ثنائية الدين والدولة بين التصادم والتعايش المستدام
تاريخ النشر: 20th, May 2025 GMT
بقلم: محسن عصفور الشمري ..
في المجتمعات ذات الجذور الدينية العميقة، يصبح سؤال العلاقة بين الدين والدولة أحد أكثر الأسئلة إلحاحًا. بين من يدعو إلى الفصل التام باسم العلمانية، ومن يريد إخضاع الدولة للدين باسم الشريعة، تتأرجح النماذج السياسية دون الوصول إلى توازن مستقر.
هذه الورقة تقترح تصورًا ثالثًا يقوم على تعايش مستدام بين الدين والدولة، يضمن احترام الدين دون تسييسه، ويصون الدولة دون تأليـهها، من خلال بنية معرفية ومؤسسية يقودها “الراسخون في العلم”.
أولًا: من العلمانية التصادمية إلى العلمانية المتصالحة.
العلمانية التي نشأت في الغرب كرد فعل على تسلط الكنيسة، حينما تُنقل إلى مجتمعاتنا دون تكيّف مع السياق الثقافي والديني، تُنتج توترًا مزمنًا بين الدولة والمجتمع.
هذه العلمانية التصادمية تضع الدين في خانة التهديد، وتقابل حضورَه بالإقصاء، مما يخلق فراغًا أخلاقيًا ويفتح المجال أمام التطرف.
بالمقابل، العلمانية المتصالحة مع الدين لا تلغي الإيمان من المجال العام، بل تنظم العلاقة بين المؤسسات الدينية والمدنية على نحو يضمن التعددية، ويمنع تسييس الدين أو تدين الدولة. إنها توازن بين حرية الاعتقاد، وسيادة القانون، واستقلال المؤسسات.
ثانيًا:العداء للدين وقوده الاستبداد والتطرف.
العداء الإيديولوجي للدين، كما مارسته بعض التيارات الشيوعية واليسارية الراديكالية، لم يُنتج تحريرًا بقدر ما أنتج استبدادًا مضاعفًا.
وقد أظهرت التجربة أن تلك التيارات، رغم خطابها الحداثي، دخلت في تحالفات تكتيكية مع الأحزاب الإسلامية المتطرفة، سنية كانت أم شيعية، انطلاقًا من تشابه عميق في:
• المشرب الفكري: الاشتراكية الراديكالية، وما تحمله من نزعة تأميمية تُقابلها عند الإسلاميين نزعة شمولية باسم “الحاكمية”.
• طريق الوصول إلى السلطة: العنف والترهيب والإقصاء.
• منهج الإدارة: القمع والاستبداد، ومنع التعدد والاختلاف.
هذا التشابه يكشف أن العداء الظاهري بين هذه التيارات ليس اختلافًا في المبادئ، بل تنافسًا على أدوات السيطرة.
ثالثًا: التعايش المستدام من خلال “الراسخين في العلم”
التأسيس لتعايش حقيقي بين الدين والدولة لا يتم عبر حلول وسط هشة، بل من خلال بنية معرفية مؤسسية، تضم فريقًا متعدد التخصصات يُعرف بـ”الراسخين في العلم”، يجمع بين:
• علماء وفلاسفة ومفكرين يمثلون مختلف مجالات المعرفة: الدينية، العلمية، الفلسفية، الاجتماعية، والسياسية.
• فقهاء مجتهدين يتحررون من الانتماء الطائفي ويتجهون نحو تجديد متوازن للخطاب الديني.
• شخصيات تنفيذية ذات خبرة لا تقل عن ثلاثين عامًا في الإدارة العامة، تمتاز بالكفاءة والنزاهة والقدرة على العمل ضمن منظومة شورية.
هذا الفريق يعمل على تأسيس مرجعية معرفية لا تمارس سلطة تنفيذية أو دينية، بل تقدم الرأي والمشورة العلمية، بعيدًا عن منطق الاحتكار أو التفويض المطلق.
ولا يُمنح أي فرد أو تيار في هذا الفريق حق النقض أو الهيمنة على الآخرين، بل يتم اختيار رئيسه من أصحاب الخبرة العميقة في شؤون الدولة، وفق معايير صارمة وليس بالتوافق السياسي.
