جوتيريش: الهجمات الأخيرة على بورتسودان تمثل تصعيدًا مقلقًا
تاريخ النشر: 8th, May 2025 GMT
أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن قلقه العميق إزاء الهجمات التي شنتها في الأيام الأخيرة طائرات مسيرة على مدينة بورتسودان، محذرًا من أن هذه الضربات تمثل تصعيدًا كبيرًا في الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام، في بيان يوم اللابعاء: "هذا التصعيد الكبير قد يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين على نطاق واسع وتدمير أكبر للبنية التحتية الحيوية في المدينة الواقعة على البحر الأحمر، والتي استُهدف العديد من المواقع الاستراتيجية فيها بطائرات مسيرة.
وأضاف المتحدث أن هذه الهجمات على نقطة الدخول الرئيسية للمساعدات الإنسانية إلى السودان تهدد أيضًا بزيادة الاحتياجات الإنسانية وتعقيد عمليات الإغاثة في بلد تمزقه منذ عامين حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وأعرب جوتيريش أيضًا عن "الانزعاج إزاء تمدد النزاع إلى منطقة فر إليها العديد من النازحين من العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى".
وأرجع دوجاريك سبب تمدد الحرب إلى "غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات".
المصدر: صحيفة اليوم
كلمات دلالية: الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش جوتيريش الحرب الحرب في السودان السودان السودان اليوم
إقرأ أيضاً:
سلطنة عُمان.. الوسيط الأمين في نزاعات الشرق الأوسط
أ.د. دينغ لونغ **
خلال الفترة من أبريل إلى يونيو من العام الجاري، وتحت رعاية سلطنة عُمان، عقدت الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية 5 جولات من المفاوضات غير المباشرة حول الملف النووي الإيراني؛ وهي أول محادثات بين الجانبين منذ انسحاب الولايات المتحدة بشكل منفرد من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018.
وفي 6 مايو، أعلنت عُمان أيضًا أنه بناءً على مشاوراتها مع الجانب الأمريكي والسلطات المعنية في صنعاء باليمن، توصلت الولايات المتحدة وجماعة أنصار الله "الحوثيون" إلى اتفاق لوقف إطلاق النار؛ مما أنهى "أكبر عملية عسكرية أمريكية في الخارج خلال ولاية ترامب الثانية" ضد الحوثيين والتي بدأت في 15 مارس. هذان الحدثان الكبيران المتعلقان بأمن الشرق الأوسط والوضع الدولي جذبا الأنظار العالمية نحو عُمان.
الحياد الجيوستراتيجي يمنح "قوة وساطة"
عُمان كانت تاريخيًا محورًا رئيسيًا للتجارة البحرية بين الشرق والغرب، حيث منحها موقعها الجغرافي الفريد إمكانية الوصول والاتصال بجميع الأطراف. كدولة يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة فقط، تدرك عُمان جيدًا أهمية البيئة المحيطة السلمية والمستقرة لبقائها وتنميتها. لذلك، منذ تولي السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في عام 1970، حافظت عُمان على سلامتها وسط المشهد الجيوسياسي المعقد المحيط بها والمليء بالدول الكبرى والاضطرابات المستمرة، واتبعت بحذر سياسة الحياد، ونفذت دبلوماسية متوازنة بين القوى الإقليمية.
