بقلم : فرهاد علاء الدين ..

أعادَ الجدل المتجدد حول اتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت إلى الواجهة أحد أكثر المواضيع حساسية في الوعي العراقي، حيث اختلطت الحقائق القانونية بالمواقف السياسية والشعبية، ما أدى إلى تشويش واسع حول حقيقة الاتفاقية، وطبيعتها القانونية، وأبعادها السيادية. فهل تنازل العراق عن خور عبد الله؟ هل «باع» المسؤولون خور عبد الله؟ وهل الاتفاقية فرضت عليه قسراً؟ وما الموقف القانوني السليم من منظور السيادة الوطنية والقانون الدولي؟

وخور عبد الله هو ممر مائي يقع في أقصى شمال الخليج العربي، ويفصل شبه جزيرة الفاو العراقية عن جزيرة بوبيان الكويتية.

ومنذ ترسيم الحدود بين العراق والكويت بعد حرب الخليج الثانية، ظل هذا الخور محل نقاش قانوني وسياسي بين البلدين.

بعد اجتياح العراق للكويت عام 1990، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 687 لعام 1991، الذي شكّل الأساس القانوني لإخراج العراق من الكويت ووضعه تحت طائلة عقوبات دولية. تبعه القرار 773 لعام 1992، الذي دعم عمل لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت، ثم القرار 833 لعام 1993، الذي أقر رسمياً نتائج اللجنة، واعتبر ترسيم الحدود بين البلدين نهائياً وملزماً للطرفين. شمل هذا الترسيم المياه الإقليمية بما فيها خور عبد الله، الذي اعتُبر بموجب القرار منطقة حدودية مشتركة، لا تخضع لسيادة كاملة لأي من الطرفين، بل يتعين تنظيم استخدامها عبر اتفاق مشترك.

ولم يقتصر الاعتراف بقرارات مجلس الأمن على الصعيد الدولي فحسب، بل تم تكريسه محلياً أيضاً. ففي الخامس من مارس (آذار) 1991 أصدر مجلس قيادة الثورة المنحل قراراً رقم 55، وأخذ بنظر الاعتبار قرار المجلس الوطني الذي اتخذ في الجلسة الخاصة يوم 20 مارس 1991، وبعد ذلك عاد مجلس قيادة الثورة المنحل في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1994، ليصدر قراراً رسمياً نصّ في البند الثاني منه على ما يلي:

«امتثالاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 833 (1993)، تعترف جمهورية العراق بالحدود الدولية بين جمهورية العراق ودولة الكويت كما رسمتها لجنة الأمم المتحدة لترسيم الحدود بين العراق والكويت المشكّلة بموجب الفقرة 3 من القرار 687 (1991)، وتحترم الحدود المذكورة».

يشكّل هذا القرار الداخلي التزاماً صريحاً وموثقاً من الدولة العراقية بقبول نتائج ترسيم الحدود، وهو التزام لا يزال قائماً من الناحية القانونية.

واستناداً إلى قرارات مجلس الأمن، دخل العراق والكويت في مفاوضات لترسيم حدود المياه الإقليمية وتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، وانتهت هذه المفاوضات إلى توقيع اتفاقية عام 2012 بعنوان «الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله». وقد صادق عليها البرلمان العراقي في عام 2013 بالقانون رقم (42) لسنة 2013.

الاتفاقية لا تتضمن أي تنازل عن السيادة العراقية، بل تنظم الملاحة المشتركة في الخور لضمان حرية الوصول إلى المواني العراقية، خصوصاً ميناء أم قصر من الجانب العراقي. كما تنص على وضع قواعد لعبور السفن وإنشاء ممرات ملاحية آمنة دون المساس بالسيادة أو الحقوق الثابتة لأي من الطرفين.

