خطاب جوارديولا يخترق الصمت.. هل بدأ الرياضيون قيادة التحول الإنساني تجاه غزة؟
تاريخ النشر: 10th, June 2025 GMT
وسط صيحات التصفيق وعبارات التهاني التي ملأت أروقة قاعة ويتوورث في جامعة مانشستر، تحول حفل منح الدكتوراه الفخرية للمدرب الإسباني بيب جوارديولا إلى منبر إنساني ارتفع فيه صوت الضمير عالياً، حيث فاجأ المدرب الشهير الحضور بخطاب استثنائي، يتجاوز ألقاب كرة القدم إلى عمق مأساة أطفال غزة الذين يعيشون تحت وطأة حصارٍ وحرب متواصلة ومعاناةٍ لا تُطاق.
بدا جوارديولا مدفوعاً بتأثرٍ شخصي عميق، في لحظة خرج فيها عن السياق الرياضي ليتحدث بلغة القلب، حيث وقف المدرب الإسباني أمام الحضور بصوتٍ مختنقٍ، قائلاً إن مشاهد ما يحدث في غزة تؤلمه حرفياً، لا لأسباب سياسية أو أيديولوجية، بل لأنه ينتمي إلى عائلةٍ مستقرة، لديه أطفالٌ لا يعرفون معنى الحرب، بينما هناك أطفال في غزة يُقتلون في سنٍّ مبكرة قنابلٌ تطلقها العدو أو داخل مستشفياتٍ فقدت سماتها الطبية، ولم تعد سوى أنقاض.
وخاطب المدعوين بقوله إن الصمت حيال هذه المأساة أمرٌ غير مقبول، لأنَّ "طفلك القادم" قد يكون فلًيصبح ضحيةً مشابهة. تحدث عن مشاهدته أبنائه وهم يلعبون ببراءة، بينما يعيشه أطفال غزة في الرعب، وأضاف أن من يقولون إن المسافة بيننا وبينهم هي طوق نجاة كاذب، لأن القسوة والظلم لا تعرف حدوداً.
خطيب عظيم جداً من المدرب الاسباني بيب جوارديولا، رسالة قوية للعالم من قلب إنجلترا
الخطاب أصبح حديث العالم الان:
"مؤلم للغاية ما نشاهده في غزة؛ هذا يؤلم جسدي
ربما نحن نعتقد بـأنه ليس من شأننا أن نشاهد الأطفال بعمر 4 سنوات يُقتلون بسبب قنبلة أو بسبب مستشفى لم تعد مستشفى أصلًا.… pic.twitter.com/ePteDZlYK1 — MO (@Abu_Salah9) June 9, 2025
وأشعل جوارديولا مشاعر الحاضرين حين ختم خطابه بقصة رمزية عن طائر صغير يحاول بإصرار رشّ بضع قطراتٍ من الماء على غابةٍ مشتعلة، بينما يسخر منه الثعبان، فيرد الطائر بأنه "يفعل دوره".
وذكّر بأن قيمة الفرد لا تقاس بحجمه، بل بما يختاره أن يفعله، وبأن الأساسي في هذه الحياة رفض السكوت عند الحاجة. بهذه الكلمات أكّد جوارديولا أن رسالته تنطلق من إنسانيته، لا من منطقٍ سياسي، وأن مسؤوليته كإنسانٍ لا تقل عن مسؤوليته كمدربٍ يحتفي به الجميع.
وجاء الخطاب بينما يعيش قطاع غزة، مأساوية حيث تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي حربها على القطاع المحاصر منذ عام 2007، مما زاد من مأساته الإنسانية وتفاقمت عامًا بعد عام، واضمحلال في الخدمات الصحية، توقف الكهرباء لعدة ساعات يومياً، ندرة في المياه النظيفة، وزيادة حادة في معدلات الفقر والجوع.
وفي ظل هذه ظروف الحرب التي اشتغلت من السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023 انهارت البنية التحية ووصلت سكان غزة إلى حالة مجاعة بسبب أغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية، وبات أكثر نصف الأطفال في غزة تحت خط الفقر، ويمثل المرض النفسي عائقاً أمام أكثر من ثمانين بالمئة منهم، وفق تقارير اليونيسف، ولقد تحول القطاع إلى ما يشبه ساحة دمارٍ لا شمس تنفذها وأمل لا يلوح في الأفق — تماماً كما وصفه جوارديولا: "غابة مشتعلة تحتاج كل قطرة ماء".
