الشهيد القائد.. وصرخة الحق التي حطمت جدار الصمت وهيبة الاستكبار العالمي
تاريخ النشر: 4th, May 2025 GMT
يمانيون ـ عبدالمؤمن محمد جحاف
في زمنٍ كُبّلت فيه الأمة بأغلال الوهم، واستسلمت فيه لسطوة الجلاد، وتهاوت رايات العز أمام رايات الدولار، خرج رجلٌ من جبال صعدة، لا يحمل سلاحًا نوويًا، ولا جيشًا جرارًا، بل خرج بكلمة، بوعي، ونور من الإيمان تشتعل في صدره…
خرج بـ”صرخة” أقلقت أمريكا، وأرعبت إسرائيل، وأيقظت أمة كانت قد أوشكت أن تنام للأبد!
ففي مطلع عام 2002، وقف الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي (رضوان الله عليه) على مفترق تاريخي، ليعلن الموقف العملي من أعداء الله، وكان شعار هذا الموقف هو الصرخة في وجه المستكبرين :
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام”
صرخة لم تكن مجرد هتاف، بل كانت سلاح وموقف، و وعي إيماني، وناقوس يقظةٍ في زمن كانت فيه الأمة تنام على سرير التبعية والخوف، وتستكين لهيمنة الطاغوت العالمي.
لقد أدرك الشهيد القائد أن الأمة تعيش حالة انفصام بين إيمانها الظاهري بالله، وخضوعها العملي لأعداء الله.
صرخة كهذه، في ذلك الظرف، كانت قنبلة فكرية تهز عروش الطغيان، وتشق حجب التزوير، وتوقظ ما حاولوا طمسه من بصيرة الأمة. أوضح يومها أن هذه الصرخة ستواجه بحرب شعواء، لا لأنّها تشكل خطراً ، بل لأنها تكشف الحقيقة، ولأنها تعيد تعريف العدو وفق معيار قرآني لا سياسي.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
بهذا الشعار، رفع الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي (رضوان الله عليه) صوت الحق في وجه الطغيان، وأعلن البراءة من أعداء الله وأعداء الإنسانية، ليكون أول من حطّم صنم الهيبة الأمريكية، وكسّر حاجز الصمت المذل، وأعاد تعريف معنى العزة في زمن الانبطاح والتبعية.
لقد أدرك الشهيد القائد ببصيرته القرآنية أن المعركة الأولى لم تكن على الأرض، بل في الوعي، وأن أخطر ما تعانيه الأمة هو غياب الموقف، وحالة الخنوع أمام المستكبرين، فقد وضح :
“إن أمريكا وإسرائيل يعملون بكل ما يستطيعون كي لا يكون هناك موقف سخطٍ عليهم، حتى وإن كان في قرية نائية… لأنهم يعلمون أن الرضى وحده هو ما يُمكّنهم من السيطرة.”
ولذلك، كانت الصرخة هي السلاح الأول، والموقف الأول، والخطوة العملية التي زلزلت قواعد الطاغوت. لم تكن مجرد كلمات، بل كانت إعلان بداية الثورة، بداية مشروع قرآني عظيم.
فدعا الشهيد القائد إلى المقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، كخطوة بسيطة لكن ذات أثر عظيم، تنقل الناس من التبلد إلى الموقف، من العجز إلى الفعل.
ثم انطلق يبث النور في عقول الناس من خلال سلسلة من المحاضرات والدروس القرآنية، التي وُثّقت ونقلت لاحقًا في منشورات وكتيبات تم تسميتها “الملازم”، لتصبح هي الأساس المعرفي للمشروع القرآني كما وصفها السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي.
وما إن بدأت هذه البذرة تنمو، حتى استشعر الأعداء الخطر الحقيقي، لم يخشو صاروخًا، بل خافوا من وعي بدأ ينتشر، من أمة تتكوّن، من عقول تستفيق، فأمر النظام السابق باعتقال الشباب الذين يهتفون بالصرخة، وفصلهم من وظائفهم، ومطاردتهم في القرى، بل وأرسل السفير الأمريكي إلى صعدة، يجوب الأسواق والشوارع ليمسحوا الشعار من على الجدران، وفي أسواق السلاح يشتري ويجمع، ويخطط، تمهيدًا لحصار خانق وحرب شاملة.
