حرب إسرائيل الأبدية ومنطق الإبادة الجماعية في غزة
تاريخ النشر: 8th, June 2025 GMT
منذ حدث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 الذي قوض مرتكزات الأمن القومي الإسرائيلي القائم على الردع، دخلت المستعمرة الصهيونية في حالة شك وقلق، وسوّقت للجمهور الدولي دور الضحية التي تخوض حرب وجودية بمنطق الدفاع عن النفس. وقد حرّض وزراء إسرائيليون وشخصيات سياسية وضباط عسكريون وخبراء إعلاميون على تدمير غزة وإبادة سكانها الفلسطينيين دون مواربة.
لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يؤكد في تصريحاته أنه لن ينهي الحرب في غزة قبل أن تحقق إسرائيل "نصرا مطلقا"، ومع ذلك، فهو يرفض توضيح الأهداف السياسية للقتال، فهل يعني هذا أن إسرائيل تشن حربا دون استراتيجية واضحة المعالم؟ وإذا لم تكن هذه الحرب امتدادا لسياستها بوسائل أخرى، فهل هي حربٌ لذاتها، أم حربٌ مطلقة، أم حرب إبادة؟ أم أن إسرائيل تمتنع عن الإعلان عن أهدافها السياسية لأن ذلك من شأنه أن يُقوّض ادعاءها بأنها منخرطة في الدفاع المشروع عن النفس؟ وفي حقيقة الأمر، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تواترت تصريحات قادة المستعمرة بشن حرب إبادة جماعية، فالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ صرّح بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر بقليل بأن "الأمة [الفلسطينية] بأكملها مسؤولة"، ثم صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك يوآف غالانت في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بالقول: "أمرتُ بحصار شامل على قطاع غزة. لن يكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا وقود، كل شيء مُغلق. نحن نُقاتل حيوانات بشرية، ونتصرف بناء على ذلك". ومع توالي التصريحات بإبادة الشعب الفلسطيني في غزة، كانت جنوب أفريقيا قد جمعت بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2023 سجلا شاملا بهذه التصريحات لتقديمها إلى محكمة العدل الدولية، مؤكدة أن إسرائيل تنوي ارتكاب إبادة جماعية في القطاع الفلسطيني.
بات واضحا أن ما تقوم به إسرائيل من إبادة جماعية ليس مجرد رد فعل عاطفي انفعالي مؤقت، فهي تواصل إلحاق مستويات هائلة من الموت والدمار والتجويع والحرمان لا يمكن تبريرها بالضرورة العسكرية، فقد تحولت غزة إلى كومة من الأنقاض، حيث دمّرت آلة الإبادة الإسرائيلية الأحياء السكنية والمدارس والجامعات والمساجد والمكتبات والمستشفيات والشركات والمواقع الثقافية والتاريخية
منذ قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير الماضي ثم اقتراحه في شباط/ فبراير أن تسيطر الولايات المتحدة على غزة وتعيد تطويرها إلى "ريفييرا" بدون فلسطينيين، تحللت إسرائيل من أي ضوابط في تحديد أهدافها، وأصبحت الإبادة برنامجا علنيا، ولم تعد القيادة الإسرائيلية ملزمة بصياغة رؤية لما بعد الحرب، وتراجعت الخطابات الموجهة للجمهور الدولي والتي تحدد الأهداف العسكرية الأضيق المتمثلة في هزيمة حماس وإنقاذ الأسرى الإسرائيليين.
وقد تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فكرة ترامب، واستخدمها كغطاء سياسي لإعلان غزة غير صالحة للسكن والدعوة إلى إعادة توطين سكانها الباقين على قيد الحياة بشكل دائم خارج القطاع. وسرعان ما استأنفت إسرائيل حرب الإبادة في آذار/ مارس، منهية وقف إطلاق النار الذي استمر شهرين، وفرضت حصارا شاملا على الغذاء والمياه، مما أدى إلى حالة مجاعة في جميع أنحاء غزة. وقد صف نتنياهو العملية بأنها "خطوات ختامية"، تهدف إلى ضمان "اختيار سكان غزة الهجرة خارج القطاع". وأعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في أيار/ مايو أن غزة ستختفي من الوجود خلال ستة أشهر، وأضاف أن السكان الناجين سيُجمعون في "منطقة إنسانية" واحدة، وسيغادرونها -وقد حطمهم اليأس- "مدركين أنه لا أمل ولا شيء يُنتظر في غزة".
