في الوقت الذي تتصاعد فيه الأزمات الاقتصادية وتتراجع فيه مؤشرات الحريات في مصر، يتساءل الكثيرون عن الكيفية التي تُستخدم بها البطولات الرياضية لتجميل المشهد السياسي. إذ تتصدّر مشاهد التتويج وتنظيم الفعاليات الرياضية واجهة الإعلام، ويُقدَّم كل فوز أو استضافة لحدث دولي بوصفه دليلا على "الريادة والاستقرار".
في هذا المقال، نستعرض حجم الإنفاق على البطولات التي تم تنظيمها خلال السنوات الماضية، ثم ننتقل لتسليط الضوء على دور الإعلام في طمس الحقائق وترويج الإنجازات الوهمية، قبل أن نُحلّل كيف تُستخدم الانتصارات الرياضية كوسيلة لتهدئة الشارع المتعب من التضخم والمعاناة المعيشية. وأخيرا، نُلقي نظرة على واقع استقلالية المؤسسات الرياضية ومدى خضوعها للتوجيه السياسي.
بطولات كبرى.. ومليارات مهدرة؟
منذ 2014، كثّفت الدولة من تنظيم الفعاليات الرياضية الكبرى، مثل بطولة كأس الأمم الأفريقية 2019، وبطولة العالم لكرة اليد 2021، وبطولة العالم للدراجات 2024، كما عبّرت عن رغبتها في استضافة دورة الألعاب الأولمبية في المستقبل. ورغم عمق الأزمة الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، استمر الإنفاق السخي على هذه البطولات، دون وضوح في مصادر التمويل أو شفافية في عرض العوائد.
فقد بلغت تكلفة تنظيم بعض البطولات أرقاما ضخمة، وصلت في إحدى المناسبات إلى أكثر من مليار جنيه، وفي أخرى إلى عدة مليارات، دون أن يُعلن بشكل رسمي عن أي مردود اقتصادي أو اجتماعي لهذا الإنفاق، الأمر الذي يثير تساؤلات حول الأولويات في ظل ما يعانيه المواطنون من ضغوط معيشية متزايدة.
إعلام التهليل والإنجازات الوهمية
لعب الإعلام الرسمي والخاص الموالي للنظام دورا محوريا في صناعة صورة مضخّمة للنجاحات الرياضية، وربطها مباشرة بـ"عبقرية القيادة" و"رعاية الرئيس". يتم تسويق الانتصارات الرياضية كدليل على سلامة المسار السياسي، فيما يُدفن الفشل أو يتم تحميله للاعبين وغياب "الولاء"، دون نقد بنّاء أو مراجعة للسياسات الرياضية أو الإدارية.
تتكرّر العبارات مثل "تحيا مصر" و"الرئيس راعي الشباب والرياضة" في تغطيات تتويج الفرق أو استضافة البطولات، لتتحول الرياضة من منافسة حرة تُعبّر عن الروح الوطنية، إلى أداة للدعاية وتسكين الغضب الشعبي.
كيف تصبح الانتصارات مُسكّنا شعبيا
في فترات الأزمات، تلجأ السلطة إلى تقديم البطولات والانتصارات كوسيلة لتهدئة الشارع. فخلال السنوات التي تلت تحرير سعر الصرف في 2016، ومع تصاعد نسب التضخم وارتفاع الأسعار بشكل حاد، واصلت الدولة استثمارها في الأحداث الرياضية الكبرى، واستخدم الإعلام لغة "رفع الروح المعنوية" و"الرياضة في مواجهة الأزمات"، في تجاهل تام لحقوق المواطنين الأساسية في الصحة والتعليم والغذاء والسكن.
الرياضة، بدلا من أن تكون جزءا من الحل، تحولت إلى أداة لتأجيل الانفجار، وإلهاء الناس عن الواقع المتدهور، عبر مسكنات عاطفية مرتبطة بانتصارات مؤقتة لا تغير من جوهر الأزمة.
رياضة بلا استقلال
قد يكمن الخطر الأكبر في افتقار المجال الرياضي للاستقلالية التامة، حيث يتم اختيار قيادات الاتحادات والأندية بناء على الولاءات السياسية والأمنية، بينما تُستبعد الكفاءات والمستقلون. هذا الأمر يعكس واقعا يعاني فيه القطاع الرياضي من غياب الرقابة الفعّالة على الإنفاق، إضافة إلى تغوّل الأجهزة التنفيذية على قرارات المؤسسات الرياضية.
لم تعد الأندية الرياضية تمثل إرادة جماهيرها كما كانت في الماضي، بل تحوّلت إلى أدوات تعمل في إطار شبكة الولاء السياسي. أصبحت الجمعيات العمومية مقيدة، والانتخابات الرياضية تُدار وفق ترتيبات فوقية، مما يؤدي إلى تراجع القيم الرياضية الأساسية لصالح الأجندة الرسمية.
في جوهرها، الرياضة تمثل مرآة للمجتمع، حيث تروج لحرية الرأي، العدالة، تكافؤ الفرص، والانضباط. وعندما تُستغل هذه القيم بشكل سياسي، تصبح الرياضة أداة لتخدير المجتمع بدلا من أن تساهم في تنميته. في مثل هذه الحالة، تتحول الرياضة إلى "أداة تجميل سياسي"، حيث تُفقد استقلاليتها وتُدار كجزء من جهاز دعاية، بدلا من أن تُستخدم كوسيلة لتعزيز الصحة العامة وبناء الإنسان.
