لجريدة عمان:
2025-05-22@05:56:07 GMT

أمريكا اللاتينية واتخاذ الخيارات الصحيحة

تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT

تجاوزت الغالبية العظمى من دول أمريكا اللاتينية قرنين اثنين من الزمان كجمهوريات مستقلة، ومع ذلك، لم تتمكن أي من هذه الدول من بلوغ مستوى الدول المتقدمة.

شهد عام 1945، نهاية الحرب العالمية الثانية، إعادة تشكيل النظام العالمي على مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية. ففي يوليو 1944، وقبيل انتهاء الحرب، أسفر «مؤتمر بريتون وودز» عن تأسيس مؤسستين محوريتين لدفع عجلة الاقتصاد العالمي وهما: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وفي عام 1947، أطلقت الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات)، والتي تطورت لاحقًا لتصبح منظمة التجارة العالمية في عام 1995. وقد دعمت الولايات المتحدة هذه المؤسسات بوصفها راعية لحرية التجارة.

في السياق نفسه، برز اقتصاديون بارزون مثل فريدريش هايك (الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1974) وميلتون فريدمان (نوبل 1976) اللذين روجا للنظرية الليبرالية التي أصبحت تُعرف بالنموذج النيوليبرالي أو الرأسمالي. في المقابل، كانت الدول الاشتراكية تتبع مسارات تنموية مغايرة.

وفي خضم هذا التوجه العالمي، اكتسبت نظرية «الإحلال الصناعي للواردات» أهمية اعتبارًا من عام 1947، بتشجيع من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وهدفت هذه الاستراتيجية إلى تقليص الاعتماد على المنتجات المستوردة من خلال تحفيز الإنتاج المحلي، عبر فرض رسوم جمركية لحماية الصناعات الوطنية، وتقديم حوافز مالية، ودعم الدولة للقطاع الصناعي، أي باختصار: الحماية التجارية.

وقد لاقت هذه السياسة حماسًا واسعًا في دول مثل الأرجنتين والبرازيل وتشيلي والمكسيك، التي تبنّتها بين 1950 و1970. إلا أن نتائجها أظهرت، بحلول نهاية الثمانينيات، فشلًا واضحًا بسبب الإفراط في حماية الصناعات الوطنية، وضعف المنافسة، وتدني جودة المنتجات.

خسرت أمريكا اللاتينية وقتًا ثمينًا في مسيرتها التنموية. وعلى الرغم من وجود بعض الإيجابيات، فقد بات من الضروري البدء من جديد وسط فوضى اقتصادية، وتضخم، ومديونية خارجية مرتفعة، وتفشي الفقر.

في أواخر السبعينيات، بدأت الصين مسارًا تنمويًا مغايرًا، ممهّدة الطريق لما ستصبح عليه لاحقًا ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وبينما كانت الولايات المتحدة تركز على أولويات أخرى حول العالم، كانت دول أمريكا اللاتينية تبحث عن شركاء واستثمارات تساعدها على تحسين وضعها الاقتصادي.

وشهدت التسعينيات قرارات محورية؛ إذ شرعت بعض الدول مثل بيرو في تفكيك مؤسسات القطاع العام وخصخصة الأصول في مجالات مثل التعدين والاتصالات والخدمات، وحققت بذلك نجاحًا ملحوظًا.

وشكّلت بداية الألفية الثالثة نقطة تحول بارزة، حيث برزت الصين بوصفها شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا في أمريكا اللاتينية. فقد وقّعت اتفاقيات تجارة حرّة مع تشيلي عام 2005، وبيرو في 2009، وكوستاريكا في 2010.

ومنذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في 2001، تنامت علاقات الصين التجارية مع المنطقة بسرعة، متجاوزة السلع الأولية مثل النفط والمعادن، لتشمل استثمارات واسعة في البنى التحتية والطاقة والمعادن والمساعدات الإنمائية.

واليوم، تحافظ الصين على وجود اقتصادي قوي في المنطقة من خلال شركات كبرى مثل (إم. إم. جي) و(تشاينالكو) و(سي. إن. بي. سي) و(كوسكو) والبنك الصناعي والتجاري الصيني. ووفقًا للإحصاءات، استثمرت الشركات الصينية أكثر من 203 مليارات دولار في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بين عامي 2000 و2023.

