26 مايو، 2025

بغداد/المسلة: طرحت الحكومة العراقية من جديد ملف خط كركوك–بانياس كواحد من ملامح التعاون النفطي مع سوريا، مستفيدة من التحولات السياسية التي أعقبت سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، وساعية لفتح نوافذ جديدة لتصدير النفط نحو المتوسط بعد أن ضاقت بها ممرات التصدير التقليدية.

واستضافت العاصمة السورية في أبريل الماضي زيارة نادرة لوفد عراقي رفيع المستوى ضم شخصيات أمنية واقتصادية، وسط أجواء سياسية شديدة الحذر، وتكتم رسمي حيال مخرجات المحادثات، غير أن التصريحات التي تسربت أوحت بأن هناك نية جدية لإعادة فتح خط الأنابيب، ولو جزئياً، عبر المسار القديم المار بمحافظات تعاني من آثار الحرب.

وارتبط خط كركوك–بانياس منذ تدشينه عام 1934 بمراحل الانفتاح والانغلاق في العلاقات العراقية السورية، وتوقف مراراً لأسباب سياسية، أبرزها ما جرى عام 1982 حين أوقفته دمشق بسبب انحياز بغداد إلى المعسكر الغربي خلال حرب الخليج الأولى، ثم تدهور لاحقاً بفعل الاحتلال الأميركي للعراق، وأخيراً بسبب الحرب الأهلية السورية.

وظهرت محاولات إحيائه في الأعوام 2007 و2010 دون أن ترى النور، فيما طرحت آخر مرة عام 2019 ضمن مشاريع التنويع النفطي في وزارة النفط العراقية، غير أن تصاعد النفوذ الإيراني في كل من سوريا والعراق حينها عطل المشروع لصالح تمرير النفط عبر الأراضي الإيرانية.

وواجه الخط خلال العقود الماضية تآكلاً هيكلياً، خصوصاً في المناطق التي سيطرت عليها الفصائل المسلحة، حيث تعرض لسرقات ونهب ممنهج، وتشير التقديرات إلى أن نحو 60% من بنيته التحتية مدمرة أو غير قابلة للإصلاح، وفق دراسة لمركز “الطاقة في الشرق الأوسط” صادرة في 2022.

وتمخض الاهتمام الحالي عن جولة أولى من المسوحات الميدانية نفذها مهندسون عراقيون وسوريون بالتعاون مع جهات روسية، وتشير التقديرات الأولية إلى أن تكلفة إعادة بناء الخط قد تتجاوز 4.5 مليار دولار، فيما ستستغرق الأعمال الإنشائية قرابة 36 شهراً.

وذكر تقرير لوكالة الطاقة الدولية نُشر في مايو 2025 أن صادرات العراق عبر خط جيهان التركي لا تزال عالقة منذ مارس 2023 بقرار تحكيمي ضد تركيا، ما يدفع بغداد لتسريع خياراتها البديلة، ومن ضمنها إعادة تشغيل الخط السوري أو التوسع في طاقات التصدير عبر الخليج.

وانعكست هذه الخطط أيضاً على العلاقة بين بغداد وأربيل، حيث شددت حكومة السوداني مؤخراً ضغوطها على الإقليم لتسليم السيطرة على أنبوب كركوك–جيهان، ما فتح شهية بغداد لموازنة هذه الورقة بخيارات أخرى مثل الخط السوري، وإن كان أقل موثوقية.

وسجلت وزارة النفط العراقية في مايو الجاري صادرات بلغت 3.4 مليون برميل يومياً، وهو معدل دون الطموحات الرسمية التي تسعى للوصول إلى 6 ملايين برميل، ما يعزز الحاجة إلى فتح ممرات إضافية تخفف العبء عن الخليج، خاصة في ظل التوترات المستمرة مع إيران في مضيق هرمز.

وظهرت في هذا السياق دعوات متزايدة لتفعيل الاتفاقات السابقة مع سوريا، لكن هذه الدعوات قوبلت بانتقادات من قوى سياسية في العراق تعتبر دمشق جزءاً من محور إيراني لا يمكن الرهان عليه، بينما تفضل هذه القوى المضي باتجاه الأردن أو السعودية كممرات تصدير بديلة.

وسُجل في تاريخ العراق القريب مشروع مشابه حين أُعيد عام 2003 الحديث عن خط الأنابيب العراقي-السعودي المتوقف منذ حرب الكويت 1990، لكنه جُمد لاحقاً بسبب اعتبارات سياسية مماثلة، فيما تحوّل النقاش من الجدوى الاقتصادية إلى تأثيرات النفوذ الإقليمي.

وتكشفت تفاصيل متزايدة عن خطة فنية أولية لمشروع “كركوك–بانياس” تشمل بناء خط مزدوج بطاقة 1.5 مليون برميل يومياً، تتخلله محطات ضغط ومراقبة حديثة، مع استبعاد جزء من المسار القديم في محافظة دير الزور، وتعويضه بمسار أقصر يمر جنوب حمص.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: کرکوک بانیاس

إقرأ أيضاً:

البدريون قادمون من صنعاء ... ستكتشف السعودية كما اليمن أنها الخاسر الأكبر من مخرجات لا تفهم الجغرافيا

    

الحوثيون لايعملون بعشوائية التحالف، ولا برخاوة الشرعية وغبائها، بل يشتغلون منذ أكثر من 11 سنة على بناء جيل عقائدي خاص بهم، عملوا على إنشاء منظومة تعليمية موازية (غير المدارس الحكومية التي عبثوا بمناهجها)، أبرزها مايُعرف بـ"مدارس البدر" نسبة لبدر الدين الحوثي، وهي مدارس داخلية مغلقة لايُقبل فيها الطالب إلا وفق معايير مشددة، ويمكث فيها الدارس ثمان سنوات؛ يتلقى خلالها منهج خاص خارج إطار التعليم الرسمي، لايشمل أي علوم حديثة، لكنها تصنع فرد مبرمج على الولاء المطلق والفكر الواحد والعداء المستحكم للآخر، إضافة إلى التدريب العسكري على مختلف أنواع الأسلحة..