لقد بات واضحا أن ما تقوم به إسرائيل من إبادة جماعية ليس مجرد رد فعل عاطفي انفعالي مؤقت، فهي تواصل إلحاق مستويات هائلة من الموت والدمار والتجويع والحرمان لا يمكن تبريرها بالضرورة العسكرية، فقد تحولت غزة إلى كومة من الأنقاض، حيث دمّرت آلة الإبادة الإسرائيلية الأحياء السكنية والمدارس والجامعات والمساجد والمكتبات والمستشفيات والشركات والمواقع الثقافية والتاريخية، وارتفعت حصيلة العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى 54 ألفا و772 شهيدا، بينهم أكثر من 18 ألف طفل، بالإضافة إلى 125 ألفا و734 جريحا بإصابات متفاوتة بينها إصابات خطيرة، غالبيتهم من النساء والأطفال، وسط أعداد كبيرة لا تزال تحت الأنقاض، وهو ما يذكرنا بما وصفه نائب رئيس البرلمان الإسرائيلي، عضو الكنيست نيسيم فاتوري، بأنه "الهدف المشترك الوحيد" للبلاد بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وهو "محو قطاع غزة من على وجه الأرض".
ثمة تصور شاع لدى العديد من المحللين والمراقبين بأن نتنياهو يرفض الاتفاق على وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن بالسجناء مع حماس بسبب خوفه من أن الوزراء المتطرفين على يمينه -بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير- الذين يدعمون احتلالا عسكريا دائما واستيطانا نهائيا لقطاع غزة، سيُسقطون حكومته، وأن ذلك قد يؤدي إلى إنشاء لجنة تحقيق في فشل 7 أكتوبر، واستئناف محاكمة نتنياهو بتهم الفساد، مما قد ينهي مسيرته السياسية ويدخله السجن، ومن هنا يأتي اهتمام نتنياهو بمواصلة الحرب في غزة والهجوم في لبنان وسوريا. وهي تصورات صحيحة جزئيا، لكن ذلك لا يجعل ديمومة حرب الإبادة مسألة شخصية، فنتنياهو يمتلك استراتيجية طويلة المدى، سعى إليها طوال مسيرته السياسية الطويلة، وهي استراتيجية تتشابه مع السياسات الصهيونية التي تعود إلى فترة ما قبل قيام الدولة، وهي الاستراتيجية التي تُحرّك حرب الإبادة الحالية.
فالهدف الجوهري من الإبادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، ومن المخططات المتنوعة لطرد من يتبقى منهم على قيد الحياة، حسب جوزيف مسعد، هو الحفاظ على مشروع المستعمرة الاستيطانية اليهودية في إسرائيل عبر استعادة التفوق الديموغرافي اليهودي المفقود، والذي تم تحقيقه أول مرة عام 1948 من خلال عمليات القتل والتهجير الجماعية. فمنذ بدايات مشروعهم الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، أدرك الصهاينة أن فرصة بقاء كيانهم مرهونة بإنشاء أغلبية يهودية في البلاد، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون طرد الفلسطينيين. وقد وضع ثيودور هيرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية في تسعينيات القرن التاسع عشر، خططا مسبقة لهذا الغرض، سعت المنظمة الصهيونية إلى تحقيقها منذ عشرينيات القرن العشرين. ومع ذلك، لم يصبح الطرد والتهجير ممكنا إلا بعد الغزو الصهيوني العسكري لفلسطين. ومع تفوق عدد الشعب الفلسطيني على اليهودي رغم سياسات التفوق العرقي الصهيوني، شكل الواقع الديموغرافي صدمة لا يمكن احتمالها بالنسبة لدولة الفصل العنصري، وعلى هذه الخلفية أصدر الكنيست الإسرائيلي "القانون الأساسي الجديد: إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي" في تموز/ يوليو 2018، مؤكدا أن "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، حيث تأسست دولة إسرائيل" وأن "ممارسة حق تقرير المصير الوطني في دولة إسرائيل هو حق حصري للشعب اليهودي".