ختاما
إن ما تحتاجه مصر اليوم ليس المزيد من البطولات البراقة، بل منظومة رياضية نزيهة، مستقلة، وشفافة. منظومة تُشرك الرياضيين، والجماهير، والمجتمع المدني، وتخضع للرقابة والمساءلة. فالقوة الناعمة الحقيقية لا تُصنع بالدعاية، بل بالعدالة، والفرص المتكافئة، والمنافسة النزيهة. وعندما تتحرر الرياضة من قبضة الدولة، يمكن أن تصبح رافعة حقيقية للتنمية، لا مجرد واجهة لتزيين الأزمات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات مصر البطولات السياسي الرياضة مصر رياضة أنفاق بطولات سياسي مدونات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
لوقف التهريب للدول المحظورة.. إنفيديا تكشف عن أداة جديدة لتتبع الرقائق
أعلنت شركة إنفيديا، عن أنها طورت تقنية للتحقق من موقع شرائحها التي تعمل في البلدان، في خطوة تهدف إلى منع تهريب شرائح الذكاء الاصطناعي إلى الدول التي حظرت تصدير هذه الشرائح إليها.
هذه الميزة، التي تم عرضها في الأشهر الأخيرة بشكل خاص ولم يتم إطلاقها بعد، ستكون خيارا برمجيا يمكن للعملاء تثبيته.
تستفيد التقنية من قدرات الحوسبة السرية المتاحة في وحدات المعالجة الرسومية GPUs الخاصة بشركة إنفيديا.
وقد تم تصميم البرنامج للسماح للعملاء بتتبع الأداء العام للشرائح، وهو أمر شائع بين الشركات التي تشتري أساطيل من المعالجات لمراكز البيانات الكبيرة.
وتستخدم التقنية التأخير الزمني في التواصل مع الخوادم التي تديرها إنفيديا لتحديد موقع الشريحة، بما يتوافق مع الخدمات الإنترنتية الأخرى.
في منشور على مدونتها، قدمت إنفيديا المزيد من التفاصيل حول كيفية عمل التقنية، بما في ذلك خططها لجعل البرمجية مفتوحة المصدر، مما يتيح للباحثين الأمنيين الخارجيين فحصها.
وجاء في بيان الشركة: "نحن بصدد تنفيذ خدمة برمجية جديدة تمكن مشغلي مراكز البيانات من مراقبة صحة وأسهم أسطولهم الكامل من شرائح الذكاء الاصطناعي".
وأضافت إنفيديا أن هذه البرمجية ستسمح للعملاء بمتابعة صحة الشرائح وتكاملها وتسجيلها باستخدام تقنية القياس عن بعد الخاصة بالشركة.
مراقبة الأداء والتدابير الأمنيةقالت إنفيديا إنها لا تمتلك أي ميزة تسمح لها بالتحكم عن بعد أو اتخاذ إجراءات على الأنظمة المسجلة، مشيرة إلى أن بيانات القياس المرسلة إلى خوادم إنفيديا هي "قراءة فقط"، مما يعني أن خوادم الشركة لا تستطيع كتابة بيانات إلى الشرائح.
كما أكدت الشركة أنه "لا توجد ميزة داخل شرائح إنفيديا تتيح لها أو لأي طرف بعيد تعطيل الشريحة"، وأنه "لا يوجد مفتاح إيقاف".
تقنية التحقق من الموقع في شرائح Blackwellستتوفر هذه الميزة أولا على شرائح Blackwell الأحدث من إنفيديا، والتي تحتوي على ميزات أمنية إضافية لعملية "التحقق" مقارنة بالأجيال السابقة من شرائح Hopper وAmpere، ومع ذلك، تجري إنفيديا تقييما للخيارات المتعلقة بالأجيال السابقة من هذه الشرائح.
ردود الفعل الدولية على التقنيةإذا تم إطلاق هذه الميزة، قد تلبي دعوات من البيت الأبيض وأعضاء الكونجرس الأمريكي من كلا الحزبين الرئيسيين، الذين طالبوا باتخاذ تدابير لمنع تهريب شرائح الذكاء الاصطناعي إلى الصين والدول الأخرى التي تقيد مبيعاتها.
وقد تزايدت هذه المطالب في ظل القضايا الجنائية التي رفعتها وزارة العدل ضد شبكات تهريب مرتبطة بالصين، والتي كانت تحاول تهريب شرائح إنفيديا بقيمة تزيد عن 160 مليون دولار إلى الصين.
وفي نفس السياق، أدت هذه المطالب إلى استدعاء الهيئة الصينية العليا للأمن السيبراني لشركة إنفيديا للاستفسار عن ما إذا كانت منتجاتها تحتوي على ثغرات أمنية تسمح للولايات المتحدة بتجاوز تدابير الأمان في الشرائح.
نفي إنفيديا بشأن وجود ثغرات أمنيةفيما يخص القلق بشأن إمكانية وجود بوابات خلفية في شرائحها، نفى مسؤولو إنفيديا بشكل قاطع أن تكون هناك ثغرات من هذا النوع.
من جهة أخرى، أشار خبراء البرمجيات إلى أن تقنية التحقق من موقع الشرائح يمكن بناؤها دون التأثير على أمان منتجات نفيديا.
تأتي هذه التحركات في وقت حساس بالنسبة للعلاقات الدولية، خاصة مع التصريحات الأخيرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن السماح بتصدير شرائح H200 من إنفيدياإلى الصين، وهو ما أثار شكوكا بين الخبراء حول إمكانية شراء هذه المنتجات في السوق الصيني.