بنك الإسكان العُماني يوافق على أكثر من 2000 قرض إسكاني
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
العُمانية/ وافق بنك الإسكان العُماني خلال النصف الأول من عام 2023 على أكثر من 2000 قرض إسكاني بقيمة تجاوزت 86 مليون ريال عُماني، توزعت على مختلف محافظات سلطنة عُمان، تعزيزا لأدوار البنك التي يقوم بها في توفير التمويل الإسكاني للأشخاص المستحقين.
وبلغ عدد القروض الإسكانية الموافق عليها في محافظة مسقط 502 قرض، وفي صلالة 92 قرضا، أما في صحار فقد بلغ عدد القروض الموافق عليها 276 قرضا، و115 قرضا في ولاية صور، بالإضافة إلى 267 قرضا في فرع نزوى، و17 قرضا في فرع خصب، في حين شهد فرع الرستاق النسبة الأعلى من حيث عدد القروض الموافق عليها بواقع 515 قرضا، أما فرع البريمي فقد اُعتمدت موافقات 147 قرضا، و89 قرضا في فرع إبراء.
وقال موسى بن مسعود الجديدي الرئيس التنفيذي لبنك الإسكان العُماني إن التنمية العمرانية تعتبر القالب المكاني الذي تصب فيه برامج التنمية بمختلف مجالاتها، وإن نمو القطاع الإسكاني في سلطنة عُمان يمثل إحدى الركائز المهمة في نجاح الإستراتيجيات الوطنية، حيث تـم تطويـر معاييـر تخطيطيـة حديثـة لتوجيـه التنميـة العمرانيـة للعقـود القادمـة بمـا يضمـن تحقيـق رؤيـة وأهــداف التنميــة المســتدامة وتطويــر مجتمعــات وأماكــن ذات جــودة عاليــة انطلاقا من محاور رؤية عُمان 2040".
وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية أن الحكومة دأبت على توفير العيش الكريم لمختلف شرائح المجتمع يتناسب مع معطيات العصر، وشكل القطاع الإسكاني في سلطنة عُمان إحدى أولوياتها.
وأشار في هذا الصدد إلى أن الإحصاءات توضح أن إجمالــي القــروض المُدعمــة التــي قدمهــا البنــك للمواطنيــن منــذ تأسيســه فـي عـام 1977م حتى نهاية عام 2022م على مسـتوى فروع البنك المنتشـرة في مختلف محافظــات وولايــات سلطنة عمان بلغ أكثر من 52 ألف قرض بقيمــة إجمالية تزيـد على (1.4) مليار ريـال عُمانـي.
وأكد على أن بنك الإسكان العُماني يعمل في الوقت الحالي على برنامج وطني، سيسهم في حلحلة طلبات القروض الإسكانية، وتقليص سنوات الانتظار في قوائم البنك، وستسهم هذه الخطوة في توفير الخيارات التمويلية وتقليص سنوات الانتظار.
وقال موسى بن مسعود الجديدي إن ذلك يأتي تعزيزا لدور بنك الإسكان العُماني فــي تســريع وتيــرة عجلــة التعميــر فــي ســلطنة عُمــان، وأتمتة الطلبات بما يتناسب مع تطلعات المواطنين وفقا لاستحقاق الدور، بالإضافة إلى تلبية توقعات المواطنين وفهم احتياجاتهم في الحصول على التمويلات الإسكانية المدعمة.
يذكر أن بنك الإسكان العُماني يؤدي أدوارا تنموية في مد شرايين خدماته إلى مختلف محافظات وولايات سلطنة عُمان من خلال تقديم التمويلات الإسكانية المدعمة انعكاسا لتوجيهات الحكومة، بما يسهم في التنمية الاقتصادية، وخاصة للعُمانيين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، محققا تطلعات المساهمين ومهتما بتنمية رأس المال البشري من خلال أعمال مصرفية ذات كفاءة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ع مانی
إقرأ أيضاً:
حضور متجذر في الوجدان العُماني وذاكرة العزلة الروحية
نزوى - أحمد بن عبدالله الكندي
تقف مساجد العُبّاد كشواهد حية على عمق التاريخ الإسلامي والمعماري الذي ميّز مدينة نزوى العريقة؛ فهي ليست مجرد أبنية طينية بسيطة تتوزع بين الجبال والشعاب والمقابر، بل هي فضاءات روحانية كانت تحتضن المتأملين في صفاء الليل، حيث يجتمع فيها السكون والتأمل والخلوة بالله.
اليوم نفتح نافذة على هذا التراث الفريد الذي يُجسّد جانبًا من العمق الديني والثقافي لعُمان، من خلال الحديث عن مساجد العُبّاد في الولاية ونسبر أغوارها وتاريخها، حيث يتحدّث الباحث المتخصص في التراث العُماني محمد بن عبدالله بن سعيد السيفي متطرّقًا إلى تاريخها ودلالاتها الروحية والمعمارية، وأهميتها في الحفاظ على هُوية المكان وصلته بماضيه المجيد.