لم يعد من الممكن الرهان على قدرة الولايات المتحدة على ضبط المنطقة وتطويع الأنظمة الاستبدادية العربية للإذعان لمشروع الإبادة والتهجير، فقد برهنت الشعوب العربية إبان انتفاضات الربيع العربي على أنها تمتلك القدرة على تقويض الواقع، والفعل والحركة في لحظات تاريخية
لم يعد بالإمكان تبرير تصريحات القيادات الإسرائيلية باعتبارها مجرد انفعالات عاطفية وخطابات انتقامية بعد تسعة عشر شهرا من حملة إسرائيل لتصفية وإبادة غزة، فقد بات واضحا للجميع أنها تعكس منطقا استراتيجيا ورؤية بعيدة المدى. وقد أوضح نتنياهو، في مستهل اجتماع الحكومة الإسرائيلية في 30 آذار/ مارس 2025، أن الضغط العسكري الإسرائيلي المرافق للضغط السياسي هو الأمر الوحيد الذي يعيد المحتجزين الإسرائيليين. وأضاف أنّ خطة الحكومة الإسرائيلية لليوم التالي للحرب هي: نزع سلاح حماس وإبعاد قادتها إلى خارج قطاع غزة، ووضع الأمن العام في القطاع تحت سيطرة إسرائيل، وتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لـتهجير الفلسطينيين طوعيا من قطاع غزة. وفي آذار/ مارس 2025، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على إنشاء "هيئة لإدارة الهجرة الطوعية [للفلسطينيين] من غزة".
وقد وصف جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي السابق، هذه التصريحات الإسرائيلية بأنها "إعلانات واضحة عن نية الإبادة الجماعية"، مشيرا إلى أنه "نادرا ما سمعت زعيم دولة يحدد بوضوح خطة تتناسب مع التعريف القانوني للإبادة الجماعية". فوفقا لاتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، يشمل هذا التعريف الأفعال المرتكبة "بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كليا أو جزئيا"، مثل قتل أفراد من الجماعة أو فرض شروط تهدف إلى تدميرهم جسديا. وعندما يتحدث المسؤولون الإسرائيليون صراحة عن جعل غزة غير صالحة للعيش بشكل دائم لتحفيز نزوح جماعي، فإنهم يصفون هذا السيناريو بالضبط.
خلاصة القول أن المستعمرة اليهودية لم تعد تخفي نواياها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، في ظل الخوف من تحول المستوطنين اليهود إلى أقلية ديموغرافية، ومع تواصل عجز إسرائيل عن تحقيق هدفها الجوهري رغم دعم ومشاركة الولايات المتحدة فإن حربها الإبادية في غزة مستمرة، وباتت أبدية بلا نهاية. لكن بوادر الانقسام بدأت تظهر حتى مع أقرب حلفائها غير الولايات المتحدة، 20 أيار/ مايو الماضي، حذرت المملكة المتحدة وفرنسا وكندا من أنها ستفرض عقوبات إذا استمرت إسرائيل في منع المساعدات الإنسانية وتصعيد عملها العسكري في غزة، وأصدرت ألمانيا وإيطاليا بيانات استياء. وتتخلى بعض الشخصيات في أروقة السلطة الدولية ووسائل الإعلام عن مواقفها، ومع تصاعد الانتقادات سوف تجد المستعمرة نفسها في عزلة على المدى البعيد.
فمع تصاعد الوقاحة الصهيونية وتقويض مبادئ القانون الدولي، أجبرت إسرائيل العالم على مواجهة حالة طوارئ أخلاقية وقانونية، ولم يعد من الممكن الرهان على قدرة الولايات المتحدة على ضبط المنطقة وتطويع الأنظمة الاستبدادية العربية للإذعان لمشروع الإبادة والتهجير، فقد برهنت الشعوب العربية إبان انتفاضات الربيع العربي على أنها تمتلك القدرة على تقويض الواقع، والفعل والحركة في لحظات تاريخية، وأن طاقتها الانفجارية استثنائية وغير متوقعة، وكما فشلت المستعمرة في تحقيق أهدافها في ظروف مثالية سابقة، فإن فشلها بديمومة الحرب والإبادة والتهحير في الظروف الحالية مصيره الفشل.
