العراق: عندما تتحول المحكمة الاتحادية العليا إلى محكمة بداءة!
تاريخ النشر: 6th, June 2025 GMT
طوال تاريخ العراق الحديث، ظلت الرقابة الدستورية على القوانين ملتبسة، فالقانون الأساسي الذي صدر في العام 1925، والذي يعد بمثابة الدستور، تحدثت المادة 81 عن تشكيل «محكمة عليا»، من بين اختصاصاتها البت «بالأمور المتعلقة بتفسير القانون، وموافقة القوانين الأخرى لأحكامه». وتضمنت المادة 83 نصا صريحا أن المحكمة تتولى تفسير أحكام القانون الأساسي.
وقد تم تعديل هذه المادة في العام 1943 لإعطاء هذه المحكمة اختصاص الرقابة الدستورية بشكل صريح من خلال تعديل الفقرة الاخيرة من المادة لتكون «وللبت بالأمور المتعلقة بتفسير هذا القانون وموافقة القوانين الأخرى لأحكامه». ولكن التعديل لم يعط هذه المحكمة الاستقلالية، لأنها ظلت تعقد برئاسة رئيس مجلس الأعيان من جهة، ولا تجتمع المحكمة إلا بإرادة ملكية تصدر بموافقة مجلس الوزراء.
الجمهورية العراقية التي تشكلت في العام 1958 أغفلت تماما موضوع الرقابة الدستورية، فلم يتضمن الدستور المؤقت لعام 1958، ولعام 1963 أي إشارة إلى محكمة دستورية. أما الدستور المؤقت لعام 1968 فقد قرر في المادة 87 «تشكل بقانون محكمة دستورية عليا»، وبالفعل صدر القانون رقم 159 لسنة 1968 بتشكيلها، ولكنه لم ينفذ مطلقا، ليأتي الدستور المؤقت لعام 1970 خاليا من أي أشارة الى محكمة دستورية عليا!
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، كان الأمريكيون حريصين على تشكيل محكمة تعنى بالرقابة الدستورية، فتحدث قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية عن تشكيل «محكمة في العراق بقانون وتسمى المحكمة الاتحادية العليا» (المادة 44). وبينت المادة 45 اختصاصات هذه المحكمة، ومن بينها الرقابة الدستورية في الفقرة 3/ ج. وبالفعل تشكلت هذه المحكمة بموجب القانون رقم 30 لسنة 2005، في زمن الحكومة المؤقتة.
ولكن دستور العام 2005، وفي المادتين 92 و93 تحدث عن محكمة اتحادية مختلفة تماما في بنيتها وفي اختصاصاتها عن المحكمة التي تشكلت بموجب القانون رقم 30. وكان واضحا للجميع حينها أن المحكمة المشكلة بموجب القانون رقم 30 أصبحت باطلة وفقا للمادة الدستورية رقم 13/ ثانيا التي نصت على أن «يعد باطلا» أي نص قانون يتعارض مع الدستور.
وبالفعل لم ينتظر أحد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج انتخابات مجلس النواب التي جرت في كانون الأول 2005، كما ينص على ذلك الدستور. ولكن تواطؤا لاحقا جرى بين الطبقة السياسية والمحكمة الاتحادية العليا سمح لها بأن تتولى الاختصاصات الواردة في الدستور، فضلا عن الاختصاصات الواردة في قانونها (مثل النظر في الطعون المقدمة على الأحكام والقرارات الصادرة من محكمة القضاء الإداري) على الرغم من أن بنيتها تختلف تماما عن المحكمة الاتحادية الموصوفة في الدستور.
وقد أدى هذا التواطؤ إلى فقدان المحكمة الاتحادية لاستقلاليتها بالمطلق، وخضوعها لاشتراطات الفاعل السياسي الأقوى. ومراجعة قرارات المحكمة الاتحادية العليا يكشف بوضوح عن تسييسها، وعدم مهنيتها، ولعل القرار المتعلق بتفسير «الكتلة الأكثر عددا» الذي صدر في العام 2010 لمنع القائمة العراقية من تشكيل الحكومة، والقرار المتعلق بخضوع «الهيئات المستقلة» لسلطة رئيس مجلس الوزرء في العام 2011، والقرار بأن مجلس النواب لا يمتلك صلاحية تقديم مقترحات قوانين من دون موافقة الحكومة المركزية عليها في العام 2011 أيضا، هي من بين القرارات الأكثر تعبيرا عن ذلك!
بعد العام 2017 دخل القضاء العراقي في أزمة أخرى، حين تم تشريع قانون مجلس القضاء الأعلى، وأصبح القاضي فائق زيدان رئيسا له، بعد أن كانت المحكمة الاتحادية العليا ومجلس القضاء الأعلى يخضعان لرئيس واحد هو القاضي مدحت المحمود على مدى 13 عاما.
