شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا حادًا في التوترات بين إيران وإسرائيل، اتسم بتبادل التهديدات العسكرية، والهجمات الإلكترونية، والعمليات السرية في جميع أنحاء المنطقة، حتى وصلنا إلى الضربات المتبادلة منذ صباح الأمس.

أولا: لماذا الآن؟  التوقيت الاستراتيجي وراء التصعيد

1. إعادة تنظيم ما بعد غزة

خرجت إسرائيل من صراع غزة بحزم متجدد، مستهدفةً الشبكات المدعومة من إيران في سوريا ولبنان.

تحاول إيران، التي تواجه تراجعًا في مكانتها الإقليمية، إعادة تأكيد قوتها الردعية من خلال التصعيد غير المتكافئ (الميليشيات، والتهديدات الإلكترونية، والتهديدات البحرية في الخليج).

2. الأزمة الداخلية الإيرانية

يتعرض الاقتصاد الإيراني لضغوط شديدة بسبب العقوبات، والتضخم، وتزايد المعارضة الداخلية.

الخطاب القومي والمواجهة الخارجية يساعدان النظام على صرف الانتباه عن الاضطرابات الداخلية.

3. التنافس على النفوذ الإقليمي

يهدد التطبيع السعودي الإسرائيلي، المدعوم سرًا من واشنطن، استراتيجية إيران الإقليمية للعزلة.

ترى طهران حاجة ملحة لتوضيح خطوطها الحمراء وتعطيل أي تحالف محتمل بين الدول العربية وإسرائيل.

4. حسابات الانتخابات الأمريكية

قد تختبر إيران عزيمة الولايات المتحدة في عهد ترامب الثاني، بينما تسعى إسرائيل للحصول على ضمانات قبل أي تحول في الموقف الأمريكي نحو "ضبط النفس أولًا".

ثانيا ً: التداعيات والسيناريوهات

السيناريو الأول: تصعيد مُحكم (الأكثر ترجيحًا)

هجمات سرية، وضربات مُستهدفة في سوريا والعراق، وربما البحر الأحمر.

لا حرب شاملة، بل حالة من عدم الاستقرار المطول تشمل حزب الله، ووكلاء الحرس الثوري الإيراني، والعمليات الخاصة الإسرائيلية.

تستمر الهجمات الإلكترونية واضطرابات الشحن في الارتفاع.

التداعيات:

ضعف الثقة التجارية في ممرات الشحن في الخليج وشرق البحر الأبيض المتوسط، وارتفاع تكاليف التأمين والطاقة، خاصةً في حال استهداف ناقلات النفط.

السيناريو الثاني: حرب إقليمية (عالية المخاطر، منخفضة الاحتمالية)

سوء التقدير أو حادثة الراية الكاذبة حيث تُشعل مواجهة شاملة، قد تشمل لبنان وسوريا وحتى العراق…إسرائيل تهاجم منشآت رئيسية للحرس الثوري الإيراني؛ وترد إيران بوابل من الطائرات المسيرة/الصواريخ.

التداعيات:

اضطراب تدفقات النفط العالمية من مضيق هرمز، وتدفقات لاجئين هائلة في لبنان وسوريان وذعر في السوق، وارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 150 دولارًا للبرميل.

السيناريو الثالث: خفض التصعيد الاستراتيجي عبر أطراف ثالثة

تركيا، وقطر، وعُمان، أو حتى روسيا تتوسط لتهدئة جزئية.

تهدئة مؤقتة، لكن التوترات الجذرية لا تزال قائمة.

التداعيات:

هدوء قصير المدى، مع إعادة تسليح طويلة المدى من جميع الأطراف.

انفتاح محدود للدبلوماسية، وخاصةً بشأن القضايا النووية.

ثالثا: التأثير على السياسة الداخلية الإيرانية

تزايد عسكرة النظام:  الحرس الثوري الإيراني يكتسب نفوذًا أكبر، مستغلًا الأزمة لقمع المعارضة.

رد فعل اقتصادي: تشديد العقوبات، وتراجع قيمة العملة، وتزايد استياء الطبقة الوسطى.

