بعد أسابيع من التصعيد الخطابي المتبادل، الذي سعى فيه كل طرف لتصوير الآخر على أنه الأضعف والأكثر حاجة للاتفاق، بدأت في جنيف أولى المحادثات التجارية رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة والصين، في لحظة يتقاطع فيها الضغط الاقتصادي الداخلي مع اعتبارات السياسة الخارجية لكلا الجانبين.

ورغم أجواء التحدي الظاهرة، تشير المعطيات إلى وجود رغبة متبادلة في كسر الجمود، دون أن يبدو أي طرف وكأنه تراجع.

ويوضح ستيفن أولسون الزميل الزائر في معهد "يوسف إسحاق" والمفاوض التجاري الأميركي السابق أن "المحادثات تنطلق الآن لأن الجانبين يعتقدان أنه بإمكانهما التحرك دون أن يُفهم الأمر كخضوع للآخر".

ويرأس الوفد الصيني خه لي فنغ نائب رئيس مجلس الدولة، في حين سيكون على رأس الوفد الأميركي وزير الخزانة سكوت بيسنت والممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير.

وأمس الجمعة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب إمكانية خفض الرسوم الجمركية على الصين من 145% حاليا إلى 80%.

وكتب ترامب عبر منصته تروث سوشيال "يبدو أن فرض رسوم جمركية بنسبة 80% على الصين هو المستوى المناسب!".

لقاء جنيف يشكّل اختبارًا حقيقيًا لإرادة الصين والولايات المتحدة في التهدئة وبناء أرضية مشتركة (شترستوك)

وفي هذا السياق، سعت بكين وواشنطن إلى رسم الرواية الخاصة بكل منهما عن خلفيات انطلاق الحوار. فقد شدد المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان على أن المحادثات جاءت بطلب أميركي، بينما وصفت وزارة التجارة الصينية الخطوة بأنها استجابة مباشرة لـ"نداءات الشركات والمستهلكين الأميركيين".

إعلان

وفي المقابل، تبنّى الرئيس الأميركي خطابًا نقيضًا، حين قال من البيت الأبيض إن "الجانب الصيني هو من يريد بشدة إتمام الاتفاق لأن اقتصادهم ينهار" مضيفًا بسخرية "إذا كانوا يقولون إننا من بدأ، فعليهم مراجعة أرشيفهم جيدًا".

ومع اقتراب موعد الاجتماعات، خفف ترامب من نبرته التصعيدية، وقال للصحفيين "من بدأ المكالمة ومن لم يفعل؟ لا يهم.. ما يهم هو ما سيحدث داخل تلك الغرفة".

توقيت محسوب من بكين

ويتزامن انعقاد المحادثات مع زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو حيث شارك في الاحتفال بالذكرى الـ80 للنصر على ألمانيا النازية، ووقف إلى جانب قادة من "الجنوب العالمي" في رسالة ضمنية لإدارة ترامب بأن للصين بدائل تجارية وأنها تسعى للعب دور قيادي عالمي موازٍ.

ويفسر هذا التوقيت، بحسب محللين، بأنه محاولة صينية لـ"إظهار القوة" أثناء التفاوض، خصوصًا مع تراجع مؤشرات التصنيع في البلاد، حيث انخفض النشاط الصناعي في أبريل/نيسان إلى أدنى مستوى منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، وفق بيانات حكومية.

كما أظهرت دراسة أجرتها صحيفة "كايسن" أن قطاع الخدمات وصل إلى أدنى مستوى له خلال 7 أشهر.

خسائر متبادلة ومخاوف داخلية

في المقابل، لم تسلم الولايات المتحدة من تداعيات الرسوم الجمركية، إذ شهد اقتصادها أول انكماش منذ 3 سنوات، مع تصاعد مخاوف من اضطراب سلاسل التوريد، خصوصًا في الصناعات التي تعتمد على المنتجات الصينية.