x.com/hasanabuhanya
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي غزة إسرائيل غزة ابادة مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الإبادة الجماعیة الشعب الفلسطینی إبادة جماعیة تشرین الأول أکتوبر 2023 قطاع غزة لا یمکن فی غزة
إقرأ أيضاً:
عامان من الإبادة.. كيف دمرت إسرائيل مرافق الرياضة في غزة؟
في سن 12 عاما، حصلت نغم أبو سمرة على الحزام الأسود في الكاراتيه، وفي عمر الـ20 فازت بالمركز الأول في قطاع غزة والثاني على مستوى فلسطين، لتصبح عضوًا في المنتخب الوطني الفلسطيني. بدأ اسمها يتردد، وأصبح الجميع يعوّل عليها في كتابة تاريخ رياضي جديد.
ومع دخول الكاراتيه إلى أولمبياد طوكيو 2020، كان هذا حلمًا خاصًا لها، فقد أملت في تحقيق أول ميدالية ذهبية فلسطينية في أولمبياد لوس أنجلوس 2028.
إلى جانب تفوقها الرياضي، حصلت نغم على ماجستير في التربية الرياضية، وأسست ناديا لتعليم الفتيات اللعبة في غزة، بهدف نشر الثقافة الرياضية بين الصغار.
لكن الأحلام لم تكتمل، وفي 17 ديسمبر/كانون الأول 2023، تعرض منزلها في مخيم النصيرات لغارة إسرائيلية، مما أسفر عن إصابتها وبتر قدمها، لتستشهد لاحقًا إثر فشل محاولات علاجها.
لم تكن نغم الحالة الأولى، بل استكمالا لسلسلة من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة التي توثقها 75 عامًا من الاحتلال.
قدمت الحروب السابقة في غزة دلائل على الاستهداف المباشر للرياضيين. فقد أصيب الدراج الشهير علاء الدالي برصاص الاحتلال خلال مسيرات العودة الكبرى، إلى جانب 29 رياضيًا آخرين، بعضهم تعرض لبتر قدمه. كما تم اغتيال المدرب الشهير عاهد زقوت خلال حرب 2014، التي شهدت استشهاد 32 رياضيًا، بينما استشهد 300 رياضي خلال انتفاضة الأقصى.
جرائم موثقةتظهر المحاولة الأولى للبحث والتوثيق الحجم الهائل للجرائم، والتي خلفت دمارًا كاملا للرياضة في غزة، دمارًا طال كل المرافق الرياضية تقريبًا، واستهدافًا طال الرياضيين من جميع التصنيفات.
وفي المحاولة الأولية للبحث، بدأنا بكرة القدم، وبأندية الدوري الممتاز في غزة خلال دوري عام 2023، الذي ضم حينذاك 12 فريقًا موزعين على مناطق القطاع من بيت حانون إلى رفح.
وبمراجعة صفحات فيسبوك للأندية، فإن المنشورات الوحيدة المتاحة هي منشورات النعي، للإداريين والطواقم الفنية واللاعبين بالفريق الأول والناشئين، من جميع الألعاب والأعمار.
إعلانوعلى سبيل المثال، فإن صفحة نادي هلال غزة نعت أول لاعب استشهد في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وآخر لاعب استشهد في 15 سبتمبر/أيلول 2025، وما بينهما لم يكن سوى نعي متواصل للاعبين وإداريين.
كما يظهر تصفح موقع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الأمر نفسه، حيث تمثل أخبار النعي النسبة الأكبر بين أخبار الاتحاد، مع تنوع لطبيعة الجريمة الإسرائيلية ومكانها.
ويتصدر النعي أسماء بارزة في الرياضة الفلسطينية، مثل سليمان العبيد، أو "بيليه فلسطين" كما يسمى، والذي أثارت وفاته اهتمامًا عالميًا واسعًا، وتنديدًا بالقتل الممنهج للرياضيين في غزة.
وطبقًا لأحدث أرقام الاتحاد، فقد قتلت إسرائيل أكثر من 774 من الرياضيين في غزة منذ انطلاق الحرب، بينهم عدد كبير من الأطفال.
