التوتر بين القوتين الكبيرتين، الولايات المتحدة والصين، لم يعد مقتصرا على الأرض، بل امتد إلى الفضاء، حيث باتت المخاطر أكبر وأكثر حساسية. وفي هذا السياق، اقترحت واشنطن إنشاء "خط طوارئ فضائي مباشر" يهدف إلى تخفيض التوتر وتفادي الحوادث المدارية التي قد تتسبب في اشتعال صراع غير مقصود خارج الغلاف الجوي.

وتجسد هذا التوتر الفضائي في أكثر من مناسبة خلال السنوات الأخيرة، ففي عام 2021 أبلغت الصين الأمم المتحدة رسميا أن قمرها الصناعي في محطة "تيانقونغ" اضطر مرتين إلى تنفيذ مناورات لتفادي الاصطدام بأقمار صناعية تابعة لشركة "سبيس إكس" الأميركية، متهمة واشنطن بالتقاعس عن التعاون في تبادل بيانات المدار.

وفي عام 2023، حذر البنتاغون من أن الصين تطور أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، تشمل ليزرات أرضية وأقمارا صناعية انتحارية، وسط قلق متزايد من محاولات بكين لتعطيل أو شل البنية التحتية الفضائية الأميركية عند اندلاع أي نزاع.

كذلك اتهمت واشنطن الصين مرارا بإطلاق أقمار صناعية "غامضة المهام" قادرة على تتبع أقمار أخرى أو تعطيلها، مما يزيد من ضبابية النوايا في الفضاء ويعقد المشهد الأمني هناك.

البلدان يتسابقان في تطوير الأقمار الصناعية (غيتي)

ويتسابق الطرفان لبناء قواعد على سطح القمر، وهو ما دفع وكالة "ناسا" إلى التحذير من أن السباق القمري مع الصين قد يؤدي إلى احتكار الموارد وخلق توترات جيوسياسية جديدة، ما لم توضع قواعد واضحة تنظم هذا التنافس.

إعلان

وفي ظل تصاعد هذه التوترات، جاء مقترح إنشاء "خط الطوارئ الفضائي المباشر" مع الصين كخطوة تهدف إلى تفادي الحوادث المدارية والصدامات العرضية التي قد تتحول إلى مواجهات مفتوحة في الفضاء.

وجاءت هذه التوصية ضمن تقرير صادر عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي بعنوان "تأمين الفضاء: خطة للعمل الأميركي"، عرض خلال أعمال المنتدى الأربعين لمؤسسة الفضاء (منظمة غير ربحية أميركية أسست عام 1983) الذي استضافته مؤخرا مدينة كولورادو سبرينغز.

ويحث التقرير واشنطن على اعتبار الفضاء "أولوية وطنية"، مشيرا إلى أن المشهد الفضائي بات أكثر ازدحاما وتعقيدا، في وقت لا توجد فيه بعد قواعد دولية موحدة لتنظيمه أو احتواء الأزمات بين الخصوم.

لماذا "الخط الساخن" الآن؟

وفكرة إنشاء خط ساخن فضائي ليست جديدة تماما، إذ يوجد بالفعل خط مماثل بين الولايات المتحدة وروسيا. هذا ما أكدته الجنرال المتقاعدة نينا أرماجنو، إحدى المشاركات في إعداد التقرير، في تصريحات نقلتها منصة "سبيس دوت كوم" المختصة بعلوم الفضاء.

وقالت إن " إنشاء خط مماثل مع الصين يمكن أن يسهم في تفادي الحوادث المدارية وسوء الفهم، خاصة في ظل النشاط المكثف لإطلاق الأقمار الصناعية".

وأضافت "بإمكاننا، في حالة الطوارئ أو الخطأ في الحسابات، أن نلتقط الهاتف ونتحدث مباشرة، فهذه ليست فكرة معقدة، لكنها ضرورية".

ومن جانبه، أوضح الخبير الأمني صامويل فيزنر، أحد أعضاء فريق إعداد التقرير، أن القطاع التجاري الفضائي الأميركي، الذي يمثل ركيزة الابتكار والتقدم التكنولوجي، بات هدفا متزايدا لهجمات محتملة من خصوم مثل الصين وروسيا.

وأشار فيزنر إلى أن أول هجوم إلكتروني في حرب أوكرانيا استهدف منظومة فضائية تجارية، مضيفًا أن "الأنظمة الفضائية التي تعتمد عليها الزراعة والنقل والاتصالات أصبحت أهدافا عسكرية مشروعة، وهذه حقيقة يجب أن تؤخذ بجدية".

إعلان هل تنجح الدبلوماسية الفضائية؟

وفي ظل عجز المنظمات الدولية حتى الآن عن فرض قواعد ملزمة تنظم الفضاء وتمنع انفلات النزاعات، ترى الولايات المتحدة أن خلق آليات للثقة، مثل الخط الساخن، قد يقلل من مخاطر الانزلاق إلى صدام فضائي مباشر.

