مايو 24, 2025آخر تحديث: مايو 24, 2025

إبراهيم أبو عواد

كاتب من الأردن

 

يُعْتَبَر الشاعرُ السوري نِزار قَبَّاني ( 1923 دِمَشْق _ 1998 لندن ) أَحَدَ أبرز وأشهر الشُّعَراء العرب في القرن العشرين ، وَهُوَ أكثرُ شُعراء العربية إنتاجًا وشُهرةً ومَبِيعًا وجَمَاهيرية ، بسبب أُسلوبه السَّهْل المُمْتَنِع ، وشَفَافيةِ شِعْرِه ، وغِنائيته ، وبساطته ، وسُهولة الوُصول إلى الجُمهور ، مِمَّا جَعَلَه يَحْظَى بِشَعبية واسعة في العَالَمِ العربي .

أَصْدَرَ أَوَّلَ دَواوينه عام 1944 ، بِعُنوان ( قالتْ لِيَ السَّمْراء ) ، وَقَدْ نَشَرَه خِلال دِراسته الحُقُوق ، حَيْثُ قامَ بطبعه عَلى نَفَقَتِه الخَاصَّة ، وَقَدْ أثارتْ قصائدُ دِيوانِه الأوَّلِ _ الذي ضَمَّ قصائد جريئة في الغَزَلِ والتَّغَنِّي بِجَسَدِ المَرْأةِ ومَفَاتِنِهَا _ جَدَلًا واسعًا ، وَذَاعَ صِيتُهُ بَعْدَ نَشْرِ الدِّيوان كَشَاعِرٍ إبَاحِيٍّ . وَقَدْ هُوجِمَ مِنْ قِبَلِ الشَّرائحِ المُحَافِظَةِ التي اعْتَبَرَتْهُ شِعْرًا إبَاحِيًّا هَدَّامًا . والصَّرَاحَةُ الجِنْسِيَّةُ في البيئة الدِّمَشْقِيَّة المُحَافِظَة كَانَتْ تَعَدِّيًا واضحًا على العاداتِ والتقاليدِ والقِيَمِ، لَمْ يَجْرُؤْ عَلَيْهِ سِوَى شَابٍّ صَغِير السِّنِّ .

يَقُولُ قَبَّاني بأسى عَمَّا جَرَى حِينَ صُدور ذلك الدِّيوان: ” أَحْدَثَ وَجَعًا عَمِيقًا في جَسَدِ المَدينةِ التي تَرْفُضُ أنْ تَعترفَ بِجَسَدِهَا أوْ بأحلامِها، لَقَدْ هَاجَمُوني بِشَراسةِ وَحْشٍ مَطْعُون ، وكانَ لَحْمِي يَوْمَئِذٍ طَرِيًّا ” .

وفي هذا الدِّيوانِ ، تَتَعَدَّد الأصواتُ الشِّعْرية ، وتَتكاثرُ الاتِّجَاهاتُ الوِجْدانية والحِسِّية ، والقَصائدُ تَتَرَاوَحُ في خِطَابِهَا بَيْنَ العَاشِقِ وَالعَاشِقَةِ ، بَيْنَ البَغِيِّ والفَتَاةِ الضَّحِيَّةِ ، بَيْنَ مُتَسَوِّلِ المُتعةِ العابرةِ وَالواقعِ الهَشِّ الذي قَدْ يُفْضِي لاستجداءِ العاطفةِ .

إحدى قَصائدِ الدِّيوانِ بِعُنوانِ ( وَرَقَة إلى القارئ ) يَقُولُ فِيهَا قَبَّاني : ” شِرَاعٌ أنا لا يُطِيقُ الوُصُولَ / ضَيَاعٌ أنا لا يُرِيدُ الهُدَى ” . هَذا البَيْتُ الشِّعْرِيُّ يُمَثِّلُ البِطاقةَ التَّعريفية الأُولَى للشاعرِ السُّوري في بِدَاياته ، بِمَا يَحْمِلُه مِنْ رَفْضِ الشَّبَابِ وثَوْرَتِهِ وتَمَرُّدِهِ وَعُنْفُوَانِه . كما أنَّ قَصائدَ الدِّيوانِ تُسلِّط الضَّوْءَ عَلى المَشاعرِ الجَيَّاشَةِ والعَوَاطِفِ الفائرةِ للشَّابِّ الذي يَعِيشُ أُولَى سَنَوَاتِ العِشْرِين .