لكن يأبى الله إلا أن يُتم نوره.
فرغم البطش، والملاحقة، والحملات العسكرية، لم تُطفأ الصرخة، بل تضاعف صداها، ومع كل شهيد سقط، كانت تولد صرخة جديدة، ومع كل معتقل، كان يولد وعي جديد، ومع كل محاولة طمس، كانت تتوهج الشعلة أكثر.
فأعلن منذ اللحظة الأولى أن المشروع القرآني لا يقبل التلبيس، ولا يهادن في الحق، ولا يعرف الحياد في زمن المعركة. إنه مشروع الحق في وجه الباطل، ومشروع المستضعفين في وجه المستكبرين.
وها نحن اليوم، بعد أكثر من عقدين على انطلاق االشهيد القائد.. وصرخة الحق التي حطمت جدار الصمت وهيبة الاستكبار العالمي
عبدالمؤمن محمد جحاف
في زمنٍ كُبّلت فيه الأمة بأغلال الوهم، واستسلمت فيه لسطوة الجلاد، وتهاوت رايات العز أمام رايات الدولار، خرج رجلٌ من جبال صعدة، لا يحمل سلاحًا نوويًا، ولا جيشًا جرارًا، بل خرج بكلمة، بوعي، ونور من الإيمان تشتعل في صدره…
خرج بـ”صرخة” أقلقت أمريكا، وأرعبت إسرائيل، وأيقظت أمة كانت قد أوشكت أن تنام للأبد!
ففي مطلع عام 2002، وقف الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي (رضوان الله عليه) على مفترق تاريخي، ليعلن الموقف العملي من أعداء الله، وكان شعار هذا الموقف هو الصرخة في وجه المستكبرين :
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام”
صرخة لم تكن مجرد هتاف، بل كانت سلاح وموقف، و وعي إيماني، وناقوس يقظةٍ في زمن كانت فيه الأمة تنام على سرير التبعية والخوف، وتستكين لهيمنة الطاغوت العالمي.
لقد أدرك الشهيد القائد أن الأمة تعيش حالة انفصام بين إيمانها الظاهري بالله، وخضوعها العملي لأعداء الله.
صرخة كهذه، في ذلك الظرف، كانت قنبلة فكرية تهز عروش الطغيان، وتشق حجب التزوير، وتوقظ ما حاولوا طمسه من بصيرة الأمة. أوضح يومها أن هذه الصرخة ستواجه بحرب شعواء، لا لأنّها تشكل خطراً ، بل لأنها تكشف الحقيقة، ولأنها تعيد تعريف العدو وفق معيار قرآني لا سياسي.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
بهذا الشعار، رفع الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي (رضوان الله عليه) صوت الحق في وجه الطغيان، وأعلن البراءة من أعداء الله وأعداء الإنسانية، ليكون أول من حطّم صنم الهيبة الأمريكية، وكسّر حاجز الصمت المذل، وأعاد تعريف معنى العزة في زمن الانبطاح والتبعية.
لقد أدرك الشهيد القائد ببصيرته القرآنية أن المعركة الأولى لم تكن على الأرض، بل في الوعي، وأن أخطر ما تعانيه الأمة هو غياب الموقف، وحالة الخنوع أمام المستكبرين، فقد وضح :
“إن أمريكا وإسرائيل يعملون بكل ما يستطيعون كي لا يكون هناك موقف سخطٍ عليهم، حتى وإن كان في قرية نائية… لأنهم يعلمون أن الرضى وحده هو ما يُمكّنهم من السيطرة.”
ولذلك، كانت الصرخة هي السلاح الأول، والموقف الأول، والخطوة العملية التي زلزلت قواعد الطاغوت. لم تكن مجرد كلمات، بل كانت إعلان بداية الثورة، بداية مشروع قرآني عظيم.
فدعا الشهيد القائد إلى المقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، كخطوة بسيطة لكن ذات أثر عظيم، تنقل الناس من التبلد إلى الموقف، من العجز إلى الفعل.
