصنيع. فمثلًا هناك مصانع في الصين تُديرها الآلة الروبوتية بنسبة 95%، بينما تعتمد بنسبة 5% على العنصر البشري! بينما أصبح دور البشر حاليًا يتركز في البحث والتطوير، ولذلك- في المُقابل- نجد الصين تتفوق بسرعة الصاروخ في الكثير من المجالات، ولا أدلَّ على ذلك من عدد براءات الاختراع المُسجلة في الصين، مقارنة بالولايات المتحدة. هذا التطور المُذهل في الصين الناتج عن الانفتاح الاقتصادي والتنمية الشاملة، أسهم في تقدم الصناعات الصينية، وتوفقها على نظيرتها الأمريكية، سواء من حيث الجودة أو التكلفة، وحتى في المجالات التقنية، نجحت الصين في أن تضع قدمًا راسخة في ميدان الذكاء الاصطناعي، خاصة بعد إطلاق عدة نماذج من أشهرها "ديب سيك" بتكلفة أقل نحو 27 مرة من النماذج الأمريكية.
من العجب أنَّ الرئيس الأمريكي الذي يقترب من سن الثمانين عامًا، يعتقد أنَّه يطرح أفكارًا ستُعيد إلى الولايات المتحدة "مجدها" المزعوم، غير مُدرك لأن أفكاره الاقتصادية تتعارض مع أبسط قواعد الاقتصاد، ويقود بلاده بلا خطة ولا نظرية اقتصادية حقيقية؛ بل إنَّ فهمه لمصطلحات مثل "العجز التجاري" يكشف عن جهل مُطبق؛ حيث يظن أن العجز ناتج عن زيادة الاستيراد على حساب الصادرات، وهذا فهم قاصر للغاية، لأنَّ الأمر يتعلق بمستوى الطلب وتكلفة التصنيع المحلية وغيرها من العوامل، وفرض أي رسوم جمركية لن يقضي على العجز التجاري؛ بل سيقود إلى أزمات اقتصادية خانقة، أقلها حدة ارتفاع التضخم، وعجز في المعروض المحلي من السلع والخدمات.
وبينما يحارب ترامب طواحين الهواء الاقتصادية، يغفل تمامًا عن القطاعات الأساسية، فمثلًا يلغي وزارة التعليم، ويتعمّد تسريح أكثر من 120 ألف موظف، من مؤسسات فيدرالية وأمنية واستخباراتية، بحجة تقليص النفقات، ويمارس عمليات ابتزاز على الشركات الأمريكية التي لها مصانع خارج الولايات المتحدة، بسبب ارتفاع تكلفة التصنيع الأمريكية مقابل انخفاضها في دول مثل المكسيك والصين وغيرها.
ويكفي أن نعلم أن الصناعات الأمريكية لا تساهم إلّا بحوالي 17% فقط في الناتج الصناعي العالمي، بينما قفزت حصة الصين منفردة إلى 29% من الناتج الصناعي العالمي، ما يعني أن ثلث صناعة العالم تأتي من الصين.
أمريكا باختيارها للعجوز المُتصابي صاحب "الرقصة الترامبية"، انزلقت فعليًا في أزمة قيادة، وقبلها في أزمة أخلاقية بسبب تورطها في حرب الإبادة الشاملة في قطاع غزة، ولا ريب أن أزمتي: القيادة والأخلاق، تحت قيادة رؤساء عجائز، ستقود الولايات المتحدة إلى الانهيار الشامل. تمامًا كما حدث في العقد الأخير من عمر الاتحاد السوفييتي؛ حيث كان كل الرؤساء في الثمانين من العمر، مما تسبب في الانهيار المُريع.
الحقيقة الإنسانية التي يُدركها الجميع، أنَّ المجتمعات غير القادرة على تجديد قياداتها من المؤكد أنها تتراجع وتنهار، والتاريخ لا يرحم من لا يُجدد أفكاره وقياداته؛ حيث يتجاوزه الآخرون في السباق الحضاري نحو التقدم وبسط النفوذ، وهذه سنة كونية في التدافع، لذلك اعتقاد ترامب بأنه سيُعيد أمريكا "عظيمة مُجددًا" محض خيال، وهراء تام، فهو لا يملك سوى الشعارات الجوفاء عديمة الجدوى.
