عقد الجامع الأزهر اليوم، الاثنين، الملتقى الفقهي الثامن عشر بعنوان «رؤية معاصرة»، وذلك تحت عنوان: ‏‏«فقه التداوي بين الشرع والطب»، برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ‏وبتوجيهات من فضيلة أ.د محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف. 

واستضاف اللقاء كلًّا من د. أحمد ‏ربيع، أستاذ أصول اللغة ووكيل كلية اللغة العربية للدراسات العليا سابقًا بجامعة الأزهر، ود.

إسلام شوقي ‏عبد العزيز، أستاذ ورئيس قسم أمراض القلب بكلية الطب جامعة الأزهر بالقاهرة، وأداره الشيخ أحمد ‏الطباخ، مدير المكتب الفني بالجامع الأزهر، وذلك عقب صلاة المغرب بالظلة العثمانية.‏

ملتقى الأزهر يناقش إيجابيات وسلبيات شبكات التواصل الاجتماعي.. غدارسالة الأنبياء مستمرة.. سلامة داود: الأزهر حامل لواء الإصلاح في العالممفتي الجمهورية: الأزهر مصدر رائد في صناعة المجدّدين والمصلحينالبحوث الإسلامية يشارك في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأزهر وصناعة المصلحين

قال د. أحمد ربيع، أستاذ أصول اللغة، إنَّ الناظر في سلوك النبي ﷺ وتعاملاته يجدها تعاملات راقية ‏واعية، تتلمس موطن الداء، ثم تشخص له الدواء، مستنيرةً بنور الوحي، ومستلهمةً من هدي الله تعالى الذي ‏علّمه لنبيّه الكريم ﷺ. وقد سمعنا تلاوةً مباركة من كتاب الله، فيها قوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ ‏شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾، وهي آية تؤكد أن للقرآن الكريم وظيفة علاجية روحية، تتكرر الإشارة إليها في ‏مواطن متعددة، منها قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء﴾.‏

وأضاف فضيلته أنَّ القرآن الكريم يُعامل بوصفه وسيلة من وسائل الشفاء، والنبي ﷺ نفسه تعامل معه على ‏هذا النحو، يعلمنا بذلك أن الله تعالى هو الشافي الحقيقي، وأن الطب وغيره من الوسائل إنما هي أسباب ‏مأذون بها شرعًا للوصول إلى الشفاء، قال تعالى على لسان نبي الله إبراهيم: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾، ‏فالنبي ﷺ كان إذا أتاه مريض، رقاه وقال: «اللَّهُمَّ ربَّ الناس، أذهب البأس، واشفِ أنتَ الشافي، لا شفاءَ إلا ‏شفاؤك، شفاءً لا يُغادِرُ سقمًا».‏

وأشار د. ربيع إلى أن الطبيب ما هو إلا وسيلة سخّرها الله ليدلّ بها على الدواء، لكن الشفاء في حقيقته من ‏عند الله وحده. وقد ورد إلى النبي ﷺ مرضى فقرأ عليهم ودعا لهم، كما في قصة المرأة التي كانت تُصرع ‏فينكشف جسدها، فطلبت منه ﷺ أن يدعو الله لها، فخيّرها بين الصبر ولها الجنة، أو الدعاء بالشفاء، ‏فقالت: بل ادعُ الله ألا أتكشف، فدعا لها بذلك. 

وختم د. ربيع حديثه بالتنويه بدور علماء المسلمين في ‏الطب، كابن سينا وابن النفيس وغيرهم، الذين أسهموا في النهضة الطبية، وكانت كتبهم تُدرّس في أوروبا ‏قرونًا، مشيرًا إلى أن الأزهر الشريف لا يزال يحمل هذا الإرث في خدمة العلم والإنسانية.‏