رد فعل قومي: قد تُعزز المسيرات حول العالم شرعية النظام مؤقتًا، لكن المواجهة المطولة ستزيد من عزلة الشعب وتشعل فتيل احتجاجات جديدة.

رابعا: التأثير على إسرائيل

خطر الاستنزاف العسكري: عمليات متزامنة في غزة ولبنان وسوريا.

استقطاب سياسي داخلي وعودة الانقسامات حول الاستراتيجية (الاعتدال مقابل الردع الشامل) في الكنيست.

هشاشة اقتصادية حيث يعاني قطاعا التكنولوجيا المتقدمة والسياحة وسط مخاوف أمنية.

خامسا: رد الفعل الأمريكي: معضلة استراتيجية

تبدو إدارة ترامب منقسمة:

يُفضل المتشددون (على غرار بومبيو) إعطاء الضوء الأخضر للضربات الإسرائيلية واستغلال الأزمة لتشديد الضغط على إيران.

يُفضل الواقعيون تجنب الحرب الإقليمية التي قد تُعيق الانتعاش الاقتصادي وشراكات الولايات المتحدة مع دول الخليج.

الإجراءات الأمريكية المُحتملة:

1- خطاب داعم لإسرائيل، ولكن ضغوط خفية من أجل الاعتدال.

2- توسيع الوجود البحري في الخليج (القيادة المركزية الأمريكية).

3- التواصل الهادئ مع دول الخليج وتركيا للحد من التصعيد.

4- استخدام العقوبات كـ "صمام ضغط" - على سبيل المثال، استهداف وحدات الإنترنت والطائرات المُسيّرة الإيرانية.

سادسا ًَ: الآثار العالمية والاقتصادية

النظرة الاستراتيجية

تعكس المواجهة بين إيران وإسرائيل في منتصف عام 2025 تحولات منهجية أعمق، من خلال انهيار معايير الردع، وإعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، وبيئة دولية تُثبط فيها منافسة القوى العظمى الوساطة، في حين أن تجنب الحرب الشاملة لا يزال ممكنًا، فإن مخاطر التصعيد حقيقية.

التوصيات الاستراتيجية:

1- بالنسبة للولايات المتحدة: الموازنة بين الردع والإشارات الدبلوماسية؛ وتجنب تمكين المتشددين في الحرس الثوري الإيراني من خلال رد الفعل المبالغ فيه.

2- بالنسبة للاتحاد الأوروبي: تعزيز الوجود البحري في البحر الأحمر؛ واستكشاف دبلوماسية القنوات الخلفية.

3- بالنسبة لإسرائيل: تجنب المبالغة في التدخل؛ وإعداد القطاعات المدنية للرد السيبراني.

4- بالنسبة لإيران: تهدئة التوتر وإلا خاطرت بانهيار اقتصادي وعزلة أعمق.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: دونالد ترامب الضربات الإسرائيلية الإيرانية طهران المنشآت النووية الإيرانية تخصيب اليورانيوم واشنطن وطهران بنيامين نتنياهو اسرائيل حرب غزة الملف النووي الايراني الصراع الإيراني الإسرائيلي الرد الإيراني على إسرائيل الثوری الإیرانی

إقرأ أيضاً:

أميركا تراقب تأثير التصعيد بين إسرائيل وإيران على إمدادات الطاقة العالمية

قال وزير الطاقة الأميركي كريس رايت أمس الجمعة إنه يعمل -وفريقه- مع مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض لمراقبة الوضع في الشرق الأوسط وأي تأثيرات محتملة على إمدادات الطاقة العالمية.

وذكر رايت على منصة إكس أن سياسة الرئيس دونالد ترامب لزيادة إنتاج النفط والغاز الأميركيين إلى أقصى حد تعزز أمن الطاقة الأميركي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تحذيرات للسفن لتجنب البحر الأحمر بعد هجوم إسرائيل على إيرانlist 2 of 2الذهب يرتفع والنفط يستقر وسط ترقب لاتفاق تجاري بين أميركا والصينend of list

وجاءت هذه التصريحات في أعقاب الضربات الإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية ورد إيران عليها بالصواريخ.

وقال محللون إن مواقع النفط والغاز في إيران، عضو منظمة أوبك، لم تُستهدف.

