سعد المواسم: لن تنالوا منهم حتى تُقصفوا الشمس أو تشربوا النيل!
قلنا يا سعد المواسم
عودك المليان جسارة
عودك الفجر المصادم
بالبصيرات والبصارى
مستحيل يرضخ “يساوم”
مهما كان الريح حصارًا
يفضل النخل البقاوم
في السقوط نخل الفقارى
“محمد الحسن سالم حميد”
مذ أن كتب الله للنيل أن يشق أخدوده في راسخ إفريقيا، قاطعًا بنصله المتدفق الدرع العربي النوبي، تقبع في أسفله مستحاثات المقاومة، لمجتمعات أقدم في وجودها من رمال وقباب ملح، لم يكن حظها في هذا العالم إلا التبعية الخبيثة.

تَلثم في الصباح نخلات هرمة دروب العابرين في سلم الخلق، من خطوا بخيولهم درب الباشا الكبير الذي يوصل ديار المقاتلين والمقاتلات بطرق التجارة القديمة التي تنقل خراج الأرض إلى السوق العالمي، حينها لم يكن الرجل الأبيض قد فكر في استرقاق المحيط أو غزو السافانا.
بعد آلاف الأعوام، وبمجهودات كضفائر البنات اللائي يخترقن رمضاء الخيران من أجل تعليم يرفعن به أعمدة البيت ليكون مَروقًا، وسواعد الآباء الذين انحنتهم ظهورهم وهم يغرسون فيهن قيمة الحياة.

لم تكن حرب الرابع عشر من عقود هذه الأرض إلا دالة على تحولات السوق العالمية التي تتوسع أطماعها كلما تطورت رأسماليتها، في مشهد يشبه سرطان الرئة، لربما كان سؤال الترابلة مفتوحًا لرأس الدويلة: “اشمعنى نحن وليش؟” أو حتى لتتار العصر: “لو كنت أنت أنا؟” في سؤال الضحية والجلاد.
لربما لم تكن أدوات الصراع هذه قد قُدّمت في مدرجات المعاهد، ما بين قمصان الكتان وتنانير البنات الأكاديميات اللائي تفوح منهن البرافانات المستوردة، وتعكس قصاصات الشعر الأفرنجية إضاءة المسرح. ولكن من يفلح الأرض ويتدثر “بعِرَاقي الدمورية” يكتفي من أرضه، يحمد ربه على شروق الشمس وجريان النيل، لا بد أن تكون القضية “واقعة ليهو”، مثل ما يقوم “بتوقيع الأرض” لينبت البرسيم، هنيئًا تأكله خرافه، لا يسأل البحر عن سلاسل الإمداد.

جاءت الخديوية على بوارج البخار، ومن ثم الإنجليز على ظهور القطارات التي تشق صحراء بيوضة من أجل حكم السودان الإنجليزي، ظهرت المقاومة “بالبصارة والبصيرة”، لا يريدون سوى أن يمتلكوا خراج أرضهم.

بالرغم من توسع السوق، وتطورات أودية السليكون في فنون استغلالها، واستجلاب التبعية من خلال الوقود الذي يحكم العالم والطاقة التي تجبر الشعوب على الركوع، ظهرت في هذه الرواسخ طين المقاومة، وصلصال العزة.

قصف البرابرة الجدد، وبؤر الاستتباع محطات الطاقة والوقود في محاولة من أجل تجويع الأهل، خصوصًا وأن موسم القمح قد كان في أوجه، وخراج الأرض من الفول والخضروات في قمته، رأيتُ كيف تموت السنابل، تجف زهرة البرسيم لتكون دلالة الفاقة والفقر.

لم يلبث شهر أو اثنين إلا وقف النخل من جديد شاهدًا على البصارى، حيث نهض الترابلة لثورة الشمس، قاموا بتحميل الألواح على جذوع النخل وصخور الرفعة ليضخوا ماء القوة في رحم الأرض لتبت لهم قوت عزتهم، لربما لم تشاهد “بت عجاج” كيف ينقذ لوح شمسي مدرسة أو شفخانة، أو ينير لأمونة بت الشيخ حمد دفاترها التي تحملها على حين غفلة من الزمن إلى مدرستها التي شيدت بسواعد الرجال الذين ينبتون مثل حقول البرتقال، خُضر لا تهين الريح أنوفهم، يعرفون الله ويعرفهم من فوق سماءه، إذا ما دعوه استجاب لهم.

هؤلاء الذين يحاربهم الشيطان رفيق الرأسمالية المتوحشة التي تهلك النسل والغرس، تريدهم أقنانًا في حقول السليكون، لن تنال منهم مسيرات أو غيرها، فأمام هذه البصيرة إما أن تشربوا النيل أو تقصفوا الشمس.