وتقع عُمان بين العملاقين الإقليميين التاريخيين، السعودية وإيران، اللذين تربطهما علاقات متوترة تاريخيًا؛ مما يجعلها غير قادرة على الانحياز لأي طرف، مع تجنب الوقوع ضحية لصراعاتهما؛ مما يفرض عليها الحفاظ على الحياد بين القوى الإقليمية. لم تشارك عُمان في العمليات العسكرية التي تخوضها دول الخليج في اليمن منذ عام 2015 ضمن "قوات التحالف"، وحافظت على مسافة مُحايدة من الكتلة الخليجية. لذلك، تنظر إيران إلى عُمان على أنها "جار غير معادٍ". وبعد تعثر العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، بدأت السعودية تفهم موقف عُمان، وأصبحت مستعدة للسماح لها بالعمل كوسيط بينها وبين الحوثيين. وخلال الصراع اليمني، سمحت عُمان بدخول المساعدات إلى اليمن عبر ميناء صلالة، واستقبلت جرحى كلا طرفي الصراع لتلقي العلاج في عُمان؛ حيث ساعد ذلك في تخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن، كما راكم رصيدًا لعُمان في جهود الوساطة اللاحقة؛ مما جعلها "البوابة الوحيدة إلى اليمن".
كما عززت العلاقة المرنة مع الولايات المتحدة وضع عُمان المحايد. ورغم كونها حليفة للولايات المتحدة، حافظت عُمان دائمًا على مسافة منها؛ فعلى سبيل المثال، في عام 2020، قاومت عُمان الضغوط الأمريكية ورفضت التوقيع على "اتفاقيات إبراهيم" لتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ حيث تدرك عُمان قيمة استقلاليتها وحريتها في اتخاذ القرار، مما أكسبها الحياد والمصداقية اللازمين لأداء دور الوسيط.
كيف تنجح الوساطة؟
اتَّبعت عُمان دائمًا أسلوبًا دبلوماسيًا هادئًا وعمليًا وغير صاخب، وهذا هو سر نجاح جهود وساطتها؛ ففي عمليات الوساطة، غالبًا ما تؤدي عُمان دورًا "خلف الستار" من خلال نقل المعلومات والحفاظ على قنوات الاتصال واستضافة لقاءات سرية. وعلى سبيل المثال، بين عامي 2011 و2013، سهلت عُمان سرًا الاتصالات الأولية بين دبلوماسيين أمريكيين وإيرانيين في عاصمتها مسقط، وأدت إلى التوصل لاتفاق نووي مؤقت؛ مما مهد الطريق لاتفاق 2015 النووي الإيراني. وفي عام 2020، بعد اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وصلت الولايات المتحدة وإيران إلى حافة المواجهة العسكرية، وفي اللحظة الحاسمة، قامت عُمان بتفعيل آليات الاتصال السرية؛ مما منع تصعيد الوضع.
ومنذ أبريل هذا العام، استغلت عُمان مرة أخرى التوقيت الملائم للوساطة بنشاط بين الولايات المتحدة وإيران، وبين الولايات المتحدة والحوثيين. ولاحظت عُمان أن إدارة ترامب وقعت في موقف حرج مع استمرار الضربات العسكرية ضد الحوثيين. فحاملة الطائرات "ترومان" اضطرت للانسحاب أمام هجمات الحوثيين، وكان الجيش الأمريكي يستهلك ذخائر بقيمة 750 مليون دولار يوميًا. في الوقت نفسه، علمت عُمان بأن الحوثيين يخشون قيام الولايات المتحدة بعملية اغتيال ضدهم "عملية قطع الرأس". لذلك، نقلت عُمان إلى الجانب الأمريكي تقييمًا لقدرات الحوثيين القتالية المستمرة؛ مما دفع الولايات المتحدة لاتخاذ قرار وقف إطلاق النار.
كما استغلت عُمان التوقيت الملائم مع رغبة قوية من الجانبين الأمريكي والإيراني في تجديد المحادثات؛ فبالنسبة للولايات المتحدة، ينتهي اتفاق 2015 النووي الإيراني في أكتوبر هذا العام، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد بحلول ذلك الوقت، ستفقد الولايات المتحدة الأساس القانوني لمواصلة تقييد برنامج إيران النووي. ووفقًا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تمتلك إيران الآن أكثر من 100 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نظريًا تمتلك القدرة على تصنيع عدة رؤوس نووية، وتزداد مخاوف الولايات المتحدة من تجاوز إيران عتبة التسلح النووي يومًا بعد يوم.