وعلى المستوى الأخلاقي، تتراجع أمريكا بسرعة الصاروخ؛ فالقيود غير المسبوقة على الحريات تؤكد الانحطاط الأمريكي، بالتوازي مع حملة اعتقالات بحق الطلبة المُناهضين للعدوان الصهيوني على غزة، وحرمان الجامعات المؤيدة للحق الفلسطيني من الدعم الفيدرالي، أضف إلى ذلك ملاحقة المُهاجرين والتنكيل بهم بصورة عنصرية بغيضة، وطردهم بصورة مُذلة وكأنهم أسرى حرب أو معتقلين في جرائم خطيرة. كل ذلك دليل واضح للعيان على التراجع الأمريكي العنيف.
لقد شاخت أمريكا بشيخوخة رؤسائها، وسوء سياساتها الداخلية والخارجية، والأفكار عديمة الجدوى التي تنتمي لحقبة الاستعمار، مثل فكرة احتلال غزة والاستيلاء على جزيرة جرين لاند الدنماركية، وتسمية خليج المكسيك باسم "خليج أمريكا"، وسرقة قناة بنما، والمطالبة بمرور السفن الأمريكية في قناة السويس المصرية بالمجان، وهي جميعها أفكار مُتعفنة، لا وجود لها في عالم اليوم.
الانحطاط الأمريكي يتجلى في أحقر صوره، باستهداف اليمن، التي تُعد واحدة من أفقر دول العالم، اقتصاديًا وعسكريًا، نتيجة الاعتداءات المتواصلة والعقوبات الظالمة المفروضة على هذا البلد الذي يُكافح من أجل أن يحيا بكرامةٍ.
ويبقى القول.. إنَّ التراجع العنيف في مكانة الولايات المتحدة، ستزداد وتيرته يومًا تلو الآخر، في ظل انعدام القيادة الشابة الطموحة القادرة على ابتكار الحلول، لا صناعة الأزمات، قيادة تجذب العالم ومواطنيها حولها، لا أن تواجه عدائيات خارجية وتصل شعبيتها لأدنى مستوى على الإطلاق في أقل من 100 يوم، قيادة تؤمن بقيم السلام والاستقلال وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولا تسعى لابتلاع العالم، قيادة يجب أن تستشعر مسؤوليتها الأخلاقية العالمية وأن تجتهد لترسيخ السلام والاستقرار بدلًا من تجارة الحروب وجرائم الإبادة الجماعية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الم
إقرأ أيضاً:
تكلفة الغموض الأمريكي في اليمن
الآمال في شن هجوم بري في اليمن مدعوم دولياً لإخراج الحوثيين، من الساحل الغربي لليمن، تبددت بفضل الصفقة غير المتوقعة التي أبرمتها الجماعة مع الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر، بوساطة عمان.
بعد 51 يوماً من المواجهة، أعلن الرئيس دونالد ترامب وقف العمليات الهجومية الأمريكية ضد الحوثيين مقابل تعليق الهجمات على السفن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب – لا سيما تلك المرتبطة بالمصالح الأمريكية. يبدو أن هذه الخطوة تهدف إلى تأمين تحوّل يحفظ ماء الوجه بعيداً عن المواجهة وسط تصاعد التكاليف لكلا الجانبين. كما تؤكد المسار المتقلب للسياسة الخارجية الأمريكية وتفصل بشكل فعال جبهة البحر الأحمر عن الصراع الأوسع بين الحوثيين وإسرائيل.
في نهاية المطاف، لا يرقى هذا الترتيب إلى مستوى استراتيجية أمريكية متماسكة تجاه اليمن ويخاطر بتشجيع الحوثيين – سواء في الداخل أو في جميع أنحاء المنطقة.
اتفاق ستوكهولم
في الفترة التي سبقت اتفاق 6 مايو/أيار بين الحوثيين والولايات المتحدة، أشارت الدلائل إلى معركة أوسع تلوح في الأفق في اليمن. في 29 مارس/آذار، ألمح رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد محمد العليمي إلى احتمال شن هجوم بري خلال خطابه للأمة بمناسبة عيد الفطر. وبعد أسابيع، في 14 أبريل/نيسان، أفادت وسائل إعلام غربية أن محادثات جارية بشأن عملية برية محدودة مدعومة أمريكياً، ولكن بقيادة يمنية، لاستعادة مدينة الحديدة الساحلية التي يسيطر عليها الحوثيون.