وعلى صعيد إيجاد فرص العمل، وزيادة الدخل، ومكافحة الفقر، كان تأثير الاستثمارات الصينية إيجابيًا جدًا. ففي بيرو، على سبيل المثال، من المتوقع أن يسهم افتتاح ميناء (تشانكاي) الذكي في رفع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1% خلال عام 2025. ولا بد من الإشارة إلى أن الاستثمارات الصينية عادة ما تأتي مصحوبة بتقنيات متطورة. فمشروع القطار السريع على الساحل البيروفي سيُنفّذ بتكنولوجيا لا تملكها إلا فرنسا وإسبانيا والصين، والأخيرة هي الرائدة في هذا المجال.

إلا أن تطورات عالمية كبرى مثل الحرب في أوكرانيا والصراع بين إسرائيل وفلسطين، بالإضافة إلى تصاعد القرصنة قرب القرن الإفريقي، قد ألحقت ضررًا كبيرًا بسلاسل الإمداد العالمية، ما أدى إلى شعور متزايد بعدم الاستقرار في أمريكا اللاتينية.

وتفاقم الوضع بسبب الرسوم الجمركية العقابية التي فرضتها الولايات المتحدة على وارداتها من شركائها التجاريين، وخاصة الصين. وقد أضرّ النزاع بين أكبر اقتصادين في العالم بجميع الدول، رغم أن المحادثات الأخيرة في جنيف بين بكين وواشنطن أثارت بعض الآمال.

إن أمريكا اللاتينية بحاجة ماسّة للخروج من هذا المستنقع، فشعوب المنطقة لا ترغب في صراعات جيوسياسية، بل تطمح فقط إلى تعليم جيد، ورعاية صحية لائقة، وفرص حياة أفضل.

وكما قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في مقابلة مع مجلة «الإيكونوميست» في مايو 2023: «على الولايات المتحدة والصين أن تتعلّما كيف تعيشان معًا، وليس لديهما سوى أقل من عشر سنوات لتحقيق ذلك».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أمریکا اللاتینیة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

خامنئي يشكك في جدوى المحادثات النووية مع أمريكا

طهران - الوكالات

نقلت وكالة مهر الإيرانية عن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، تشكيكه في إمكانية توصل بلاده إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي.

وقال خامنئي، في خطاب ألقاه الثلاثاء بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي: "لا أعتقد أن المحادثات النووية مع الولايات المتحدة ستؤدي إلى نتائج. لا أعلم".

ويأتي تصريح خامنئي في وقت تراجع فيه طهران مقترحًا لإجراء جولة خامسة من المفاوضات النووية.

وفي لهجة انتقادية حادة، وجه خامنئي رسالة إلى واشنطن قائلاً: "امتنعوا عن تقديم مطالب تثير الحفيظة"، معتبراً أن "القول إنكم لن تسمحوا لإيران بتخصيب اليورانيوم مطلب مبالغ فيه".

مقالات مشابهة

  • الصين وأفغانستان وباكستان تتفق على توسيع الممر الاقتصادي ليشمل كابول
  • الصين: المحادثات التجارية مع أميركا مهمة لكن التعددية هي الحل الأساسي
  • الصين تدعو أمريكا إلى التخلي عن مشروع القبة الذهبية
  • بعد حرب الرسوم مع أمريكا.. كيف حوّلت الصين المعادن النادرة لسلاح جيوسياسي؟
  • رئيس “إنفيديا” : قيود أمريكا على صادرات الرقائق إلى الصين “فشلت”
  • الصين وجامعة الدول العربية.. شراكة متنامية نحو العصر الجديد
  • روبيو: أمريكا طلبت من بعض الدول إيواء سكان غزة مؤقتًا.. هل كانت ليبيا بينها؟
  • خامنئي يشكك في جدوى المحادثات النووية مع أمريكا
  • بعد مقـ.تل عارضة أزياء كولومبية.. هل تواجه أمريكا اللاتينية حربًا على النساء؟