دعم إنساني متواصل
هذا الموقف لم يعُد مفاجئاً للكثيرين، فالمدرب الذي قاد مانشستر سيتي لتحقيق إنجازات غير مسبوقة عرف منذ سنواتٍ طويلة بأنه صوتٌ للتغيير، فقد زار مخيمات للاجئين في لبنان وتركيا في عام 2018، واستغل منصّته الدولية لجمع التبرعات للمحتاجين، وخاض معارك ضد العنصرية داخل الملاعب، مؤكدًا أن الرياضة أداة لتوحيد الشعوب، ولكن الأهم أن تكون منصة لمن لا صوت لهم.
وفي هذا السياق، لم يكن الدعم لجوارديولا منقطعاً، بل تردّد صداه في نجوم من عالم الرياضة الذين اختاروا تفعيل صوت الضمير، فكريستيانو رونالدو، الذي لم يتردد في دعم فلسطينيين عبر تبرعات غير معلنة، ولاعب كرة السلة دوايت هوارد الذي أطلق تغريدة "#FreePalestine"، رغم الضغوط التي واجهها.
نجوم اخترقوا الصمت
لم تنحصر مظاهرة الدعم في جوارديولا، بل امتدت إلى نجوم الرياضة من مختلف التخصصات، فمنذ بداية العدوان على غزة في تشرين الأول / أكتوبر 2023، لم يتردد نجوم كرة القدم حول العالم في إظهار تضامنهم مع معاناة الشعب الفلسطيني.
وتألقت هذه الأصوات عبر منصات التواصل الاجتماعي وأيضاً في ملاعب كرة القدم، حيث رفع عدد من اللاعبين المشهورين أعلام فلسطين أو ارتدوا شارات دعم في المباريات، على سبيل المثال، قام لاعبون في الدوري التركي مثل نجم غلطة سراي برفع العلم الفلسطيني خلال مبارياتهم، معبرين عن دعمهم لإنهاء المعاناة الإنسانية في غزة.
كما شهدت بعض مباريات الدوري الإسباني والهولندي هتافات جماهيرية مساندة لغزة، حيث تعالت أصوات المشجعين مرددة شعارات تطالب بوقف القصف ورفع الحصار، هذا الدعم الجماهيري، الذي تجاوز حدود الملاعب، ساهم في بث رسالة تضامن قوية وصلت إلى ملايين المشاهدين حول العالم.
في الوقت ذاته، اتخذ عدد من نجوم الكرة خطوات أكثر وضوحاً وشجاعة، رغم المخاطر التي قد تواجههم في أنديتهم أو من قبل اتحاداتهم الرياضية، حيث رفع كريستيانو رونالدو، النجم البرتغالي، عدة مرات راية فلسطين على حساباته الرسمية، كما تبرع بمبالغ مالية لدعم النازحين والمصابين في غزة، كما شارك نجم كرة القدم المغربي، حكيم زياش منشورًا على منصة إنستجرام لأطفال غزة الجوعى والمصابين، معلقًا: "هل ما زالت دفاعًا عن النفس؟"
لاعبو نادي كونيا سبور التركي يخرجون للملعب برفقة أطفال من غزة عشية الاحتفال بيوم الطفل والسيادة الوطنية ????????????????
لفتة رائعة وأتمنى لهم التوفيق في المباراة pic.twitter.com/0fQ6Za2zmr — الاسطنبولي (@istanbulli1453) April 22, 2025
وظهرت مواقف جريئة من لاعبين مثل نجم الدوري الأمريكي دوايت هوارد الذي وصف الأحداث في غزة بالمأساة الكبرى، ورغم الضغوط التي تعرض لها، استمر في التعبير عن تضامنه. كما شارك لاعبو كرة القدم من دول عربية وأوروبية في تنظيم فعاليات خيرية وجمع تبرعات لدعم القطاع الصحي والمساعدات الإنسانية.
اللاعبون اللذين دعموا القضية الفلسطينية لحد الان :
بول بوغبا
رياض محرز
فرانك ريبيري
أشرف حكيمي
أداما تراوري pic.twitter.com/KXiXPGWdwl — عشاق مانشستر يونايتد (@united_mano) May 10, 2021
خلال دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين في كانون الثاني / يناير 2025، نشر دوايت هوارد ، تغريدة “#FreePalestine”، ما أثار موجة ضغط من جهات داخل الدوريات الأميركية، من بينهم مفاوضو NBA، ما دفعه إلى التراجع، ورغم ذلك، وصف معاناة الفلسطينيين بالـ"مجزرة"، مكرّراً نبض التضامن.
