الحرب على المخدرات الرقمية تبدأ من رصدها
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
في عصر تهيمن فيه التكنولوجيا على تفاصيل الحياة اليومية، ظهرت ظاهرة جديدة تُعرف بـ«المخدرات الرقمية»، تعتمد على ما يُسمى بالنغمات الثنائية التي تُبث عبر سماعات الرأس. يدّعي البعض أن لها فوائد في تحسين المزاج والتركيز والنوم، بينما يحذّر آخرون من آثارها النفسية والجسدية الشبيهة بتأثير المواد المخدرة التقليدية.
ما المخدرات الرقمية؟
المخدرات الرقمية هي نوع من المؤثرات العقلية غير التقليدية، تعتمد على ملفات صوتية تُعرف باسم «النغمات الثنائية» (Binaural Beats)، يتم الاستماع إليها عادة باستخدام سماعات الرأس. تهدف هذه النغمات إلى تحفيز الدماغ للوصول إلى حالات ذهنية معينة تشبه تأثير بعض المواد المخدرة التقليدية، مثل النشوة، الاسترخاء العميق، أو حتى الهلوسة، دون الحاجة إلى تعاطي أي مادة كيميائية. تقوم هذه التقنية على تشغيل صوتين بترددين مختلفين قليلًا في كل أذن، مما يؤدي إلى توليد فرق ترددي يسمعه الدماغ كنغمة ثالثة. يُعتقد أن هذا الفرق يمكن أن يؤثر في ترددات موجات الدماغ، ما يؤدي إلى تغييرات في الحالة الذهنية أو النفسية للمستمع. ويتمثل تأثير المخدرات الرقمية في تعديل الترددات الدماغية من خلال تحفيز موجات كهربائية معينة عبر النغمات الثنائية. فعلى سبيل المثال، موجات «دلتا» ترتبط بالنوم العميق، بينما ترتبط موجات «بيتا» بحالة الانتباه واليقظة. بالتالي، يمكن استخدام نوع معين من الترددات الصوتية لتحفيز حالة ذهنية معينة.
تعود جذور استخدام النغمات الثنائية إلى الطب السلوكي، حيث وُظفت ضمن تقنيات علاجية للتخفيف من الأرق والقلق وتحسين الأداء الذهني. إلا أن هذه الترددات، التي تُبث بشكل معين إلى الأذنين، تحولت في بعض الأوساط إلى أدوات تحاكي تأثير المخدرات التقليدية. ويرى مختصون أن هذه الترددات قد تكون سلاحًا ذا حدين؛ فهي تحمل خصائص مفيدة إذا استُخدمت تحت إشراف علمي دقيق، لكنها قد تُحدث ضررًا نفسيًا وجسديًا إذا تم استخدامها بطريقة عشوائية، خاصة مع انتشارها الواسع عبر الإنترنت.
المخدرات الرقمية تعتمد على عاملين أساسيين:
1. ترددات دماغية محددة مثل ألفا وبيتا وثيتا ودلتا، لكل منها تأثير مختلف على حالة الوعي.
2. تشغيل نغمتين بترددين مختلفين في الأذنين باستخدام سماعات رأس خاصة، ما يؤدي إلى توليد تردد وهمي داخل الدماغ.
وبحسب مختصين، فإن غياب أي من هذين العنصرين يُفقد المقطع الصوتي قدرته على التأثير، ولا يُعتبر حينها «مادة رقمية مخدرة».
ورغم عدم وجود مادة تُدخل إلى الجسم، إلا أن هذه النغمات قد تُحدث تأثيرات حقيقية. فعلى الصعيد النفسي، قد تؤدي النغمات الثنائية إلى حالة من النشوة أو الاسترخاء العميق، تشبه في بعض الأحيان تأثيرات المخدرات المعروفة. هذا التأثير يمكن أن يؤدي إلى تعلق نفسي وإدمان سلوكي، حيث يسعى الفرد إلى تكرار التجربة للوصول لنفس الشعور.
أما على الصعيد الجسدي، فإن الاستخدام المتكرر لهذه الترددات قد يؤدي إلى:
· اضطرابات النوم
· تغيرات في النشاط العصبي
· تأثير على الجهاز الهضمي
· توتر عضلي واضح
وتظهر علامات الإدمان من خلال القلق عند الانقطاع عن الاستماع أو الصداع أو تغير المزاج، والحاجة المتزايدة لزيادة التردد أو مدة الاستماع للحصول على الأثر نفسه.
لكن الخطورة تكمن في محاولة استخدام هذه التقنية لمحاكاة حالات ذهنية ناتجة عن تعاطي مواد مخدرة مثل الأفيون أو الكوكايين. وهنا يصبح الأمر مثيرًا للقلق، لا سيما عند استخدامها من قبل المراهقين بحثًا عن التجربة والمتعة، دون إدراك العواقب النفسية أو السلوكية المحتملة.
