البلاد – بيروت
انطلقت أمس (السبت) الانتخابات البلدية في جنوب البلاد، في مشهد يعكس التناقضات العميقة التي يعيشها لبنان، حيث ما لاتزال رائحة الحرب وأصوات القصف حاضرة في ذاكرة السكان، فقد جرت هذه الانتخابات وسط أنقاض الدمار الذي خلّفه الصراع الأخير بين حزب الله وإسرائيل، وفي ظل ظروف سياسية وأمنية معقدة، تتصدرها الدعوات المتصاعدة لنزع سلاح الحزب كشرط رئيسي لانطلاق عملية إعادة الإعمار.


المشهد الانتخابي في الجنوب بدا فريداً هذا العام، فبينما توافد المواطنون إلى صناديق الاقتراع في بلدات مدمّرة ومناطق تفتقر إلى البنية التحتية، انتشرت لافتات دعائية لحزب الله تدعو إلى التصويت له، في محاولة واضحة لإظهار استمرار نفوذه الشعبي والسياسي رغم الضربات التي تلقاها في المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيل، والتي اندلعت في أكتوبر 2023 وتصاعدت حتى بلغت ذروتها في سبتمبر 2024.
الحزب ادعى أن هذه الحرب بأنها جاءت دفاعاً عن غزة ومؤازرة لحماس، لكن نتائجها كانت قاسية، إذ أسفرت عن مقتل عدد كبير من مقاتليه، بينهم قياديون بارزون، إلى جانب تدمير مناطق شاسعة من البنية التحتية في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت.
فيما تستمر الانتخابات، برز موقف حاسم من الحكومة اللبنانية الجديدة التي أكدت سعيها إلى حصر السلاح بيد الدولة، وهو بند رئيسي في اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية. وأوضح وزير الخارجية اللبناني، يوسف راجي، أن “المجتمع الدولي، وخصوصاً الجهات المانحة، أبلغت الدولة اللبنانية بأن أي دعم مالي لإعادة الإعمار سيكون مشروطاً بنزع سلاح حزب الله”.
وفي هذا السياق، أكد دبلوماسي فرنسي أن “استمرار الغارات الإسرائيلية وعدم تحرك الحكومة بسرعة لنزع السلاح سيحولان دون أي تمويل دولي حقيقي”. وأضاف أن الدول المانحة تطالب أيضاً بإصلاحات اقتصادية وهيكلية كشرط مسبق للمساعدات.
رد حزب الله لم يتأخر، إذ اتهم الحكومة اللبنانية بالتقصير في ملف إعادة الإعمار. وقال النائب في البرلمان عن الحزب، حسن فضل الله، إن “تمويل إعادة الإعمار يقع على عاتق الدولة، التي لم تتخذ أي خطوات فعالة حتى الآن”. وحذر من أن التباطؤ في معالجة هذا الملف قد يؤدي إلى تعميق الانقسام الطائفي والمناطقي، متسائلاً: “هل يمكن أن يستقر جزء من الوطن وجزء آخر يئن تحت وطأة الدمار؟”. ويزعم الحزب أن تحميله وحده مسؤولية الأزمة فيه تجاهل للتركيبة السياسية اللبنانية ولتقصير الدولة التاريخي في التنمية، خاصة في المناطق الجنوبية.
من جهته، أشار الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، مهند الحاج علي، إلى أن ربط المساعدات الدولية بنزع سلاح حزب الله يأتي بهدف الضغط على الحزب، لكن “من غير المرجح أن يقبل الحزب بذلك بسهولة، خاصة في ظل اعتقاده أن سلاحه لا يزال يمثل وسيلة ضغط إقليمية”.
أما رئيس مجلس الجنوب، هاشم حيدر، فقد أقر بأن الدولة لا تملك حالياً الموارد المالية الكافية لعملية إعادة الإعمار، لكنه لفت إلى أن هناك “تقدماً في عمليات رفع الأنقاض في بعض المناطق المتضررة”. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن لبنان يحتاج إلى نحو 11 مليار دولار لإعادة الإعمار والتعافي، وهي أرقام ضخمة تتطلب استقراراً سياسياً وأمنياً غير متوفرين حالياً.
الانتخابات البلدية، التي تُفترض أن تكون محطة ديمقراطية محلية، تحوّلت إلى مؤشر على حجم الأزمة الوطنية في لبنان. فالمسألة لم تعد محصورة بإدارة الخدمات المحلية، بل باتت جزءاً من معركة كبرى حول هوية الدولة وسلطتها، ودور حزب الله في الداخل والخارج. وفيما يتابع اللبنانيون عمليات الاقتراع بكثير من القلق، تبدو الطريق نحو إعادة الإعمار طويلة وشائكة، وتعتمد على قرارات سياسية كبرى لم تُحسم بعد، وفي مقدمتها ملف السلاح.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: إعادة الإعمار حزب الله

إقرأ أيضاً:

باراك: لبنان أمام تهديد وجودي.. وقد يعود لـ"بلاد الشام"

قال المبعوث الأميركي الخاص لسوريا وسفير واشنطن في تركيا توماس باراك، إن لبنان يواجه تهديدا وجوديا، وإذا لم يتحرك فقد يعود إلى "بلاد الشام" مرة أخرى.