بعد سبع سنوات من لعب التدخلات البريطانية والأمريكية دوراً رئيسياً في منع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً من التحرك لاستعادة الحديدة، كانت القوات الموالية للحكومة على وشك إعادة فتح تلك الجبهة مرة أخرى.
في عام 2018، كانت للحكومة اليمنية اليد العليا عسكرياً ولكنها قُيدت باتفاق ستوكهولم، الذي رسخ في النهاية سيطرة الحوثيين على الميناء الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر. وقد مهدت هذه التنازلات الطريق للجماعة اليمنية المدعومة من إيران لتتمكن لاحقاً من مهاجمة السفن التجارية، مما أدى إلى رد عسكري أمريكي بريطاني بدأ في عهد إدارة جو بايدن في يناير/كانون الثاني 2024 وتصاعد بشدة من قبل ترامب في مارس/آذار من هذا العام.
لا يزال الزخم لمعالجة اختلال توازن القوى في اليمن متوقفاً – مقيداً جزئياً بالديناميكيات الإقليمية، لا سيما حذر المملكة العربية السعودية الاستراتيجي، وتحول تصورها للتهديد، وأولوياتها الاجتماعية والاقتصادية. تعكس هذه الأبعاد حقيقتين أساسيتين: قراءة واضحة للمدة الأولى لترامب وتركيز سعودي عملي على تقدم مصالحها الوطنية فوق كل شيء آخر.
تحول في الإدراك وسط التكاليف الباهظة
منذ أواخر عام 2023، شن الحوثيون أكثر من 200 هجوم على السفن التجارية والعسكرية عبر البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي – أحياناً بالتنسيق مع القراصنة الصوماليين. والجدير بالذكر أن الجماعة أطلقت أيضاً أكثر من 200 صاروخ و170 طائرة مسيرة باتجاه إسرائيل، مع إصابة بعض المقذوفات عن طريق الخطأ دولاً مجاورة بما في ذلك مصر والأردن والمملكة العربية السعودية.
لقد أجبرت عمليات الحوثيين – التي أُطلقت ظاهرياً لدعم القضية الفلسطينية ووقف إطلاق النار في غزة – شركات الشحن العالمية على تغيير مسار السفن. وقد أُجبرت العديد من السفن منذ ذلك الحين على عبور رأس الرجاء الصالح، متجاوزة البحر الأحمر وقناة السويس، مما أضاف ما يصل إلى أسبوعين من وقت العبور. ويتصاعد الضغط على دول البحر الأحمر المطلة: فقد أعلنت مصر، على سبيل المثال، عن خسارة 7 مليارات دولار أمريكي من إيرادات قناة السويس في عام 2024. وبحلول فبراير من هذا العام، انخفضت عمليات العبور اليومية عبر القناة إلى 32 سفينة فقط – بانخفاض 57٪ عن متوسط 75 سفينة قبل إطلاق الضربات البحرية الحوثية.
لقد تحدت الأزمة النظام البحري الدولي بشكل مباشر وتثير تساؤلات حول قدرة – ورغبة – الولايات المتحدة في الحفاظ على حرية الملاحة باستمرار. لقد أعاد الحوثيون وضع أنفسهم كتهديد موثوق للسلام والتجارة والأمن العالميين، مما أدى إلى تحوّل في تصورات التهديد الأمريكية بعد سنوات من التقليل من شأن التهديدات المتعددة للجماعة.
نهج أمريكي غير كافٍ
لقد تبنى ترامب نهجاً أكثر تركيزاً إلى حد ما تجاه اليمن مقارنة ببايدن، لكن موقفه لا يزال يفتقر إلى الاستراتيجية والتماسك العام. مع إضعاف حزب الله اللبناني، وسقوط الرئيس السابق بشار الأسد في سوريا، وضبط جماعات مسلحة شيعية مدعومة من إيران في العراق منذ الخريف الماضي، اختار الحوثيون حتى وقت قريب التصعيد بدلاً من البقاء. وقد دفع المشهد الإقليمي المتغير في البداية إدارة ترامب إلى استنتاج أن الوقت قد حان للتصعيد ضد الجماعة.