من جانبه، قال الدكتور إسلام شوقي إن التداوي أمرٌ عظيم الشأن، بل هو في غاية الأهمية، لأنّه يمسّ ‏صميم الإنسان، ويتعلق بصحّته وحياته. والتداوي كما بيّن أهل العلم: هو استعمال ما يكون به الشفاء بإذن ‏الله تعالى، من علاجٍ أو دواءٍ أو رُقًى شرعية، أو اجتنابٍ لبعض الأطعمة، أو تناولٍ لأخرى، أو علاجٍ ‏طبيعيٍّ كرياضةٍ أو نحوها. فكلّ ذلك يندرج تحت مفهوم التداوي المشروع. وهناك حديث أصيل في هذا ‏الباب، وهو ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «ما أنزلَ اللهُ داءً إلّا جعلَ ‏له شفاء»، وفي رواية مسلم عن جابر: «فإذا أصابَ الدواءُ الداءَ، برأ بإذن الله»، وزاد النبي ﷺ في الحديث: ‏‏«علِمَه من علِمَه، وجهِله من جهِله».‏

وأضاف أستاذ ورئيس قسم أمراض القلب بالأزهر أنه قد ورد في «صحيح أبي داود» من حديث أُسامة بن ‏شريك رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «تَداوَوا؛ فإنَّ اللهَ عزّ وجلّ لم يضعْ داءً، إلّا وضع له دواء، إلّا ‏الهرَم»، أي التقدُّم في السن. وهذا يُبيِّن أن كل داءٍ له دواء، وأنه لا يُستثنى من ذلك إلا الشيخوخة؛ فإنها ‏أمرٌ طبيعيٌّ جارٍ بقدر الله، لا يُعالج ولا يُرد. وفي هذا الحديث دعوةٌ واضحة إلى عدم الاستسلام للمرض، ‏بل السعي في طلب الشفاء، فإنّ الطبّ والرُقية والدواء كلُّها أسباب مأذونٌ بها شرعًا.‏

وأشار د. إسلام إلى أن بعض الناس ـــ قديمًا وحديثًا ـــ يُعارضون التداوي بدعوى أنّ المرض من قَدَر الله، وأنّ ‏ترك العلاج هو تسليمٌ ورضًا بالقضاء! وهذا فهمٌ فاسد، فإنّ النبي ﷺ ردّ على مثل هذا الفهم حين سُئل عن ‏الرقى والدواء والتوقّي من المرض: هل يردّ ذلك من قدر الله شيئًا؟ فقال ﷺ كما في حديث ابن أبي خزامة ‏عن أبيه: «هي من قدر الله». فما أعظم هذا الجواب، وما أفقهه! الدواء من قَدَر الله، كما أنّ المرض من ‏قَدَر الله، والسعي في دفع البلاء لا يُنافي الرضا، بل هو من كمال التوكل.‏

وفي ختام هذا الملتقى المبارك، أشار الدكتور أحمد الطباخ، مدير المكتب الفني بالجامع الأزهر، إلى أنّ ملتقى اليوم يجسّد بحقّ رسالة الأزهر ‏في العناية بالإنسان جسدًا وروحًا، وأنّ الشريعة الإسلامية ما جاءت إلا لصيانة الإنسان وتهذيب فطرته ‏وتوجيهه إلى سبل الخير والرشاد. 

وأكّد أنّ ما طُرح من رؤى فقهية وطبية أصيلة إنما هو لبنة في ‏بناء وعيٍ رشيد، يُحسن التعامل مع السنن الكونية، ويستمسك بجوهر التوكل مع تمام الأخذ بالأسباب، ‏داعيًا إلى دوام مثل هذه اللقاءات التي تربط العلم الشرعي بالواقع، وتحفظ للإنسان كرامته في كل أحواله.‏

طباعة شارك الجامع الأزهر الأزهر الملتقى الفقهي ملتقى الجامع الأزهر

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الجامع الأزهر الأزهر الملتقى الفقهي ملتقى الجامع الأزهر الجامع الأزهر النبی ﷺ إلى أن ر الله

إقرأ أيضاً:

ملتقى المرأة بالأزهر يكشف دور الشباب في مواجهة التحديات بالمدينة المنورة

أوضحت الدكتورة هبة عوف، أستاذة التفسير بجامعة الأزهر، أن مرحلة الشباب تعتبر من أخصب مراحل العمر، حيث تُعدّ فترة العطاء والإبداع، فالشباب هم الثروة الثمينة التي لا تعوض، وهم تاج الأمة وعزتها، بصلاحهم تنمو الأمة وتزدهر، كما أنهم حلقة الوصل بين الماضي والمستقبل، لذا كان النبي حريصًا على الشباب، حيث أظهر لهم عناية خاصة، ومنحهم دورًا مهمًا في الدعوة، كما يتضح من أحداث الهجرة النبوية.