وبداية من العام 2019 شهدنا صراعا علنيا بين الرجلين، ليدخل مجلس النواب نفسه في هذا الصراع في سياق العلاقة الزبائنية التي تحكم النظام السياسي العراقي ككل، وذلك من خلال «مقترح» تقدم به بعض النواب من حلفاء رئيس مجلس القضاء الاعلى في شباط 2019 لتعديل قانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لسنة 2005 بتحديد أعمار قضاة المحكمة الاتحادية من مدى الحياة إلى عمر 63 سنة فقط، للإطاحة برئيس المحكمة الاتحادية وقضاتها جميعا. لترد المحكمة الاتحادية بقرار مضاد بتاريخ 21 أيار 2019 تضمن الحكم بعدم دستورية المادة 3 من قانون المحكمة الاتحادية الذي يقضي بأن قضاة المحكمة الاتحادية العليا يجري ترشيحهم من مجلس القضاء الأعلى، وبأن الدستور لم يعط هكذا اختصاص لمجلس القضاء الأعلى (القرار 38/ 2019)!
ولكن هذا الصراع بدا محسوما تماما بداية من العام 2020، عندما انحاز رئيس الجمهورية ومجلس النواب إلى صالح رئيس مجلس القضاء الأعلى بشكل فاضح، وذلك عندما شرع مجلس النواب مشروع قانون تقدم به رئيس الجمهورية ضرب عرض الحائط قرار المحكمة الاتحادية العليا «البات والملزم للسلطات كافة» بموجب الدستور، تم من خلاله تعديل قانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لسنة 2005 ليعيد لمجلس القضاء الأعلى اختصاص ترشيح قضاة المحكمة الاتحادية!
ولكن شهر العسل بين المحكمة الاتحادية العليا بقضاتها الجدد ومجلس القضاء الأعلى لم يستمر طويلا، فبداية من العام 2024 تجدد الصراع بين الجهتين، وبصورة علنية. ففي 15 نيسان 2024 أفتت المحكمة الاتحادية بقرارها بالرقم (102/ اتحادية/ 2024) بعدم دستورية عبارة وردت في قانون التقاعد الموحد، ليرد مجلس القضاء الأعلى بقرار مضاد أصدرته محكمة التمييز الاتحادية ينقض فيه قرار المحكمة الاتحادية «البات والملزم للسلطات كافة» ويعدُه «معدوما»!
ليتكرر الصراع مرة أخرى في شباط 2025 عند أصدرت المحكمة الاتحادية أمرا ولائيا يتعلق بسلة القوانين التي شرعها مجلس النواب، حيث سارع مجلس القضاء الأعلى إلى إصدار قرار مضاد يلغي عمليا الأمر الولائي.
اليوم يتكرر الصراع مرة ثالثة مع إصدار محكمة التمييز الاتحادية قرارا في 25 أيار 2025 يقضي بأن القرار الصادر من المحكمة الاتحادية (القرار 232/ اتحادية /2024) بشأن الحكم بعدم دستورية المادة 35/ ثامنا من قانون التقاعد الموحد لسنة 2014 المعدل «قرارا معدوما لا أثر له»!
الخطير هنا أن هذا الصراع لم يعد مجرد صراع بين الرجلين، او بين المؤسستين القضائيتين، بل تحول إلى امتداد للصراع السياسي بين الفاعلين السياسيين الشيعة أنفسهم، والأخطر أن علاقات القوة وحدها هي التي ستحسم نتائج هذا الصراع وليس الدستور أو الفقه الدستوري أو المنطق، بدليل تعاطي الدولة ومؤسساتها بكل سلاسة مع قرارات مجلس القضاء الأعلى/ محكمة التمييز الاتحادية وضربها عرض الحائط قرارات المحكمة الاتحادية العليا «الباتة والملزمة للسلطات كافة»!
إن مراجعة سريعة للمواد الدستورية المتعلقة بالمحكمة الاتحادية، وقانون مجلس القضاء الأعلى، يكشف أن ما يجري مسرحية عبثية بكل المقاييس، وأن مجلس القضاء الأعلى يتجاوز اختصاصاته، وينتهك أحكام الدستور بصلافة، ويتعاطى مع المحكمة الاتحادية العليا بوصفها محكمة بداءة خاضعة له، متسلحا بتواطؤ الطبقة السياسية معه، وخشيتها من سلطته المطلقة!
عندما تتحول مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات لأصحابها، وتحكم علاقات القوة وحدها الدولة، وتضرب سلطات الدولة ومؤسساتها الدستور والقانون عرض الحائط، لا يمكن حينها إلا الحديث عن دولة فاشلة!
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العراق المحكمة الاتحادية العراق بغداد المحكمة الاتحادية حكومة السوداني سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة مقالات مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة الاتحادیة العلیا مجلس القضاء الأعلى الرقابة الدستوریة القانون رقم مجلس النواب هذه المحکمة هذا الصراع رئیس مجلس فی العام
إقرأ أيضاً:
حدث وأنت نائم| شاب يقتحم لجنة امتحانات بأكتوبر لمقابلة حبيبته.. وقرار من المحكمة في قضية نجل عبد العزيز مخيون
شهدت الساعات الماضية، العديد من القضايا والحوادث، التي أثارت الرأي العام، أبرزها اقتحام شاب لجنة امتحانات بأكتوبر لمقابلة حبيبته وتعديه على رئيس اللجنة، وإشعال طالب النار في ورقة الامتحان داخل لجنة الثانوية التجارية ببولاق الدكرور، والإفراج عن خمسين متهمًا محبوسًا احتياطيًا، وغيرها، وسنعرضها في هذا التقرير.