خلال دوري كرة القدم الأمريكية ارتدى آزيز حذاء "My Cause, (قضيتي.. على حذائي أو رسالتي على حذائي) My Cleats" موضوعًا عليه رسالة دعم لفلسطين، بما في ذلك “Free Palestine”، وتبرّع لصالح مؤسسة الإغاثة الطبية للأطفال الفلسطينيين
- كمان القي كايري إيرفينغ خلال دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين خطابًا صادمًا حين ظهر بلوحة الكوفية الفلسطينية في مؤتمر صحفي تشرين الثاني / نوفمبر 2023، ما أغضب إدارة فريقه وأفضى إلى عقوبة إيقاف. قال وقتها: "لن أكذب عليكم، هناك أشياء أكبر من كرة السلة."
وظهر جاييلين براونفي دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين وهو يرتدي شريط "Free Gaza" في مباريات Celtics بين 2023–2024، وسط اهتمام واسع بين جماهير الرياضة حول العالم .
قبل مباراة ريال مدريد ودالاس مافريكس بالامس.. ذهب كايري إيرفينغ إلى شخص عربي يحمل علم فلسطين وقام بمصافحته هو دون غيره! ????
اليوم كذلك دعم فلسطين عبر حسابه ????????????
كايري هو أحد أقوى نجوم كرة السلة وأحد أكثر لاعبين الـNBA شهرة ????????
pic.twitter.com/rioK2jNuqT — المعتصم ???? مشجع ملكي (@RMAD_Fan) October 11, 2023
- نتاشا كلاود خلال دوري كرة السلة الأميركي للسيدات وصفت ما يحصل بغزة بأنه إبادة جماعية, ووقفت في احتجاجات Washington D.C. مطالبة بوقف النار، قائلة: "سأواصل الصراخ من أجل وقف النار.، وفي أيار/ مايو 2024 نشر لويس هاميلتون: "Enough is enough... يجب أن يتوقف هذا من أجل الأطفال... الرعب والترويع مأسويان."
لويس هاميلتون يدعوا لوقف عاجل لاطلاق النار في فلسطين .
بعد المجازر الذي يقوم بها جيش الاحتلال بحق اهالي غزة الابطال .????????
????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????#gaza #hamilton #غزة #فلسطين pic.twitter.com/RA64h0QDu6 — Hala Racing (@halaRacing) March 20, 2024
وحمل هؤلاء الرياضون موقفاً خشبياً حاول من خلاله إزالة الحواجز بين الرياضة والسياسة، ولكنهم أكّدوا أن المبدأ الإنساني هو ما يحكم تصرفاتهم، وأن تضامنهم ليس هشًّا ولا موقفاً مؤقتاً، بل انعكاسٌ لوعي عالمي جديد لا يقبل التجاهل.
ردود الأفعال
في المقابل، لم تخلو ردود الفعل من نقد سياسي، إذ اتهم البعض جوارديولا وغيره بالتعاطف من جانبٍ واحد دون استحضار الضحايا الإسرائيليين أو الحديث عن القضايا الأمنية، لكن غالبية الصحافة ركّزت على أن هذه الأصوات تأتي من شريكٍ إنساني لا يبرئ من قتل الأطفال في أي مكان بل يسعى للحماية.
ووصفت صحيفة الغارديان البريطانية الخطاب بأنه أكثر ما نحتاجه في زمن "تغيب فيه الإنسانية لصالح الترفيه والتسلية"، كما وصفت هندستان تايمز الخطاب بأنه "قوي وصادم، يتجاوز الرياضة إلى قضايا عالمية" .
كما صاغت الصحف مثل “الغارديان” و”وميدل إيست مينوتر” تقارير عن أن الرياضة بصدد تحول ثقافي: من دور ترفيهي إلى منصة ضغط اجتماعي وسياسي .