بـ 5 ندوات.. البحوث الإسلامية يختتم أسبوع الدعوة التاسع بالجامع الأزهرخطيب الجامع الأزهر: الصدق أقوى سلاح في يد المؤمنين لمواجهة أعدائهم

وأضافت أستاذة التفسير بجامعة الأزهر، خلال الندوة الأسبوعية من البرامج الموجهة للمرأة، والتي عقدت بعنوان "دور الشباب في مواجهة التحديات المجتمعبة في المدينة المنورة": إن تحصين الشباب واجبٌ ضروري، وتفريطنا في ذلك يعد مرفوضًا؛ لأن الشباب هم قادة المستقبل، وإذا أردنا تقييم وضع أي أمة، فعلينا النظر إلى شبابها؛ فإذا كانوا مؤمنين بالله، مقتدين برسول الله، ساعين وراء الأخلاق؛ فإن لهذه الأمة مستقبلًا مشرقًا، أما إذا انغمس الشباب في الشهوات بعيدًا عن الإيمان؛ فإن الأمة تكون في وضع مُفلس.

وتجسد مدرسة الهجرة دور الشباب في الإسلام بشكل واضح، فمثلاً كان سيدنا علي رضي الله عنه يرد الودائع في مكة وهو شاب، ولم يخشَ لوم اللائمين، ومن الشباب أيضًا عبد الله بن أبي بكر، الذي لعب دورًا مهمًا كعميل مخابرات للرسول ﷺ، حيث كان ينقل الأخبار ليلاً إلى النبي ﷺ في الغار.

أما عامر بن فهيرة، فهو الشاب الذي كان يرعى غنم أبي بكر- رضي الله عنه-، فقد أسهم بشكل كبير في الهجرة، حيث كان يسوق الغنم ليخفي آثار عبد الله بن أبي بكر أثناء ذهابه وعودته من الغار.

كما ساهمت النساء الشابات في الهجرة، حيث أثبتت السيدة عائشة رضي الله عنها وأختها أسماء، أن المرأة عنصر فعال في المجتمع، حيث ساعدتا في تجهيز الرسول وأبو بكر رضي الله عنهما للرحيل، وكذا مصعب بن عمير، الذي حمل الإسلام إلى المدينة المنورة بعد بيعة العقبة، كان دون الثلاثين من عمره، ومع ذلك كان له دورا بارزا في نشر الدعوة.

كما ساهم الشباب بعد الهجرة في بناء المسجد، ونجاح المؤاخاة، وازدهار المدينة اقتصاديًا، كما فعل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

ومن جهتها، بينت الدكتورة دينا سامي، مدرس التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، أن مرحلة الشباب تُعتبر من أفضل مراحل العمر، فالشباب عماد هذه الأمة وعدة مستقبلها، وهم الدم الحار المتدفق في عروق المجتمع، مما يبعث فيه القوة والحياة.

وأضافت: لقد تميز شباب الإسلام الأول بكمال الإيمان وصدق العقيدة وقوة الشخصية، حيث لم تشهد الإنسانية في عهودها المختلفة جيلاً من أجيالها اتصف بالمثالية كما شهدت الجيل الذي رباه النبي.

وواصلت: عندما هاجر النبي إلى المدينة شحذ همم الشباب وجدد طاقاتهم وأسند لكل شاب العمل الذي يتناسب مع إمكانياته ومواهبه، فمنهم من كان بارعًا في التجارة مثل سيدنا عبد الرحمن بن عوف، ومنهم من كان متقنًا للتعلم مثل سيدنا زيد بن ثابت، الذي أتقن السريانية، بناءً على طلب النبي، كما أرسل النبي مصعب بن عمير إلى المدينة وهو في السابعة عشرة من عمره، وبعد عام سأله: "ماذا فعل الله بك يا مصعب؟"؛ ليجيب: "ما تركت فيهم بيتًا إلا ودخله نور الإسلام".

