أمل بنت سيف الحميدية **

 

مع التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجالات التكنولوجيا والتعليم، تتقدّم سلطنة عُمان بخطى واثقة نحو بناء منظومة تعليمية ذكية، تتكامل فيها الرؤية الوطنية مع الإمكانات الرقمية، ويقف في طليعتها المعلم العُماني، بوصفه قائدًا تحويليًا يستشرف المستقبل ويقود التغيير داخل الفصول الدراسية.

وفي هذا السياق، يبرز الذكاء الاصطناعي (AI) باعتباره نقلة نوعية تتجاوز أدوات التكنولوجيا التعليمية التقليدية؛ فهو لا يقتصر على تقديم المحتوى أو إدارة الصف إلكترونيًا، بل يشمل قدرات تحليل البيانات، وتخصيص التعليم وفق احتياجات المتعلمين، والتفاعل الذكي مع أساليب التعلم الفردية بوصفه أداة استراتيجية لإعادة تشكيل أساليب التعليم، مما يستدعي نمطًا قياديًا فاعلًا ومؤثرًا، يتجاوز الأدوار التقليدية إلى القيادة التحويلية. وقد أشار البروفيسور يوانغ كاي-فو (Kai-Fu Lee,2018)، أحد أبرز رواد الذّكاء الاصطناعيّ، إلى أنّ "الذكاء الاصطناعي لن يحلّ محل المعلمين، لكنه سيصبح أفضل مساعد لهم، يمنحهم الوقت للتركيز على ما يهم: الإبداع، التوجيه، والقيادة الإنسانية".

وتتوافق هذه الرؤية مع توجه سلطنة عُمان الطموح نحو تعليم مستقبلي قائم على تمكين الإنسان لا استبداله. كما تسعى رؤية عُمان 2040 إلى تعزيز الاقتصاد المعرفي وتمكين القدرات الوطنية، ويُعد قطاع التعليم أحد أهم روافد هذا التوجه. من هذا المنطلق، لم يعد دور المعلم محصورًا في التلقين أو التوجيه، بل أصبح محورًا رئيسًا في قيادة عملية التحول الرقمي، عبر توظيف أدوات الذّكاء الاصطناعيّ في التعليم. وقد بدأت وزارة التربية والتعليم خطوات جادة لدمج هذه التقنيات في المناهج والممارسات الصفية، مع التركيز على رفع جاهزية المعلمين رقميًا ومهنيًا. تقوم القيادة التحويلية، كما حددها Bass (1985)، على أربعة أبعاد رئيسة: التأثير المثالي والتحفيز الإلهامي والاستثارة الفكرية والاعتبارات الفردية. وتنعكس هذه الأبعاد بوضوح في شخصية المعلم العُماني، الذي يتبنّى الابتكار ويشجع طلابه على التفكير النقدي ويهيئ بيئة تعليمية مرنة تستوعب التغيير. فالمعلم التحويلي لا يكتفي بتطبيق أدوات الذّكاء الاصطناعيّ، بل يوظفها لإلهام طلابه وتحفيزهم على التعلم الذاتي والتفاعل الإبداعي.

وقد أدركت سلطنة عُمان أن بناء قيادة تعليمية مستقبلية يبدأ من تمكين المعلم؛ وهو ما تؤكده دراسة اليونسكو (2022)، التي تشير إلى أن الاستثمار في تدريب المعلمين على الذكاء الاصطناعي يعزز جودة التعليم ويُمكّن المعلم من أداء أدواره التربوية الجديدة بفعالية. وفي هذا الإطار، أُطلقت وزارة التربية والتعليم العديد من المبادرات الوطنية الهادفة إلى رفع كفاءة المعلمين في التعامل مع الذّكاء الاصطناعيّ وتوفير منصات تعليمية ذكية وإنشاء بيئات رقمية تفاعلية. وتُظهر نتائج هذه الجهود أن المعلمين القادرين على دمج التقنية مع القيادة التحويلية يحققون نتائج إيجابية في تحفيز الطلبة وتعزيز تفاعلهم. إن بناء جيل رقمي واعٍ لا يمكن أن يتحقق دون معلمين يمتلكون رؤية مستقبلية وقدرات قيادية عالية. ولذلك، يُوصى بتعزيز فلسفة القيادة التحويلية في السياسات التعليمية وتضمينها في برامج إعداد وتدريب المعلمين. كما ينبغي توفير الدعم المؤسسي والمعنوي، من خلال برامج تدريب مستمرة، وتقديم حوافز مهنية وتوفير منصات تعليمية رقمية متقدمة للمعلمين القادرين على الابتكار والقيادة، ليكونوا في طليعة قادة التغيير نحو تعليم رقمي متجدد ومتين.