يقول السيفي: «من الظواهر الجميلة في مجتمعنا العُماني ظاهرة مساجد العُبّاد، وهي ظاهرة قديمة تمتد لمئات السنين؛ لا نملك تاريخًا دقيقًا لتأسيسها أو أسماء من أنشأها، شأنها شأن كثير من معالمنا القديمة التي لم تُدوّن تفاصيلها، لكن وجودها المتكرر في مناطق متعددة من عُمان يؤكد عمقها في الذاكرة الدينية للمجتمع».
ويضيف: «إن هذه المساجد سُمّيت بهذا الاسم لأنها كانت ملاذًا للعُبّاد والزاهدين الذين آثروا الخلوة للعبادة وتهذيب النفس، إذ يجتمع فيها معنى الانقطاع عن الناس ومحاسبة الذات وطلب الصفاء الروحي، إلى جانب القيام بأعمال تعبّدية أو علمية كنسخ الكتب وقراءة القرآن ولقاء الإخوان في الله؛ ويشير إلى أن هذا النمط من المساجد يعكس جانبًا من روح التدين العُماني المتوازن الذي يجمع بين العلم والعبادة، وبين عمارة الأرض ومراقبة النفس، وهو ما جعلها محببة لدى الناس، رغم بساطتها وصغر حجمها».
ويرى السيفي أن لمساجد العُبّاد أثرًا نفسيًا وتاريخيًا بالغ العمق في المجتمع المحلي، إذ إنها تمثل صلة بين الأجيال، وتروي حكاية الإنسان العُماني في علاقته مع ربه ومع نفسه؛ ويقول: «تاريخ هذه المساجد يتحدث عن تمسّك العُمانيين بدينهم، وعن تلك الصلة الصادقة التي تربطهم بالله، وعن نزوع بعضهم للعزلة والتأمل ومحاسبة النفس، وهي قيم لا تزال راسخة في الوجدان رغم تغيّر أنماط الحياة».
ويؤكد أن بقاء هذه المساجد إلى اليوم، رغم تقادم الزمن، دليل على قوة الذاكرة المجتمعية التي لا تنسى جذورها الروحية؛ فهي تُذكّر الزائر بحياة كان فيها الإيمان والبساطة وجهين لحقيقة واحدة، وتدعوه للتفكر في المعاني الكبرى التي قامت عليها الحياة في نزوى عبر قرون.
بساطة الشكل وعمق الدلالة
وعن الطابع المعماري لمساجد العُبّاد، يوضح الباحث أنها صغيرة الحجم، بسيطة البناء، خالية من الزخارف والمآذن، وغالبًا ما تقع في أماكن نائية بعيدة عن مراكز المدن ومناطق الكثافة السكانية؛ ويقول: نلحظ أن كثيرًا من هذه المساجد يرتبط وجودها بالمقابر، فحيثما نجد مسجدًا للعُبّاد نجد القبور متناثرة حوله أو تحته، كما هو الحال في مساجد العُبّاد بمقبرة الأئمة في نزوى، ومساجد العُبّاد بالشرجة من محلة سعال، ومساجد العُبّاد في بهلا؛ وهذا الارتباط بين المسجد والمقبرة يعمّق الإحساس بالزهد والتذكير بالمآل والآخرة.
ويضيف: إن بساطة هذه المساجد ليست ضعفًا في العمارة، بل اختيار واعٍ يعكس جوهرها الروحي، إذ لا مكان فيها للمظاهر أو الزخارف، بل هي فضاء للخشوع والخلوة والسكينة؛ ويشير إلى أن مواد البناء المستخدمة كانت من البيئة نفسها: الطين والحجر المحلي وسعف النخيل وجذوع الأشجار، مما يجعلها منسجمة تمامًا مع طبيعة المكان وروحه.
جهود في الترميم وصون الذاكرة
ويؤكد السيفي أن هناك محاولات جادة للحفاظ على هذا التراث، حيث قامت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بترميم عدد من مساجد العُبّاد بمقبرة الأئمة في نزوى، بعد سنوات من الإهمال والتراجع في الاهتمام بها.
ويقول: «لقد كان هناك من يرى أن هذه المساجد لم تعد ذات قيمة وأنها مهجورة، لكننا كنا نؤكد أن ترميمها ليس ترفًا، بل هو حفاظ على جزء من تاريخ عُمان وهويتها الدينية والمعمارية؛ فحين تنهدم هذه المساجد يضيع معها جزء من ذاكرة الوطن».