وتابعت مدرس التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، أن النبي ﷺ كان يشجع الشباب من خلال منحهم ألقابًا تحفيزية ، مثل "أبو حفص" لعمر رضي الله عنه يوم بدر، و"طلحة الجواد" لطلحة بن عبيد الله في غزوة حنين، كما كان يثق فيهم ويدفع إليهم أخطر المهام، مثل منح اللواء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في سن العشرين، وزيد بن ثابت في نفس العمر، وأسامة بن زيد الذي قاد جيشًا وفيه كبار المهاجرين والأنصار وهو في السابعة عشرة، واليوم نحن بحاجة ماسة إلى ثقافة جديدة تستند إلى منظومة قيم تاريخية وثوابت فكرية راسخة، يجب أن ندخر طاقاتنا وثرواتنا لشبابنا، فصناعة الرجال تُعتبر من أكبر الصناعات الثقيلة، ورغم تكلفتها الباهظة، فإن مردودها الاجتماعي والإنساني يعود بالفائدة على المجتمعات والأوطان.

وذكرت د. حياة العيسوي، الباحثة بالجامع الأزهر، أنه عندما هاجر النبي ﷺ وأصحابه إلى المدينة المنورة، واجهوا تحديات كبيرة ومتعددة ، وكان للشباب دور فعال في مواجهة هذه التحديات وبناء المجتمع الإسلامي، وتجلت تضحيات الشباب في حرصهم على حماية النبي ﷺ، مثل موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي نام في فراش النبي ليلة الهجرة ؛ ليخدع المشركين ويسمح للنبي ﷺ بالخروج بأمان، رغم علمه بخطورة هذا الفعل، كما قام الشباب بمهام حساسة، مثل : عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه، الذي كان يتتبع أخبار قريش في مكة ليلاً ويخبر النبي ﷺ وصاحبه أبي بكر بمخططات المشركين، وكان الشباب يتمتعون بالذكاء والفطنة ؛ إذ استطاعوا جمع الأخبار بدقة وحنكة.

وأضافت الباحثة بالجامع الأزهر: علاوة على ذلك، لعب الشباب دورًا في إدارة الموارد المتاحة، مثل عامر بن فهيرة رضي الله عنه ، الذي كان يرعى الأغنام ليخفي آثار أقدام النبي وصاحبه ويقدم لهما اللبن ، كما كان الشباب سبّاقين في الدعوة إلى الإسلام، مثل مصعب بن عمير رضي الله عنه، الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وشارك بفاعلية في تعليم الدين.

وأوضحت أنه بالإضافة إلى ذلك، كان أغلب جنود المسلمين في الغزوات من الشباب، حيث تميزوا بالحماسة والقوة للدفاع عن المدينة، مثل علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة رضي الله عنهما، ومنهم من ساهم أيضًا في بناء المسجد النبوي وأداء مهام مختلفة تخدم المجتمع.

واختتمت حديثه: باختصار، كان الشباب في المدينة المنورة بعد الهجرة هم القوة المحركة التي ساهمت في مواجهة التحديات، سواء كانت أمنية أو اجتماعية أو اقتصادية، وذلك بفضل شجاعتهم وحكمتهم وحماسهم وتفانيهم في خدمة الإسلام.

طباعة شارك التفسير الأزهر الشباب الإسلام القرآن

مقالات مشابهة

  • الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: بر الوالدين يثمر سعادةً في الدنيا، وأجرًا عظيمًا في الآخرة
  • العمل الصالح طريق السعادة.. ندوة توعوية لخريجي الأزهر بكفر العرب بكفر الزيات
  • ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: سيظل ما نعلمه عن خلق الإنسان أقل بكثير مما هو موجود في القرآن
  • دعاء الحر.. ردده الآن ليخفف الله عنك الموجة الحارة
  • ملتقى المرأة بالأزهر يكشف دور الشباب في مواجهة التحديات بالمدينة المنورة
  • تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا في أب وأم لقتلهما ابنتهما بمكة المكرمة
  • بسبب بوست به إيحاءات خارجة للنائبات المستقيلات.. أستاذ طب المنصورة يواجه هذه العقوبة
  • هل يجب على الزوجة طاعة زوجها حتى إذا لم يكن مسئولا؟.. انتبهن
  • حكم تشغيل القرآن الكريم وعدم الاستماع إليه.. الإفتاء تجيب
  • رئيس جامعة الأزهر يوضح إعجاز قرآني في ليبلونكم الله بشيء من الصيد