أخذت من أشجار منى للتسوك..ما حكم ذلك؟.. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 8th, May 2025 GMT
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم الأخذ من أشجار منى للتسوك؟ فكنت أريد التسَوُّك أثناء المبيت بمنى فأخذتُ من أشجار بمشعر مِنًى السواك والحطب وهو أخضر، فما حكم ذلك؟
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: إن الأحوط ألَّا يَقتربَ المُحرِمُ أو غيرُه مِن أخذ السواك من شجر الحرم، أو التَّعدِّي على شجر الحرم النابت بنفسه؛ رعاية لحَقِّ الحرم، وخروجًا مِن خلاف مَن منع ذلك، فإن فَعَل ذلك فلا شيء عليه على ما قَرَّره بعض الفقهاء من جواز أخذ السواك من شَجَر الحرم؛ عملًا بما تَقرَّر في القواعد "أنَّ مَن ابتُلي بشيءٍ من المختَلف فيه فليُقَلِّد مَن أجاز".
بيان فضائل الحرم المكي
وأوضحت أن الحَرَمُ المكي له أحكام كثيرة وفضائل عدة، فمِن فضائله: أنَّ الله تعالى جعله آمنًا؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة: 126]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: 97].
ومن فضائله أيضًا: أنَّ الله تعالى ضاعف الرزق فيه استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم حين قال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: 37]؛ ولذا ورد في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهم اجْعَل بالمدينة ضِعْفَي ما جَعْلتَ بمكة من البَرَكة» متفقٌ عليه.
من أحكامه التي فَصَّلتها السُّنَّة النبوية المطهَّرة: أنَّه لا يجوز قطع شجر الحرم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا»، ومعنى: «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا»، أي: لا يقطع نباتها، ومعنى: «لا يُعْضَدُ شَجَرُهَا»، أي: يُقْطَع، كما في "غريب الحديث" لابن قُتَيْبَة (1/ 147، ط. مطبعة العاني).
ولا فَرْق في هذا بين الـمُحْرِم وغيرِه؛ وذلك لأنَّ حرمة التَّعرُّض لشجر الحرم إنما هو لأجل الحَرَم ذاته، فيستوي في ذلك المُحرِم وغيره، كما في "بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 210، ط. دار الكتب العلمية).
والمقصود بالحرم ليس خصوص الكعبة، بل يشمل غيرها ممَّا يَدْخُل في حدود الحرم، والتي منها منًى ومزدلفة، لكن مع القول بالمنع من قطع أشجار الحرم والإثم المترتب على ذلك، إلَّا أَنَّ الفقهاء اختلفوا في جزاء فِعْل ذلك: فيرى المالكية: أنَّه لا جَزَاء فيه، وهو مقابل الأظهر عند الشافعية، ووافقهم على ذلك الحنفية والحنابلة فيما زَرَعه الإنسان بنفسه، فإن نَبَت بطبعه ففيه الجزاء، ويرى الشافعية في الأظهر: أنَّ عليه الجزاء مطلقًا. يُنظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني (2/ 210)، و"عقد الجواهر الثمينة" للعلامة ابن شاس (1/ 304، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"روضة الطالبين" للإمام النووي (3/ 165، ط. المكتب الإسلامي)، و"شرح منتهى الإرادات" للعلامة البُهُوتي (1/ 565، ط. عالم الكتب).
حكم الأخذ من أشجار الحرم للتسوك
أمَّا أَخْذ السِّوَاك من شَجَر الحَرَم -وهو مسألتنا-، فقد ألحقه الحنفية والحنابلة بالشَّجَر الممنوع أخذه، إلَّا أن يكون يابسًا فيُباح أخذه، ومُدْرَكهم في ذلك عموم النهي الوارد عن قَطْع شجر الحرم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 210) عند كلامه على حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [أخبر الله تعالى أنَّه جعل الحرم آمنًا مطلقًا، فيجب العمل بإطلاقه إلا ما قُيِّد بدليل، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ألَا إنَّ مكة حرام، حرَّمها الله تعالى..»، إلى قوله: «لا يُخْتَلَى خَلَاها، ولا يُعضَدُ شجرها» نَهَى عن اختلاء كل خَلًى، وعضد كل شجر، فيَجْرِي على عمومه، إلا ما خُصَّ بدليل، وهو: الإِذْخر] اهـ.
وقال الإمام المَرْدَاوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 552، ط. دار إحياء التراث العربي): [يَحْرُم قَلْع شَجَر الحرم إجماعًا، وهو المذهب، وعليه الأصحاب: أنه يحرم قلع حشيشه ونباته، حتى السواك والوَرَق] اهـ.
بينما رخَّص في ذلك فقهاء المالكية والشافعية.
قال العلامة ابن فَرْحون المالكي في "إرشاد السالك إلى أفعال المناسك" (2/ 704، ط. مكتبة العبيكان): [قال القرافي: وخَفَّف مالكٌ في قَطْع العصا والعصاتين من شَجَر الحرم. قال ابن الحاج: ولا بأس بأخذ السواك] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (7/ 449، ط. دار الفكر): [اتَّفق أصحابنا على جواز أخذ ثمار شجر الحرم، وإن كانت أشجارًا مباحة، كالأراك، ويقال لثمرة الأراك: الكَبَاث -بكاف مفتوحة، ثم باء موحدة مُخَفَّفة، ثم ألف، ثم ثاء مُثلثَّة-، واتفقوا على أخذ عود السواك ونحوه] اهـ.