 

 في صنعاء وحدها، هناك 28 مركز ديني وشرعي خاص، تتبع منهج الجماعة وملازمها، تعمل بوتيرة واحدة، بعضها داخل مساجد كبرى مثل جامع الصالح (الذي حُوّل إلى جامع الشعب) ويضم معسكر داخلي دائم، وهناك عشرات المراكز المماثلة في بقية المحافظات والمديريات والعُزل المختلفة، والمحصلة أكثر من 250 ألف شاب كلهم تحت سن العشرين تخرجوا حتى الآن من هذه المراكز، لايعرفون الفيزياء ولا التاريخ ولا اللغات، لكنهم مبرمجون عقائدياً ومدربون عسكريا، ومؤهلون للتعامل مع كل أشكال السلاح.. 

 

 نحن لانتحدث عن جيل متدين فحسب، ولسنا أمام مخرجات تعليمية عادية، وهذه ليست مجرد أرقام، بل جيل مبرمج بطريقة لاتترك أي مجال للتسامح أو التعايش، عبارة عن ألغام وقنابل فكرية موقوتة، مخرجات يصعب التعايش معها مستقبلاً، لأنها نشأت على أفكار لاترى الآخر إلا كخصم يجب إخضاعه أو استئصاله، ويتعاملون مع الخلاف الفكري أو السياسي كما لو كان كفر يستحق الاجتثاث..

 

 خريجوا تلك المراكز لم يتم اعدادهم لخدمة الجماعة سياسيا أو عسكريا فقط، بل تم تشكيلهم وتلقينهم والاعتناء بهم ليكونوا الوقود العقائدي لأي صراع طويل الأمد، يعبث بالتاريخ ويتجاوز حدود الجغرافيا..

 

 هذا المشروع الذي يحتفل بتخرج دفعاته سنوياً منذ 11 سنة، يقابله فشل الشرعية الذريع؛ ليس في مواجهته فقط، بل انها قدّمت النقيض، تركت المدارس تنهار، والطلاب يتسربون، والمعلمين يتذمرون بلا مرتبات، يُذلون في طوابير المساعدات، دون خطة بديلة أو دعم جاد لمواجهة التجريف العلمي الذي يتم في صنعاء وبقية المحافظات التابعة للحوثيين، لم تكن هناك أي محاولة لبناء مشروع مضاد، لافي التعليم ولا في الإعلام ولا في الوعي العام، بل إنها لم تنجح في أي قطاع اتجهت إليه، ووقفت عاجزة أمام أخطر معركة تخوضها الأمم؛ معركة بناء الإنسان.

 

 أما التحالف، وعلى رأسه السعودية، فقد تورطت في معركة بلا أفق محدد، وأصبح التراخي، وإطالة أمد الحرب، وغياب أي مشروع وطني أو تربوي مقابل، بمثابة شيك على بياض للحوثيين بتنفيذ برنامجهم التربوي والعقائدي بكل أريحية، والنتيجة أن المنطقة برمتها ستدفع ثمن هذه "المرحلة الرخوة من تاريخ اليمن" التي تحوّل فيها الحوثيون من مجرد جماعة ميليشيا مسلحة؛ إلى مدرسة قتالية وماكينة تربية مغلقة، تُنتج مقاتلين عقائديين مؤمنين بمشروع لايعترف بالحدود ولا بالشراكة ولا بالاختلاف، وستكتشف السعودية، كما اليمن، أنها الخاسر الأكبر من هذه المخرجات، التي ستكون في الغد القريب أدوات صراع، لا أدوات تعايش.. 

 

 لقد أثبتت الحرب أن الخطر لايكمن في الجبهات فقط، بل في المدارس والمناهج والمراكز العقائدية، ومن يُهمل هذه الجبهة، ويفشل في خوض هذه المعركة، سيُهزم وسيفقد المعركة كلها، حتى لو انتصر عسكرياً، لأن من يُشكل العقول، يحصد المصير ويتحكم بالمستقبل..

  

مقالات مشابهة

  • النقل تعلن عن خطة متكاملة استعداداً للزيار الأربعينية
  • مصرع وإصابة 20 زائرا إيرانيا في حادث سير في بغداد
  • الماء مقابل التجارة والنفط.. العراق يفاوض في العطش وتركيا تصمت بحسابات السدود والنفوذ
  • أمين بغداد: تمكين المرأة حجر الأساس لبناء قدرات مؤسسات الدولة
  • البدريون قادمون من صنعاء ... ستكتشف السعودية كما اليمن أنها الخاسر الأكبر من مخرجات لا تفهم الجغرافيا
  • السوداني يوجه بإزالة جميع المعوقات التي تعترض مشاريع الطاقة
  • أمانة العاصمة: حملة بغداد أجمل شملت 54 شارعاً في مدينة الصدر
  • تنفس السُمّ في صمت.. بغداد في قبضة الكبريت
  • أنقرة تقايض أنبوب النفط بالماء والتعويض والشرعية القانونية
  • حكايات المحاصصة التي حوّلت الدبلوماسية إلى دار مزاد حزبي مغلق وفاسد