والرَّفْضُ كَانَ مَنْهَجًا شِعريًّا قائمًا بذاته عِند قَبَّاني في كُلِّ مَراحلِ حَيَاتِهِ الشِّعْرِية ، وَلَمْ يَكُنْ شُعورًا عابرًا، والتَّمَرُّدُ كَانَ سِياسةً لُغوية في جَميعِ كِتاباته الشِّعْرية والنَّثْرية، وَلَمْ يَكُنْ إحْسَاسًا وَلِيدَ الصُّدْفَةِ . أي إنَّ الرَّفْضَ والتَّمَرُّدَ شَكَّلا هُوِيَّةً وُجوديةً دائمةً ومُستمرة للشَّاعِرِ الذي سَيَطْغَى اسْمُهُ ويَنتشر صِيتُهُ في الشِّعْرِ العربيِّ المُعَاصِرِ، لذلكَ آثَرَ قَبَّاني تَربيةَ العَدَاوَاتِ معَ السُّلْطَةِ ، وَلَيْسَ مُجاملتها والتَّقَرُّب إلَيْهَا والانخراط تَحْتَ ظِلِّ شُعراءِ البَلاطِ .

وَقَدْ هَاجَمَ الشَّيْخُ علي الطنطاوي نزارَ قَبَّاني ودِيوانَه ( قالتْ لِيَ السَّمْرَاء ) قائلًا : ” طُبع في دِمَشْق مُنْذُ سَنَة كتاب صغير ، زاهي الغِلاف ناعمه ملفوف بالورق الشَّفَّاف الذي تُلَفُّ بِهِ عُلَبُ الشُّكولاتةِ في الأعراس ، مَعْقُود عليه شريط أحمر كالذي أوجبَ الفرنسيون أوَّلَ العهد باحتلالهم الشَّام وَضْعَه في خُصورِ بَعْضِهِنَّ لِيُعْرَفْنَ بِه ، فيه كلام مَطبوع على صِفَة الشِّعْر ، فيه أشطار طُولها واحد ، إذا قِسْتَهَا بالسنتمترات ، يَشتمل عَلى وَصْفِ مَا يَكُون بَيْنَ الفَاسقِ القَارحِ ، والبَغِيِّ المُتَمَرِّسَةِ المُتَوَقِّحَة ، وَصْفًا واقعيًّا، لا خَيَال فيه ، لأنَّ صاحبه ليس بالأديب الواسع الخَيَال، بَلْ هُوَ مُدَلَّلٌ ، غني ، عزيز على أَبَوَيْه ، وهو طالب في مدرسة ، وَقَدْ قَرَأَ كِتَابَه الطلابُ في مدارسهم ، والطالباتُ ” [ مجلة الرِّسَالة ، العدد 661 ، 4 آذار ( مارس ) 1946 ] .

وكما يَظْهَر اسْمُ الشاعر نِزار قَبَّاني وديوانُه ( قالتْ لِيَ السَّمْرَاء ) في الشِّعْرِ العربيِّ المُعَاصِر ، يَظْهَرُ اسْمُ الشَّاعر التشيلي بابلو نِيرودا ( 1904_1973/ نوبل 1971) في الشِّعْرِ الإسبانيِّ المُعَاصِر وَدِيوانُه ( عِشْرُون قصيدة حُب وأُغْنِيَةٌ يائسةٌ / 1924 )، وَقَدْ أثارَ الجَدَلَ بسبب مُحْتواه الجِنْسِيِّ ، لا سِيَّمَا بالنَّظَر إلى سِنِّ المُؤلِّف المُبَكِّرَة جِدًّا . وَيَعْتَبِرُهُ النُّقَّادُ أشهرَ دِيوان شِعْري في اللغة الإسبانية ، بَلْ إنَّهُ أكثر الدواوين انتشارًا ومَبِيعًا في تاريخ هذه اللغة على الإطلاق .

يَنْتمي هَذا الكِتَابُ إلى فَترةِ شباب نِيرودا ، وكثيرًا مَا يُوصَف بأنَّه تَطَوُّر واعٍ لأُسلوبِه الشِّعْرِيِّ ، مُتَجَاوِزًا القَوالِب الحَدَاثية السائدة التي مَيَّزَتْ أعْمَالَه السَّابقة . ومعَ أنَّ القَصائد مُسْتَوْحَاة مِنْ تَجَارِب نِيرودا العاطفية الواقعية في شبابه، إلا أنَّ الكتاب لَيْسَ مُهْدى لحبيبة واحدة فقط .