ومُدْرك هذا القول الـمُجَوِّز: أنَّ ما يأخذه مِن الشجر هو غصن لطيف لا يكاد يضرُّ بالشجر، فإن ضرَّ فعليه ضمانه، كما أَنَّ هذا مما يُحتاج لأخذه على العموم فسُوِمحَ فيه ما لم يُسامَح في الأغصان التي ليست كذلك، وتبعهم في ذلك المسلك: مجاهد، وعطاء، وعمرو بن دينار رضي الله عنهم. يُنظر: "تحفة المحتاج" للإمام ابن حجر الهيتمي (4/ 190، ط. المكتبة التجارية الكبرى)، و"عمدة القاري" للعلامة بدر الدين العَيْني (8/ 162، ط. دار إحياء التراث العربي).
واكدت انه بناءً على لك: فالأحوط ألَّا يَقتربَ المُحرِمُ أو غيرُه مِن أخذ السواك من شجر الحرم، أو التَّعدِّي على شجر الحرم النابت بنفسه؛ رعاية لحَقِّ الحرم، وخروجًا مِن خلاف مَن منع ذلك، فإن فَعَل فلا شيء عليه؛ عملًا بما تَقرَّر في القواعد "أنَّ مَن ابتُلي بشيءٍ من المختَلف فيه فليُقَلِّد مَن أجاز".
ووجهت كلامها لصاحب السؤال وقالت: إن ما فعلتَه مِن قطع السواك من الشَّجَر في منى: جائزٌ شرعًا على ما قَرَّره بعض الفقهاء من جواز أخذ السواك من شَجَر الحرم، والأحوط عَدَم الأخذ خروجًا مِن خلاف الفقهاء في ذلك.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ش ج ر الحرم الله تعالى من أشجار رضی الله أشجار ا م الأخذ الحرم ا من ش ج ر فی ذلک
إقرأ أيضاً:
في وداع مهيب.. تشييع الشهيد محمد القاسم في الحرم المكي و"الشؤون الدينية" تنعيه
شيّعت جموع غفيرة في مكة المكرمة اليوم الجمعة جثمان الشهيد محمد بن عبدالعزيز القاسم، إلى مثواه الأخير في مقبرة الشهداء بالشرائع، حيث ووري الثرى في القبر رقم 61، بالمربع رقم 9، وسط دعوات المودّعين بأن يتغمده الله برحمته، ويجعله من الشهداء في الأرض والسماء، وأن يكون قبره روضة من رياض الجنة.
وشهدت مراسم التشييع حضورًا كثيفًا من المصلين الذين أدّوا صلاة الجنازة عليه بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام، في مشهد مهيب امتزجت فيه الدموع بالدعوات، فيما شارك عدد كبير من محبّيه في دفنه، وتوافد المئات إلى مقبرة الشهداء للمشاركة في لحظة الوداع، وتقديم العزاء والدعاء للفقيد، كما بادرت مجموعات من الشباب بجمع التبرعات للصدقة عنه، سائلين الله أن يجعلها في ميزان حسناته.
أخبار متعلقة عاجل: بريطانيا.. تفاصيل جديدة في واقعة مقتل الطالب السعودي محمد القاسمترجمة خطبتي الجمعة في الحرمين الشريفين إلى 15 لغة عالميةالأماكن والمواعيد.. أمطار غزيرة على أجزاء من 4 مناطق اليوم الجمعةوتفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي مع نبأ استشهاد محمد القاسم، حيث تصدرت الوسوم المتعلقة باسمه قائمة الترند، وتوالت الدعوات والمواساة من مختلف فئات المجتمع، في مشهد يعكس محبة الناس للفقيد، وتقديرهم لسيرته ومسيرته.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } في وداع مهيب.. تشييع الشهيد محمد القاسم في الحرم المكيمسيرة طيبةوقدمت رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي خالص العزاء وصادق المواساة إلى أسرة الشهيد، مؤكدةً أن الفقيد كان أحد رواد العمل التطوعي في الحرم المكي، ومن المخلصين في خدمة قاصدي بيت الله الحرام.
وذكرت في بيان رسمي أن محمد القاسم - رحمه الله - ترك أثرًا مباركًا في خدمة المعتمرين والزوّار من خلال مشاركاته الميدانية المتكررة، ومبادرته الدائمة في دعم البرامج التطوعية، مشيدةً بإخلاصه وتفانيه، ومعتبرةً رحيله خسارة لكفاءة بارزة في العمل التطوعي داخل الحرم.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } في وداع مهيب.. تشييع الشهيد محمد القاسم في الحرم المكي
وكان شقيقه عبدالقادر قد نعى أخاه بكلمات مؤثرة قال فيها: "فروح وريحان وجنة نعيم.. اللهم اجعل قبر أخي محمد القاسم منارًا مستضاء لا يُشكى فيه ظلم ولا ضيق، وبشره بروح وريحان وجنة ونعيم يا رب العالمين"، كما دعت شقيقته مها بنت عبدالعزيز القاسم إلى الدعاء له وزيارته في قبره والدعاء له بأن يكون من الشهداء، مستذكرة خصاله الحميدة، ومكانته في قلوب أهله ومحبّيه.
ويُستقبل العزاء للرجال في مجلس العائلة بحي العوالي في مكة المكرمة من الساعة السادسة مساءً حتى التاسعة مساءً.
الجدير بالذكر أن الشهيد محمد القاسم - رحمه الله - من حفظة كتاب الله، وعُرف بين زملائه وأقرانه بتفانيه في خدمة ضيوف الرحمن، إذ أمضى سنوات طويلة في ساحات الحرم الشريف ضمن فرق العمل التطوعي، مجسّدًا أروع صور العطاء والإخلاص، حتى لقي ربه وهو يحمل في قلبه رسالة النبل والخدمة والإيمان.