نشرت صحيفة واشنطن بوست في يناير/كانون الثاني الماضي تقريرا حساسا للغاية، نقلت فيه مزاعم أربعة مسؤولين أميركيين كبار بأن القوات المسلحة السودانية استخدمت الأسلحة الكيميائية مرتين على الأقل ضد قوات الدعم السريع في المناطق النائية من البلاد، وهي القوات التي تتهمها الولايات المتحدة بارتكاب أعمال إبادة جماعية.

وبحسب تقرير للكاتب محمد بن عمر نشر في موقع "ميديم" الأميركي، فإن تقرير الصحيفة الأميركية البارزة لم يقدم أي أدلة ملموسة، ولم يشر إلى أي تحقيق مستقل، ولا إلى تقييمات ميدانية تم التحقق منها، ولا إلى بيانات علمية تدعم تلك المزاعم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جيوتيان الصينية.. أول حاملة مسيّرات طائرة في التاريخlist 2 of 2"انقلاب عسكري وسقوط إسلام آباد".. انتصارات زائفة في حرب باكستان والهندend of list

في ذلك الوقت، مرت القصة في ظل صمت دولي واضح، ومع ذلك، وبعد أكثر من أربعة أشهر، شرعت واشنطن في فرض عقوبات رسمية على السودان. هذا التسلسل للأحداث، وهو تسريب الخبر إلى وسائل الإعلام ثم الضغط السياسي ففرض العقوبات، يحمل ما يمكن تسميتها بالسمة المميزة لسردية إستراتيجية رسمت بعناية لتحقيق أغراض جيوسياسية.

1- أين الدليل؟

وبحسب تقرير الموقع الأميركي، فإن السؤال الأول الذي يطرح نفسه في هذا الخصوص بسيط ولكنه عميق، وهو أين الدليل؟ فهل زارت لجنة دولية مستقلة مواقع الهجمات المزعومة؟ هل تم جمع عينات التربة أو أي مخلفات بيولوجية وتحليلها من قبل خبراء محايدين؟ وهل سمح للمنظمات الإنسانية المحايدة بالوصول تلك الأماكن وإجراء أي تحقيق؟

إعلان

يجيب كاتب التقرير بأنه لم يحدث أي مما تمت الإشارة إليه، وبدلا من ذلك فمن المتوقع أن يقبل المجتمع العالمي تلك الادعاءات الخطيرة التي تستند فقط إلى مصادر مجهولة لم يتم التحقق منها. فاستخدام الأسلحة الكيميائية تهمة خطيرة يجب أن تعتمد على ما هو أكثر بكثير من التكهنات الإعلامية، فالوصول إليها يجب أن يتم عبر صرامة علمية وإجراءات قانونية واجبة.

الكاتب: المزاعم الأميركية ليست بسيطة فقد استُغلت من قبلُ في تفكيك الجيوش الوطنية (أسوشيتد برس)

وبحسب الكاتب، فإن مثل هذه المزاعم ليست بسيطة، وقد استغلت تاريخيا لتبرير التدخلات الخارجية وتغيير أنظمة الحكم بالقوة وتفكيك الجيوش الوطنية، كما هو الحال في العراق، ويبدو أن السودان ينجذب إلى مصير جيوسياسي مماثل.

2- السياق الذي تم تجاهله

ويرى كاتب التقرير أن ما يجري في السودان ليس صراعا بين فاعلين متساويين، فهناك دولة ذات سيادة تقاتل مليشيا مارقة هي قوات الدعم السريع التي ارتكبت جرائم حرب فظيعة وشردت الملايين وحاصرت المدن، ورغم ذلك، يتم تثبيت سردية تشوّه الجيش الوطني وتتغاضى عن تصرفات المليشيا.

ويؤكد الكاتب أن ما يورده هنا ليس دفاعا عن جانب معين، وإنما هو دفاع عن الحق السيادي للسودان في العدالة والكرامة وتقرير المصير.

ويشير إلى أنه إن كان ثمة دليل موثوق على استخدام الأسلحة الكيميائية، فليتم فحصه من خلال تحقيق دولي شفاف ونزيه تحت إشراف الأمم المتحدة أو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

إن "فرض عقوبات تستند فقط إلى تسريب صحفي ليس عدالة، إنها سابقة خطيرة للقانون الدولي المسيس".