كما دمرت إسرائيل نحو 285 منشأة رياضية، جرفت بعضها تمامًا، وقصفت بعضها، وحولت الملاعب إلى معسكرات اعتقال وتعذيب.
وفي أحدث إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي، بلغ عدد الرياضيين 894 رياضيًا، والمنشآت 292 بين ملعب وصالة رياضية ومقر إداري.
المنشآت الرياضيةيظهر تتبع المنشآت الرياضية في غزة، واقعا كارثيا، ودمارا كاملا طال كل المرافق تقريبا، حيث قصفت إسرائيل بعض الملاعب، وجرفت بعضها، وحولت البعض لمراكز اعتقال، كما دفعت موجات النزوح المتكررة المواطنين لبعض الملاعب كملجأ ينصبون فيها خيامهم.
ويوثق تتبع الملاعب عبر صور الأقمار الصناعية الدمار الكبير الذي لحق، بالمرافق الرياضية، من بينها منشآت عريقة عاشت وشهدت مباريات دولية وأحداثا بارزة.
ملعب فلسطين
يعد ملعب فلسطين هو الأشهر والأكبر في غزة، يتسع لنحو 10 آلاف مشجع، وتأسس عام 1999، وشهد المباراة التاريخية بين منتخب فلسطين ونادي الزمالك المصري عام 2000، كما استضاف نادي الوحدات الأردني حين واجه اتحاد الشجاعية في بطولة كأس الكؤوس الآسيوية.
???? ملعب فلسطين الدولي، الذي لطالما احتضن المباريات الدولية والرسمية، بات اليوم أثراً بعد عين.
جرفته آليات الاحتلال، وتحوّل إلى ملجأ للنازحين الذين فرّوا من ويلات القصف، ليصبح شاهداً على أحلامٍ كانت هنا وانطفأت.
???? عدسة مؤمن الكحلوت #SaveGaza #فلسطين #الإبادة_الجماعية… pic.twitter.com/tCdpughxi5
— Palestine Football Association (@Palestine_fa) November 11, 2024
وتظهر الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية في 29 سبتمبر/أيلول، تكدس الخيام في الملعب، وتحوله لمعسكر لاجئين، بعد دمار طال كل مرافقه بسبب القصف المستمر.
ملعب اليرموك
أحد أقدم الملاعب الفلسطينية، والذي تأسس في 1952، ويتسع لـ9 آلاف مشجع، ويستضيف مباريات العديد من أندية مدينة غزة في الدوري الممتاز، كما يستضيف العديد من الأحداث الاجتماعية والثقافية.
????صور حديثة لـ #ملعب_اليرموك في مدينة #غزة، تظهر حجم الدمار الهائل الذي لحق به بعد أن اجتاحه جيش الاحتلال بالدبابات والجرافات، ودمّره كليا، وحوّله إلى مركز اعتقال وتعذيب، في جريمة تشهد على وحشية هذه العصابات التي لم يسلم منها بشر أو حجر في قطاعنا الصامد.#غزة #فلسطين pic.twitter.com/xNGQwhGGj9
— Palestine Football Association (@Palestine_fa) May 6, 2024
إعلانوتهدمت مرافق الملعب، ولم يتبق من معالمه ما يشير لصورته القديمة، التي عرفت لنحو 75 عاما، وتحولت مساحته لساحة تجمع النازحين.
وكان الملعب قد شهد في وقت سابق، تحويله من قوات الاحتلال ليصبح معسكر اعتقال، جمع فيها عشرات المواطنين لاعتقالهم والتحقيق معهم.
ملاعب منطقة السودانية
ضمت مناطق السودانية في مدينة غزة، عددا من الأندية الشهيرة، مثل نادي غزة ونادي الهلال، وقد اختفت معالمها تماما في صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 29 سبتمبر/أيلول.
ملعب بيت لاهيا
يعد ملعب بيت لاهيا من أكبر ملاعب شمال القطاع، واستضاف لسنوات مباريات الدوري الممتاز، لفرق شمال غزة، لكنه تعرض لعدة استهدافات منذ بداية الحرب.
وطال الدمار مرافق النادي، واختفاء كل المساحة الخضراء، وغياب أي وجود للنازحين، في ظل القصف الإسرائيلي المستمر على المنطقة، والتي تقع ضمن مناطق الإخلاء الحالية.