الجهمور يهتف باسم فلسطين في مباراة ماليزيا والهند ????????????#ايطاليا_مالطا #ايطاليا #بث #اوكرانيا_مقدونيا #الدنمارك_كازاخستان #مباشر #سلوفينيا_فنلندا #ملخص #انجلترا #رابط #البرازيل #الارجنتين #ميسي #CR7???? #كريستانو_رونالدوpic.twitter.com/38pwOsOx2B — Salman (@Earth_info) October 14, 2023
وتعد لحظة خطاب جوارديولا محطة جديدة في تاريخ نضال الرياضيين الوطني، فقد حقق تحولاً ملموساً من كونهم نخبًا فنية يرادفون النجاح والأموال، إلى شخصياتٍ تحمل وزناً أخلاقياً يؤثر في وعي الجمهور، ويضغط على الحكومات. ففي العالم الجديد لا يكفي أن تكون بطلاً: فقد بات لزامًا أن تكون إنسانًا أيضاً.
في قاعة ويتهوورث أمس، لم يُمنح جوارديولا الدكتوراه الفخرية فحسب، بل اختير ليحمل شعلة إنسانية تُذكّر العالم بأن السكوت عن قتل طفل هو جريمة تضيع معها روح الإنسانية، وأن كل رشّة ماء في غابة متّقدة قد تغيّر مجرى النهاية. إذا ما واصل الجمهور والمشاهير والصغار الكبار أن يفعلوا "دورهم" كما فعل الطائر الرمزي، فإن فرصة تغيير الواقع تبقى قائمة، حتى وإن بدا الطريق شاقًا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية جوارديولا غزة الرياضة فلسطينيين فلسطين غزة جوارديولا الرياضة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دوری کرة السلة خلال دوری کرة کرة القدم pic twitter com فی غزة
إقرأ أيضاً:
من الأندلس إلى الشرق الأوسط.. المستعرب الإسباني إغناطيوس غوتيريث يقدم رؤية نقدية تجاه الاستشراق الجديد
ماذا لو لم يكن العالم العربي "شرقا" على الإطلاق، بل جارا في "الوسط"، وأحيانا في "الغرب"؟ وماذا لو كانت هناك مدرسة معرفية لدراسته، عمرها ألف عام، تختلف جذريا عن "الاستشراق" الذي ارتبط بالهيمنة الاستعمارية؟
هذا التحدي المفاهيمي العميق يطرحه المستعرب الإسباني البارز، إغناطيوس غوتيريث دي تيران غوميث بينيتا، أستاذ الدراسات العربية بجامعة مدريد المستقلة، الذي يرى أن النموذج الأندلسي قادر على "بناء علاقة أكثر عدلا وتوازنا بين الغرب والعالم العربي". فمن منظور إسباني متجذر في تجربة الأندلس، يدعو دي تيران إلى إحداث ثورة في المصطلحات، واستبدال "الاستشراق" الموصوم سياسيا بـ"الاستعراب الإسباني" الذي نشأ في الأساس لدراسة النصوص العربية بموضوعية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2رشاد حسنوف: كيف يغير “الاستشراق الذاتي” الهوية الثقافية لأذربيجان؟list 2 of 2قراءة شاملة لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور المؤرخ الشاب زاخاري فوسترend of listلكن رؤية دي تيران النقدية لا تتوقف عند هذا الحد، بل تمتد لتكشف بجرأة كيف أن المناهج التعليمية في بلاده "تسعى إلى التقليل من دور الأندلس في تشكيل الهوية الإسبانية" بدوافع أيديولوجية. كما يرى أن العالم العربي منح "أهمية مفرطة" للاستشراق، محمّلا إياه مسؤولية سياسات غربية لا يحركها البحث الأكاديمي، بل "خدمة المصالح الإمبراطورية".
على هامش مشاركته في المؤتمر الدولي الأول للاستشراق بالدوحة، وفي هذا الحوار مع "الجزيرة نت"، يغوص إغناطيوس غوتيريث دي تيران في الفروق الدقيقة بين تجربة بلاده المعرفية ونماذج الاستشراق المهيمنة، مقيّما مستقبل العلاقة بين ضفتي المتوسط، ومقدما رؤية تصحيحية لإرث الأندلس ودوره في بناء جسور أكثر إنصافا.
إعلانوشارك غوتيريث -أستاذ اللغة والأدب العربي والتاريخ المعاصر في العالم الإسلامي في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد المستقلة- في المؤتمر بورقة بحثية مهمة بعنوان "الدور التجديدي للاستعراب الإسباني في نموذج الاستشراق الأوروبي"، قدم فيها طرحا نقديا مغايرا لما هو سائد في الحقل الاستشراقي، وسلط الضوء على خصوصية الاستعراب الإسباني، وتجذره في السياق التاريخي والثقافي للأندلس، والاختلاف الجوهري في تمثلاته للعالم العربي والإسلامي مقارنة بالنموذجين الفرنسي والبريطاني.
