تسعى الجزائر إلى تعزيز جهودها في مكافحة الجريمة والفساد من خلال تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن المجرمين، عبر تقديم مكافآت مالية وتحفيزات، إلى جانب ضمان الحماية القانونية للمبلغين. وقد لاقت هذه الخطوة ترحيبا واسعا من المواطنين الذين عبّروا عن دعمهم للفكرة.

وفي هذا السياق، وفي إطار محاربة الجرائم، خصوصا المرتبطة بالمخدرات، ناقشت لجنة الشؤون القانونية والإدارية بالمجلس الشعبي الوطني مشروع تعديل القانون رقم 04-18.

يهدف التعديل إلى تخصيص مكافآت مالية للأشخاص الذين يُدلون بمعلومات دقيقة تُسهم في تفكيك شبكات ترويج المخدرات أو توقيف المتورطين فيها. وتُصرف هذه المكافآت بعد التحقق من صحة المعلومات واستكمال التحقيقات، وفق ما أكده وزير العدل لطفي بوجمعة مؤخرا.

الحماية القانونية للمبلغين

أدخل المشرع الجزائري تعديلات على قانون الإجراءات الجزائية لتوسيع دائرة الحماية القانونية لتشمل المبلغين عن الجرائم. تشمل هذه التدابير إخفاء هوية المبلغ، توفير حماية جسدية له ولعائلته، وتقديم مساعدات مالية أو اجتماعية. كما يُمنع خضوع المبلغ للمساءلة في حال إفشاء سر المهنة أثناء التبليغ ولقي المشروع استحسان المواطنين الذين اعتبروه خطوة جريئة.

إعلان التحديات في التطبيق العملي

رغم وجود هذه التشريعات، فإن الواقع يُظهر صعوبات كبيرة في تنفيذها على أرض الميدان. إذ تكشف تقارير عن أن العديد من المبلغين لا يحظون بالحماية الفعلية، مما يعرّضهم لخطر الانتقام أو المضايقات، لا سيما في قضايا الفساد. وقد واجه بعضهم ملاحقات قضائية أو تم فصلهم من وظائفهم نتيجة لكشفهم عن مخالفات.

ثقافة التبليغ في المجتمع الجزائري

تُعد ثقافة التبليغ عن الجرائم في الجزائر محدودة، إذ يفضل كثير من المواطنين التزام الصمت خشية التعرض للانتقام أو لعدم ثقتهم في فعالية آليات الحماية المتوفرة. وتشير تقارير إلى أن بعض المبلغين اضطروا إلى التراجع عن أقوالهم أمام القضاء بسبب الضغوط أو التهديدات التي تعرضوا لها.

وفي تصريح لموقع الجزيرة نت، أوضح المحلل السياسي وأستاذ القانون موسى بودهان أن الحكومة تستعد فعليًا لتفعيل هذا المسار، وهي تعمل حاليًا بالتعاون مع البرلمان على تمرير نص قانوني يندرج في إطار الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، ومكافحة الاتجار غير المشروع بها واستخدامها. وأشار إلى أن هذا النص القانوني يعود إلى سنة 2004، بموجب القانون رقم 04-18، وقد تم تعديله سنة 2023 بموجب القانون 23-05.

وأضاف بودهان: "نحن ننتظر مناقشة النص والمصادقة عليه من طرف مجلس الأمة، بعد أن صادق عليه المجلس الشعبي الوطني مؤخرا، في نهاية الأسبوع الماضي، مما يعني أن هذا التشريع بلغ مراحله النهائية وأصبح شبه مكتمل".

أما بخصوص منح مكافآت مالية وحماية للمبلغين، فأكد أن هذا الإجراء يشمل مختلف أنواع الجرائم، بما فيها الفساد، تبييض الأموال، تمويل الإرهاب، عصابات الأحياء، تهريب البشر، والاتجار بالبشر، إلى جانب الجرائم المتعلقة بالمخدرات والمؤثرات العقلية، والتي يُنتظر أن يُعتمد قانونها الجديد قريبا.

شدد المتحدث على أن المواطنين ملزمون قانونا بالتبليغ عن الجرائم، مؤكدا أن المشرّع الجزائري نص في قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية على عقوبات صارمة بحق كل من يمتنع عن الإبلاغ عن الجرائم، مهما كان نوعها. وتزداد خطورة الأمر عندما يتعلق بجرائم مثل المخدرات والمؤثرات العقلية، لما لها من تأثيرات كارثية على المجتمع، والاقتصاد، والصحة العامة، وأمن الدولة واستقرارها.

إعلان

وأضاف أن التبليغ عن الجرائم مؤطر قانونيا من خلال عدة نصوص سارية المفعول، أبرزها القانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، والقانون 05-01 المتعلق بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب الأمر 05-06 الخاص بمكافحة التهريب، وغيرها من القوانين ذات الصلة.

وأشار إلى أن من المفترض ألا يكون دافع المبلغ عن الفساد أو الجرائم الأخرى هو الحصول على مكافأة مالية أو تحفيز مادي، بل أن ينطلق من وعيه الوطني وشعوره بالمسؤولية، أداء لواجبه كما يتمسك بحقوقه. فالمواطنة، كما قال، لا تقتصر على الحقوق فقط، بل تشمل أيضا الواجبات. فبينما تضمن الدستور أكثر من 44 مادة تكرّس الحقوق (من المادة 34 إلى المادة 77)، فقد خصصت المواد من 78 إلى 83 للواجبات، ولا سيما المواد 79، 80، و83.