ملعب بيت حانون
وفي شمال القطاع، تعرض ملعب بيت حانون وهو أحد أشهر ملاعب غزة، لدمار كامل، أسوة بباقي مدينة بيت حانون، التي تظهر الصور دمارا كاملا لمبانيها.
ملعب المدينة الرياضية/خان يونس
وكان ملعب المدينة الرياضية في خان يونس، شاهدا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الرياضة، حيث اجتاحته آليات الاحتلال وجرفته بالكامل خلال العملية البرية في خان يونس مطلع 2024.
قـوات الاحتلال تواصل مسلسل تدمير المنشـآت الرياضية، وتقوم بتدمير ستاد المديـنة الريـاضية بخـانيونس، ليصبح بذلك سادس الملاعب الرياضية الكبرى المدمرة بعد ملعب بيت حانون الرياضي، اليرموك، ستاد فلسطين، ملعب التفاح وملعب نادي #غزة الرياضي، إضافة للعديد من الملاعب التدريبية في القطاع pic.twitter.com/18oQEgGvco
— Palestine Football Association (@Palestine_fa) January 26, 2024
ملعب رفح البلدي
يعد من أقدم ملاعب القطاع، وقد تأسس عام 1953، يتسع لـ5 آلاف متفرج، وتستخدمه أندية رفح في مبارياتها الرسمية.
وتحول في فترات طويلة لمركز إيواء نازحين، قبل أن تخلى المدينة بالتزامن مع اجتياحها بريا.
الملاعب الخماسية
لم يقتصر الدمار على الملاعب الكبرى والأندية المعروفة، بل طال مئات الملاعب الخماسية المنتشرة في أنحاء القطاع، والتي دمر أغلبها وتحول الكثير منها لأماكن نزوح.
وحسب ما وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فقد دمر منذ بداية الحرب أكثر من 300 ملعب خماسي.
وكانت الملاعب الخماسية قد انتشرت في غزة بشكل مكثف خلال السنوات الماضية، حيث أنشأتها الأندية الكبرى كمصدر إضافي للدخل، ثم امتدت لكل أنحاء القطاع، وصلت لبناء أحد الملاعب على سطح بناية، كما فعل نادي الصداقة الرياضي.
ومثلت الملاعب المعشبة صناعيا، فرصة للأطفال والشباب داخل القطاع لممارسة الرياضة في أجواء مناسبة، كما تطور الأمر ليأخذ طابعا تنافسيا، بعد إطلاق عدد من البطولات الرسمية لكرة القدم الخماسية، تحت إشراف اتحاد كرة القدم.
كما وثق المرصد تدمير 22 مسبحا، وتضرر وتدمير 28 مركزا رياضيا للياقة البدنية، وهي التي انتشرت في القطاع وحظيت باهتمام واسع من الشباب خلال السنوات الأخيرة.
الموقف العالمي الرسميوقادت هذه الجرائم الممتدة لعامين، لانطلاق عدة حملات شعبية وحقوقية تطالب باستبعاد فوري لإسرائيل من كل الفعاليات الرياضية حول العالم.
On Thursday, the FIFA Council decided not to expel Israel from international competitions. The issue wasn’t even on the official agenda, so it was never put to a vote.
This means both Israel’s national team and clubs remain free to compete as normal while Israel commit genocide. pic.twitter.com/2pRUMzhQZW
— Leyla Hamed (@leylahamed) October 3, 2025
وحضرت المطالبات في الكثير من الملاعب حول العالم، ورفعت الجماهير شعار "كرت أحمر لإسرائيل" والذي حظي برواج واسع عبر المنصات، وسط مطالبات لكل الاتحادات والشركات الرياضية بمقاطعة إسرائيل.
"Stop Genocide"
"Show Israel The Red Card"
Making the team with Israel’s most racist fans play their match under the shadow of these banners is an amazing job. Thank you, PAOK. pic.twitter.com/yxIWckHsDS
— Antifa_Ultras (@ultras_antifaa) September 24, 2025
وخلال الأسابيع الأخيرة، شهدت كرة القدم الأوروبية حملة نشطة تطالب بإيقاف إسرائيل، وتقود الحملة عدة دول أوروبية طبقا للتقارير الإسرائيلية.