ويضيف: إن هذه المساجد ليست مباني عادية، بل تحف معمارية على رؤوس الجبال والتلال، تُذكّر المارّ بتاريخ الأجداد ومآثرهم، وأن كل جدار فيها يحكي قصة عبادة وصبر وعزلة خاشعة؛ ولهذا ندعو إلى الإسراع في ترميم مساجد العُبّاد بالشرجة ومسجد حارة السبيل بالحذفة والمساجد المنتشرة في الجبال والوديان، التي تأثرت بتقادم الزمن دون عناية كافية.
أوقاف تحتاج إلى إحياء
ويكشف الباحث أن هذه المساجد كانت تمتلك أوقافًا كثيرة من الأراضي والمياه، تُستخدم مواردها لصيانتها ولإحياء المناسبات الدينية فيها، مثل قراءة القرآن وتقديم وجبات «الهجور» و«السحور» في ليالي العبادة؛ لكنه يأسف لتراجع هذه الممارسات الجميلة مع مرور الوقت بسبب ضعف تفعيل الأوقاف وقلة المترددين على المساجد.
ويقول: «يمكن إعادة الحياة لهذه المساجد بتنظيم أنشطة دورية، ولو مرة كل أسبوعين أو في الشهر، لإحياء المناسبات الدينية والاجتماعية التي كانت مرتبطة بها؛ فذلك يعيد التواصل بين الناس وماضيهم، ويجعل الأجيال الجديدة تدرك قيمتها».
وجهة روحية وسياحية
أما عن إمكانية تحويل هذه المساجد إلى وجهات ثقافية وسياحية، فيرى السيفي أن ذلك ممكن ومفيد، شريطة الحفاظ على حرمة المكان واحترام قدسيته؛ ويقول: «الزيارة لهذه المساجد يمكن أن تكون تجربة روحية وتاريخية في آنٍ واحد، شرط الاحتشام واحترام المقابر المجاورة؛ ويمكن للمؤسسات الأكاديمية والجامعات تنظيم رحلات علمية إليها لتعريف الطلبة بهذا الإرث الديني والمعماري الذي يجمع بين الأصالة والسكينة». ويشير إلى أن هذه المبادرات يمكن أن تسهم في ربط السياحة بالثقافة، وإبراز الوجه الروحي لنزوى، المدينة التي كانت عبر التاريخ منارة للعلم والدين والإنسان.
نداء للحفاظ والإحياء
يختتم السيفي حديثه برسالة محبة ووعي قائلًا: «مساجد العُبّاد ليست حجارة صامتة، بل ذاكرة ناطقة تروي قصة الإنسان العُماني في خلوته وتأمله وسعيه إلى الله؛ إنها جزء من هُويتنا الدينية والوطنية، وعلينا جميعًا -مؤسسات وأفرادًا- أن نرعاها ونوثقها ونحيي رسالتها». وسعيًا للتعريف بهذه المساجد والحفاظ على هُويتها ومكانتها يقوم الآن الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان السابعي بدراسة موسعة عن مساجد العُبّاد استقصى الكثير من مكنوناتها، وعسى أن يرى كتابه النور قريبًا لتستفيد منه الأجيال.
ترميم 4 مساجد
وكانت إدارة الأوقاف والشؤون الدينية قد باشرت منذ فترة ترميم أربعة مساجد من المساجد الموجودة بمقبرة الأئمة بنزوى، وهي: مسجد الطائر، ومسجد الطنانيف، ومسجد القبة، ومسجد الجامع، حيث تمت إعادة تهيئة المساجد وبناء مكان للوضوء ودورة مياه، وجاء ترميمها من دخل أوقافها؛ حيث تمتلك أصولًا وقفية متنوعة بين الأراضي الزراعية والمزارع والنخيل المتفرقة والأراضي التجارية، وتم ترميمها وفق الطابع التراثي من ناحية المواد المستخدمة والأدوات التي تحتاجها، وكذلك المحافظة على الهيكل الموجود حاليًا وصيانته وفق الطابع المعماري التراثي الذي يحافظ على عراقته وقدمه.
ختامًا تبقى مساجد العُبّاد في نزوى شاهدة على تفاعل الإنسان مع المكان، وعلى أن روح عُمانية لم تنقطع عن عبادة الله والتأمل في خلقه رغم تعاقب الأزمنة؛ إنها نوافذ مفتوحة على تاريخ ناصع من الصفاء والتقوى، تروي حكاية البساطة التي اتحد فيها الطين بالحكمة، والمكان بالإيمان. وفي زمن تتسارع فيه خطى التحديث، تظل هذه المساجد تُذكّرنا بأهمية التوازن بين الأصالة والمعاصرة، وبين العمران المادي والروحي. فهي ليست أثرًا صامتًا، بل رسالة حيّة تدعونا إلى صون التراث، وإحياء قيم الخلوة والمحاسبة والتقرب إلى الله، حتى تبقى نزوى واحة للروح والعلم كما كانت عبر التاريخ.