3- تدابير أميركية متصاعدة

في 22 مايو/أيار الحالي فرضت الولايات المتحدة رسميا عقوبات على السودان، مشيرة إلى انتهاكه قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991، وستدخل العقوبات المذكورة حيز التنفيذ في السادس من يونيو/حزيران القادم بعد إخطار الكونغرس، وتشمل ما يلي:

إعلان حظر بعض الصادرات الأميركية إلى السودان. فرض قيود على الحصول على قروض الحكومة الأميركية والضمانات الائتمانية. اتهامات رسمية بأن السودان انتهك التزاماته بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية.

تتبع هذه العقوبات عقوبات فردية سابقة ضد رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان بناء على مزاعم استهداف المدنيين واستخدام المجاعة وسيلةً للحرب.

4- إستراتيجية التصعيد

ووفق الكاتب، فإن التدابير الحالية ليست سوى البداية، ويعتقد أن هناك تكتيكات ضغط أميركية محتملة يمكن أن تشمل ما يلي:

1. إعادة السودان إلى القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب. وقد شطبت الولايات المتحدة اسم السودان رسميا من قائمة الدول التي تعدها راعية للإرهاب في ديسمبر/كانون الأول 2020، وبعد موافقة السودان على دفع أكثر من 300 مليون دولار لحساب خاص بمن يسمون ضحايا الإرهاب، والموافقة أيضا على بدء تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

2. الضغط من أجل إصدار قرار في مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، مما قد يؤدي إلى حظر عالمي على الأسلحة للسودان أو ما هو أسوأ.
3. التنسيق مع الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات موازية.
4. الضغط على الحلفاء الإقليميين لتغيير مواققفهم الداعمة للجيش السوداني.

تتبع هذه العقوبات عقوبات سابقة بحق الرهان (أسوشيتد برس)

وتهدف هذه الإستراتيجية المتعددة الأوجه إلى إضعاف القدرات التشغيلية والمكانة السياسية للجيش السوداني من خلال ممارسة ضغط دولي مستمر.

5- استجابات دولية متوقعة ومسرح يتسع

بالإضافة إلى عقوبات واشنطن على السودان، فمن المرجح أن تحذو جهات عالمية وإقليمية فاعلة أخرى حذوها:

قد تدعو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى إجراء تحقيق مستقل والنظر في تعليق عضوية السودان بها. يتوقع أن يصطف الاتحاد الأوروبي مع واشنطن، كما حدث في مواقفه ضد سوريا وروسيا. يمكن لمجلس الأمن إعادة النظر في قضية السودان بذريعة "تهديد للسلام والأمن الدوليين". قد يضطر الاتحاد الأفريقي إلى اتخاذ مواقف أكثر ضد السودان في ضوء أي إدانات دولية محتملة. قد تعيد المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيقها بشأن السودان، وربما تضيف أسماء جديدة إلى قائمتها لمجرمي الحرب المتهمين. إعلان

ويرى الكاتب أن هذه الإجراءات في حال تنفيذها قد تتسبب في تعميق العزلة الدولية للسودان وترسيخ حالة الشلل السياسي التي يعاني منها.

6- حملة ضغط محسوبة

ويختتم الكاتب تقريره بأن ما يتكشف ليس السعي لتحقيق العدالة، وإنما هي جهود تهدف لإعادة تشكيل النظام السياسي السوداني من خلال سياسة متعمدة للضغط والعزلة، تستخدم مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية ذريعة لفرض العقوبات ونزع الشرعية عن المؤسسات الوطنية وتحويل ميزان القوى.

ويشدد على أن كل ما سبق هو تنفيذ واضح لمبدأ "الجزرة والعصا"، حيث يحرم الجيش السوداني من الوصول إلى الأسلحة ويتعرض لضغوط اقتصادية ودبلوماسية بهدف إجباره على قبول الحلول السياسية المفروضة من الخارج بغض النظر عن المصالح الوطنية أو الإرادة الشعبية.