إعلانوتعتمد المطالبات، على تقرير لخبراء الأمم المتحدة صدر في 23 سبتمبر/أيلول، يطالب الفيفا واليويفا باستبعاد إسرائيل من البطولات الرياضية، استنادا للجرائم المستمرة والإبادة الجارية في فلسطين المحتلة، رافضين أن تستمر الرياضة بمعزل عما يحدث.
UN experts call for suspension of #Israel from @FIFAcom & @UEFA amid unfolding genocide in occupied #Palestine.
Sporting bodies must not turn a blind eye to grave human rights violations, especially when their platforms are used to normalise injustices.https://t.co/216nFJtEeG pic.twitter.com/ROIYB4CUuL
— UN Special Procedures (@UN_SPExperts) September 23, 2025
وعبر المنصات، رصدنا تفاعلا مكثفا مع المطالبات باستبعاد إسرائيل، مع تنديد بتواطؤ المؤسسات الرياضية التي ترفض عقاب إسرائيل رغم آلاف الجرائم الموثقة.
"UN experts call for suspension of Israel from international football amid unfolding genocide in occupied Palestine."
Give Israel the red card now ????https://t.co/wINqOXkciF
— Daniel Lambert (@dlLambo) September 23, 2025
وانضم اللاعبون للمطالبات، وذلك عبر تجمع أطلق عليه "Athletes 4 Peace" يتصدره لاعبون مثل بول بوغبا وحكيم زياش، وأصدروا بيانا يطالبون فيه بتعليق مشاركة إسرائيل لحين التزامها بالقانون الدولي وإيقاف مجازرها ضد المدنيين.
48 athletes including Paul Pogba call for UEFA to suspend Israel because “It is an obligation for sporting bodies to take action against sports teams representing a country which… is committing genocide.”https://t.co/aWnbkNBPuo pic.twitter.com/4NRKaNG6Uy
— Nathan Kalman-Lamb (@nkalamb) September 27, 2025
وأضاف البيان: "بصفتنا رياضيين محترفين من خلفيات وديانات متنوعة، نؤمن أن الرياضة يجب أن تلتزم بمبادئ العدالة والإنصاف والإنسانية، ولا يمكن لها أن تظل صامتة أمام ذبح المدنيين والرياضيين، بمن فيهم الأطفال، في غزة. تقع على عاتق الهيئات الرياضية مسؤولية اتخاذ إجراءات ضد الفرق التي تمثل دولة ترتكب إبادة جماعية، وفق لجان الأمم المتحدة".
موقف الفيفاومن جانبه، أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بيانا في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري على لسان رئيسه جياني إنفانتينو، قال فيه إن الرياضة لا يمكنها حل الصراعات الجيوسياسية، وهو ما وافقه عليه ألكسندر تشيفرين، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، والذي اكتفي، بعد أكثر من 67 ألف شهيد في غزة، بإبداء ألمه لمعاناة المدنيين والأطفال، ومشيرا في الوقت نفسه لرفضه فرض أي عقوبات رياضية على اللاعبين والأندية الإسرائيلية، فالرياضيون لا يتحملون مسؤولية القرارات الحكومية على حد تعبيره.
ولم يقدم الاتحاد الأوروبي أي تبريرات أو بيانات يوضح فيها خطواته التي ينوي اتخاذها، أو الفارق الذي جعل إيقاف روسيا عن المسابقات الرياضية يخرج بعد أيام فقط من انطلاق الحرب في أوكرانيا، ورغم ضغوط متواصلة من اتحادات أوروبية لاستبعاد إسرائيل، فلا يبدو أن تصويتا قريبا سيعقد في الاتحاد الأوروبي، فلم يمض على الإبادة في غزة سوى عامين.
ويظهر تتبع الجرائم الإسرائيلية، حجم الاستهداف للرياضة الفلسطينية، والذي يمتد لعقود، حرصت فيها إسرائيل على التضييق على الرياضة الفلسطينية ومنعها من أي ظهور عالمي، واستهداف اللاعبين المتألقين بالاعتقال والقتل، وهو ما تستمر في فعله بشكل متواصل منذ عامين، دون أي موقف رسمي.