بالنسبة لإيران، تحت ضغوط الولايات المتحدة "الحد الأقصى"، شهدت العملة الإيرانية انخفاضًا حادًا، وتعرقلت صادرات النفط بشدة بسبب "الولاية القضائية طويلة المدى" الأمريكية، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بشكل كبير، مما يتطلب من الحكومة الإيرانية إيجاد مخرج. إضافة إلى ذلك، فإن مسقط تبعد ساعتين طيران فقط عن العاصمة الإيرانية طهران، مقارنة بمدن أوروبية مثل فيينا وجنيف؛ مما يوفر بيئة أكثر ملاءمة لتجنب التدخلات الدبلوماسية والمراقبة الاستخباراتية والتغطية الإعلامية. لذلك، بناءً على اقتراح عُمان، استؤنفت المفاوضات بين الجانبين بعد انقطاع دام سنوات.
وتمتلك عُمان أيضًا "مهارات وساطة" فريدة. وأثناء المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، رتّبت عُمان "لقاءات صدفة" بين ممثلي الجانبين في مكان الإقامة؛ مما أدى إلى لقاء وتحدث قصير بين المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، اللذين كانا يقيمان في غرف منفصلة. وصرّح ماكغورك أن الجانب الأمريكي يرغب في التوصل لاتفاق ومُستعد لمساعدة إيران في جذب استثمارات غربية وحتى أمريكية؛ بينما دعا عراقجي الجانب الأمريكي لرفع العقوبات عن إيران، ودعا ماكغورك لزيارة إيران. وفي وساطتها لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين؛ فاحترمت عُمان الدور المهم للقبائل في المجتمع اليمني، وطبّقت نظام ضمان مشايخ القبائل، حيث شهد شيخ أكبر قبيلة يمنية، قبيلة حاشد، عبر اتصال فيديو، على التزام الحوثيين بوقف إطلاق النار.
الدول الإقليمية والقوى الخارجية لا تزال بحاجة للعمل معًا
عُمان ترفض بوضوح الفكر المتطرف، وتدعو إلى "الابتعاد عن الفتنة" وحل الخلافات بالطرق السلمية؛ حيث سمحت صفات الحياد والاعتدال لعُمان بأن لا تُنظر كتهديد لأي طرف، مع الحفاظ على حوار مع إيران؛ إذ إن سياستها الخارجية العملية التي تتجاوز الخلافات المذهبية جعلتها جسر تواصل نادر في منطقة الخليج.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت منطقة الشرق الأوسط "موجة وساطات"؛ حيث تنافست دول مثل عُمان وقطر والسعودية في الوساطة لحل النزاعات الإقليمية والدولية، مُستخدِمة ذلك كوسيلة مهمة لتعزيز قوتها الناعمة ومكانتها الدولية. ويُثبت نجاح عُمان أنه في الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، أنه يمكن للدول المُحايدة أيضًا أن تؤدي دورًا لا غنى عنه من خلال تحديد موقعها بدقة. وتكمن خبرتها الأساسية في تحويل النقص الجيوستراتيجي إلى ميزة حيادية، وكسر الجمود السياسي بالحكمة الدبلوماسية، وتجاوز الحواجز الأيديولوجية بالرنين الثقافي.
ومع ذلك، لا تزال قدرات الوساطة العُمانية تواجه قيودًا، وغالبًا ما تجد صعوبة في تحقيق حلول دائمة وجذرية للصراعات والتناقضات. وفي ظل استمرار النزاعات في الشرق الأوسط اليوم، لتحقيق تهدئة شاملة ودائمة للأوضاع الإقليمية، يبدو أن الأمر لا يزال يتطلب جهودًا مشتركة من الدول الإقليمية والقوى الخارجية لدفع حل المشكلات معًا.
** أستاذ بمعهد الدراسات شرق الأوسطية في جامعة شنجهاي للدراسات الدولية، الصين