ابتداءً من 15 مارس وحتى إعلان الهدنة في 6 مايو، شنت الولايات المتحدة أكثر من 1100 ضربة استهدفت ورش الطائرات المسيرة والصواريخ التابعة للحوثيين، ومرافق التخزين، والقواعد العسكرية، وأنظمة الرادار، ومنازل القادة المتوسطي المستوى، والتجمعات العسكرية المتنقلة، ومنصات الإطلاق، وحتى البنية التحتية المدنية، بما في ذلك ميناء رأس عيسى. يُزعم أن الهجمات قتلت أكثر من 500 مقاتل حوثي، على الرغم من أنها أسفرت أيضاً عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين وأضرار جانبية أخرى.
لم تُستعاد الردع الأمريكي بعد بشكل موثوق أو مستدام، حيث يواصل الحوثيون إظهار القدرة والنية لتنفيذ المزيد من الهجمات – وهو ما يؤكده تبادلهم المستمر لإطلاق النار مع إسرائيل.
ولكن للمرة الأولى منذ اتفاق ستوكهولم، تبدو الجماعة ضعيفة حقاً. فبعد ضربة حوثية طفيفة نسبياً على مطار بن غوريون في تل أبيب في 4 مايو، دمر الانتقام الإسرائيلي بنية تحتية لوجستية وطاقة حيوية في اليمن – بما في ذلك أربع طائرات مدنية مملوكة للخطوط الجوية اليمنية – مما يسلط الضوء على الخسائر الفادحة التي تلحق بالمدنيين الذين يعانون بالفعل. كما تفيد مصادر مطلعة في اليمن أن كبار قادة الحوثيين قد اختفوا، مما أدى إلى تغييرات مفاجئة في بروتوكولات الاتصال والأمن وسط مخاوف متزايدة من الاختراق السيبراني والتسريبات من الاستخبارات البشرية.
بالإضافة إلى ذلك، تزعم مصادر يمنية على الأرض أن معلومات استهداف حية قد تم مشاركتها مع الولايات المتحدة من داخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون – وهو خرق غير مسبوق يشير إلى تزايد الاستياء الشعبي. إن الإحباط الشعبي لا ينبع فقط من الحكم القمعي للمتمردين الحوثيين، واحتكارهم للسلطة، وسوء الإدارة الاقتصادية، ولكن أيضاً من التكاليف المتزايدة الوضوح لمغامراتهم الإقليمية على اليمنيين في الداخل والخارج.
لقد ألحقت الضربات مثل قصف الولايات المتحدة لميناء رأس عيسى في الحديدة خسائر فادحة بالمدنيين، مما فاقم معاناة أولئك الذين تعلق آمالهم على تخفيف التصعيد، وتحسين الظروف المعيشية، وتعزيز الأمن.
تكرار أخطاء ستوكهولم
تتوقف احتمالية استعداد واشنطن لاتخاذ إجراءات أكثر حسماً لحماية الشحن الدولي على عاملين رئيسيين: التقدم في المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة، وامتثال الحوثيين لهدنة 6 مايو/أيار. قبل الترتيب بين الحوثيين والولايات المتحدة، أشارت الضربات الأمريكية على المواقع الأمامية في الحديدة ومأرب – وكذلك على البنية التحتية بالقرب من الجزر الاستراتيجية مثل كمران – إلى استراتيجية أوسع لتأمين خطوط الإمداد البحرية والضغط على الحوثيين للدخول في محادثات.
في غضون ذلك، لا تزال الحكومة اليمنية تأمل في شن هجوم مدعوم دولياً لاستعادة صنعاء في نهاية المطاف، معتبرة إياه السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الدائم – بما في ذلك في البحر الأحمر. ومع ذلك، كشفت صفقة وقف إطلاق النار عن تفضيل إدارة ترامب لنهج أضيق: احتواء التهديدات البحرية الحوثية مؤقتاً، وتدهور قدراتهم، وإجبارهم على طاولة المفاوضات.