الضغوط الداخلية المتزايدة تدفع واشنطن وبكين إلى البحث عن مخرج تفاوضي (شترستوك)

وقال أحد أصحاب شركات الألعاب في لوس أنجلوس لـ"بي بي سي" إنهم "يشهدون انهياراً كاملاً في سلاسل التوريد".

وفي تعليقه على الأثر المتوقع على المستهلك الأميركي، قال ترامب في اجتماع لمجلس الوزراء "قد يحصل الأطفال الأميركيون على دميتين بدلاً من 30، وربما تكلف كل دمية دولارين أكثر مما كانت عليه من قبل".

إعلان ضغوط داخلية ودولية

وأظهر استطلاع رأي أجرته "بي بي سي" أن أكثر من 60% من الأميركيين يرون أن ترامب يبالغ في التركيز على الرسوم الجمركية، وهو ما تسبب في تراجع شعبيته. وقال أولسون "الأسواق والمجتمعات المحلية والقطاع الخاص باتت في حاجة ماسة إلى رسالة طمأنة".

ورغم الأمل بانفراجة، فإن التوصل إلى اتفاق شامل لا يزال بعيد المنال. ووفقًا لبيرت هوفمان الأستاذ في معهد شرق آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، فإن اجتماعات جنيف ستكون تمهيدية بالأساس، وربما تسفر فقط عن "تبادل للمواقف" وتحديد جدول أعمال لمحادثات لاحقة.

ويتوقع بعض المحللين أن يسفر هذا المسار عن "صفقة من المرحلة الأولى معززة" تتجاوز اتفاق 2020 الذي أوقف بعض الرسوم لكنه لم يعالج القضايا الأساسية مثل الدعم الحكومي الصيني لقطاعات إستراتيجية.

ويرى أولسون أن الملفات الشائكة -من الاتجار غير المشروع بالفنتانيل إلى علاقات بكين بموسكو- لا تزال بعيدة عن الطاولة في الوقت الراهن، مؤكدًا "الاحتكاكات البنيوية في العلاقات التجارية بين البلدين لن تُحل قريباً، وجنيف ستخرج فقط ببيانات دبلوماسية فضفاضة حول الحوار الصريح والرغبة في مواصلة الحديث.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

أين وصلت المفاوضات بين بكين وواشنطن؟ السفارة الصينية بالقاهرة تجيب

كشف المتحدث باسم السفارة الصينية لدى القاهرة، تشو شيان، تطورات المفاوضات الاقتصادية والتجارية رفيعة المستوى بين الصين والولايات المتحدة.

وقال المتحدث باسم السفارة الصينية لدى القاهرة، في بيان له: “اتخذت الإدارة الأمريكية الجديدة، منذ توليها المهام، سلسلة من الإجراءات الأحادية لفرض الرسوم الجمركية الإضافية، الأمر الذي يشكل صدمة خطيرة للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، وانتهاكا صارخا للنظام الاقتصادي والتجاري الدولي، وتحديا كبيرا للانتعاش الاقتصادي العالمي”.

الصين تشتري نفط مربان الإماراتي في صفقة نادرة وعاجلةترامب يتراجع عن حربه التجارية على الصين .. وخبير يكشف فرص مصر في جذب الاستثمارات

وأوضح متحدث السفارة الصينية بالقاهرة أن الصين ردت على إجراءات الإدارة الأمريكية وفقا للمبادئ الأساسية للقانون الدولي والأحكام المعنية في القوانين واللوائح المحلية، من أجل الدفاع عن مصالحها المشروعة. 

وأكد شيان أنه في الآونة الأخيرة، تحدثت القيادة الأمريكية كثيرا عن تعديل إجراءات الرسوم الجمركية، وبادرت إلى إرسال الرسائل إلى الجانب الصيني عبر قنوات متعددة، تعبيرا عن الرغبة في التفاوض مع الصين بشأن الرسوم الجمركية وغيرها من الملفات.