درس اللغة العربية وآدابها (مستمعا) في جامعة القاهرة عام 1993 وجامعة دمشق عام 1994، أنجز رسالة الدكتوراه عام 2000 موضوعها "العلاقات الطائفية في لبنان وسوريا من حقبة التنظيمات العثمانية إلى نهاية القرن العشرين".
تولى تنسيق الدراسات الأفريقية والآسيوية، وهو الاختصاص الذي تندرج فيه مقررات اللغة والثقافة العربية في جامعته، وكان قد تبوأ أمانة سر قسمه للدراسات العربية والإسلامية طوال عقد من الزمن.
ترجم عدّة كتب من الإسبانية إلى العربية، ونقل إلى اللغة الإسبانية روايات عربية معاصرة لمؤلفين معاصرين مثل إبراهيم الكوني، وإدوارد الخراط، ومريد البرغوثي، وعالية ممدوح، وبهاء طاهر، وغسان كنفاني، ومازن معروف.
ومن ترجماته الشعرية إلى الإسبانية نخص بالذكر دواوين لمحمد الماغوط وسميح القاسم ومحمود درويش وسعدي يوسف وغيرهم.
كما ترجم إلى اللغة العربية بعض الأعمال الأدبية الإسبانية كـ"رحلة علي باي إلى المغرب" (2005)، وشارك في "أسبنة" كتاب "تاريخ الأدب الإسباني المعاصر" (2006)، ونشر مقالات بالعربية في صحف ومجلات عربية عدّة.
كتب عدة مقالات في الأدب الإسباني والعربي والعالم العربي المعاصر منها: "نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب" لشهاب الدين التيفاشي، و"اليمن.. مفتاح العالم العربي المنسي" (2014)، و"دراسة في الجنسانية العربية: الروض العاطر" (مدريد، 2015)، ونشر دراسة عن اللغة والثقافة العربيتين في إسبانيا مع مجموعة من الباحثين الإسبان الذين يكتبون بلغة الضاد عام 2016، و"الثورات العربية.. مسيرة متواصلة" (2017).
إعلانكما نقل إلى اللغة الإسبانية "رسالة للجواري والغلمان" للجاحظ (2018)، وأسهم في دراسات ومؤلفات متعددة تبحث في أدب الرحلة، ومنها المقال المدرج في المجموعة التي نسقها الأديب نوري الجراح ("رحالة عرب ومسلمون").
pic.twitter.com/B5Pe9lHtj5
— الجزيرة نت | ثقافة (@AJA_culture) January 29, 2024
نود أن نسألكم عن الورقة البحثية التي شاركتم بها في المؤتمر، والتي حملت عنوان "الدور التجديدي للاستعراب الإسباني ضمن نموذج الاستشراق الأوروبي". ما الذي جعل الاستعراب الإسباني مختلفا عن غيره؟ ولماذا وصفتم دوره بأنه تجديدي داخل هذا الإطار الاستشراقي؟أولا، نقول إن مصطلح "الاستشراق" يحمل في طياته العديد من المعاني المزدوجة والخطيرة. ولهذا السبب نحاول أن نسمي أنفسنا ومجال دراساتنا في العربية والإسلامية باسم "الدراسات الاستعرابية"، ونعتبر أنفسنا "مستعربين". لماذا؟.. لأن الاستعراب الإسباني قد بدأ منذ أكثر من ألف عام، وكان يركز على دراسة النصوص العربية بشكل موضوعي، وبالأخص النصوص الأندلسية.
ويرتبط هذا النوع من الاستعراب، قديما وحديثا، بأهداف استعمارية استيلائية تلفيقية، كما رأينا ذلك بوضوح في موجة الاستعمار التي ظهرت في القرن الـ19.
لذلك، فإننا ندعو إلى استعادة تلك المعاني الروحية، وتلك المواقف الفكرية التي يمكن أن نطلق عليها اسم "الاستعراب الأندلسي".