في عام 2023، قضت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية قانون المصادقة على الاتفاقية لوجود خلل إجرائي في آلية التصويت داخل البرلمان، وليس بسبب مضمون الاتفاقية ذاته. هذا القرار أثار موجة من التأويلات السياسية والإعلامية، حيث اعتبره البعض إلغاء للاتفاقية وانتصاراً للسيادة، بينما فسّره آخرون كإجراء قانوني شكلي لا يؤثر على التزام العراق الدولي.

من الناحية القانونية، فإن الاتفاقيات الدولية لا تُلغى من طرف واحد دون اتخاذ خطوات رسمية تنسجم مع اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، وهو ما لم يحدث. كما أن أي محاولة لإلغاء اتفاق أُبرم على أساس قرارات ملزمة من مجلس الأمن قد تضع العراق في مواجهة قانونية ودبلوماسية غير محسوبة العواقب.

وفي ضوء هذه المعطيات، فإن الموقف القانوني العراقي السليم يستند إلى الاعتراف بالواقع الدولي والقرارات الأممية الصادرة بموجب الفصل السابع، ولا سيما القرار 833. فالعراق ملزم بهذه القرارات التي وافق عليها رسمياً في عام 1994 وبعد عام 2003، ولا يمكنه الانسحاب منها أو التراجع عنها من جانب واحد، دون أن يخلّ بالتزاماته الدولية.

لكن هذا لا يعني القبول الأعمى، بل يحق للعراق، انطلاقاً من مبدأ السيادة المتوازنة، أن يعمل على حماية مصالحه البحرية، من خلال مراجعة بعض تفاصيل الاتفاقيات بالطرق الدبلوماسية، وتطوير قدراته البحرية والمينائية، لا سيما في الفاو وأم قصر، بحيث لا يكون بحاجة إلى المواجهة بل إلى التمكين.

إن مقاربة العراق لهذا الملف الحساس لا يمكن أن تُفصل عن السياق العام الذي يعيشه البلد اليوم. فالعراق يشهد مرحلة استقرار سياسي واقتصادي متنامٍ، تتزامن مع انفتاح واسع على محيطه العربي والإقليمي. وقد أصبحت علاقاته مع جميع الدول العربية، بلا استثناء، علاقات أخوية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بعد سنوات من التوترات والعزلة.

وتستعد بغداد لاحتضان القمة العربية القادمة، في مؤشر على استعادة العراق لمكانته الطبيعية بين أشقائه العرب، وثقة القادة العرب بقدرته على لعب دور إيجابي ومتوازن في ملفات المنطقة. وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في أكثر من مناسبة على «التزام العراق بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومبادئ القانون الدولي، والتفاهمات المشتركة وحسن الجوار»، وهي رسالة واضحة بأن العراق ماضٍ في تعزيز دوره من موقع الدولة المسؤولة، لا الدولة المنفعلة.

هذه السياسة تنطلق من فلسفة واضحة تعتمد على مبدأ «العراق أولاً»، وتركّز على بناء شراكات تقوم على السيادة والاحترام والتكامل، وتضع الكويت ودول الجوار في مقدمة الأولويات. وفي هذا الإطار، فإن التعامل مع ملف خور عبد الله يجب أن يكون انعكاساً لهذه الروح الجديدة: روح الشراكة لا المواجهة، والواقعية لا الشعبوية. العراق اليوم لا يحتاج إلى صراعات قانونية أو لغوية، بل إلى موقف سيادي ناضج يوازن بين احترام التزاماته الدولية، وحماية مصالحه الوطنية، وتكريس حضوره القوي كركيزة للاستقرار في الخليج والمنطقة.

user

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات بین العراق والکویت ترسیم الحدود بین خور عبد الله مجلس الأمن

إقرأ أيضاً:

مجلس النواب يوافق على اتفاقية التعاون بين دول حوض المتوسط

كتب- نشأت علي:

وافق مجلس النواب، خلال جلسته العامة اليوم الأحد، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، على قرار رئيس الجمهورية، بشأن الاتفاق التمويلي الخاص بالبرنامج الإقليمي للتعاون عبر حدود دول حوض البحر المتوسط "INTERREG NEXT MED" للأعوام 2027- 2021.