والشاعرُ يَمْزُجُ الصِّفَات الجَسدية لِمُخْتَلَفِ النِّسَاءِ في شَبَابِه لِيُشَكِّلَ مِثَالًا لِلْحَبيبةِ ، لا يُشير إلى أيِّ شخص مُحَدَّد، بَلْ يُجَسِّد فِكرةً شِعريةً بَحْتَة عَنْ حَبيبته . وَقَد ابتعدَ نِيرودا عَن الطُّمُوحِ الشِّعْرِيِّ والبَلاغَةِ الرَّفيعةِ التي سَعَتْ إلى تَجسيدِ أسرارِ الإنسانيةِ والكَوْنِ، وَاقْتَرَبَ مِنَ البَسَاطَةِ والعَفْوِيَّةِ ، حَيْثُ تَتَمَيَّزُ مُفْرَدَاتُ الدِّيوانِ بالسُّهُولَةِ ، فَهِيَ تَنْتَمِي إلى نِطَاقِ اللغة الأدبية التقليدية المُرتبطة بالرُّومانسية والحَدَاثة . وهَذا الدِّيوانُ لَمْ يَكُنْ وَحْدَه ذَا طَابَعٍ حَزين ومُؤلِم بَيْنَ أعمالِ نِيرودا ، فَقَدْ عَاصَرَ الشاعرُ التشيلي مُعْظَمَ الحُروب والأحداث التي عَصَفَتْ ببلاده وبالعَالَمِ خِلال القَرْن العِشْرين .

وَمِنْ أبرزِ الأحداثِ التي تَرَكَتْ جِرَاحًا غائرةً في نَفْسِه ، مَقْتَلُ أو انتحار صَدِيقِهِ الرَّئيس التشيلي المُنْتَخَب آنذاك سَلْفادور أليندي داخل القَصْر الرئاسي عام 1973 ، الذي أطاحَ بِهِ قائدُ الجَيْشِ أُوغستو بينوشيه . وَقَدْ تُوُفِّيَ نِيرودا بَعْدَ مَقْتَلِ أليندي ببضعة أيام، وكانَ آخَرُ الجُمَلِ ، وَلَعَلَّهَا آخِرُ جُملة في سِيرته الذاتية ( أعترفُ بأنَّني قَدْ عِشْتُ) : ” لَقَدْ عَادُوا لِيَخُونوا تشيلي مَرَّةً أُخْرَى ” .

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: یوان ه د یوان ق صائد

إقرأ أيضاً:

ما الذي يعنيه رفع العقوبات على الاقتصاد السوري؟

شهد مايو/أيار الحالي حدثا بارزا في تاريخ سوريا، إذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أثناء زيارته للعاصمة السعودية الرياض، في الـ13 من هذا الشهر عن قراره رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وتبعه رفع الاتحاد الأوروبي كامل العقوبات المفروضة على دمشق في الـ20 من الشهر نفسه.

وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية في 23 مايو/أيار 2025 "الرخصة العامة رقم 25" (GL 25)، التي تسمح بإجراء معاملات مالية مع الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، بالإضافة إلى البنك المركزي السوري ومؤسسات الدولة.

كما أصدرت وزارة الخارجية إعفاء لمدة 180 يوما من العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، لتسهيل الاستثمارات وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.

ويمثل رفع العقوبات الأميركية والأوروبية فرصة حقيقية لإعادة إحياء الاقتصاد السوري وإعادة دمجه في النظام الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، يرى الخبراء أن تأثير هذا القرار لن يكون فوريا، وأن الطريق نحو التعافي الاقتصادي سيكون طويلا ومليئا بالتحديات.