ونحن نعتقد ونؤمن بأن الأندلس يمكن أن توفر مادة تاريخية وأيديولوجية غنية، نستطيع أن نستمد منها موضوعات جديدة. بل أكثر من ذلك، نرى أن النموذج الأندلسي يمكن أن يشكل مثالا يحتذى به في تبني معايير جديدة لبناء علاقة أكثر عدلا وتوازنا بين الغرب، أو العالم الأوروبي، وبين العالم العربي.
"في حوار سابق، تحدثتم عن منظور الأندلس بوصفها جسرا للتواصل بين الشرق والغرب، لكنكم رفضتم في حينه رؤيتين: الرؤية الأوروبية التي تنكر التاريخ العربي والإسلامي في الأندلس، والرؤية المقابلة التي تتشبث بخيال رومانسي يتجاهل واقع الأندلس المركب. وقد عبرتم عن موقف نقدي تجاه كلا المنظورين. فهل وجدتم في هذا المؤتمر حضورا لمثل هذا الطرح النقدي في تناول موضوعي الاستشراق والاستعراب؟ إعلانأعتقد أن هذا المؤتمر يعبر عن مفهوم معين للاستشراق، وهو المفهوم المرتبط بالجانب السياسي المؤدلج للاستشراق. وكما ذكرت سابقا، فإننا لا نفضل استخدام هذه التسمية.
أولا، لأنها تعتمد على مفهوم جغرافي، في حين أننا -نحن في إسبانيا، وأعتقد أن هذا ينطبق أيضا على شعوب أوروبية أخرى- لا نرى أن العالم العربي يحتل موقعا في "الشرق"، بل نراه يحتل موقعا في "الوسط" وأحيانا في "الغرب".
وثانيا، فإن هذه الدراسات التي تعرف بـ"الاستشراقية" ظهرت أساسا في القرن الـ19، وكانت موجهة لأغراض محددة، تمثلت في تقديم صورة معينة -غالبا ما تكون سلبية أو غير دقيقة علميا وموضوعيا- عن العالم العربي والإسلامي.
وبناء على ذلك، فإننا نبتعد عن هذه الرؤية، ونسعى إلى تصحيحها، ونأمل في بناء رؤية مستقيمة وسليمة، تستند إلى الوقائع المادية، والأدلة، والمنطق. هذا هو ما نطمح إليه.
وأعتقد أن "الأندلس"، في نظر العرب أنفسهم، يمكن أن تمثل أيضا هذه الرؤية المتوازنة: رؤية تقوم على التماس، والاحتكاك، والتواصل المستمر بين الحضارة الأوروبية القديمة والحضارة العربية القديمة كذلك.
في ورقتكم التي قدمتموها في المؤتمر، تناولتم واقع المناهج التعليمية في إسبانيا الحديثة، وفي أوروبا بشكل عام، لا سيما في ما يتعلق بمنظور التعليم لحقبة الأندلس، وكيفية تناول هذه المرحلة في المدارس والجامعات. وقد عبرتم عن رأي نقدي في هذا السياق. فكيف تقيمون المناهج التعليمية من هذه الزاوية؟ وكيف ينظر الباحثون والأكاديميون المتخصصون إلى تجربة الأندلس ودورها في التاريخ الأوروبي؟للأسف الشديد، لا بد أن نقول إن الحقبة الأندلسية لم تنل نصيبها من الإنصاف والحضور كما ينبغي، وخصوصا في المدارس، وتحديدا في المناهج التعليمية. فالأندلس، على الرغم من كونها فترة تاريخية شديدة الأهمية، تأسيسية وتكوينية في آن معا، لا تحتل مكانة تذكر في هذه المناهج.
إعلانوهذا يدل، من جهة، على انحدار المعايير التربوية في بلادي، لكنه -وربما يكون الأمر أكثر خطورة- يدل، من جهة أخرى، على تراجع الاهتمام المتعمد بالأندلس، وكأن هناك نوايا سياسية وأيديولوجية معينة تسعى إلى التقليل من دور الأندلس في تشكيل الهوية الإسبانية.
نحن، من جانبنا، نحاول أن نعيد الاعتبار للأندلس، وأن نعيد تقديمها تقديما سليما، بوصفها مرحلة أساسية في بناء الهوية الإسبانية. ولا يمكن لأي قراءة جادة لتاريخ إسبانيا الحديث أن تتجاهل الخصائص والمميزات الفريدة التي اتسمت بها الأندلس.