ثم انطلق يبث النور في عقول الناس من خلال سلسلة من المحاضرات والدروس القرآنية، التي وُثّقت ونقلت لاحقًا في منشورات وكتيبات تم تسميتها “الملازم”، لتصبح هي الأساس المعرفي للمشروع القرآني كما وصفها السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي.
وما إن بدأت هذه البذرة تنمو، حتى استشعر الأعداء الخطر الحقيقي، لم يخشو صاروخًا، بل خافوا من وعي بدأ ينتشر، من أمة تتكوّن، من عقول تستفيق، فأمر النظام السابق باعتقال الشباب الذين يهتفون بالصرخة، وفصلهم من وظائفهم، ومطاردتهم في القرى، بل وأرسل السفير الأمريكي إلى صعدة، يجوب الأسواق والشوارع ليمسحوا الشعار من على الجدران، وفي أسواق السلاح يشتري ويجمع، ويخطط، تمهيدًا لحصار خانق وحرب شاملة.
لكن يأبى الله إلا أن يُتم نوره.
فرغم البطش، والملاحقة، والحملات العسكرية، لم تُطفأ الصرخة، بل تضاعف صداها، ومع كل شهيد سقط، كانت تولد صرخة جديدة، ومع كل معتقل، كان يولد وعي جديد، ومع كل محاولة طمس، كانت تتوهج الشعلة أكثر.
فأعلن منذ اللحظة الأولى أن المشروع القرآني لا يقبل التلبيس، ولا يهادن في الحق، ولا يعرف الحياد في زمن المعركة. إنه مشروع الحق في وجه الباطل، ومشروع المستضعفين في وجه المستكبرين.
وها نحن اليوم، بعد أكثر من عقدين على انطلاق الصرخة، نرى كيف أصبحت منهجًا عالميًا للأحرار، وشعارًا أمميًا للمستضعفين، وموقفًا صريحًا ضد الغطرسة الأمريكية والصهيونية.أصبحت جزءًا من نبض الشعب اليمني، ومن وجدان أحرار الأمة، بل تحولت إلى مدرسة تصنع الرجال وتُحطم الطغيان.
نعم، لقد سقطت أمريكا منذ أن هتف الحسين بالصرخة، ولم تقم لها قائمة في نفوس الأحرار منذ ذلك اليوم.
كل عدوانٍ بعدها، وكل تحالف، وكل مؤامرة، لم تكن إلا محاولة يائسة لاسترجاع الهيبة التي كسرها عَلَمٌ مؤمن من جبال صعدة، بكلمة من القرآن، وعزم من الله.
وبالتالي اليوم نحن في مرحلة الفرز…
وسيتغربل الناس غربلة كبرى، وسيسقط كل من ضعُف إيمانه، أو اهتزّ وعيه، أو تشكك في وعد الله.
أما الثابتون، فهم المؤمنون بالصرخة وبمبادئ المشروع ، أتباع الشهيد القائد،حَمَلة هذا المشروع الذي لا يعرف الانكسار.
لأنهم يحملون سلاحًا لا يُقهر: القرآن.
ويقاتلون تحت راية لا تُهزم: راية الله.
ويتحركون على أساس الولاية.
“وكان حقًا علينا نصر المؤمنين”لصرخة، نرى كيف أصبحت منهجًا عالميًا للأحرار، وشعارًا أمميًا للمستضعفين، وموقفًا صريحًا ضد الغطرسة الأمريكية والصهيونية.أصبحت جزءًا من نبض الشعب اليمني، ومن وجدان أحرار الأمة، بل تحولت إلى مدرسة تصنع الرجال وتُحطم الطغيان.
نعم، لقد سقطت أمريكا منذ أن هتف الحسين بالصرخة، ولم تقم لها قائمة في نفوس الأحرار منذ ذلك اليوم.
كل عدوانٍ بعدها، وكل تحالف، وكل مؤامرة، لم تكن إلا محاولة يائسة لاسترجاع الهيبة التي كسرها عَلَمٌ مؤمن من جبال صعدة، بكلمة من القرآن، وعزم من الله.