بينما قد تكون مكلفة، فإن استجابة أمريكية أكثر حزماً ضد الحوثيين يمكن أن تثبت أنها استراتيجية. إن استعادة أكثر من 300 كيلومتر (186 ميلاً) من منطقة تهامة – وهي سهل ساحلي ضيق على طول البحر الأحمر من الحدود السعودية إلى ما يقرب من مضيق باب المندب – سيقطع الشريان الغربي لإمداد الحوثيين وكذلك يعطل طرق تهريب الأسلحة والوقود والمرتزقة والمخدرات. كما سيؤدي ذلك إلى تحييد التهديدات من الألغام البحرية والقوارب المفخخة، وحصر الجماعة في المرتفعات – مما يقوض بشكل كبير نطاق عملياتهم وصمودهم.
ليس هذا هو الوقت المناسب لتكرار أخطاء اتفاق ستوكهولم، الذي حمى الحوثيين، وشرعن وجودهم في الحديدة، وسمح للتهديدات البحرية بالنمو دون رادع. ومع ذلك، لا يزال هناك اليوم خطر حقيقي لتكرار نفس الخطأ الأساسي: وهو معالجة الأعراض بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية.
بُعد أبوظبي – الرياض
لا تزال الحسابات الإقليمية بشأن هجوم بري ضد الحوثيين منقسمة وتمثل قيداً حاسماً. فالمملكة العربية السعودية، التي تخشى من عدم قدرة ترامب على التنبؤ به وقابلية الحوثيين لشن هجمات عبر الحدود، تطالب باتفاق أمني أمريكي شامل وتبقى متشككة في شن عملية برية. كما تشعر الرياض بالقلق من التوسع المحتمل للنفوذ الإماراتي على طول البحر الأحمر.
ومع ذلك، فإن الإمارات– مستفيدة من تجربتها العملياتية بالقرب من الحديدة في 2017-2018 إلى جانب علاقاتها المستمرة مع القوات المشتركة على ساحل تهامة – أكثر استعداداً لدعم هجوم بري مدعوم من الولايات المتحدة، إذا كان استراتيجياً. إن شراكة أبوظبي الأمنية القوية مع واشنطن – إلى جانب مصالح الطاقة والبحرية وسعيها للنفوذ الجيوسياسي – تدفع موقفها، على الرغم من الإنكار العلني الأولي.
بالنظر إلى المستقبل، هناك شيء واحد واضح: أزمة البحر الأحمر تؤكد صمود الحوثيين – ليس بسبب قوة الجماعة المتأصلة، ولكن بسبب غياب استراتيجية استقرار مدعومة دولياً وبقيادة يمنية والفشل المستمر في معالجة الأسباب الجذرية للتهديدات عبر الحدود. وهذا الأخير يستلزم سيطرة الحوثيين على الأراضي ورفضهم الانخراط بشكل فعال في عمليات السلام الوطنية.
يتطلب مواجهة هذا التحدي استراتيجية متماسكة وطويلة الأمد لليمن والبحر الأحمر، ترتكز على دعم عسكري ومالي واستخباراتي وأمني ودبلوماسي ولوجستي مستمر للحكومة اليمنية – بالتنسيق الوثيق مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بينما أعربت إدارة ترامب عن رغبتها في سلام واستقرار دائمين في البحر الأحمر، إلا أنها لا تبدو مستعدة للانخراط طويل الأمد الذي يمكن أن يبشر بعصر جديد في اليمن. في هذا السياق، تبدو المحادثات المتجددة بشأن خارطة طريق الأمم المتحدة لخفض التصعيد، المدعومة من عمان والمملكة العربية السعودية، مرجحة بشكل متزايد.
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
المصدر: أمواج ميديا
إبراهيم جلال30 مايو، 2025 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام ترامب: أعتقد أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أصبح قريبا مقالات ذات صلة
ترامب: أعتقد أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أصبح قريبا 30 مايو، 2025
(وكالة).. السعودية حذّرت إيران من خطر ضربة إسرائيلية ما لم يتم التوصل لاتفاق نووي مع ترامب 30 مايو، 2025
الانتهاكات في اليمن.. إرث ينتظر العدالة 30 مايو، 2025
العفو الدولية ورايتس ووتش تطالبان الحوثيين بالإفراج عن موظفين أمميين 30 مايو، 2025 اترك تعليقاً إلغاء الرد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةالمتحاربة عفوًا...
من جهته، يُحمِّل الصحفي بلال المريري أطراف الحرب مسؤولية است...
It is so. It cannot be otherwise....
It is so. It cannot be otherwise....
سلام عليكم ورحمة الله وبركاتة...