شهدنا في هذا المؤتمر تركيزا لافتا على ما يعرف بـ"الاستشراق الجديد"، ودور مراكز البحث والدراسات السياسية في تشكيله. برأيكم، إلى أي مدى لا يزال للمنظور الاستشراقي، سواء التقليدي أو الجديد، تأثير في تشكيل السياسات التي تنتهجها القوى العالمية تجاه منطقة الشرق الأوسط؟ وهل ترون أن هذا التأثير لا يزال فاعلا ومباشرا في رسم ملامح تلك السياسات؟باعتقادي الشخصي، أن الاستشراق قد نال أهمية مفرطة، خاصة في الدول العربية، إذ يعتقد كثير من العرب أن الاستشراق كان له دور كبير، بل نصيب الأسد، في تشكيل الرؤية السياسية الغربية للإسلام والعالم العربي. وأرى أن الاستشراق يمثل جزءا من منظومة فكرية وأيديولوجية تسعى إلى تبرير الدور الأوروبي أولا، ثم الأميركي ثانيا، على مستوى العالم.
ومن هنا، فإن ما نسميه اليوم بـ"الاستشراق"، أو "المساعي الاستشراقية"، أو "الرؤى الاستشراقية"، ربما يمكن التعبير عنه بشكل أدق بوصفه رؤية الثقافة الغربية بشكل عام، كما تتجلى من خلال وسائل الإعلام وبعض الكتابات والأدبيات. وقد يكون أولئك الذين نطلق عليهم لقب "المستشرقين" جزءا من هذه الآلية، لكنهم لا يشكلون بالضرورة جوهر الرؤية الفكرية أو الطليعة التكوينية للعالم الغربي كما نعرفه اليوم.
إعلانفالسياسات الاستعمارية الحديثة، في القرن الـ21، لا علاقة لها بذلك الاستشراق الأكاديمي الذي يمارس اليوم في الجامعات. هذه السياسات تنتمي إلى مجال آخر تماما، مجال خدمة المصالح الإمبراطورية، والمصالح السياسية والاقتصادية والجيوسياسية. وهو أمر يمارسه فاعلون آخرون، لا علاقة لهم بالمستشرقين، لا من قريب ولا من بعيد.
ما أريد قوله هو أنه أحيانا نسمع من يقول إن فلانا قد تهجم على الثقافة العربية، أو قال إن الإسلام ديانة متخلفة أو دون المستوى، أو ادعى أن المسلمين لا يزالون يعانون من "تخلف عقائدي"، فنصف هذا الشخص بأنه "مستشرق". لكن ماذا نعني حقا عندما نطلق على أحدهم صفة "استشراقي" أو "غير استشراقي"؟
بالنسبة لي، المستشرق -بغض النظر عن موقفه من العرب أو المسلمين- هو شخص ينتمي إلى مدرسة فكرية وعلمية محددة، وهي المدرسة المعنية بالدراسات العربية والإسلامية. ويفترض به أن يكون ملما باللغة العربية، متقنا للعلوم الإسلامية، وذا دراية جيدة بالمجتمعات الإسلامية.
لكن، في المقابل، نجد أن الكثير من أولئك الذين يهاجمون الإسلام والعرب -بحق أو بغير حق- لا ينتمون إلى هذه المدرسة، ولا يعرفون اللغة العربية، ولا يفقهون شيئا عن المجتمعات الشرقية. وبالتالي، لا يمكن أن نعتبرهم جزءا من هذا الحقل المعرفي. هذا هو ما أريد التأكيد عليه، أحيانا نحمل الاستشراق أدوارا لا علاقة له بها.
فالكثير من هؤلاء لا يفقهون شيئا في الثقافة أو الأدب أو التاريخ، وكل همهم أن يؤثروا في سياسات دولهم الداخلية، ويحاولون إقناع حكوماتهم باتخاذ مواقف معينة تجاه بعض الدول العربية أو الإسلامية. وغالبا ما تكون هذه المساعي التوجيهية أو النفوذية مدفوعة بمصالح اقتصادية وسياسية محددة.
وهل يشارك بعض المستشرقين -بأسمائهم- في هذه العمليات؟ للأسف، نعم.. لكن المدرسة الاستشراقية، في معناها الأكاديمي والعلمي العميق، أكبر بكثير من هذه الاستخدامات السياسية والأداتية الضيقة.