رصد المخدرات الرقمية
مع صعوبة التمييز بين النغمات العادية وتلك التي تُستخدم كمخدرات رقمية، بدأ الباحثون في تطوير أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد هذه الظاهرة وتحليل الملفات الصوتية. تتناول الورقة البحثية، التي عملتُ عليها، والتي جاءت تحت عنوان «اكتشاف المخدرات الصوتية الرقمية باستخدام التعلم العميق» تحليلًا شاملاً للمخدرات الرقمية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، لا سيما التعلم العميق، لاكتشاف هذا النوع من المؤثرات الصوتية. تستعرض الورقة في البداية الخلفية العلمية المتعلقة بالتغذية الراجعة العصبية (Neurofeedback) كإحدى الوسائل المستخدمة في التحكم بوظائف الدماغ عبر إشارات تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG). وقد أظهرت الدراسات فعاليتها في علاج مجموعة متنوعة من الاضطرابات مثل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، والقلق، والاكتئاب، والإدمان، والأرق. إلا أن فعاليتها على المدى الطويل ما تزال موضع تساؤل، كما أن استخدامها مكلف ويستغرق وقتًا.
كما تطرقت الدراسة إلى تجربة استخدام نبضات ثنائية الأذن (Binaural Beats) بتردد 40 هرتز، ومدى تأثيرها على نشاط الدماغ والذاكرة والحالة العاطفية. وقد بينت التجارب أن الاستماع لهذه النبضات أدى إلى تنشيط مناطق محددة في الدماغ، وتحسين أداء الذاكرة، وتعديل الحالة النفسية لدى المشاركين. وأشارت نتائج أخرى إلى قدرة هذه النبضات على التأثير في الاستجابات العصبية والمعرفية.
أما في الجانب التطبيقي، فقد تم جمع أكثر من 3000 ملف صوتي، صُنفت إلى مواد رقمية مخدرة وغير مخدرة. وتم استخراج السمات الصوتية من هذه الملفات واستخدام نموذج تصنيف «الغابة العشوائية» (Random Forest)، الذي حقق دقة تصنيف وصلت إلى 93%. كما طورت الدراسة تطبيق ويب يُمكّن المستخدمين من اكتشاف الملفات الصوتية التي تحتوي على مخدرات رقمية.
الجزء الأهم من الدراسة يركز على المنهجية المقترحة التي تعتمد على الشبكات العصبية التلافيفية العميقة (DCNN)، باستخدام نموذج Inception MV4. يتكون هذا النموذج من عدة طبقات تلافيفية وتجميعية، صُممت لتحليل صور طيفيات الصوت الناتجة من تحويل الإشارات الصوتية إلى تمثيلات مرئية عبر تقنية التحويل السريع لفورير (STFT). هذا التحويل ضروري لتحويل البيانات الزمنية إلى شكل يمكن للشبكات العصبية معالجته.
لتحقيق نتائج دقيقة، تم إنشاء قاعدة بيانات مكونة من 7000 ملف صوتي، من ضمنها 5000 ملف تحتوي على مخدرات رقمية و1000 ملف أصلي دون تعديل. وتم استخدام تقنيات زيادة البيانات مثل تغيير التردد والتمدد الزمني لزيادة التنوع. إن تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي يكمن في استخلاص الفوارق بين المخدرة وغير المخدرة وتخزن هذه الفوارق في ذاكرة الذكاء الاصطناعي. بعد التدريب تأتي مرحة الاختبار للتحقق من أداء هذه الخوارزميات.
الورقة البحثية، التي جاءت تحت عنوان «اكتشاف المخدرات الصوتية الرقمية باستخدام التعلم العميق»، تستعرض نموذجًا جديدًا يستخدم خوارزميات التعلم العميق لتصنيف وتحليل المقاطع الصوتية الرقمية بهدف تمييز تلك التي يُعتقد أنها تحتوي على خصائص تشبه تأثير المخدرات.
استخدم الباحثون في دراستهم شبكة عصبية عميقة لمعالجة وتحليل الخصائص الطيفية لهذه المقاطع، وذلك بعد تحويلها إلى صور طيفية باستخدام تقنية mel-spectrogram . سلطت الورقة الضوء أيضًا على التحديات التي تواجه تصنيف هذا النوع من الصوتيات، من أبرزها نقص البيانات الموثقة وصعوبة التحقق من تأثيرات هذه المقاطع على السلوك البشري. ومع ذلك، توفر هذه الدراسة إطارًا علميًا قويًا لبدء مراقبة وتحليل هذا النوع من التهديدات الرقمية. وبينما لا تزال الأبحاث العلمية حول التأثير النفسي والعصبي للمخدرات الرقمية محل جدل، إلا أن هذه الدراسة تسهم في تقديم أدوات تقنية يمكن أن تساعد الجهات المختصة في التصدي للانتشار غير المنضبط لهذا المحتوى عبر الإنترنت.