وبالتالي اليوم نحن في مرحلة الفرز…
وسيتغربل الناس غربلة كبرى، وسيسقط كل من ضعُف إيمانه، أو اهتزّ وعيه، أو تشكك في وعد الله.
أما الثابتون، فهم المؤمنون بالصرخة وبمبادئ المشروع ، أتباع الشهيد القائد،حَمَلة هذا المشروع الذي لا يعرف الانكسار.
لأنهم يحملون سلاحًا لا يُقهر: القرآن.
ويقاتلون تحت راية لا تُهزم: راية الله.
ويتحركون على أساس الولاية.
“وكان حقًا علينا نصر المؤمنين”
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
عيون الأمة الحارسة والمرابطة.. مشاتل التغيير (20)
وأصل حراسة الأمة والدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مثل قوله تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرا لَّهُم مِّنْهُمُ الْـمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" (آل عمران: 110)، وقوله: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ" (آل عمران: 104). قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فِرْقَة من الأمَّة متصدية لهذا الشأن (وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه)".. وأكد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ويجب على أولي الأمر -وهم: علماء كل طائفة، وأمراؤها، ومشايخها- أن يقوموا على عامتهم، ويأمروهم بالمعروف، وينهوهم عن المنكر؛ فيأمرونهم بما أمر الله به ورسوله".
والتدافع سنة ماضية، بحيث يُوجد في مسيرته وحماية للحق "حُماته الذين يدافعون عنه، كما قال الله تعالى: "وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْـحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ" (الأعراف: ١٨١). قال الشيخ السعدي: "أي: ومن جملة مَن خلقنا أمة فاضلة كاملة في نفسها، مكمِّلة لغيرها، يهدون أنفسهم وغيرهم بالحق، فيعلمون الحق ويعملون به، ويعلِّمونه، ويدعون إليه وإلى العمل به".
وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم "وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله"، فالمقصود من المرابطة ملازمة الثغر بهدف التأمين والحراسة، وترك ما يشغل عن ذلك. وقال سيدنا عثمان على المنبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "رباطُ يوم في سبيل الله خيرٌ من ألف عام فيما سواه من المنازل"..
وتعد الحراسة في سبيل الله من أعظم مراتب الجهاد؛ يقول الإمام ابن النحاس: "اعلم أن الحراسة في سبيل الله من أعظم القربات، وأعلى الطاعات، وهي أفضل أنواع الرباط، وكل من حرس المسلمين في موضع يخشى عليهم فيه من العدو فهو مرابط"، ومنه الرباط والمدافعة لكل تحديات تواجه عالم المسلمين وما يلزم في ذلك من الحراسة والرباط لكل ما يفضي إلى تأمينهم وأمانهم.
والرباطُ لزوم للمحلِ الذي يُخَافُ وصولُ العدو منه، ومراقبتهم ومنعهم من الوصول إلى مقاصدهم ويسمى المرابطة.. ولكل زمان رباط ولكل مسلم وجماعة ومؤسسة رباطها؛ والمرابطة في هذا الزمان صار لها أكثر من موقع، وأكثر من تخصص، وأعلاها الإقامةُ في الثغور، وهي الأماكنُ التي في الحدودِ والأطرافِ التي يخافُ المسلمونَ أن يدخل منها أعداءُ الإسلامِ إلى بلادِ المسلمينَ. والمرابطُ هو: المقيمُ فيها المعدُّ نفسَهُ للجهادِ في سبيلِ اللهِ، والدفاعِ عن دينِهِ ووطنه.
وفي لطيفة ذكرها الإمام المناوي في "فيض القدير"، قال: "سوّى بين العين الباكية والحارسة؛ لاستوائهما في سهر الليل لله، فالباكية بكت في جوف الليل خوفا لله، والحارسة سهرت خوفا على دين الله"، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" "آل عمران: 200".