لكن يبقى السؤال مطروحا: هل تقبل الصين بمثل هذه الآلية؟

يرى الخبراء أن احتمالات قبول بكين تبدو محدودة، خصوصا أنها ترفض في الغالب الانضمام إلى المبادرات التي تقودها واشنطن، مفضلة إطلاق مشاريعها ومبادراتها الفضائية المستقلة، مثل مبادرة "طريق الحرير الفضائي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

دعوة إسرائيلية لوقف سياستها العدوانية في المنطقة حرصا على علاقاتها مع الصين

بينما تشهد العلاقات الإسرائيلية الأمريكية حالة من عدم الاستقرار، ولو بصورة مؤقتة، فقد سُمعت المزيد من الأصوات العديدة من الخبراء والجمهور في دولة الاحتلال التي تُعرب عن شكوكها بشأن العلاقات تجاه الصين، في ضوء نفوذها الواسع، وتأثيره في العديد من المجالات، مع التركيز على البنية التحتية والنقل والتجارة، دون أن تتخذ قيادة الاحتلال سياسة حازمة وواضحة في مواجهة ما بات بعرف بـ"التهديد الصيني".

وقال آيال بروبر، المحاضر بجامعة رايخمان، والمبعوث الدبلوماسي في بكين، والقنصل العام في شنغهاي، إن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حاول استغلال الفاعلية الصينية للإشارة إلى الإدارة الأمريكية المتوترة بأن إسرائيل لديها بديل، رغم أصوات الخبراء والرأي العام التي دأبت على التحذير من "التهديد الصيني"، ومع ذلك فإنها لم تكن في عجلة من أمرها لاختيار جانب معين".

وأضاف في مقال نشره موقع زمان إسرائيل، وترجمته "عربي21" أن "التوترات الإسرائيلية الأمريكية بشأن العلاقة مع الصين بلغت ذروتها في يوليو 2023، عندما التُقطت صورة لنتنياهو يحمل كتابًا للزعيم شي جين بينغ، أهداه إياه السفير الصيني، وقال إنه يعتزم زيارتها في أقرب وقت ممكن، في وقت كان فيه الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن مترددًا بدعوته للبيت الأبيض، لكن الزيارة أُجريت للولايات المتحدة في نهاية المطاف، بينما لم تُجرَ الزيارة إلى الصين، التي كانت مُخططًا لها في نهاية أكتوبر 2023، بعد بدء الحرب على غزة".

وأوضح بروبر أنه "لابد من التأكيد على أن إسرائيل لم يكن لديها بديل صيني حقيقي، وأن الصين، لا إسرائيل، هي التي اختارت الانحياز، بدليل أنها اتخذت قرارات وتصريحات حادة اللهجة ضد إسرائيل خلال عملية سيف القدس في مايو 2021، وقد تبنّت هذه السياسة في إطار تصعيد الصراع بين القوى، ورغبةً منها في إظهار الوجه المزدوج للولايات المتحدة، الذي لا يُساعد المسلمين عمومًا، والفلسطينيين خصوصًا، من خلال مهاجمة إسرائيل".

وأكد أن "حرب السابع من أكتوبر عززت هذا التوجه بشكل كبير، حيث رفضت الصين إدانة حماس، وأصبحت إسرائيل هدفًا سهلًا للهجوم، وامتد العداء لها إلى مظاهر معاداة السامية في وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية، وكلها خاضعة لسيطرة الحزب الشيوعي، مع العلم أن هذا النهج الاستراتيجي الذي اختارته الصين تجاه تل أبيب سوف يستمر ما لم تظهر مصلحة صينية جوهرية تستدعي تغيير هذه السياسة".



وأشار بروبر إلى أن "سؤالين مهمين يظهران في هذه الحالة أولهما ما هي تلك المصلحة الصينية الجوهرية التي قد تؤدي لتغيير هذه السياسة، وثانيهما أين تقف دولة إسرائيل في هذا السياق، مع أن الإجابة عليهما تستدعي العودة قليلًا إلى الوراء، لأنه قبل وبعد إقامة العلاقات عام 1992، نظرت الصين لإسرائيل كأصل فريد وقيم لبناء القدرات العسكرية، وتحديثها، وباعتها تكنولوجيا متقدمة لحماية قلب الولايات المتحدة".

وأضاف بروبر أنه "بعد عقد من الزمن، أدّت بعض الأزمات إلى توقف تام في بيع التكنولوجيا والمعدات العسكرية، وتراجع كبير في التعاون، فضلًا عن تراجع النظرة الاستراتيجية الصينية لإسرائيل كأصل استراتيجي، وقد مرّ عقدٌ آخر تقريبًا، ودفعت أزمة "الربيع العربي" الصينيين إلى تقدير استقرار إسرائيل في الشرق الأوسط، وتلقّي معلومات قيّمة من خلالها".