ويهدف البرنامج الذي يموله الاتحاد الأوروبي، وفقًا لتقرير اللجنة، إلى تعزيز التنمية الذكية والمستدامة في دول حوض المتوسط؛ من خلال دعم مشروعات تعالج التحديات المشتركة في مجالات منها السياحة المستدامة والتراث الثقافي والتحول الرقمي.

وجاء في تقرير اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، أنه وفقًا للاتفاق فإن البرنامج يضم 15 دولة؛ منها 7 دول من الاتحاد الأوروبي: اليونان، إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، قبرص، مالطا، البرتغال، و6 دول متوسطية شريكة؛ هي: مصر، الجزائر، تونس، لبنان، فلسطين، الأردن، إسرائيل، تركيا.

وقالت اللجنة، في تقريرها الذي يناقشه مجلس النواب في جلسته العامة غدًا: وبموجب الاتفاق فإن القيمة الإجمالية للبرنامج تبلغ 292.3 مليون يورو، ويصل إجمالي مساهمة الاتحاد الأوروبي إلى 263.1 مليون يورو كمنحة بنسبة تصل إلى 89% من التكلفة، بينما تتحمل الدول المشاركة نسبة 11%؛ بحيث يصل إجمالي مساهمتهم إلى 29 مليون يورو.

وأكد تقرير اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، عن الاتفاقية، أنه سيتم تمويل 26 مشروعًا في مصر، تشمل محافظات مثل القاهرة والإسكندرية ودمياط وبورسعيد.

وأوضح التقرير، الذي أعدته لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، أنه من المقرر أن يتم إطلاق 4 دعوات للمشاركة في البرنامج، تركز على: الابتكار، الانتقال الأخضر، التكامل الاجتماعي، وتحسين الحوكمة. ويشترط أن تضم كل شركة مشاركة في المشروعات 4 دول على الأقل؛ منها دولتان من الاتحاد الأوروبي.

وأكدت اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، أن هذا الاتفاق يعكس جهود مصر المستمرة لتعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق التنمية الشاملة، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030.

اقرأ أيضًا:

مفاجأة.. قانون العمل الجديد يتيح فصل العاملة بعد إجازة الوضع في هذه الحالة

نقيب الصحفيين يخاطب رئيس "النواب" لحذف عقوبة الحبس في النشر بقانون الفتوى

الحرارة تسجل 40 درجة.. نصائح مهمة من الأرصاد للمواطنين

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

مجلس النواب دول حوض المتوسط الدكتور حنفي جبالي

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان

أخبار

مجلس النواب يوافق على اتفاقية التعاون بين دول حوض المتوسط

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

البنزين المغشوش.. البترول: 2000 جنيه للمتضرر من تلف الطرمبة لكن بشرط 870 شكوى.. البترول تعلن نتائج تحاليل "البنزين المغشوش" على مستوى الجمهورية 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • السوداني يثمن جهود صندوق النقد الدولي في دعم العراق ومؤسساته المالية والنقدية
  • «صناع القرار الدولي».. كاتب سياسي يوضح دلائل زيارة ترامب للمملكة
  • مدير الأحوال المدنية يؤكد الالتزام بمكافحة الفساد وتحسين جودة الخدمات
  • مجلس النواب يوافق على اتفاقية التعاون بين دول حوض المتوسط
  • نائب يدعو إلى إلغاء اتفاقية خور عبد الله الباطلة
  • خور عبد الله: بين الجغرافيا والسيادة والخذلان السياسي
  • لتطوير وتنمية الكوادر البشرية الوطنية.. “التدريب التقني” توقع 186 اتفاقية مع عدد من الجهات الحكومية والخاصة خلال 2024
  • ونيس: نرفض التوطين والإدماج.. والسيادة الوطنية خط أحمر
  • نائب يدعو رشيد والسوداني إلى حماية السيادة والعراق ليس للبيع