بقلم: محسن عصفور الشمري ..

في المجتمعات ذات الجذور الدينية العميقة، يصبح سؤال العلاقة بين الدين والدولة أحد أكثر الأسئلة إلحاحًا. بين من يدعو إلى الفصل التام باسم العلمانية، ومن يريد إخضاع الدولة للدين باسم الشريعة، تتأرجح النماذج السياسية دون الوصول إلى توازن مستقر.

هذه الورقة تقترح تصورًا ثالثًا يقوم على تعايش مستدام بين الدين والدولة، يضمن احترام الدين دون تسييسه، ويصون الدولة دون تأليـهها، من خلال بنية معرفية ومؤسسية يقودها “الراسخون في العلم”.


أولًا: من العلمانية التصادمية إلى العلمانية المتصالحة.
العلمانية التي نشأت في الغرب كرد فعل على تسلط الكنيسة، حينما تُنقل إلى مجتمعاتنا دون تكيّف مع السياق الثقافي والديني، تُنتج توترًا مزمنًا بين الدولة والمجتمع.
هذه العلمانية التصادمية تضع الدين في خانة التهديد، وتقابل حضورَه بالإقصاء، مما يخلق فراغًا أخلاقيًا ويفتح المجال أمام التطرف.
بالمقابل، العلمانية المتصالحة مع الدين لا تلغي الإيمان من المجال العام، بل تنظم العلاقة بين المؤسسات الدينية والمدنية على نحو يضمن التعددية، ويمنع تسييس الدين أو تدين الدولة. إنها توازن بين حرية الاعتقاد، وسيادة القانون، واستقلال المؤسسات.

ثانيًا:العداء للدين وقوده الاستبداد والتطرف.
العداء الإيديولوجي للدين، كما مارسته بعض التيارات الشيوعية واليسارية الراديكالية، لم يُنتج تحريرًا بقدر ما أنتج استبدادًا مضاعفًا.
وقد أظهرت التجربة أن تلك التيارات، رغم خطابها الحداثي، دخلت في تحالفات تكتيكية مع الأحزاب الإسلامية المتطرفة، سنية كانت أم شيعية، انطلاقًا من تشابه عميق في:
• المشرب الفكري: الاشتراكية الراديكالية، وما تحمله من نزعة تأميمية تُقابلها عند الإسلاميين نزعة شمولية باسم “الحاكمية”.
• طريق الوصول إلى السلطة: العنف والترهيب والإقصاء.
• منهج الإدارة: القمع والاستبداد، ومنع التعدد والاختلاف.

هذا التشابه يكشف أن العداء الظاهري بين هذه التيارات ليس اختلافًا في المبادئ، بل تنافسًا على أدوات السيطرة.

ثالثًا: التعايش المستدام من خلال “الراسخين في العلم”

التأسيس لتعايش حقيقي بين الدين والدولة لا يتم عبر حلول وسط هشة، بل من خلال بنية معرفية مؤسسية، تضم فريقًا متعدد التخصصات يُعرف بـ”الراسخين في العلم”، يجمع بين:
• علماء وفلاسفة ومفكرين يمثلون مختلف مجالات المعرفة: الدينية، العلمية، الفلسفية، الاجتماعية، والسياسية.
• فقهاء مجتهدين يتحررون من الانتماء الطائفي ويتجهون نحو تجديد متوازن للخطاب الديني.
• شخصيات تنفيذية ذات خبرة لا تقل عن ثلاثين عامًا في الإدارة العامة، تمتاز بالكفاءة والنزاهة والقدرة على العمل ضمن منظومة شورية.

هذا الفريق يعمل على تأسيس مرجعية معرفية لا تمارس سلطة تنفيذية أو دينية، بل تقدم الرأي والمشورة العلمية، بعيدًا عن منطق الاحتكار أو التفويض المطلق.
ولا يُمنح أي فرد أو تيار في هذا الفريق حق النقض أو الهيمنة على الآخرين، بل يتم اختيار رئيسه من أصحاب الخبرة العميقة في شؤون الدولة، وفق معايير صارمة وليس بالتوافق السياسي.