وهنا لا بد أن نفرق بين نوعين من العقوبات الأميركية:

الأولى تنفيذية يمكن أن يفرضها ويرفعها الرئيس الأميركي بشكل مباشر. والنوع الثاني هي العقوبات التشريعية التي يفرضها الكونغرس وهي المتعلقة بقانون قيصر، وهو أخطر وأعقد العقوبات التي تعاني منها سوريا في الوقت الحالي، وهذا النوع من العقوبات لا يمكن أن يلغيها الرئيس بشكل مباشر، لكن باعتبار أن الكونغرس يحظى بأغلبية جمهورية فمن المتوقع بشكل كبير أن يتم تمرير رفع العقوبات المفروضة بقرار من الكونغرس. إعلان

يهدف هذا التقرير إلى قراءة الآثار المحتملة لرفع العقوبات الأميركية والأوروبية على الاقتصاد السوري، من خلال مناقشة:

 القطاعات التي ستتأثر بهذا القرار. كيفية إعادة دمج سوريا في النظامين المالي والتجاري العالميين. جاذبية البلاد للمستثمرين الأجانب. تأثير هذه القرارات على جهود إعادة الإعمار. مستقبل استقرار الليرة السورية. مسار إنعاش صناعة النفط والغاز.

ما القطاعات المشمولة برفع العقوبات؟

يمثل رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا نقطة تحول محورية للاقتصاد السوري، حيث من المتوقع أن تتأثر مجموعة واسعة من القطاعات الاقتصادية بهذا القرار.

وفيما يلي نقدم إضاءة للقطاعات الرئيسية التي ستشهد تغييرات جوهرية نتيجة لرفع العقوبات:

قطاع النقل والطيران

يعد قطاع النقل والطيران من القطاعات التي ستستفيد بشكل كبير من رفع العقوبات، فقد عانت شركات الطيران السورية، وخاصة السورية للطيران، من تشغيل أسطول متقادم في ظل نقص حاد في قطع الغيار.

ويقول لينوس باور، مؤسس ومدير شركة "بي إيه إيه آند بارتنرز" الاستشارية (BAA & Partners)، إن رفع العقوبات يمكن أن يكون "لحظة فارقة" لصناعة الطيران المهملة منذ فترة طويلة، حيث سيسمح "للمرة الأولى" منذ سنوات، لهذه الناقلات بالحصول بشكل قانوني على قطع غيار معتمدة من الشركات المصنعة الأصلية من إيرباص وبوينغ ومورديها من الدرجة الأولى. وهذا يمكن أن يحسن بشكل كبير معايير السلامة والموثوقية.

القطاع المصرفي والمالي

يعد القطاع المصرفي والمالي من أكثر القطاعات تأثرا بالعقوبات الدولية، حيث عانى من عزلة شبه كاملة عن النظام المالي العالمي. ومع رفع العقوبات، يتوقع الخبراء تحسنا تدريجيا في القطاع المصرفي.

قطاع النفط والغاز

يعتبر قطاع النفط والغاز من القطاعات الحيوية للاقتصاد السوري، وقد تأثر بشكل كبير بالعقوبات الدولية التي منعت تصدير النفط السوري واستيراد المعدات اللازمة لتطوير الحقول النفطية.

قطاعا الزراعة والصناعة التحويلية

يشير الباحث في الشأن الاقتصادي السوري عبد العظيم المغربل في حديث للجزيرة نت إلى أن قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية تضرّرا بشكل مباشر نتيجة القيود المفروضة على تدفّق مستلزمات الإنتاج والتكنولوجيا والصيانة.

إعلان

ويؤكد أنه مع رفع العقوبات، سيبدأ توفّر هذه المدخلات بالتحسّن تدريجيا، من خلال إعادة الربط مع الأسواق العالمية المزوّدة للآلات، والأسمدة، والمبيدات، والخامات الصناعية، وقطع التبديل، والتجهيزات التكنولوجية المتوسّطة والخفيفة، مما يسمح بإعادة تشغيل منشآت كانت معطّلة أو تعمل بأقلّ من طاقتها التصميمية.

قطاع الاتصالات والتكنولوجيا

عانى قطاع الاتصالات والتكنولوجيا في سوريا من قيود كبيرة، بسبب العقوبات التي منعت استيراد المعدات والبرمجيات الحديثة وتقييد الوصول إلى خدمات الإنترنت العالمية. ومع رفع العقوبات، يمكن أن يشهد هذا القطاع تطورا سريعا.

استقرار الليرة السورية

شهدت الليرة السورية ارتفاعا ملحوظا في قيمتها مباشرة بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رفع العقوبات عن سوريا. فوفقا لوكالة الأنباء السورية، "ارتفعت الليرة السورية بشكل حاد مقابل الدولار الأميركي بعد الإعلان، حيث بلغ سعر الصرف 9.5 آلاف ليرة مقابل دولار واحد، مقارنة بـ13 ألف ليرة قبل قرار رفع العقوبات.