من أهم العناصر التي يمكن أن يؤسس عليها العالم الإسلامي أفكاره الأساسية وممارساته التطبيقية؛ فكرتان أساسيتان تشكلان ركنا مهما في رؤية التأسيس الكلية التي تؤكد على إمكانات الرقي والنهوض للعالم الإسلامي؛ أولهما العقيدة الدافعة، كنقطة انطلاق محورية تمكن أصل الوحدة على قاعدة من قيمة التوحيد، توحيد الفكرة، وتوحيد العمل، وتوحيد القدرات؛ إنها العقيدة الدافعة التي تمثل عروة وثقى لا انفصام لها.
ثانيهما فكرة الأمة الجامعة، كتمثيل لمقصد الوحدة الإسلامية والتأكيد على الوقوف في وجه التحديات التي تشكل فرقة هذه الأمة وتجزئتها من خلال فكر وعمل استراتيجي يقوم على قاعدة مواجهة تحديات الفرقة، وكذلك العقبات المتعلقة بالتجزئة؛ إن فكرة الجامعية والتكاملية إنما تشكل حقيقة هذه الأمة الجامعة في سياق هدف الاعتصام، "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: 103).
هاتان الفكرتان؛ العقيدة الدافعة والأمة الجامعة، إنما تشكلان في حقيقة الأمر قاعدتين لفاعلية حضارية تتشكل من خماسية تؤكد ليس فقط على العقيدة الدافعة، ولكنها تشكل هذه العقيدة ضمن رؤية عالمية إسلامية تؤسس لقيم ومسالك أساسية تهدف إلى تحقيق علاقات العدل الشامل، والبناء الهادف للإنماء والعمران، كل ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال عقل استراتيجي للأمة يحمل هذه العقيدة الدافعة، والعدل الشامل كقيمة فاعلة، والعالمية كإسهام حقيقي في رؤية إنسانية تعارفية منفتحة. هذه الرباعية التي يحملها هذا العقل الاستراتيجي إنما تمثل مواجهة لكل تتعرض له هذه الأمة من تحديات وعقبات، ضمن هذه الكليات الأساسية، وهذه العيون الخمس الممثلة لعناصر رؤية كلية "عقيدة، عالمية، عمران، عدل، عقل" (كلها تبدأ بحرف العين)؛ إنما تشكل أهم عناصر في صياغة تلك الرؤية الدافعة ضمن مرجعيتها التأسيسية المتمثلة في الرؤية العقيدية والجامعة ضمن أمة واحدة تهدف إلى التعاون والتكامل.
فإذا كانت تلك العيون الخمس التي تشكل عناصر مهمة ضمن هذه الرؤية التأسيسية فإنها في حقيقة الأمر تفضي إلى عيون خمس أخرى تنظم بين هذه العناصر والأركان، فتؤكد على ذلك العهد التوحيدي الجامع، والعقد التبادلي الشامل، والعمق الاستراتيجي الممتد، والعلاقات التكاملية والتعارفية بين كيانات الأمة المختلفة، لتحقيق الاستفادة والاستثمار من كل تلك الأركان والعناصر ضمن علاقات تعاونية استراتيجية تهدف إلى التكامل والتنسيق والقدرة على تمثيل مصالح الأمة وأهدافها الكبرى، وهي من خلال هذه العيون الخمس الناظمة، عهد، عقد، عمق، علاقات، عون، إنما تشكل في حقيقة الأمر ميثاق هذه العلاقات ضمن رؤية استراتيجية راشدة فاعلة، قادرة على أن تحقق كل ما يتعلق بنفع هذه الأمة ومصالحها.
هذه العيون الخمس التي تمثل الأركان والعيون الخمس التي تشكل نظما للعلاقات فيما بينها تتطلب ثلاث عيون أخرى تحقق المعنى والمغزى في وحدة الأمة الإسلامية؛ إن هذه الوحدة لا بد وأن تستند إلى تضافر ثلاثية الأداء، والأدوات معا، بحيث تشكل في الحقيقة مسارات تترجم تلك الأركان والنواظم إلى حركة فعلية شعارها ذلك المثلث المهم؛ "علم وعمل وعدة"؛ إنها تشير في حقيقة الأمر إلى الامتثال للقوانين والسنن الماضية والفاعلة، وليس لهذه الوحدة إلا أن تقوم على علم بصير، وعمل سديد، وعودة كافية. إنه الاستثمار الذي يؤكد على الخطط العلمية، والعمل التنفيذي يرفعه، والعدة تحقق هذا العلم والعمل ضمن سياقات تجعل من الأدوات والوسائل والآليات عملا مهما يترجم الأداء من خلال شروط الفاعلية والأدوات؛ من خلال استثمارها بالكفاية والكفاءات اللازمة، إن الإرادة في النهاية إنما تشكل علم وعمل، والإدارة إعداد وعدة، "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة" (التوبة: 46).