هذه المقاطع الصوتية، التي يُزعم أنها تؤثر على الحالة الذهنية والنفسية للمستمع عبر ترددات تُبث لكل أذن على حدة، أصبحت محل جدل واسع خاصة مع انتشارها عبر الإنترنت بين فئة الشباب. وتُعد هذه الدراسة مساهمة مهمة في مجال تحليل المحتوى الصوتي باستخدام الذكاء الاصطناعي، كما تفتح المجال لتطبيقات مستقبلية في مجال المراقبة الرقمية وحماية الشباب من التأثيرات غير المعروفة لهذه الظاهرة. وقد تم تقديم هذا العمل ضمن فعاليات المؤتمر الدولي IEEE للحوسبة 2024 (ICOCO 2024).
الإحصائيات المتعلقة بالمخدرات الرقمية في سلطنة عُمان لا تزال قليلة جدًا ومحدودة، سواء من حيث الدراسات العلمية أو التقارير الرسمية. هذا النقص في البيانات يُصعّب تقييم حجم انتشار هذه الظاهرة وتأثيرها الفعلي على فئة الشباب أو المجتمع بشكل عام، ويُبرز الحاجة الماسّة إلى إجراء بحوث ميدانية وتحقيقات شاملة لتحديد مدى الوعي والمخاطر المحتملة المرتبطة بالمخدرات الرقمية في البيئة العُمانية.
أهمية الذكاء الاصطناعي في
التصدي للمخدرات الرقمية
تعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي أداة قوية في مواجهة التحديات الرقمية الحديثة، ومنها ظاهرة المخدرات الرقمية. فبدلاً من الاعتماد على الأساليب التقليدية في التوعية أو الحظر، يمكن الاستفادة من أدوات التعلم الآلي في:
1. رصد المحتوى: اكتشاف الترددات الصوتية المشبوهة قبل وصولها للمستخدم.
2. تحليل السلوك: مراقبة سلوك المستخدم عند تعرضه لهذا النوع من الملفات لتحديد المؤشرات الأولية للإدمان.
3. الدعم الأسري والمؤسسي: تقديم تقارير تنبيهية للأهل أو المدارس عند الكشف عن نشاط غير معتاد في الأجهزة.
مع تطور تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، قد تصبح المخدرات الرقمية أكثر تعقيدًا، حيث يمكن دمج الصوت بالصورة أو حتى الروائح الرقمية، ما يزيد من احتمالية التأثير النفسي. كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد ملفات صوتية مخصصة لكل مستخدم قد يؤدي إلى تخصيص «تجربة النشوة الرقمية» بشكل قد يعزز من الإدمان ويصعّب السيطرة عليه.
تُمثل المخدرات الرقمية تحديًا حقيقيًا في العصر الرقمي، حيث تتقاطع التكنولوجيا مع علم النفس والسلوك البشري في منطقة رمادية لم تُدرس بعد بما يكفي. وبينما تبقى الأدلة العلمية على تأثيرها غير حاسمة تمامًا، فإن الحذر مطلوب، خصوصًا عند استخدامها من قبل الفئات العمرية الصغيرة. وتُظهر الدراسة المرفقة أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق يمكن أن يوفر حلولًا فعالة للكشف المبكر عن هذه الظاهرة، ما يسهم في حماية المجتمع من هذه المخاطر .
د. محمد عبدالله الحسيني أكاديمي وباحث في تطوير خوارزميات التعلم العميق الهجين في المجال الطبي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المخدرات الرقمیة هذا النوع من هذه الظاهرة تعتمد على یؤدی إلى یمکن أن أن هذه إلا أن التی ت
إقرأ أيضاً:
الوزير كريم زيدان: أحترم مصطفى لخصم لكن لا يمكن تطبيق أفكار خارجية في المغرب (فيديو)
قال كريم زيدان، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، إنني أحترم مصطفى لخصم، لكن لا يمكن تطبيق أفكار خارجية في المغرب.
وتعليقا على متابعة لخصم في حالة سراح على خلفية شكاية من طرف أربعة مستشارين بمجلس جماعة إيموزار كندر، « تتهمه باختلالات في التدبير »، أكد الوزير زيدان في لقاء نظمته مؤسسة الفقيه التطواني، حول ملفات تهم القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أن دافع لخصم يبقى هو الغيرة على الوطن أولا وأخيرا، وذلك في إشارة للمواقف التي يعبر عنها مؤخرا.
لكن زيدان عضو المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار، عاد ليستدرك أنه حسب قناعته الشخصية، لا يمكن الإتيان بفكرة من الخارج ليتم تطبيقها 100 في المائة بالمغرب، أو العكس.
وشدد وزير الاستثمار، على أن أي فكرة أو تصور أو توجه لا بد له من تكييف، معيبا على لخصم طريقة تدبيره للشأن المحلي، قائلا: « ممكن للخصم أن ينجح في ألمانيا لكن المغرب له خاصيته، لا بد للإنسان أن يعرف أن المغرب له ركائزه وسياسته، وتوجهاته تختلف عن توجهات دول أخرى.
كلمات دلالية اختلالات الاسثمار المحكمة المنع من السفر ايموزار جرائم الأموال فاس قاضي التحقيق كريم زيدان كفالة مصطفى لخصم