وأضاف أن الجانب الصيني قام بتقييم شامل لهذه الرسائل من الجانب الأمريكي، وقرر الموافقة على الاتصال مع الجانب الأمريكي، بعد المراعاة الكاملة لتطلعات دول العالم والمصالح الصينية ودعوات رجال الأعمال والمستهلكين الأمريكيين.

وأكد متحدث السفارة الصينية بالقاهرة أن نائب رئيس مجلس الدولة الصيني خه ليفونغ، بصفته رئيس الجانب الصيني للملفات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية، سيجري محادثات مع نظيره الأمريكي وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، على هامش زيارته إلى سويسرا خلال الفترة ما بين 9 و12 مايو.

وأوضح أن موقف الصين ثابت إذا أراد الجانب الآخر استمرار الحرب الجمركية، ستقاتل الصين حتى النهاية؛ إذا أراد التفاوض، ستفتح الصين الباب على مصراعيه، مشيرا إلى أنه في كلا الحالتين، لن تغير الصين عزيمتها على حماية مصالحها التنموية، ولن تغير موقفها وهدفها المتمثل في الدفاع عن العدالة والإنصاف الدوليين والحفاظ على النظام الاقتصادي والتجاري الدولي. 

وطالب متحدث السفارة الصينية بالقاهرة بأن يقوم الحوار على أساس الاحترام المتبادل والتشاور المتساوي والمنفعة المتبادلة، قائلا: "إذا أراد الجانب الأمريكي حل المشاكل عبر التفاوض، يجب عليه إظهار النية الصادقة وتصحيح تصرفاته الخاطئة، وبذل جهود مشتركة مع الصين لمعالجة انشغالات الجانبين عبر التشاور المتساوي. إذا لا تتطابق أفعاله بأقواله، أو حاول استخدام المفاوضات كغطاء لمواصلة التهديد والابتزاز، لن تتراجع الصين بأي حال من الأحوال، ولن تسعى للتوصل إلى أي صفقة على حساب المبادئ الأساسية والعدالة والإنصاف الدوليين".

واختتم متحدث السفارة الصينية البيان بأنه: “مهما تغيرت الأوضاع الدولية، ستلتزم الصين بثبات بتوسيع الانفتاح، وستواصل الجهود لصون نظام التجارة متعددة الأطراف المتمحور حول منظمة التجارة العالمية، ومشاركة فرص التنمية مع جميع دول العالم”، مؤكدا أن الصين تحرص على العمل سويا مع مصر وغيرها من الدول العربية، على تعميق التعاون متبادل المنفعة وتعزيز التواصل والتنسيق، والتصدي للحمائية الأحادية وتصرفات الهيمنة والتنمر، والحفاظ على التجارة الحرة والتعددية، وتعزيز العولمة الاقتصادية القائمة على الشمول والمنفعة للجميع.
 

طباعة شارك متحدث السفارة الصينية بالقاهرة الصين الولايات المتحدة

مقالات مشابهة

  • انتهاء المحادثات الأميركية الصينية بشأن الرسوم الجمركية
  • الصين تعلّق على محادثاتها التجارية مع الولايات المتحدة
  • محادثات صينية-أميركية في جنيف لمحاولة احتواء الحرب التجارية
  • أين وصلت المفاوضات بين بكين وواشنطن؟ السفارة الصينية بالقاهرة تجيب
  • بدء المحادثات التجارية الأميركية الصينية في جنيف
  • انطلاق المحادثات التجارية الصينية الأمريكية في جنيف
  • الولايات المتحدة والصين تجريان أول محادثات تجارية في سويسرا
  • مباحثات تجارية أمريكية صينية غدًا في سويسرا.. وترامب يقترح خفض الرسوم 80%
  • ترامب يعلّق على المفاوضات التجارية المرتقبة مع الصين