مثّلت مأرب أحد أهم المرتكزات الجغرافية لإنهاء تداعيات الحرب الباردة في اليمن والمنطقة الأقليمية، فقد كانت بحكم موقعها تمثل الخط الفاصل بين المدّ الاشتراكي الثوري القادم من الجنوب  والمدعوم من الاتحاد السوفييتي.

وبين فضاء الجزيرة العربية والخليج العربي، حيث تتركّز آبار النفط والمصالح الاستراتيجية العربية والدولية، وفي مقدمتها الأمريكية، ولقد دفعت مأرب ثمن إستراتيجية هذا الموقع .

نتذكّر جيدًا حقبة  نهاية سبيعينات ومطلع ثمانينات القرن الماضي حيث كانت مناطق التماس الحدودي بين شطري اليمن، وتحديدًا بين حريب وبيحان في أطراف مأرب، تعيش حالة من التوتر والترقّب، بعد أن شهدت مواجهات عسكرية عنيفة بين الشمال والجنوب. في تلك المرحلة، كانت مأرب شبه خالية من أي وجود عسكري منظم أو سلطة أمنية تُبسط نفوذ الدولة، وهو ما جعلها بيئة محفوفة بالمخاطر، يصعب على أي مستثمر المغامرة فيها.

ورغم كل ذلك، اتخذت شركة “هنت” الأمريكية قرارًا جريئًا بالتوجه إلى صحراء مأرب للتنقيب عن النفط اليمني، تجاهلت الشركة تعقيدات المشهد، وتجاوزت مخاوف الحرب التي لم تكن تبعد عن مواقع عملها سوى بضع عشرات من الكيلومترات، وبدأت عملياتها بثقة، في مغامرة محسوبة فتحت باب الأمل لليمن بأكمله.

ساهمت جهود الحكومة اليمنية، ووعي المجتمع المحلي في مأرب، الذي تعامل مع الشركات كشريك وصديق– في ترسيخ بيئة من الأمن النسبي والاستقرار التدريجي, هذا الاستقرار شجع على توسيع أنشطة التنقيب، وتعزّزت فرص اكتشاف النفط، وبدأ الأمل الاجتماعي في مستقبل اقتصادي واعد ينمو بشكل متزايد، ما ساعد في خفض التوترات، وتهدئة الصراعات الداخلية، وتراجع تأثير الحرب الباردة على الداخل اليمني والمنطقة الإقليمية، وكان لذلك انعكاس مباشر على مستوى السلم الاجتماعي والأمن الإقليمي والدولي.

■ استخراج النفط

خلال مدة عامين تقريبا على بدء أعمال الاستكشاف، نجحت شركة “هنت” في استخراج أول شحنات النفط من أعماق مأرب. وكانت تلك اللحظة تاريخية بكل المقاييس، حيث استقبلت المحافظة رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ومسؤولين رفيعي المستوى من صنعاء، إلى جانب ضيف اليمن آنذاك: نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، الذي حضر خصيصًا من واشنطن لحضور تدشين المرحلة الأولى من استخراج النفط وتصديره إلى الأسواق العالمية.

كان ذلك الحدث إعلانًا رسميًا لدخول اليمن نادي الدول النفطية، وتحوّله من ساحة صراع إلى ساحة استثمار وتعاون. وقد جسّد هذا الإنجاز شعار تلك المرحلة: “برميل النفط – لا برميل البارود.”

لم يكن هذا الحدث إنجازًا اقتصاديًا فحسب، بل مثّل نقطة تحوّل في وعي اليمنيين، شمالًا وجنوبًا، بأن السلام العالمي قادم، وان نهاية حقبة الحرب الباردة قد اقتربت ، وأن الشراكة مع الولايات المتحدة والدول الاروبية وشركاتها يمكن أن تفتح باب التنمية والاستقرار، وأن ملفات الصراع الدولي في اليمن والمنطقة باتت في طريقها للزوال.

ساهم هذا التحول النوعي في خفض حدة النزاعات، وتقليص فرص الحروب الأهلية، وتهدئة الاستقطابات الاجتماعية، ما مال بكفة الواقع اليمني لصالح السلام. وقد نظر كثير من الساسة والمراقبين إلى هذا الحدث كمؤشر على نهاية الحرب الباردة، ومقدمة لإنهاء الصراع الداخلي الجبهوي في اليمن وعلى مستوى الشطرين .

لقد شكّلت مأرب نموذجًا ناجحًا في التعاون بين الدولة والمجتمع المحلي من جهة، وبين اليمن وشركات النفط الأجنبية من جهة أخرى، وهو ما عزّز ثقة المستثمرين الدوليين، وشجّع على توسيع الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز. وأثبتت تجربة “هنت” أن مأرب بيئة قابلة للتعاون، وآمنة للاستثمارات الدولية.

■ حرب الإرهاب والتخريب

لم يقتصر إنجاز استخراج النفط في مأرب على البعد الاقتصادي، بل كان له تأثير كبير في السياسة الخارجية اليمنية، خصوصًا مع تنامي العلاقات اليمنية-الأمريكية. فقد نجحت الحكومة اليمنية، بدعم من المجتمع المحلي في مأرب، في ملاحقة بعض المفردات الإرهابية الناشزة ، وتفكيك خلاياها، وتجفيف منابعها، وتقديم الضمانات الأمنية اللازمة لحماية الاستثمارات والمصالح الوطنية.