إن هذه الروابط والوشائج بين الأركان الخمسة ونواظم العلاقات الخمس، والثلاثية التي تتعلق بالأداء والأدوات والآليات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجد صداها، ولا أصول الفاعلية وسننها، إلا من خلال رباعية من المؤسسات نقترحها في هذا المجال، أو تقوم على دعم مؤسسات قائمة تحرص على فاعليتها وتوفير تلك الشروط لأداء وظائفها، وتحقيق إنجازاتها؛ مؤسسة عدل، ومؤسسة علم، ومؤسسة عقل استراتيجي، ومؤسسة عمران، هذه المؤسسات التي تشير إلى مربع العيون تلك إنما تتمثل في حقيقة الأمر بضرورة بناء مصفوفة من المؤسسات تعكس وحدة الأمة الإسلامية، وتؤكد على معنى جامعيتها؛ ذلك أن تلك الوحدة والجامعية، والمؤسسية، إنما تشكل بحق عنوان الفاعلية.
وفي هذا المقام علينا أن نتحدث عن مربع المؤسسات تلك ضمن مؤسسات مهمة تضمن لهذه الأمة جامعيتها وفاعليتها معا، فتشكل أولاها مؤسسة عدلية، تتمثل في محاكم مهمة تشكل في حقيقة الأمر المعنى الذي يتعلق بهذا التكامل بين هذه الأمة؛ ضمن ما يمكن تأسيسه أو إقامته حول مشروعين مهمين؛ محكمة عدل إسلامية، ومحكمة إسلامية لحقوق الإنسان. تلك المؤسسات الضامنة لكرامة الإنسان المسلم هي عنوان لهذه الأمة وجامعيتها، ذلك أن الإنسان المسلم هو الوحدة الأساسية لتشييد هذا الكيان الذي يحقق معنى الحقوق للإنسان، ومعنى العدل بين الجماعات والتكوينات في الأمة الإسلامية.
ولعل ذلك الاجتهاد الذي طرح مبكرا في سياق فكرة الجامعة الإسلامية، أو تلك الفكرة التي أشار إليها مالك بن نبي حول "كومنولث إسلامي"، أو الفكرة التي أكد عليها الدكتور عبدالرازق السنهوري "عصبة أمم شرقية"؛ إنما تشكل في جوهرها ضمن هذه التمثلات والمؤسسات التي يجب أن تنشأ للحفاظ على الإنسان، وعلى علاقات العدل الفاعلة بين أجزاء هذه الأمة ومكوناتها.
المؤسسة الثانية، مؤسسة علمائية، هذه المؤسسة تشكل كيانا افتائيا إسلاميا يحفز جامعية هذه الأمة، ويؤكد عليها باعتبارها من ضرورات وواجبات الوقت، هذه المؤسسة الافتائية الإسلامية تنهض بفتاوى الأمة، والفتاوى الاستراتيجية، وكذا الفتاوى الحضارية التي تنهض بالأمة وترتقي بمقدراتها، وكذلك فإنها تقدم فتاوى رصينة وبصيرة تحرك التدبير، وتصنع المستقبل، هذه المؤسسة الافتائية إنما تتحرك على قاعدة تستلهم فيها كليات الدين الإسلامي الفاعلة التي تؤسس لحركة راشدة وسديدة، وبصيرة استراتيجية، واعية، ومديدة.