وانسجامًا مع توجهات رؤية "عُمان 2040" التي تؤكد على الابتكار والتمكين والتحول الرقمي، يمكن النظر إلى المعلم العُماني بوصفه قائدًا تحويليًا يجسّد هذه المبادئ داخل البيئة التعليمية ويسهم في إعادة تشكيل التعليم بما يتوافق مع متطلبات المستقبل. وبقيادته التحويلية وروحه المبادِرة ووعيه بمتطلبات العصر الرقمي، يستطيع أن يقود الجيل القادم نحو المستقبل، حيث يتكامل الإنسان والتقنية في خدمة التعليم والجودة والابتكار.

** باحثة دكتوراة في القيادة التحويلية وتربوية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لجنة «التعليم الأجنبي» تناقش تطوير المناهج وأدوار المعلمين والمفتشين

عقدت لجنة إعداد لائحة التعليم الأجنبي بوزارة التربية والتعليم بحكومة الوحدة الوطنية، اجتماعها الثالث عشر، برئاسة وكيل وزارة التربية والتعليم للشؤون التربوية، الدكتورة مسعودة الأسود، لمواصلة مناقشة مواد اللائحة التنظيمية الخاصة بهذا القطاع.

وخُصّص الاجتماع لمراجعة الباب المتعلق بالمناهج التعليمية المعتمدة في المدارس الأجنبية داخل ليبيا، إضافة إلى الباب الخاص بمهام المعلم والمفتش التربوي، حيث تم طرح عدد من المقترحات المتعلقة بتطوير أساليب التدريس وتعزيز آليات الرقابة التربوية بما يضمن جودة المخرجات التعليمية.

ويأتي هذا الاجتماع في إطار سلسلة اجتماعات دورية تجريها اللجنة منذ تشكيلها بموجب قرار وزير التربية والتعليم رقم 1399 لسنة 2024م، بهدف إعداد لائحة شاملة تنظم عمل مؤسسات التعليم الأجنبي في البلاد، بما يتماشى مع المعايير الوطنية والدولية.

ويُتوقّع أن تسهم اللائحة الجديدة في ضبط الأداء التربوي والإداري داخل المؤسسات التعليمية الأجنبية، وضمان تكاملها مع الرؤية الوطنية للتعليم في ليبيا.

مقالات مشابهة

  • "تعليمية ظفار".. حين يُكرِّم المجدُ صنّاعه وورثته
  • خطوات فعلية لتحسين أوضاع المعلمين و تطوير المناهج.. ماذا أعلن وزير التعليم؟
  • التعليم تدرس زيادة نسبة المعلم من رسوم مجموعات التقوية
  • لجنة «التعليم الأجنبي» تناقش تطوير المناهج وأدوار المعلمين والمفتشين
  • «أدنوك» تطور مهارات الطلاب في الذكاء الاصطناعي
  • عاجل | فتح باب التقدم لخريجي المدارس الفنية للالتحاق بكليات الحاسبات والذكاء الاصطناعي
  • وزير التعليم يبحث مع «يونيسف» خطط تدريب المعلمين على المناهج المطورة
  • أورنج الأردن تُمكّن جيل المستقبل عبر مبادرة الذكاء الاصطناعي في نسختها الرابعة
  • وزير التعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس