اندفاعٌ عالميٌّ محمومٌ نحو اقتناء الذهب
تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT
ترجمة - بدر بن خميس الظفري
«تجارة الذهب غير المشروع.. مالٌ صامت آثاره تصرخ في الكونغو، والسودان، وفنزويلا»
«أكثر من 30 مليار دولار تُهرّب سنويًا على هيئة ذهب، دون أن تُدرج في ميزانيات ولا تُفصح عنها تقارير»
كلَّ عام، يُهرّبُ ذهبٌ غير شرعي تُقدّر قيمته بأكثر من 30 مليار دولار إلى أنحاء متفرقة من العالم، بما في ذلك ذهب مستخرج من مناطق نزاع أو دول استبدادية.
وخلال العقد الماضي، قفزت أسعار الذهب إلى ما يقارب ثلاثة أضعاف، وبلغت مستويات قياسية في وقت سابق من هذا الشهر. ومن الممكن تهريب ذهب تتجاوز قيمته مليون دولار داخل حقيبة صغيرة، إذ إن الطلب عليه يظل قوياً على الدوام، لأنه بخلاف المعادن الاستراتيجية، يحتفظ بقيمته في جميع أنحاء العالم. ويمكن إذابة الذهب غير المشروع وإعادة إدخاله إلى الأسواق الرسمية، مختلطًا بالذهب المستخرج بطرق قانونية، مما يتيح للمنتفعين الاستمرار في عمليات استخراج الذهب في ظل ظروف إنسانية وبيئية متدهورة.
وتُعد تجارة الذهب غير المشروع تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي، لما لها من دور في إذكاء النزاعات المسلحة ودعم الشبكات الإجرامية العابرة للحدود. كما أن تسرب الذهب المهرّب إلى سلاسل الإمداد العالمية يفرض مخاطر جسيمة على الشركات والمؤسسات المالية، بما في ذلك البنوك وشركات التقنية والمجوهرات. وبإمكان الولايات المتحدة، والمؤسسات المالية العالمية، وهيئات الرقابة المختلفة، إلى جانب الحلفاء مثل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن يسهموا في كبح هذه التجارة، بل ويتوجب عليهم فعل ذلك.
ويتعين على هذه الأطراف أن تساند مراكز تجارة الذهب الكبرى التي يتم فيها غسل معظم الذهب غير المشروع، مثل الصين والهند وسويسرا وتركيا، من أجل تنفيذ إصلاحات جادة. وقد يجد المراقبون الماليون والبنوك شركاء محليين راغبين في التعاون، لا سيما أن بعض هذه المراكز تواجه تحديات مالية بسبب نشاطات التهريب وغسل الأموال، وتسعى لتعزيز مصداقيتها في النظام المالي العالمي. فإذا التزمت هذه الدول بمعايير العناية الواجبة، فينبغي تقديم حوافز مالية لها، كالتقييمات الإيجابية، ومنح العضوية في منظمات الذهب الدولية، مما سيحسن من سمعتها ويمكنها من نيل حصة أكبر في السوق العالمية.
كما ينبغي على الولايات المتحدة، بقيادة وزير الخارجية ماركو روبيو، أن تعمل مع قطاع الذهب الخاص لتأسيس مبادرة عامة وخاصة لمكافحة تجارة الذهب غير المشروع، تتولى نشر بيانات فورية عن حركة الذهب، وتقوم بمراقبة مراكز التجارة واعتمادها بشكل مستقل. ويتعين على روبيو، بالتعاون مع وزير الخزانة سكوت بيسنت، تشكيل قوة مهام خاصة بتتبع شبكات تهريب الذهب وفرض العقوبات عليها، إلى جانب تبادل المعلومات حول هذه الشبكات مع البنوك والمصافي. وفي غياب هذه الإجراءات، سيواصل الذهب غير المشروع التغلغل في الأسواق العالمية، ممولًا الحروب والعصابات الإجرامية.
ذَهَبٌ مشبوهٌ
رغم أن التعدين الحرفي للذهب يُعد مصدر رزق أساسيًا لعدد من المجتمعات في مختلف أنحاء العالم، فإن كثيرًا من المناجم الصغيرة، خاصة الواقعة في مناطق النزاع أو تحت أنظمة استبدادية، توظف أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم الثامنة، وتسبب أضرارًا بيئية جسيمة باستخدام مواد كيميائية شديدة السمية مثل الزئبق والسيانيد. وغالبًا ما يُهرَّب الذهب المستخرج من هذه المناجم إلى دول مجاورة لإجراء عمليات تكرير أولية، قبل أن يُشحن أو يُهرّب إلى مصافٍ كبرى في مراكز تجارة الذهب العالمية، مثل هونغ كونغ. وهناك، يُحول إلى سبائك أو مجوهرات، ويدخل في سلاسل التوريد العالمية دون أن يُكشف مصدره الحقيقي.
تبلغ قيمة تجارة الذهب العالمية أكثر من 380 مليار دولار في عام 2024، ما يجعل الذهب غير المشروع ذا أهمية قصوى للجماعات الإجرامية والأنظمة القمعية التي تتاجر به وتقوم بتهريبه، وكذلك للتجار والمصافي الذين يشترونه. وبفعل هذه الأرباح الطائلة، بات الذهب غير المشروع محركًا رئيسيًا للنزاعات المسلحة. ففي السودان مثلًا، حيث يشكّل الذهب 70% من صادرات البلاد، تعتمد الفصائل المتحاربة بشكل كبير على استخراج وبيع الذهب غير المشروع لشراء الأسلحة.
وتسهم هذه التجارة كذلك في دعم النظام القمعي للرئيس الفنزويلي (نيكولاس مادورو)، وتقوم جماعات مسلحة في المنطقة، التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان وتدمر غابات الأمازون، مثل (ترين دي أراگوا)، بتعدين وتهريب ذهب غير شرعي تبلغ قيمته السنوية نحو 2.2 مليار دولار.
أما روسيا، فقد زادت من نشاطها في تجارة الذهب غير المشروع بعد أن فرضت دول غربية عديدة عقوبات على صادراتها من الذهب عقب غزوها الشامل لأوكرانيا في عام 2022. هذه العقوبات دفعت موسكو، ثاني أكبر منتج للذهب عالميًا، إلى تهريب إنتاجها، واللجوء إلى مصادر ذهب غير مشروعة، بما في ذلك من أطراف النزاع في السودان.
وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، يؤدي الذهب دورًا محوريًا في تصعيد النزاع المسلح، حيث تقاتل القوات الكونغولية تمردًا تقوده حركة (إم 23) المدعومة من رواندا. وفي عام 2022، أنشأت حكومة الكونغو احتكارًا فعليًا لتجارة الذهب في شرق الكونغو، بلغ حجمه 1.9 مليار دولار، ويُرجَّح أنه شمل ذهبًا مستخرجًا من مناطق نزاع، حسب تقارير أممية. لكن هذا الترتيب استبعد رواندا، ما أثار غضب كيغالي، التي ردّت بدعم قوات (إم 23)، بما يصل إلى 12 ألف جندي رواندي، لاستعادة مناطق الذهب. وبدورها أنشأت رواندا مصفاة ذهب، وصدّرت ذهبًا بقيمة 1.5 مليار دولار في عام 2024، رغم أنها لا تملك إنتاجًا محليًا يُذكر. أما أوغندا، التي تدعم أيضًا حركة (إم 23)، فقد صدّرت ذهبًا بقيمة 3.4 مليار دولار، يشمل ذهبًا من شرق الكونغو. وتقدّر منظمة «سويس إيد» أن ما بين 32% و41% من الذهب المُنتج في إفريقيا جنوب الصحراء عام 2022 كان غير مشروع، وهي نسبة تفوق المعدل العالمي بكثير.
وكما هو حال الكثير من المعاملات النقدية، لا تخضع تجارة الذهب غير المشروع لرقابة كافية من الحكومات أو من قطاع الصناعة. ولا يوجد نظام لمشاركة بيانات فورية حول المهربين، ما يجعل الجهات القادرة على فرض العقوبات على المتورطين عاجزة عن تتبعهم في الوقت المناسب. فالبيانات المتاحة للعامة بشأن تجارة الذهب تعود لعامين على الأقل، وهي فترة كافية لتتم فيها عمليات غسل الذهب في الأسواق الرسمية. هذا النقص في البيانات يتيح لدول لا تنتج الذهب محليًا أن تشتري وتبيع الذهب المهرّب دون محاسبة.
رغم ذلك، ظهرت محاولات لتحسين تنظيم هذا القطاع. ففي عام 2012، أنشأت «رابطة سوق لندن للسبائك»، وهي جمعية دولية تضم مصافي الذهب والبنوك العالمية، نظام تدقيق للعناية الواجبة يهدف إلى مراقبة المصافي التي قد تحتوي سلاسل إمدادها على ذهب عالي المخاطر، أي ذهب مستخرج بطرق غير قانونية أو من مناطق نزاع. كما بدأت بعض المناطق، مثل منطقة البحيرات العظمى في إفريقيا، بتنفيذ آليات حكومية مشتركة للتحقق من خلو المناجم من النزاعات ومن عمالة الأطفال. وفي عام 2024، أطلقت شركات خاصة نظامًا يسمح للمصافي والمناجم والجمعيات المهنية بمشاركة البيانات.
كما بدأت جهود خجولة لمحاصرة المستفيدين من التهريب. ففي عام 2020، بدأت رابطة سوق لندن للسبائك بالضغط على حكومات مراكز تجارة الذهب الكبرى، مثل الصين والهند وسويسرا وتركيا، لإصلاح ممارسات شراء الذهب. وقد أسفرت هذه الضغوط عن بعض التغييرات؛ منها إقرار قانون يُلزم المصافي بإجراء تدقيق مستقل، وإيقاف عمل عدة مصافٍ لعدم التزامها بتوثيق البيانات، بالإضافة إلى فرض ضريبة جديدة على شركات الذهب.
أما الولايات المتحدة وأوروبا، فقد بدأتا باتخاذ إجراءات أكثر حزمًا ولو بشكل تدريجي. ففي عام 2024، فرضت المملكة المتحدة والولايات المتحدة عقوبات على شبكة لغسل الذهب بقيمة 300 مليون دولار تعمل بين هونج كونج وروسيا، كما فرضتا في وقت لاحق من هذا العام عقوبات على شركات تهرب الذهب، بسبب دعمها لقوات الدعم السريع في السودان.
ورغم أن هذه التدابير بدأت تُحدث بعض التغييرات الإيجابية، فإن الذهب غير المشروع ما زال يتدفق بحرية عبر المراكز التجارية الكبرى، ومعظم المتورطين في تهريبه لا يزالون بمنأى عن العقاب. والسبب في ذلك هو ضعف التنسيق بين الإجراءات المتخذة، وغياب تطبيق صارم لها، إضافة إلى نقص العقوبات الجادة، كالمحاكمات أو العقوبات المالية، التي تطال المهربين والمصافي التي تتعامل معهم.
توجيه «قانوني» للذهب
من الضروري التصدي لتجارة الذهب غير المشروع قبل أن تتضخم وتتحول إلى سوق سوداء خارجة عن السيطرة، تكون ملاذًا للمجرمين والمهربين والجماعات المسلحة والأنظمة المارقة التي تهدد الأمن القومي الأمريكي وسلامة النظام المالي العالمي. غير أن مراكز تجارة الذهب الكبرى لديها دوافع حقيقية للإصلاح، فهي تسعى للحصول على وصول كامل إلى النظام المالي العالمي، وهو ما يمنحها حافزًا قويًا للتحرك. ومن المقرر أن تعيد «مجموعة العمل المالي الدولية» تقييم وضع بعض الدول المساهمة في بيع الذهب غير المشروع في عام 2026، مما يضفي طابعًا من العجلة على جهود هذه الدول لكبح تجارة الذهب غير المشروع داخل حدودها.
وينبغي على المجموعة أن تفرض رقابة صارمة على المتطلبات التي تضعها هذه الدول للمستوردين وتجار السبائك، خصوصًا أولئك الذين يتعاملون مع ذهب قادم من دول عالية المخاطر. ويمكن أن يشمل ذلك اشتراط وجود سجل مالي لكل شحنة ذهب مستوردة، وإجراء تدقيقات دورية للعناية الواجبة. كما يجب أن تدعو المجموعة إلى إنهاء المعاملات النقدية في تجارة الذهب، إلا في حدود مبالغ صغيرة للغاية.
كما تضطلع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بدور مهم، إذ توفر منصة لتنسيق الجهود وتبادل المعلومات بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني بشأن الذهب غير المشروع. وينبغي للبنوك وتجار المجوهرات كذلك أن يعززوا تدقيقاتهم عبر رصد صادرات الذهب القادمة من مراكز معروفة بتورطها في التجارة غير المشروعة، وحظر المعاملات النقدية التي تتجاوز مبالغ صغيرة، واشتراط إثبات الدفع لجميع الواردات، بدلاً من الاكتفاء بشهادات المنشأ التي يسهل تزويرها.
حين كان ماركو روبيو عضوًا في مجلس الشيوخ، وصف تجارة الذهب غير المشروع بأنها «تهديد مباشر» للأمن القومي الأمريكي بسبب دعمها لنظام مادورو، وطالب بقطع هذا الشريان المالي. واليوم، بصفته شخصية محورية في إدارة ترامب، يمتلك روبيو الفرصة لترجمة أقواله إلى أفعال. ويمكنه قيادة مبادرة عامة وخاصة لمكافحة تجارة الذهب غير المشروع، بالشراكة مع رابطة سوق لندن للسبائك، ومجلس الذهب العالمي، والبنوك المركزية، وحلفاء كالمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويجب على هذه المبادرة أن تنشر بيانات فورية عن حركة تجارة الذهب، مما سيمكن البنوك والمصافي من التعرف الفوري على الذهب عالي المخاطر ووقف التعامل معه، مع مراقبة مراكز التجارة واعتماد تلك الخالية من النزاعات.
العقوبات التي فُرضت مؤخرًا، مثل العقوبات البريطانية والأمريكية ضد بعض شركات تهريب الذهب، وتلك التي فرضها الاتحاد الأوروبي على مصفاة في رواندا، تُعد خطوات أولية مشجعة، لكن الأثر العالمي لن يتحقق إلا من خلال توسيع هذه العقوبات وتنسيقها بشكل أكبر. وفي إطار قوة المهام المقترحة، يمكن لشبكة «مكافحة الجرائم المالية» التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية إصدار تحذيرات، وتبادل المعلومات مع البنوك والمصافي بشأن المهربين، وتشجيع الكيانات التجارية على الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة. كما يمكن لوزارة الخارجية الأمريكية حث شركات الشحن والمجوهرات على مشاركة أي معلومات قد تملكها حول شبكات التهريب.
وقد بات من الواضح أن جهات مارقة تجني أرباحًا متزايدة من تجارة الذهب غير المشروع. ومع ذلك، إذا تحركت الحكومة الأمريكية جنبًا إلى جنب مع القطاع الصناعي وحلفائها الرئيسيين، فإن بمقدورها إيقاف هذه التجارة المميتة وتعزيز مصالحها الأمنية في آن. ويكمن مفتاح النجاح في استهداف النقاط الحساسة في النظام، من مصافٍ ومراكز تجارية إلى الحكومات التي تغض الطرف عن هذه التجارة، بوصفها نقطة الانطلاق الأساسية نحو إصلاح شامل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة هذه التجارة ملیار دولار فی السودان فی عام 2024 ب الذهب نظام ا فی ذلک
إقرأ أيضاً:
علماء يحذرون من جفاف عالمي مستمر ومتسارع
تُظهر دراسة جديدة أن قارات العالم تجف بسرعة متزايدة، مما يُهدد توافر المياه العذبة على المدى الطويل، ويُحفز ارتفاع منسوب مياه البحار، في حين سيواجه ملايين الأشخاص حول العالم بالفعل حالات جفاف قاسية.
ووجدت الدراسة، التي استندت إلى بيانات جُمعت بين عامي 2002 و2024 من قِبل بعثتين تابعتين لوكالة ناسا، أن هذه التغيرات مستمرة، وتتسارع بمعدل ينذر بالخطر.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4لبنان يواجه أسوأ موجة جفاف منذ 90 عاماlist 2 of 4التغير المناخي يضع الشرق الأوسط على حافة الجفافlist 3 of 4الجفاف العالمي يفاقم المجاعة ويدفع الملايين للنزوحlist 4 of 4الجفاف يهدد الأمن الغذائي في سورياend of listورغم أن حالات الجفاف قصيرة الأمد ليست نادرة، فقد لاحظت دراسات حديثة تغيرات طويلة الأمد في مخزون المياه الأرضي العالمي.
ومخزون المياه الأرضي هو إجمالي كمية المياه المُخزنة على اليابسة، بما في ذلك الجليد والمياه السطحية والمياه الجوفية ورطوبة التربة.
وخلصت الدراسة إلى أن المناطق المعرضة للجفاف تنمو بضعف مساحة كاليفورنيا سنويا، أي نحو مليون كيلومتر مربع. وفي نصف الكرة الشمالي، يؤدي هذا إلى ظهور ما يُطلق عليه الباحثون "مناطق الجفاف الهائلة"، وهي بؤر جفاف ساخنة مترابطة على نطاق قاري.