أما المؤسسة الثالثة فإنها تترافق مع هذه المؤسسة الإفتائية العلمائية، ولكنها تمثل في حقيقة الأمر عقلا استراتيجيا للأمة، تنهض بالأدوار والوظائف الفاعلة لمواجهة التحديات الحضارية المحيطة بالأمة وصناعة قنوات ومسالك الوحدة الإسلامية وجامعية الأمة؛ هذا العقل الاستراتيجي بما يمثله من خمائر يشكل في حقيقة الأمر بناء رؤية استراتيجية لمواجهة واقع التحديات، واستراتيجيات للعمل في مواجهة الأزمات، وكذلك تشييد جامعات حضارية، ومراكز بحوث استراتيجية، ومستودعات تفكير مستقبلية، تمثل أصولا مهمة في التفكير والتدبير والتسيير والتغيير والفاعلية والتأثير، وهي بذلك تمثل الشبكة العصبية والفكرية والثقافية والتربوية في هذه الأمة بما تستلزمه من وعي رشيد، وسعي سديد.
أما المؤسسة الرابعة؛ فهي المؤسسة العمرانية، تلك التي تقوم على صياغة العلاقات الإسلامية ـ الإسلامية، الثقافية والفكرية والحضارية، وكذلك ما يمكن تسميته العلاقات الإسلامية الإسلامية من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو ما يعني القيام بصياغة استراتيجيات تنموية وتكاملية على حد سواء، إن نمو الدول الإسلامية جميعا ضمن رؤية تكاملية ليحقق ويترجم للهدف المطلوب في الوحدة الإسلامية وفاعلية جامعية الأمة.
هكذا يمكن أن تتحقق عناصر الفاعلية تلك من خلال هذه المؤسسات التي تنهض على أركان خمسة: عقيدة دافعة رافعة، عالمية إسلامية، عدل شامل، عمران إنمائي، وعقل استراتيجي، استنادا إلى عهد تأسيسي وعقد تبادلي وعمق استراتيجي وحضاري وعلاقات تنسيقية وتكاملية، وعون يحقق الهدف في الجامعية والفاعلية، متوسلا مسالك العلم النافع، والعمل الصالح، والعدة الكافية، كل ذلك إنما يشكل في حقيقة الأمر أصولا لتلك الفاعلية الأساسية في وحدة الأمة الإسلامية.
هذه المصفوفات جميعا إنما تشكل مقدمات غاية في الأهمية لو أردنا أن نؤشر إلى بعض التفصيلات فيها فلربما يطول بنا المقام، ولكننا سنقوم على استعراضها جميعا، في عجالة تؤصل هذه المعاني التي وردت ضمن هذه الاستراتيجية الجامعة، والبصيرة الواعية.
ولعل الأمر الذي يتعلق بالمؤسسات الفاعلة هو من أهم المتحصلات والثمرات التي تضمن فاعلية لهذه الأمة، إن هذا التوجيه النبوي الذي يؤكد على أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل إنما يحمل معنى الاستدامة، والاستدامة لا يمكن تحقيقها إلا في سياق عمل مؤسسي مستمر، وأن هذا العمل المؤسسي لا يمكن أن يحقق ثماره المؤسسية إلا في سياق السعي الذي يحقق قوانين وسنن الفاعلية. عند هذا الأمر يجب أن يشكل هذا المثلث في أضلاعه من عقيدة دافعة، وأمة جامعة، ومؤسسات فاعلة، وهو ما يتطلب ذلك الفهم الواعي والبصير لكل تلك المتطلبات والمستلزمات التي يمكن أن تجمع هذه العيون التي تشكل أهم أدوات السير في الأرض، والنظر في الواقع والمستقبل.
إنها عيون لا تشكل فقط بصرا، ولكنها بصائر استراتيجية وجب علينا أن نصيغها وفق أصول مرعية، وقواعد كلية، وتطبيقات مؤسسية؛ هكذا يمكن أن نحقق الوعي بالأمة في هذا المقام باعتباره وعيا، ووعدا، وعهدا بين كل مكونات هذه الأمة، فإن لم نعمل بتلك السنن الماضية لرفعتها، وتحقيق معنى وسطيتها وشهودها، ومعنى خيريتها وغاياتها؛ فإننا بذلك نهدم أصلا أصيلا في معنى الأمة وبلوغ مقاصدها الكلية في الرقي والنهوض والعمران.
x.com/Saif_abdelfatah