خاتمة
إن بناء توازن مستدام بين الدين والدولة لا يتحقق بالشعارات، ولا بفرض نموذج أحادي، بل يتطلب تأسيس عقد معرفي ومؤسسي جديد، يتجاوز ثنائية التصادم، ويؤسس لثنائية تعايش طويلة الأمد.
بهذا التوازن، يمكن للدين أن يلعب دوره في ترسيخ القيم دون أن يتحول إلى أداة استبداد، ويمكن للدولة أن تحكم بالقانون والعقل دون أن تقع في العداء لهوية الناس وإيمانهم.

البديل عن هذا التعايش هو الاستقطاب، والتطرف، وتكرار دورات الفشل، وهو ما لم يعد التاريخ ولا الشعوب تحتمله.

محسن الشمري

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات بین الدین والدولة

إقرأ أيضاً:

في الجيزة.. ضبط مخالفات فردية والدولة تؤمّن انتظام العملية الانتخابية بالكامل

قالت ريهام فيكتور، مراسلة «إكسترا نيوز» من الجيزة، أن المحافظة تواصل اليوم الثاني على التوالي جولة إعادة انتخابات مجلس النواب 2025 وفقًا لأحكام قضائية، مشيرة إلى أن الجيزة تُعد من أكبر المحافظات من حيث عدد الدوائر الانتخابية، إذ يتم إعادة الانتخابات في 7 دوائر من أصل 12 دائرة انتخابية، موضحة أن الكتلة التصويتية في الجيزة تصل حاليًا إلى 5 ملايين ناخب من أصل أكثر من 6 ملايين يحق لهم التصويت.

سماسرة الانتخابات..ضبط 3 أشخاص يشترون أصوات المواطنين بالأقصر ترامب يشير إلى تفشي الفساد في أوكرانيا ويثير تساؤلات حول الانتخابات عدد اللجان الفرعية في محافظة الجيزة 

وأضافت «فيكتور»، خلال تغطية خاصة عبر فضائية إكسترا نيوز،  أن عدد اللجان الفرعية في محافظة الجيزة يبلغ 571 لجنة، بينما تضم منطقة بولاق الدكرور التي تتواجد فيها 19 لجنة فرعية، مؤكدة أن المنافسة تدور على 17 مقعدًا في المحافظة.

وأشارت إلى أن وزارة الداخلية تعاملت بالأمس مع عدة مخالفات، إذ تم ضبط 7 أشخاص في عدد من الدوائر لحيازتهم مبالغ مالية وبطاقات رقم قومي لاستخدامها في توزيع مبالغ على الناخبين والدعاية الانتخابية، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم.

منذ الأمس لم تُرصد أي معوقات أخرى من قبل الهيئة الوطنية

وأكدت ريهام أنه منذ الأمس لم تُرصد أي معوقات أخرى من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات أو الأجهزة الأمنية، وأن العملية الانتخابية تسير بشكل منتظم ومستقر في مختلف الدوائر، موضحة أن الكثافات حتى اللحظة متوسطة أو بسيطة، وهو أمر معتاد في الساعات الأولى من الصباح خاصة مع انخفاض درجات الحرارة، لكنها أشارت إلى استمرار تصدر النساء للمشهد الانتخابي في بولاق الدكرور منذ فتح اللجان.

مقالات مشابهة

  • العداء السعوديّ المُستمرّ للشعب اليمني
  • مصر تعزز التحول الأخضر بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للعمران والبناء المستدام
  • السعداوي: مهلة أخيرة من البعثة أمام النواب والدولة
  • المفكر عادل نعمان: عذاب القبر ليس من المعلوم من الدين بالضرورة
  • وزير الصناعة يجري محادثات ثنائية مع نظيرته التونسية 
  • سعيود يجري محادثات ثنائية مع نظيره التونسي
  • قلق إسرائيلي من تصاعد دعم الإيطاليين للفلسطينيين وتنامي العداء للاحتلال
  • في الجيزة.. ضبط مخالفات فردية والدولة تؤمّن انتظام العملية الانتخابية بالكامل
  • عبقرية التفكيك.. كيف واجه صلاح الدين الدولة الفاطمية العميقة؟
  • جيل زد... هل يكسر ثنائية الإخوان والدولة العميقة؟