وعلى الرغم من وجود مناطق تزداد رطوبة أيضا، فإن الميزان يميل بقوة نحو الجفاف الشامل. ويُعزى هذا التحول، حسب الدراسة، إلى استنزاف المياه الجوفية على نطاق واسع، وهو انخفاض طويل الأمد في مخزون المياه في طبقات المياه الجوفية بسبب ضخها، وخاصة للاستخدامات الزراعية.
وتُمثل هذه الظاهرة 68% من التغيرات الملحوظة في مخزون المياه الأرضية. وتشمل الأسباب الأخرى فقدان المياه في المناطق ذات خطوط العرض العليا، مثل كندا وروسيا، حيث يذوب الجليد والتربة الصقيعية بسبب ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى موجات الجفاف الشديد في أميركا الوسطى وأوروبا.
ووفقا للمؤلفين، فإن آثار هذا الاتجاه عميقة، ويمكن الشعور بها على نطاق عالمي. ففي بداية قياسات الدراسة عام 2020، كان حوالي 6 مليارات شخص، أو 75% من سكان العالم، يعيشون في مناطق تتناقص فيها موارد المياه العذبة.
إعلانويؤدي انخفاض توافر المياه على الأرض إلى زيادة في مياه البحر، مما يُسرّع في نهاية المطاف من ارتفاع مستوى سطح البحر. وتُحذر الدراسة من أن هذه العملية تُساهم الآن بشكل أكبر في ارتفاع مستوى سطح البحر من ذوبان الصفائح الجليدية.
وجاء البحث عقب صدور تقرير صادر عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، والذي خلص إلى أن بعضا من أشد حالات الجفاف المسجلة على الإطلاق قد وقعت منذ عام 2023.
ومع زيادة مستويات الجفاف، يُدفع عشرات الملايين من الناس، وخاصة في جنوب وشرق أفريقيا، إلى انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والهجرة المناخية القسرية بسبب الآثار المركبة لسوء إدارة المياه، وظاهرة النينيو، وتغير المناخ.
ففي الصومال، على سبيل المثال، يُقدر أن الجفاف قد تسبب في وفاة ما يقرب من 43 ألف شخص في عام 2022 وحده، وفقا للتقرير.
ويحدد التقرير بؤر الجفاف الساخنة في جميع أنحاء العالم، من البحر الأبيض المتوسط إلى أميركا الوسطى والجنوبية وجنوب شرق آسيا.
ففي إسبانيا، كانت 60% من الأراضي الزراعية تواجه الجفاف في أبريل/نيسان 2023، بينما 88% من الأراضي التركية معرضة حاليا لخطر التصحر.
ويقول الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إبراهيم ثياو: "لم يعد الجفاف تهديدا بعيدا. إنه موجود، ويتصاعد، ويتطلب تعاونا عالميا عاجلا".
وأضاف أنه عندما تنفد الطاقة والغذاء والماء دفعة واحدة، تبدأ المجتمعات بالتفكك، وهذا هو الوضع الطبيعي الجديد الذي يجب أن نكون مستعدين له، برأيه.
ولمواجهة هذه التحديات الجديدة، يوصي التقرير "باتخاذ إجراءات فورية تتضمن حلولا منهجية ومتعددة القطاعات وتعاونا دوليا"، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز النظم البيئية وتحسين إدارة المياه مع ضمان عدالة الوصول إلى الموارد.
ووفقا للتقرير، تتوفر بعض الحلول السريعة للتخفيف من حدة المشكلة. ففي بعض أنحاء العالم، يُفقد ما يصل إلى 80% من المياه المتاحة بسبب تسربات في البنية التحتية للمياه القديمة أو غير الفعالة. ويمكن لإصلاح هذه البنية التحتية وصيانتها أن يزيد بشكل كبير من توافر المياه العذبة لبعض المجتمعات، حسب التقرير.
ويؤكد التقرير أن ذلك وحده لا يكفي. فلا يزال اتخاذ إجراءات حاسمة للتخفيف من آثار تغير المناخ أهمها خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتحول إلى ممارسات زراعية أكثر استدامة، نظرا لأن القطاع الزراعي هو أكبر مستهلك للمياه العذبة في العالم بلا منازع.