تعاطي المخدرات.. قرار عاجل من المحكمة في قضية نجل الفنان عبد العزيز مخيونقررت محكمة جنايات مستأنف دمنهور، الدائرة الثالثة، إيقاف تنفيذ العقوبة في الحكم الصادر في أبريل الماضي ضد نجل الفنان عبد العزيز مخيون، فى القضية رقم 2315 لسنة 2025، والمقيدة برقم 329 كلى2025 وسط دمنهور، والتي قضت بالسجن 6 أشهر وغرامة 10 آلاف جنيه بتهمة إحراز مواد مخدرة بقصد التعاطي والقيادة تحت تأثير المخدر، وذلك بعد النظر في الاستئناف على الحكم السابق.
وكانت محكمة جنايات دمنهور، الدائرة 13، برئاسة المستشار عبد العاطي مسعود شعلة رئيس المحكمة، وبعضوية كل من: المستشارين هشام شريف الشريف وتامر أحمد عشره ومصطفي أحمد حسن، وأمانة السر إبراهيم محمد متولي، قضت السجن 6 أشهر لنجل الفنان عبد العزيز مخيون وغرامة 10 آلاف جنيه، بتهمة إحراز مواد مخدرة بقصد التعاطي والقيادة تحت تأثير المخدر، مما نتج عنه مصرع شخص بمركز شرطة أبو حمص، وذلك في القضية رقم 2315 لسنة 2025، والمقيدة برقم 329 كلى2025 وسط دمنهور.
وكان المستشار محمد الحسيني المحامى العام لنيابات وسط دمنهور، أحال صلاح الدين عبد العزيز مخيون إلى محكمة الجنايات لأنه فى غضون 30 من شهر يناير 2025 أحرز مخدر الحشيش، بقصد التعاطي فى غير الاحول المصرح بها قانونا، كما قام المتهم بقيادة مركبة تحت تأثير المخدر تعاطى المواد المخدرة مما نتج عنه مصرع شخص بدائرة مركز شرطة أبو حمص، وذلك فى القضية رقم 2315 لسنة 2025، والمقيدة برقم 329 كلى2025 وسط دمنهور.
أقدم طالب على إشعال النيران بورقة الامتحان بلجنة للثانوية التجارية داخل إحدى المدارس ببولاق الدكرور، وجرى اتخاذ جميع التدابير القانونية والإدارية حيال الطالب مرتكب الواقعة.
وتلقت غرفة عمليات النجدة بمديرية أمن الجيزة، بلاغًا من وكيل بأحد لجان امتحانات الثانوية التجارية، يفيد بإشعال أحد الطلاب النيران وحرق ورقة الامتحانات بإحدى المدارس بمنطقة بولاق الدكرور.
وانتقلت الأجهزة الأمنية إلى محل البلاغ وجرى ضبط الطالب مرتكب الواقعة، كما جرى اتخاذ جميع التدابير القانونية والإدارية حيال الطالب، وتم تحرير المحضر اللازم بالواقعة.
أمر المستشار رئيس الاستئناف القائم بأعمال المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا بإخلاء سبيل خمسين متهمًا، وذلك على ذمة قضايا تُجري تلك النيابة تحقيقاتٍ فيها.
يأتي في إطار توجيهات النائب العام المستشار محمد شوقي، إلى كافة نيابات الجمهورية، بمراجعة الموقف القانوني لجميع المتهمين المحبوسين احتياطيًا بشكل دوري.
ألقت الأجهزة الأمنية بالجيزة، القبض على شاب اقتحم لجنة امتحانات بإحدى المدارس في الحي 11 بمدينة أكتوبر، في محاولة منه لرؤية حبيبته أثناء انعقاد الامتحانات.
وبحسب البلاغ الذي تلقاه اللواء هاني شعراوي، مدير المباحث الجنائية بمديرية أمن الجيزة، من المقدم محمد أشرف، رئيس مباحث قسم شرطة أكتوبر ثان، فإن رئيس لجنة الامتحان رضا عبد المنعم - كبير معلمي إدارة عابدين التعليمية - أبلغ عن واقعة اقتحام لجنة الدبلوم الفني من قبل شاب يُدعى «زياد أ».
ووفقًا للبلاغ، حاول الشاب الدخول لمقابلة طالبة تجمعه بها علاقة عاطفية، وأثناء محاولته اقتحام اللجنة تصدى له رئيس اللجنة، فقام المتهم بتوجيه السباب له ثم لاذ بالفرار.
وتمكنت قوات الأمن من ضبط المتهم، فيما يواصل رجال المباحث استكمال التحقيقات وسماع أقوال الشهود، بالإضافة إلى تفريغ كاميرات المراقبة لرصد تفاصيل الواقعة تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
اقرأ أيضاًاعرف طريقك.. مناطق الزحام المروري في محافظة القاهرة والجيزة
مصرع وإصابة 16 في حادث انقلاب ميكروباص بصحراوى المنيا