لماذا الهجوم على بورتسودان الآن؟
تاريخ النشر: 8th, May 2025 GMT
قال تحليلي: لقد ذقتم سلمنا.. والآن ستذوقون حربنا
بيان مجلس الأمن والدفاع السوداني الأخير ليس مجرد تصريح؛ بل هو إعلان حرب صريح ومباشر على دولة الإمارات العربية المتحدة. لم يترك البيان مجالًا للتأويل، بل عبّر عن نقلة استراتيجية حاسمة: الانتقال من سياسة ضبط النفس إلى مرحلة الرد بالمثل. والتحول من موقع الدفاع إلى الهجوم.
لماذا تأخر الرد السوداني؟
الرد على التدخلات الإماراتية تأخر كثيرًا، وكان يفترض أن يأتي خلال الشهرين الأولين من الحرب، حين كانت الإمارات تمد مليشيا الدعم السريع بالسلاح والمسيّرات علنًا، وتستخدم موانئها ومطاراتها كقواعد خلفية للحرب على السودان. إلا أن طبيعة الدولة السودانية، ما بعد الثورة والانقسام، فرضت نوعًا من التريث الذي تم تفسيره – خطأً – على أنه ضعف أو تواطؤ.
لماذا الهجوم على بورتسودان الآن؟
الإمارات اختارت بورتسودان لهجومها الأخير لأسباب استراتيجية دقيقة:
1. الإعلان السوداني عن حصوله على منظومة دفاعية متقدمة:
قبل أسبوعين فقط، لمح رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلى قرب انتهاء خطر المسيّرات، ما يعني ضمنيًا أن السودان حصل على تكنولوجيا دفاع جوي متطورة من إحدى الدول الكبرى – ربما الصين أو روسيا. الإمارات أرادت أن تضرب قبل أن تُنشر هذه المنظومات ويُحصّن السودان .
2. مقتل ضباط إماراتيين في نيالا:
تشير معلومات مؤكدة إلى مقتل وإصابة عدد من العناصر العسكرية الإماراتية الذين كانوا يشاركون في غرفة عمليات الدعم السريع في نيالا. رد الفعل الإماراتي كان عاطفيًا، غير محسوب، ومشحونًا برغبة انتقامية.
هل نجحت الإمارات؟
لا.
الهجوم على بورتسودان لم يحقق أهدافه. لم يُصب الميناء، ولم تتعطل عمليات القيادة أو الحكومة، ولم يُحدث الهجوم أي أثر عسكري نوعي. بل على العكس، أعطى السودان الذريعة التي كان ينتظرها ليحرر خطابه، ويكشف للعالم حقيقة الدور الإماراتي – ليس فقط كداعم غير مباشر، بل كطرف مشارك فعلي في الحرب.
ماذا يعني ذلك للإمارات؟
الإمارات ذاقت السودان في زمن السلم فاستفادت، والآن ستذوقه في زمن الحرب.
حين كانت العلاقات دافئة، استثمر السودان في الأمن الغذائي الإماراتي، وفتح موانئه وأسواقه لها.
والآن، في زمن المواجهة، السودان لن يتردد في استعمال كامل أدواته – من الإعلام الدولي، إلى فضح شبكات التسليح، وحتى ضرب المصالح الإماراتية خارج حدودها إن لزم الأمر.
الخطوة التالية: تصفية الوجود الاقتصادي الإماراتي في السودان
رد السودان لن يكون فقط عسكريًا أو دبلوماسيًا، بل سيمتد إلى الجبهة الاقتصادية. من المنتظر أن تبدأ الحكومة السودانية في مراجعة جميع الاستثمارات والمشاريع التي تمتلك فيها الإمارات حصصًا مباشرة أو عبر شركات واجهة.
أبرز هذه المشاريع:
– ميناء أبو عمامة – بورتسودان: مشروع مموّل إماراتيًا بقيمة 6 مليارات دولار، وتملك فيه موانئ أبوظبي نسبة 70%.
– شركة “دال” وشراكاتها مع “الدار العقارية” الإماراتية: مساهمات إماراتية تقدر بمئات الملايين في مجالات الأغذية والعقارات.
– صادرات اللحوم والماشية: حيث تستحوذ الإمارات على أكثر من 60% من صادرات السودان الحية، وتدير عبر شركاتها سلاسل توريد كاملة من المزارع إلى موانئ التصدير.
– مشروع القمح في ولاية نهر النيل: استثمار إماراتي مع شركة الظاهرة الزراعية، يسيطر على أكثر من 35 ألف فدان.
– الطيران المدني والمجال اللوجستي: عبر اتفاقيات وقعت مع شركة “جي 42” وشركات طيران إماراتية كانت تسعى لإدارة وتشغيل مطارات سودانية.
الخطوة القادمة، التي تلوّح بها الحكومة ضمنيًا، ستكون تصفية هذه الحصص وفتح الباب أمام مراجعة العقود المشبوهة. هذه الخطوة إن تمت، ستحرم الإمارات من أهم أدوات نفوذها غير العسكري في السودان.
تمرد داخلي مرتقب في الإمارات؟
الضغوط تتصاعد داخل الإمارات:
– كلفة الحرب على السودان باهظة سياسيًا وماليًا.
– أبناء زايد يتعاملون مع ملفات تتجاوز قدراتهم الإقليمية.
– هناك استياء متصاعد داخل المؤسسات الإماراتية من الزج بسمعة الدولة في نزاعات دموية لا مصلحة مباشرة لها فيها.
من المتوقع أن تبدأ أصوات معارضة داخل الإمارات، سواء داخل العائلة الحاكمة أو من النخب التجارية والإعلامية، تطالب بكبح جماح المغامرات العسكرية، وتحديدًا الانسحاب من حرب السودان.
الخلاصة:
لقد تغيرت قواعد اللعبة.
منذ اليوم، لن تكون الإمارات قادرة على اللعب من خلف الستار. لقد انتقلت المعركة إلى العلن، والسودان، الذي صبر كثيرًا، قرر أن يرد.
وإذا كانت الإمارات قد جربت صبر السودان… فلتتوقع الآن أن تذوق بأسه.
ودي طوبتي
وبذكركم
وليد محمد المبارك
وليد محمدالمبارك احمد إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
دمج وزارة الري في وزارات أخرى: قرار غير موفق!!
دمج وزارة الري في وزارات أخرى: قرار غير موفق!!
بروفيسور ياسر عباس*
يمر السودان بمرحلة حرجة نتيجة للحرب الجارية حاليًا، ما يستدعي تضافر جهود الجميع للمساهمة في ترسيخ دعائم السلام وإعادة الإعمار، لاسيما للمرافق الحيوية. وتُعد وزارة الري والموارد المائية من أهم ركائز هذه العملية، كونها تمثل العمود الفقري لحياة المواطنين في السودان.
وفي هذا السياق أرى أن قرار السيد رئيس الوزراء د. كامل إدريس بضم وزارة الري والموارد المائية إلى وزارتي الزراعة (الري)، والبيئة والاستدامة (الموارد المائية) لم يكن صائبًا، وذلك لأسباب إجرائية وفنية.
أولًا – من الناحية الإجرائية:في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد نتيجة الحرب، يجب أن يكون الهدف الأول هو استعادة مؤسسات الدولة إلى ما كانت عليه قبل الحرب، لا إدخال تغييرات هيكلية كبيرة تزيد من تعقيد الوضع و تقود الى الفشل فى تقديم الخدمات المطلوبة.
وزارة الري ليست وزارة صغيرة، بل مؤسسة ضخمة تضم آلاف العاملين موزعين من دلتا طوكر شرقًا إلى ولايات دارفور غربًا، ومن محطة الديم جنوبًا إلى دنقلا شمالًا. وتشمل مهامها إدارة ستة خزانات كبرى، وأربعة مشاريع ري استراتيجية (الجزيرة، الرهد، حلفا الجديدة، السوكي)، إلى جانب عشرات الإدارات والهيئات الفنية المتخصصة، فضلًا عن الملفات الحيوية المرتبطة بمياه النيل، ومفاوضات سد النهضة، والسد العالي. إعادة توزيع هذه المهام والكوادر بين وزارات مختلفة هو عبء تنظيمي كبير لا يمكن احتماله في ظل الحرب، ويتطلب دراسات مستفيضة وظروفًا طبيعية يمكن فيها تنفيذ مثل هذا التغيير بهدوء وتخطيط.
ثانيًا – من الناحية الفنية:عملية توفير مياه الري مترابطة ومعقدة، تبدأ من قياس المياه عند محطة الديم على الحدود الإثيوبية – وهي مرحلة تسبقها مفاوضات حساسة مع دول الحوض – ثم تخزين المياه في خزان الروصيرص، وتمرير هذه المياه عبر التوربينات لتوليد الكهرباء، قبل أن تُوزَّع من خزان سنار عبر شبكة الري إلى مشروع الجزيرة. فصل هذه المراحل بين وزارات متعددة قد يؤدي إلى خلل في التنسيق ونتائج كارثية، كما أثبتت التجارب السابقة، مثل تجربة الوزير وديع حبشي في عهد النميري، وتجربة الوزير عبد الحليم المتعافي في عهد الإنقاذ , و اخيرا تجربة تحويل الخزانات لوزارة الكهرباء فى نهايات عهد الانقاذ.
كما أن التجارب الإقليمية والدولية توضح أهمية الحفاظ على وحدة وزارة مستقلة للري والموارد المائية. فمصر، إثيوبيا، وبقية دول حوض النيل تحتفظ بهذه الوزارة ككيان واحد، لما يتطلبه من انسجام بين الجوانب الفنية والتنظيمية.
ويُحسب لوزارة الري السودانية خلال سنتي الحرب أنها استطاعت الحفاظ على سلامة منظومة الخزانات الخمسة، رغم تعقيدات الوضع الميداني، وتشغيل سد النهضة. وشهدنا كيف أن عبث المليشيا بخزان جبل أولياء تسبب في فيضان قرى النيل الأبيض في أواخر عام 2024. و لا ابالغ ان وصفت الخزانات الستة كاهم منشات فى دولة السودان حاليا – لما لها من دورمحورى فى توفير مياه الرى لما يزيد عن 4 مليون فدان و توليد نحو 60% من الكهرباء، فضلًا عن إمداد محطات الشرب النيلية بالمياه.
لذلك، وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية، أرى أن الإبقاء على وزارة الري والموارد المائية كوزارة مستقلة هو الخيار الصائب.
والله ولي التوفيق،
* وزير الرى و الموارد المائية السابق
20 يونيو 2025
#السودان
الوسومالجزيرة الرهد السودان السوكي حلفا الجديدة دلتا طوكر دنقلا رئيس الوزراء كامل إدريس محطة الديم وزارة البيئة والاستدامة وزارة الري والموارد المائية وزارة الزراعة ياسر عباس