وحذر باراك، في حديثه لصحيفة "ذا ناشيونال"، من أن "لبنان يُواجه خطر الوقوع في قبضة القوى الإقليمية ما لم تتحرك بيروت لمعالجة مخزونات أسلحة حزب الله".

وصرح باراك بأن "لبنان بحاجة إلى حل هذه القضية، وإلاّ فقد يواجه تهديدا وجوديا".

وأضاف: "لديك إسرائيل من جهة، إيران من جهة أخرى، والآن لديك سوريا التي تتجلى بسرعة كبيرة، لدرجة أنه إذا لم يتحرك لبنان، فسيصبح مرة أخرى بلاد الشام".

وتابع: "السوريون يقولون إن لبنان هو منتجعنا الساحلي. لذلك نحن بحاجة للتحرك، وأنا أعرف مدى إحباط الشعب اللبناني. هذا يزعجني".

وأبرز باراك أن الولايات المتحدة والسعودية وقطر جاهزون لمساعدة لبنان إذا بادر الأخير بالتحرك.

يذكر أن باراك قدّم الشهر الماضي اقتراحا للسلطات اللبنانية يتضمن نزع سلاح حزب الله وإجراء إصلاحات اقتصادية لمساعدة البلاد على الخروج من أزمة مالية استمرت 6 سنوات، وهي من الأسوأ في التاريخ الحديث.

ويربط الاقتراح الأميركي المساعدة في إعادة الإعمار ووقف عمليات الجيش الإسرائيلي بنزع سلاح حزب الله بالكامل في جميع أنحاء البلاد.

وردت السلطات اللبنانية على الاقتراح، بتقديم وثيقة من 7 صفحات تطالب بانسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي المتنازع عليها، بما في ذلك مزارع شبعا، وتؤكد سيطرة الدولة على جميع الأسلحة مع التعهد بتفكيك ترسانة حزب الله في جنوب لبنان.

وقال باراك إن رد فعل المسؤولين اللبنانيين كان "مرنا جدا"، رغم أن هناك نقاط خلاف لا تزال قائمة.

وشدد على ضرورة تحرك لبنان بسرعة، متحدثا عن أهمية اتخاذ خطوة جادة تجاه نزع سلاح الحزب.

وأشار إلى أن الجيش اللبناني يعمل "بميزانية محدودة"، مما اضطر قوات اليونيفيل إلى تعبئة 10,000 جندي لتعويض النقص.

كما قال المبعوث الأميركي: "إن أي محاولة لنزع سلاح حزب الله بشكل كامل قد تثير اضطرابات وتؤدي إلى حرب أهلية".

واقترح أن يتفق الحزب على نزع أسلحته الثقيلة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات من دون طيار، وتسليمها لمخازن مراقبة تحت آلية تشمل الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل والجيش اللبناني.

مقالات مشابهة

  • بمشاركة 50 نائباً.. الإعلان عن انطلاق كتلة الإعمار والتنمية في البرلمان العراقي
  • "لبنان قد يعود الى بلاد الشام".. توم بارّاك: بيروت أمام تهديد وجودي
  • باراك: لبنان أمام تهديد وجودي.. وقد يعود لـ"بلاد الشام"
  • قيادي في حزب الله: سلاح المقاومة هو للدفاع عن لبنان وملفه يحلُّ بـالحوار
  • الرد الأميركي: الدولة عاجزة ولا تراجع عن تسليم الحزب السلاح
  • سلاح حزب الله على الطاولة الداخلية: حوار أم مواجهة؟
  • صحيفة فرنسية: مشارع لبنان التنموية تصطدم بنفوذ حزب الله والأزمة الاقتصادية
  • قمة ماكرون – ستارمر.. تفاصيل تحالف أوروبا الجديد على أنقاض الأزمات
  • أيام حزب الله معدودة.. هذا ما قاله تقرير إسرائيلي
  • رقم إسرائيليّ يثير بلبلة في بعلبك.. إنذار مشبوه لـإخلاء مركز!