هذا النجاح هو ما تسعى جماعة الحوثي الأرهابية اليوم إلى تقويضه، عبر محاولات متكررة لزعزعة الاستقرار، وتهديد المشاريع الاقتصادية، وإعادة إنتاج الأزمات في مأرب والمنطقة، في محاولة مكشوفة لعرقلة التنمية ونشر الفوضى وتهديد الأقليم المجاور وابتزاز المجتمع الدولي.

■ حرب التحرير اليمنية تبدأ من حقول النفط

أمام هذه التحديات، بات من الضروري أن ترفع القوات المسلحة، ومعها القوى الشعبية والمجتمعية في مأرب، شعارًا واضحًا:

“حرب التحرير اليمنية تبدأ من حقول النفط.”

وهذا يتطلّب إطلاق حملة تحرير وطنية شاملة، لتطهير اليمن عامة ومأرب خاصة من المليشيات الحوثية الإرهابية ، والمتعاونين معها من سماسرة الفوضى وأدوات التخريب.

على النحو الذي يبعث برسائل طمأنة واضحة إلى الشركات النفطية الدولية، ويمنع تكرار السيناريوهات الأمنية التي شهدتها المنطقة في الماضي.

هذه المعركة لم تعد مسألة أمن محلي مأربي فحسب، بل ضرورة وطنية لاستعادة الدولة والجمهورية، ولحماية ثروات اليمن النفطية والغازية، وتأمين طرق تصديرها، وموانئها، وأسواقها. فهذه الموارد تمثل ملكًا للشعب اليمني، وركنًا من أركان سيادته واستقراره، وضمانًا لمستقبل الأجيال القادمة.

يتبع….

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الحرب الباردة برميل البارود برميل النفط مأرب الحرب الباردة فی مأرب

إقرأ أيضاً:

الجيش الأمريكي يعلن مقتل “خبير حوثي” في الطائرات المسيرة بالعراق

يمن مونيتور/ قسم الأخبار

أعلن الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، أن القوات الأمريكية قتلت في أبريل 2024 خبيرًا حوثيًا في تكنولوجيا الطائرات المسيّرة داخل العراق، بالإضافة إلى عنصر من حزب الله اللبناني كانا يقدمان دعمًا فنيًا لكتائب حزب الله العراقية.

وفي جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي أمس الثلاثاء، أكد كوريلا استمرار الولايات المتحدة في إسقاط الطائرات المسيّرة الحوثية الموجهة نحو “إسرائيل”، مشيرًا إلى أن هذه الطائرات إيرانية الصنع.

وانتقد كوريلا موقف الصين تجاه الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، موضحًا أن بكين امتنعت عن التدخل رغم امتلاكها قاعدة عسكرية في جيبوتي، مما ساهم في تفاقم الأضرار التي لحقت بمصر نتيجة اضطرابات الشحن البحري في الممر المائي الاستراتيجي.

واتهم كوريلا الصين بانتهاج سياسة مزدوجة في الشرق الأوسط، حيث توقع شراكات أمنية متقدمة مع السعودية والإمارات، بينما تستمر في شراء النفط الإيراني الخاضع للعقوبات الأمريكية عبر شبكة بحرية غير قانونية، مما يضعف فعالية العقوبات المفروضة على طهران ويقوض الجهود الأمريكية لاحتواء أنشطة إيران في المنطقة.

وأشار إلى أن الصين تشتري نحو 85% من صادرات النفط الإيراني بمعدل 1.5 مليون برميل يوميًا، مستفيدة من الأسعار المنخفضة مقارنة بسعر السوق العالمي. كما لفت إلى أن العراق بات هدفًا آخر للصين في إطار استراتيجيتها المالية في المنطقة.

وكشف كوريلا أن مبيعات الأسلحة الصينية إلى الشرق الأوسط ارتفعت بنسبة 80% في السنوات الأخيرة، مرجعًا ذلك إلى سهولة الحصول على المعدات الصينية بأسعار رخيصة ودون شروط سياسية معقدة، مما يمنح بكين نفوذًا متزايدًا في أسواق السلاح الإقليمية.

مقالات مشابهة

  • “إسرائيل” تعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن
  • أبناء مأرب يحتشدون في 16 مسيرة تحت شعار “مستمرون في نصرة غزة والمقدسات مهما كانت التضحيات”
  •  عيد الغدير في اليمن : تجليات الولاء وتجذر الارتباط الإيماني في وجدان القبيلة اليمنية
  • “عيد الولاية” الحوثي.. معركة تطييف اليمن لترسيخ “الحق الإلهي” وتصفية الجمهورية
  • “أطباء بلا حدود” تفتتح مركزاً لعلاج الكوليرا في المخا جنوب غربي اليمن
  • جلستان “مغلقة ومفتوحة” اليوم الخميس في مجلس الأمن بشأن اليمن
  • الجيش الأمريكي يعلن مقتل “خبير حوثي” في الطائرات المسيرة بالعراق
  • “هناك أجزاء من هذا العالم ما زالت بكر”.. مصور فلكي يرصد جمال سقطرى اليمنية
  • العراق يسيطر على إنتاجه الزائد من النفط بخفض 50 ألف برميل يومياً