ويعكس هذا النهج الإستراتيجيات السابقة المستخدمة في العراق بعد حرب الخليج وليبيا ما بعد القذافي، حيث تم استخدام الخنق الاقتصادي والعزلة السياسية للضغط من أجل الامتثال، مما أدى في نهاية المطاف إلى تجزئة الدولة في الحالتين.

في حالة السودان، تخاطر هذه الإستراتيجية بتفاقم الانقسامات الداخلية، وإطالة أمد المعاناة الإنسانية، وزعزعة استقرار المنطقة الأوسع.

ما هو مطلوب بدلا من ذلك هو تحقيق محايد وخاضع للإشراف الدولي، واحترام السيادة السودانية، والالتزام الحقيقي بالسلام والعدالة، وليس تغيير النظام.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الأسلحة الکیمیائیة

إقرأ أيضاً:

ميرتس يدلي بتصريح بشأن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا

أكد المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الاثنين، أن "لا قيود بعد الآن على مدى الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا" من جانب حلفائها الغربيين الرئيسيين.
وقال ميرتس، خلال مقابلة في برلين مع التلفزيون العام "دبليو دي ار"، إنه "لم تعد هناك حدود لمدى الأسلحة المسلّمة إلى أوكرانيا. لا من جانب البريطانيين، ولا الفرنسيين، ولا من جانبنا. ولا من جانب الأميركيين".
وأضاف "هذا يعني أن أوكرانيا يمكنها من الآن وصاعدا الدفاع عن نفسها من خلال مهاجمتها على سبيل المثال مواقع عسكرية في روسيا ... وهو أمر لم تكن تقدم عليه قبل فترة قصيرة إلا استثنائيا. والآن، بات بإمكانها القيام به".
لكن المستشار الألماني الجديد لم يحدد تأثير تصريحاته على شحنات الأسلحة التي سترسلها برلين في المستقبل إلى كييف، وخصوصا لناحية تزويدها بصواريخ "توروس" المتطورة بعيدة المدى التي تطالب بها أوكرانيا.
في عهد المستشار السابق أولاف شولتس، رفضت ألمانيا، ثاني أكبر مزودي أوكرانيا بالمساعدات العسكرية، إرسال صواريخ من طراز "توروس" إلى كييف، خوفا من تصعيد التوترات مع روسيا.
وأعلن ميرتس، قبل توليه منصب المستشار في مطلع مايو، أنه يؤيد تسليم أوكرانيا صواريخ من هذا الطراز يزيد مداها عن 500 كيلومتر، ما يسمح لها باستهداف عمق الأراضي الروسية.
لكن منذ ذلك الحين، عبّر عن موقف أكثر غموضا، مؤكدا أنه لن يقدم تفاصيل بشأن الأسلحة التي سيرسلها إلى أوكرانيا، لأسباب استراتيجية، ولعدم تزويد موسكو بالمعلومات.
حتى الآن، لم تسلم ألمانيا أوكرانيا أسلحة يزيد مداها عن حوالى 70 كيلومترا.
وأكد ميرتس أن الحلفاء الأوروبيين سيواصلون "بذل كل ما في وسعهم لمواصلة دعم أوكرانيا عسكريا".

أخبار ذات صلة بوتين يكشف تفاصيل وقف مهمة عسكرية في أوكرانيا روسيا تعلن تحقيق تقدم ميداني في أوكرانيا المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • أي أهداف تسعى إليها واشنطن من عقوبات السودان؟
  • ميرتس يدلي بتصريح بشأن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا
  • جهة عسكرية توضح تفاصيل دقيقة عن تسبب أسلحة كيميائية في وباء الكوليرا والإسهالات المائية في أم درمان
  • نسأل الله ان يحمي السودان في قادم الأيام من الاسلحة الكيميائية ما كذب علمها وما صدق
  • هل استخدم جيش السودان الأسلحة الكيميائية ضد الدعم السريع؟
  • ما وراء ادعاء أميركا استخدام الجيش في السودان أسلحة كيميائية
  • اتفاق سوري أمريكي على التخلص من الأسلحة الكيميائية ودمج “قسد” في مؤسسات الدولة
  • عادل الباز يكتب: الإمارات دفعت… فقررت أمريكا!
  • واشنطن ودمشق تعلنان اتفاقا حول الأسلحة الكيميائية ومستقبل قسد.. هذه تفاصيله