ويقول الخبير في الاقتصاد السوري الدكتور يحيى السيد عمر للجزيرة نت إن رفع العقوبات قد يمهد لتعافي العملة، لكن من جانب آخر قد يخفض من قيمة العملة في الوقت الحالي، لأنه اليوم أصبح بمقدور الدولة السورية طباعة العملة في أوروبا لا سيما في سويسرا والنمسا، ودخول كميات نقدية إلى السوق قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة.

ويضيف أن السعر الحالي لليرة سببه نقص الكتلة النقدية في السوق، ويؤكد أن التحسن الحقيقي لليرة مرتبط في الإنتاج والتصدير، وتقليل الاستيراد، وهذا الشيء ما زال غير موجود.

ويتابع السيد عمر أنه إذا حصلت سوريا على مساعدات مالية مقيمة بالدولار أو دخول استثمارات، فمن الممكن أن تشهد العملة تحسنا.

من جهته، يؤكد المغربل أن انعكاس رفع العقوبات على سعر صرف الليرة في هذه المرحلة يفهم كمؤشر مركّب لما يُسمّى في علم الاقتصاد بتوقّعات السوق أو "توازن التوقّعات"، حيث يؤدي رفع العقوبات إلى تحوّل جذري في سلوك الفاعلين الاقتصاديين من حالة الترقب السلبي إلى الانخراط الإيجابي. وهذا الانخراط -حسب المغربل- يتجلّى بانخفاض طلب المضاربين على الدولار، وتراجع ظاهرة الاكتناز بالعملة الأجنبية، وعودة الثقة بالعملة المحلية كأداة للادخار والمعاملات.

إعلان

تأثيرات فورية وأخرى على المدى المتوسط

يقول السيد عمر إن نتائج رفع العقوبات الأوروبية والأميركية عن سوريا سيظهر بعضها بشكل فوري والآخر على المدى المتوسط.

ويؤكد أنه من المتوقع أن يشهد الاقتصاد السوري خلال سنة واحدة انتعاشا ملموسا في كافة المؤشرات.

أما المغربل، فيتوقع أن تشهد التحويلات الخارجية انتعاشا نتيجة لخفض درجة المخاطر المرتبطة بإرسال الأموال إلى سوريا، وتحسّن القدرة على استخدام القنوات المصرفية النظامية.

وهذا التدفق النقدي، وإن كان مصدره غير إنتاجي فإنه يُشكّل في هذه المرحلة عنصرا محوريا في دعم ميزان المدفوعات وتعزيز القدرة الشرائية للمواطن، حسب المغربل.

سوريا أكثر جاذبية للمستثمرين والتجارة

يمثل رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا نقطة تحول محتملة في جاذبية البلاد للمستثمرين الأجانب. فبعد سنوات من العزلة الاقتصادية والمخاطر العالية، تفتح هذه الخطوة الباب أمام فرص استثمارية جديدة في سوق يحتاج بشدة إلى رأس المال والخبرات الأجنبية.

ويقول إبراهيم ناجي قوشجي، الخبير الاقتصادي والمصرفي في تقرير منشور على الجزيرة نت إن "رفع العقوبات عن سوريا يمثل نقطة تحول أساسية. سينتقل الاقتصاد السوري من التفاعل مع الاقتصادات النامية إلى الاندماج مع اقتصادات أكثر تطورا، مما قد يعيد تشكيل علاقات التجارة والاستثمار بشكل كبير".

من جهته يؤكد السيد عمر أن سوريا أصبحت أكثر مرونة بشأن عمليات الاستيراد والتصدير، واستعادة الأموال المجمدة، وتشجيع الاستثمار والتجارة.

أما المغربل فيؤكد أن التجارة الخارجية لسوريا ستبدأ في التوسّع مجددا، مع التوجّه لإعادة تموضعها التجاري الإقليمي، خاصة في أسواق العراق والأردن ولبنان، وربما لاحقا الخليج وشمالي أفريقيا.