إعلان شهدنا في المؤتمر العديد من النقاشات حول موضوع "الاستغراب".. فكيف ترون هذا المفهوم؟ وهل هناك منظور بديل أو نوع من المعرفة يمكن أن يتبناه أبناء الشرق تجاه الغرب؟ وهل تعتقد أن هناك واقعا أو مناهج للدراسات الاستغرابية في الوقت الحالي؟مرة أخرى، ما هو المقصود بمفهوم "الاستغراب"؟.. إذا كان الاستغراب يقابل الاستشراق من حيث الدلالات السلبية للمصطلحين، فإنه يكون خطأ يقابل خطأ. فإذا كان الاستشراق عملية لا يمكن اعتبارها إيجابية من الناحية العلمية، نظرا لكونها ملفقة ومسيسة، فإن الاستغراب -إذا اعتبر رديفا له أو معادلا له- لا بد أن يقع في الخطأ ذاته.
على كل حال، فإن "الاستغراب" تسمية غريبة أيضا، ولا أعلم إلى أي مدى يمكننا الحديث عن "استغراب" منظم أو ممنهج. وأتصور أن هناك بعض المفكرين والمثقفين، بل حتى بعض العلماء من العرب، ممن يتحدثون عن الغرب بطريقة سلبية وغير علمية، لكن هذه ليست مدرسة فكرية يمكن أن نفيد منها أو نركن إليها.
جرى الحديث في المؤتمر عن العلاقة بين السياسات العربية تجاه فلسطين وما يرتبط بالمنظور الاستشراقي. وربما تتفقون على أن لهذا المنظور بعض الأسس والواقع، حيث طالما نظر المستشرقون إلى هذه الشعوب على أنها بدائية أو غير متحضرة. وكان ذلك بمثابة رسالة للإنسان الغربي، ليتحمل مسؤولية "تحضير" هذه الشعوب وتأهيلها لتكون جاهزة للعيش في العصر الحديث. وهذا المنظور قد استخدم على الأقل في فترة منتصف القرن الماضي في تشكيل السياسات التي أسست للاستعمار البريطاني ومن ثم للتأسيس الإسرائيلي.. فما رأيكم حول هذا الأمر؟مرة أخرى، إذا كنا نعتبر المستشرقين اليوم أولئك الذين يعملون في إطار أكاديمي ومنهجي محدد -أي في مجال دراسة العالم العربي والتاريخ الإسلامي، على سبيل المثال- فلا بد أن نقر بأن عددا كبيرا منهم يقفون اليوم إلى جانب القضية الفلسطينية.
إعلانولو ذهبنا إلى العديد من الجامعات، والمؤسسات الأكاديمية، والمراكز البحثية، وسألنا أولئك الذين يعرفون العالم العربي ويكتبون عنه، لوجدنا أن نسبة عالية منهم -من إسبانيا إلى روسيا-يتعاطفون مع الفلسطينيين ويدعمون قضيتهم. والسبب في ذلك أنهم يعرفون القضية معرفة حقيقية، ولديهم إلمام عميق بما يجري على الأرض، أكثر من غيرهم.
لذلك، لا ينبغي أن نحمل الاستشراق المعاصر مسؤولية الموقف الغربي المؤيد، في معظمه، لإسرائيل أو للمشروع الصهيوني. فالمشكلة لا تكمن في الاستشراق، بل في منظومة من المصالح الاقتصادية والسياسية الليبرالية، وكذلك في الضغوط التي تمارسها الآليات الدعائية الصهيونية، وهي آليات قوية ما زالت تهيمن على صناعة القرار وصياغة الرأي العام في الغرب.
ومن هنا، يجب أن نميز بين الأمرين. هناك "مستشرقون"، يعانون كثيرا لأنهم يوجهون انتقادات صريحة للصهيونية وللسياسات الغربية الداعمة لنظام تل أبيب، وهم يقفون ضد هذه السياسات، لكن الثقافة المؤسسة في الغرب -أي الآلية الثقافية الغربية- هي التي تصنع هذه الرؤية المنحازة.
ومع ذلك، فأنا متفائل. وأعتقد أن هذه الآلية وهذه الصناعة الأيديولوجية في تراجع، وأن الصهيونية ستفقد تدريجيا قوتها ونفوذها. وهذا أمر ضروري جدا، لأن الصهيونية لا تمثل مصيبة على الفلسطينيين فحسب، بل هي مصيبة أيضا على العدالة الإنسانية، وعلى استقرار العالم بأسره.