حسان الناصر

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

الدونيون وإفرازات رواسبهم الدونية

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

البعض وليس الكل في العراق، وبخاصة اولئك الذين وقع عليهم الظلم منذ العصر الأموي وحتى عصرنا الدموي، والذين ترسخت في نفوسهم وفي عقولهم وفي قلوبهم رواسب وتراكمات عقدة الدونية. .
لا فرق هنا بين المتعلم وغير المتعلم. وبين الكبير والصغير، وبين ابن الشيخ وابن الفلاح، وبين الغني والفقير. فالدونية لها خصائصها اللعينة القريبة جدا من خصائص الفيروسات المدمرة. .
خذ على سبيل المثال القرى المنسية خلف حافات الأرياف البعيدة، كانوا حتى وقت قريب يجدون متعة كبيرة عندما يهدون منتجاتهم الحقلية إلى بيوت مدراء الناحية، أو بيت القائمقام. من دون ان يطلب منهم السركال او الاقطاعي. ذلك لانهم يشعرون ان تلك الممارسات الموروثة تعد من الطقوس التي لا مناص من مزاولتها. والأغرب من ذلك انهم يرون ان كوكب الارض سوف ينحرف عن مساره، ويخرج من مداره، وتنقلب الدنيا إذا جاءهم مدير او قائمقام منهم، وربما يرون انه يوم مشؤوم عليهم، فما بالك إذا اصبح منهم الوزير والسفير ؟، فهي عندهم بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلاله بالنار. .
والأغرب من ذلك كله ان قادة العراق في العصر الحديث (1932 – 2025) جُبلوا على ممارسة الاستعلاء، فكان من الطبيعي ان يتكبروا ويتبطروا على ابناء القرى والأرياف. .
وردت في مذكرات وزير المعارف العراقي في الحقبة الملكية (ساطع الحصري) عبارة تذهل العقول. يقول فيها: لم انم ليلي عندما طلبوا مني تأسيس معهد المعلمين لابناء الجنوب في مدينة الناصرية، وتأسيس معهد آخر للمعلمين في الموصل. .
يقول (والكلام هنا للحصري): ان ابناء الجنوب وابناء الشمال لا ينبغي ان ينالوا فرصتهم من التعليم العالي. ذلك لأن واجباتهم مقتصرة على توفير محاصيل الصيف ومحاصيل الشتاء للعاصمة بغداد وضواحيها. .
حتى عندما اصبح (محمد شياع السوداني) رئيسا للوزراء ظلوا يطلقون عليه لقب: (الشروگي) ذلك لأنهم يرون ان منصب رئيس الجمهورية، ومنصب رئيس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، لابد ان يُجيّر حصريا لابناء كوكب المريخ، حتى مقاعد الوزراء والنواب يراها البعض لا تليق إلا لأبناء الطبقات البورجوازية المتنعمة بالخيرات. .
لقد وجدت نفسي مضطرا لكتابة هذه المقالة للرد على تعليقات استفزازية كتبها رجل متعلم ضد وزير اسبق ومتقاعد من مدينته، من الذين عملوا معه، كتبها بعد مضي ثمان سنوات على مغادرة ذلك الوزير، الذي جاء من بعده ثلاثة وزراء من المحافظات البعيدة. ذلك لأن تلك التعليقات كانت معبئة بسموم عقدة الدونية، فهو لا يستطيع انتقاد الوزراء الحاليين الذين جاءوا من خارج بيئته، ولا يمتلك الشجاعة للمساس بهم، لكن نزعته الدونية هي التي دفعته لتسديد الطعنات الموجعة لابن مدينته. . (لا كرامة لنبي في قومه). .
كلمة اخيرة: يعتقد الدونيون أنهم يؤذوننا ويدمرون أعصابنا بمواقفهم. لكنهم لا يعلمون أننا مررنا بالجحيم دون أن نفقد إبتسامتنا يوماً. .

د. كمال فتاح حيدر

مقالات مشابهة

  • تعرف على إجمالي الأسرى الذين تمكنت إسرائيل من استعادتهم من غزة
  • دورا مدينة التلال الكنعانية التي لا تنحني.. حكاية الأرض والمقاومة والتجذر الفلسطيني
  • سماء سلطنة عُمان تشهد بقعة شمسية تعادل حجم الأرض 11 مرة
  • حجمها أكبر من الأرض بـ11 مرة.. “الفلك العُمانية” ترصد أضخم بقعة شمسية بسماء السلطنة
  • بوتين يشيد بجنود كوريا الشمالية الذين قاتلوا مع روسيا
  • الدونيون وإفرازات رواسبهم الدونية
  • رصد أضخم بقعة شمسية لعام ٢٠٢٥ في سماء سلطنة عُمان
  • 20 ألف ريال غرامة لحاملي تأشيرات الزيارة الذين يحاولون دخول مكة والمشاعر المقدسة
  • أسيرة إسرائيلية سابقة تتحدث عن الأيام التي عاشتها في غزة فوق وتحت الأرض