وأكد المتحدث: "علينا جميعا أن نتحمل مسؤوليتنا في حماية مجتمعنا واقتصادنا والدولة، والعمل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار بكل أشكاله. وهذا واجب ديني وأخلاقي، كما جاء في الحديث النبوي الشريف: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

وشدد على ضرورة تفعيل مفهوم المواطنة بمضمونه الكامل، الذي يجمع بين التمتع بالحقوق وأداء الواجبات. ومن هذا المنطلق، يرى أن المطلوب ليس منح مكافآت للمبلّغين، بل توفير حماية قانونية حقيقية لهم. وأشار إلى أن الهيئة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، برئاسة الأستاذة سليمة مصراتي، تعمل حاليًا على إعداد مشروع قانون يهدف إلى حماية المبلّغين عن الفساد وسائر الجرائم.

وأضاف: "نثمّن هذه المبادرة ونعتبرها خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، ونؤكد أن التبليغ ينبغي أن يكون نابعا من حس وطني وأخلاقي، وليس بدافع انتظار مقابل مادي. فإذا ربطنا أداء الواجبات الدستورية بالحوافز المالية، فقد يؤدي ذلك إلى فتور في الإقبال، وإلى اختلال في منظومة القيم. فالمادة ليست الغاية، بل تبقى الأخلاق والوعي والالتزام الوطني هي الأسس التي يجب أن يُبنى عليها السلوك العام".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات مکافآت مالیة عن الجرائم إلى أن

إقرأ أيضاً:

«طرق الأبواب» في أرمنت: حملة توعوية مكثفة لمكافحة الإدمان بالأقصر

أطلق صندوق مكافحة وعلاج الإدمان بالتعاون مع وحدة حماية الطفل حملة "طرق الأبواب" بقرى الرياينة والسلام بمدينة أرمنت جنوب الأقصر، في إطار جهود مكافحة الإدمان وتعزيز الوعي المجتمعي.

تهدف الحملة إلى تسليط الضوء على المخاطر الجسيمة للإدمان، والتعريف بالخدمات التي يقدمها الخط الساخن للصندوق (16023).

شملت الحملة لقاءات مباشرة مع المواطنين في شوارع القريتين، حيث تم تنظيم ندوات توعوية حول عدد من العادات الخاطئة، مثل الإفراط في تناول بعض الأدوية المسكنة التي تحتوي على مواد مخدرة.

ركزت الحملة على كيفية اكتشاف علامات تعاطي المواد المخدرة لدى أفراد الأسرة، سواء كانت أعراضًا ظاهرية كاحمرار العين المستمر، عدم الاتزان، قلة الاستيعاب واللامبالاة، أو تغيرات سلوكية مثل الانفعالات الشديدة، الغضب، الهدوء، أو الانطواء، وتم توضيح كيفية التواصل الفعال مع الخط الساخن لتلقي المساعدة والدعم.

لاقت المبادرة قبولًا واسعًا وإشادة كبيرة من أهالي القرى التي زارتها الحملة. وعبر المواطنون عن ترحيبهم بهذه اللقاءات التوعوية، مؤكدين على أثرها الإيجابي في توعية الشباب والمجتمع بشكل عام، وطالبوا بتكرارها بشكل دوري لتعميق الوعي بمخاطر الإدمان.

أشرف على تنفيذ المبادرة نجوى إبراهيم مدني، مديرة الوحدة العامة لحماية الطفل بالمحافظة، وهبة سيد، نائب رئيس وحدة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، وفاطمة علي وإسراء أحمد، مدربات التنمية الحياتية بصندوق مكافحة وعلاج الإدمان، وعزة علي، مدير وحدة حماية الطفل بمركز أرمنت.

تأتي هذه الحملة في إطار التعاون المستمر بين وحدة حماية الطفل وصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي بمحافظة الأقصر، وتحت رعاية المهندس عبد المطلب عمارة، محافظ الأقصر، وبالتنسيق مع الوحدة المحلية لمركز ومدينة أرمنت برئاسة العميد أحمد الهواري.

مقالات مشابهة

  • "النخيل والتمور": برامج متخصصة لمكافحة أخطر 6 آفات حشرية
  • لمكافحة داء الكَلب.. مبادرة محلية تتطلب تعاون البلديات
  • من ليبيا إلى فرنسا.. تدريب عالمي يعزز صمود النيابة العامة ضد الجرائم المالية
  • «وزير الإسكان»: لن نسمح باستمرار إقامة المواطنين في عقارات غير آمنة وسلامة الأرواح من أولويات الدولة.. فيديو
  • رؤية تستحق التمعن ( قانون الجرائم الإلكترونية )
  • «طرق الأبواب» في أرمنت: حملة توعوية مكثفة لمكافحة الإدمان بالأقصر
  • ألمانيا تتفاوض لإعادة المجرمين السوريين والأفغان إلى بلادهم
  • الخمر المغشوش.. سمّ يباع على قارعة الفساد
  • تعويضات المواطنين المتضررين من الحرب تقوم مسؤولية الدولة بموجب القانون الدولي
  • قيمة الريال من قيمة الشرعية