وأوضح أنه "في الوقت نفسه، سعت الصين للتعرّف على الابتكار، ونقل التقنيات المدنية المتقدمة من إسرائيل إليها، حيث وسّعت الشركات الصينية، مع التركيز على البنية التحتية، أنشطتها التجارية، بما في ذلك بناء وتشغيل موانئ بحرية جديدة في إسرائيل، وازدهرت التجارة، ما جعل الصين ثاني أكبر شريك تجاري لها، مع أنه في السنوات الأخيرة، لاسيما منذ حرب السابع من أكتوبر، ازدادت جاذبية إسرائيل، وسمعته".

وأكد أنه "في ضوء التطور التكنولوجي السريع في الصين، لم تعد التكنولوجيا الإسرائيلية فريدة كما كانت، وفي الوقت نفسه، لا يزال الاهتمام التجاري الصيني بالبنية التحتية في إسرائيل قائمًا، مع إدراك أنها سوق صغيرة نسبيًا مقارنةً بانتشار الصين حول العالم، لأنه من وجهة نظر الصين، لا تزال دولة إسرائيل لاعبًا مؤثرًا في الشرق الأوسط، ولها قدراتٌ كبيرة".

وبين أنه "على عكس الماضي، باتت الصين تنظر اليوم الى إسرائيل على أنها عامل يُؤجج الحروب والدمار، وعدم الاستقرار، ولا ينبغي أن يتغير هذا التصور الاستراتيجي، ومع ذلك، إذا بدأت عملية حقيقية لإعادة تأهيل غزة، وإعمارها، وانتقلت دول الشرق الأوسط، بما فيها سوريا ولبنان، من رؤية الدمار والموت إلى بناء استقرار شامل، وإنشاء بنية تحتية للرفاهية، فستسعى الصين بالتأكيد للاندماج، بما في ذلك في المبادرات التي يقودها الرئيس دونالد ترامب، وجني مكاسب اقتصادية وسياسية".

وأضاف بروبر أن "الصين، بكل ما يترتب على ذلك من مشاكل، يجب على إسرائيل أن تدرك أنها لاعب عالمي قوي للغاية، ولا يمكن تجاهله، لأن التصريحات الإسرائيلية غير المألوفة ضد الصين، أو الإضرار بمصالحها الجوهرية، كما هو الحال في سياق تايوان، وقد تُلحق بدولة إسرائيل ضرراً مباشراً وغير مباشر، وعلى سبيل المثال، يُعد استيراد البضائع من الصين أمراً بالغ الأهمية للمستهلك الإسرائيلي، ويُساعد في خفض تكلفة المعيشة المرتفعة أصلاً".

وأوضح أنه "في مجال البنية التحتية، وفي الوقت الذي تُطرح فيه مناقصات بناء المترو، تحتاج إسرائيل إلى الشركات الصينية، سواء من حيث الخبرة، أو الأسعار التنافسية، لأن البدائل، بما فيها الشركات الأمريكية، أغلى بكثير، وهي على أي حال ليست في عجلة من أمرها، وفي ضوء ذلك، يجب مواصلة العمل مع الصين مع الحفاظ على الضوابط، والتوازنات في سياق الأمن القومي".

وتشير هذه القراءة الإسرائيلية إلى أن استمرار السياسة العدوانية في المنطقة عموما، وضد الفلسطينيين خصوصا، يعني أنها لن  تستطيع إعادة بناء التعاون مع الصين، بما في ذلك دمج شركاتها في مشاريع مختلفة مقابل سياسة أكثر توازناً، ولتحقيق هذا الغرض، ستكون هناك حاجة إلى رؤية طويلة الأمد تتضمن رؤية للعلاقات الإقليمية، بعيدا عن مخططات السيطرة والاحتلال والقمع.

مقالات مشابهة

  • فورين بوليسي: 3 دروس تعلمتها الصين من الولايات المتحدة
  • دعوة إسرائيلية لوقف سياستها العدوانية في المنطقة حرصا على علاقاتها مع الصين
  • أميركا واليابان تردان برسالة ردع على روسيا والصين
  • أميركا تستضيف اجتماعا لمجموعة الـ20 بدون جنوب أفريقيا
  • وكالة الفضاء تبحث تعزيز التعاون الفضائي مع معهد بكين للتكنولوجيا
  • تعزيز التعاون الفضائي بين مصر والصين: لقاء موسع بين وكالة الفضاء المصرية ومعهد بكين للتكنولوجيا
  • وكالة الفضاء المصرية تبحث تعزيز التعاون الفضائي مع معهد بكين للتكنولوجيا
  • طقوس الفودو وحروب الموز.. سجل حافل بتدخلات واشنطن في أميركا اللاتينية
  • فورين أفيرز: كيف تكسب الصين المستقبل وتحاول السيطرة على قيعان البحار والفضاء
  • الصين تُطلق الصاروخ “ليغيان-1” حاملاً القمر الإماراتي العربي 813 إلى الفضاء