خاتمة
إن بناء توازن مستدام بين الدين والدولة لا يتحقق بالشعارات، ولا بفرض نموذج أحادي، بل يتطلب تأسيس عقد معرفي ومؤسسي جديد، يتجاوز ثنائية التصادم، ويؤسس لثنائية تعايش طويلة الأمد.
بهذا التوازن، يمكن للدين أن يلعب دوره في ترسيخ القيم دون أن يتحول إلى أداة استبداد، ويمكن للدولة أن تحكم بالقانون والعقل دون أن تقع في العداء لهوية الناس وإيمانهم.
البديل عن هذا التعايش هو الاستقطاب، والتطرف، وتكرار دورات الفشل، وهو ما لم يعد التاريخ ولا الشعوب تحتمله.
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات بین الدین والدولة
إقرأ أيضاً:
وزير البترول من قلب سندبسط: عمر أبوزيد شهيد الواجب.. والدولة لن تنسى أبناءها
قال المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، خلال مشاركته في عزاء الشهيد عمر محمد أبوزيد، بقرية سندبسط التابعة لمركز زفتى بمحافظة الغربية، إن ما حدث يمثل فاجعة مؤلمة للقطاع بأكمله، مؤكدًا أن الفقيد كان يؤدي واجبه بكل تفانٍ وشرف، وأن الدولة لن تنسى أبناءها الذين يُضحون بحياتهم في مواقع العمل.
عزاء وزير البترولوأوضح الوزير في تصريحاته أمام المعزيين بسندبسط: "نشهد اليوم وداع أحد فرسان العمل، شاب شريف خرج من قريته يحمل أحلامه على كتفيه، وذهب ليخدم بلده في البحر الأحمر، لم يكن يعلم أن القدر سيكتبه في سجل الشهداء، عمرو وزملاؤه شهداء واجب حقيقيون".
تضحيات الوطنوتابع الوزير: "قطاع البترول يضم رجالًا يعملون في أصعب البيئات، وفي مواقع لا يصلها الضوء إلا بهم، يتحدّون المخاطر ليبقى هذا الوطن صامدًا ومنتجًا، والحادث الأخير مؤلم للجميع، ونحن نتحرك على أعلى مستوى لمتابعة أسبابه وتفاصيله الدقيقة.
وأكد الوزير، أن الدولة تولي ملف السلامة المهنية أقصى درجات الاهتمام، وقال: "وجهت بتشكيل لجنة فنية عليا تضم متخصصين وخبراء بحريين لمراجعة إجراءات تأمين المعدات المتحركة ووسائل النقل البحري، والتحقيق في ظروف الحادث لحماية أبنائنا وضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي".
دعم كوادر المستقبلوأضاف بدوي: "وزارة البترول بكامل قياداتها ستبقى إلى جوار أسر الضحايا، وستقدم الدعم اللازم، سواء من خلال الرعاية الاجتماعية أو التعويضات اللائقة، لأن هؤلاء الشهداء لا يمكن أن يُنسوا، وأدوارهم تظل محفورة في ذاكرة الوطن".
انقلاب وغرق الحفار البحري "إد مارين 12"وكانت كارثة بحرية قد وقعت الثلاثاء الماضي، بعد انقلاب وغرق الحفار البحري "إد مارين 12" التابع لإحدى شركات خدمات البترول، أثناء سحبه بواسطة قاطرة بحرية إلى موقع جديد بمنطقة جبل الزيت شمال رأس غارب بخليج السويس.
وعلى متن الحفار كان هناك 30 شخصًا من الفنيين والعاملين. أسفرت الواقعة عن وفاة 4 أشخاص، من بينهم الشهيد عمر محمد شعبان شوقي أبوزيد ابن قرية سندبسط، فيما أُصيب 23 آخرون تم نقلهم إلى مستشفيات الغردقة والجونة، ولا تزال فرق الإنقاذ تواصل البحث عن 4 مفقودين حتى صباح اليوم الخميس.
النيابة العامة تفتح تحقيقًا موسعًاوفتحت النيابة العامة تحقيقًا موسعًا، بالتنسيق مع الجهات الفنية، للوقوف على ملابسات الحادث وأسباب غرق الحفار، فيما شدد وزير البترول خلال الجنازة على أن التحقيق سيُدار بكل شفافية، وأن سلامة العاملين ستظل أولوية قصوى لا تقبل التهاون.