ويقول إن إزالة القيود المالية ورفع الحظر عن التعاملات البنكية سيسمح بعودة الصادرات السورية تدريجيا إلى أسواقها التقليدية، خصوصا في مجال الصناعات الغذائية والنسيجية والمنتجات الزراعية، مما يسهم في تحسين الميزان التجاري وتقليص العجز في الحساب الجاري.

إعلان

ويرى المغربل في رفع العقوبات أنها بمثابة استعادة الثقة بالاستثمار، سواء من الداخل أو من الخارج، حيث إن الانفراج في البيئة القانونية والمالية، وعودة الحوافز الاستثمارية المرتبطة بالضمانات الدولية أو التعاون مع مؤسسات مالية تنموية، سيجعل من المناخ الاستثماري في سوريا أكثر جاذبية، خصوصا ضمن قطاعات البنية التحتية، والخدمات، والطاقة.

ويتوقع المغربل أن يشهد السوق السوري تدفق شركات من الدول المجاورة ومن الجاليات السورية في الخارج، مستفيدة من فجوة العرض الكبيرة والفرص الواعدة.

ويؤكد السيد عمر أن الاستفادة من رفع العقوبات يحتاج لجهود سورية لتحديث وتطوير البيئة الاستثمارية للبلاد، من خلال تبني إجراءات مثل الإعفاءات الضريبية، لأن الشركات العالمية تبحث عن بيئة آمنة ومستقرة وحوافز وضمانات.

ويقول أسامة الصيفي، المدير الإداري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة الخدمات المالية (تريزا) Traze: إن "إزالة العقوبات الأميركية هي إشارة حاسمة للتمويل العالمي، ومن المرجح أن تشجع رأس المال من الدول العربية وتركيا وربما الشركات الأميركية والصينية".

ومن المتوقع أن تشهد إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا منافسة بين الشركات الأميركية والأوروبية، في حين يعد قطاع الطاقة، خاصة النفط والغاز، من أكثر القطاعات جاذبية لهذه الشركات.

ويؤكد أسامة الصيفي أن سوريا تحتاج إلى تحديث شامل لبنيتها التحتية في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مما يفتح فرصا واعدة للشركات المتخصصة.

تفعيل النظام المصرفي

يعتقد الباحث الاقتصادي المغربل أن رفع العقوبات عن المصارف الحكومية السورية سيمكنها، عبر نظام "سويفت"، من تسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، مما يقلل من التكاليف ويزيد من الكفاءة، ويعزز من قدرتها على تقديم خدمات مالية متقدمة للمواطنين والشركات، إضافة إلى دعم دورها في تمويل المشاريع التنموية، الأمر الذي يساهم في تحسين السيولة وتوسيع قاعدة العملاء وتنشيط الاقتصاد وزيادة معدلات التنمية.

إعلان

لكن بالمقابل، يرى المغربل أن إعادة تفعيل "سويفت" يتطلب تحديث البنية التحتية التقنية للمصرف المركزي، بما يشمل أنظمة الأمان والامتثال للمعايير الدولية.

كما يستوجب ذلك -حسب المتحدث ذاته- تدريب الكوادر على التعامل مع المعايير الجديدة لضمان فعالية العمليات المصرفية، وهذا التحديث يعزز من قدرة المصرف على إدارة الاحتياطيات النقدية والتواصل مع البنوك المراسلة.

مقالات مشابهة

  • العناية الإلهية تنقذ مراسل قناتي “العربية” و “الحدث” بالسودان بعد إصابته بطلقة في الرأس
  • ما الذي يعنيه رفع العقوبات على الاقتصاد السوري؟
  • لطفي لبيب يطمئن جمهوره: أنا بخير.. ادعولي| خاص
  • المشروب الذي رافق الأتراك منذ ألف عام.. ما سره؟
  • غلاكسي إس 25 إدج.. ما الذي ضحت به سامسونغ من أجل التصميم الأنيق؟
  • بعد ضجة ترامب ورامافوزا.. إليكم مفهوم الإبادة الجماعية بالأمم المتحدة وإن كان ينطبق بجنوب أفريقيا
  • غدا أمسية سيمفونية ساحرة بالأوبرا.. بمشاركة أميرة أبوزهرة وبابلو بارجان
  • انضمام نجم العشق الممنوع إلى مسلسل ليلى.. محاولات أخيرة لأنقاذ العمل
  • حلم الثري اليهودي فريدمان الذي يسعى سموتريتش لتحقيقه