وأغلقت أسعار الخام العالمية الجمعة على ارتفاع 7% إلى أكثر من 74 دولارا للبرميل وسط مخاوف المستثمرين من اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط.

وقال محللون في شركة "كلير فيو إنرجي بارتنرز" في مذكرة للعملاء "قد ترتفع أسعار البنزين في الولايات المتحدة بنحو 20 سنتا للغالون في الأيام المقبلة خلال موسم ذروة القيادة الصيفية في الولايات المتحدة، مما يوجِد ضغوطا اقتصادية وعراقيل سياسية أمام الرئيس ترامب، الذي ركز في حملته الانتخابية على خفض تكاليف الطاقة".

من جهتها قالت شركة "كلير فيو" إن ارتفاع الأسعار قد يدفع ترامب إلى التركيز على استغلال احتياطيات النفط الإستراتيجية، والسعي إلى زيادة الإمدادات من مجموعة "أوبك بلس"، وقد يُعقّد جهود تشديد العقوبات على روسيا، إحدى أكبر 3 دول منتجة للنفط في العالم.

إعلان

ويعد احتياطي النفط الإستراتيجي الأميركي الأكبر في العالم ويضم حاليا 402.1 مليون برميل من النفط الخام.

تعد إيران تاسع أكبر منتج للنفط في العالم مع حوالى 3.3 ملايين برميل يوميا (غيتي) تحذيرات من اضطرابات إمدادات الطاقة

وقال مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول على منصة إكس إن نظام أمن النفط التابع للوكالة -والذي يشمل احتياطي النفط الإستراتيجي الأميركي- يحتوي على أكثر من 1.2 مليار برميل من مخزونات الطوارئ.

وانتقدت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) منشور بيرول، قائلة إنه يُثير إنذارات كاذبة و "يُثير شعورا بالخوف في السوق".

ويقول خبراء من "كوميرزبنك": تسود مخاوف من أن يتفاقم التصعيد وأن يؤدي إلى اضطرابات في إمدادات النفط، نظرا إلى أن ثلث الإمدادات العالمية للنفط تأتي من الشرق الأوسط.

وقال آندي ليبو من مركز "ليبو أويل أسوشييتس" إنه حتى الآن، لم تحدث أي اضطرابات إذ لم تُصب أي منشأة نفطية بحسب طهران، لكن إيران قد تستهدف ناقلات النفط المتجهة إلى الولايات المتحدة. بحسب ما نقلت عنهم وكالة الصحافة الفرنسية.

ووفق مارك مالك من مركز "سايبرت فاينانشل" فإن قوة إيران تكمن في موقعها الجغرافي أكثر مما تكمن في إنتاجها.

أما آرني لومان راسموسن من مركز "غلوبل ريسك مانجمنت" فيعتقد أن أي إغلاق لمضيق هرمز سيشكل "كابوسا" لسوق النفط.

وتعد إيران تاسع أكبر منتج للنفط في العالم مع حوالى 3.3 ملايين برميل يوميا.

ويحذر خبراء في مركز "آي إن جي" من أن اضطرابات كبيرة في الإمدادات من شأنها رفع الأسعار إلى 120 دولارا للبرميل".

ويقولون إن "القدرات الاحتياطية لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لن تساعد السوق في هذه الحالة، بسبب وجود القسم الأكبر من هذه القدرات في الخليج".

مقالات مشابهة

  • الذهب والنفط والأسهم.. التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل يهز الأسواق العالمية|
  • أميركا تراقب تأثير التصعيد بين إسرائيل وإيران على إمدادات الطاقة العالمية
  • أخبار العالم | إيران تستهدف إسرائيل بخمس موجات صاروخية.. الحرس الثوري يعلن قصف 150 موقعًا.. والصين والأمم المتحدة تدعوان إلى خفض التصعيد
  • عبدالله بن زايد ولافروف يبحثان هاتفياً التطورات الإقليمية وسبل خفض التصعيد
  • الضربة الإسرائيلية لإيران.. التوقيت والدلالات والتداعيات
  • الدكتور وفيق نصير يكتب: الحرب بين إسرائيل وإيران وتداعياتها على البيئة العالمية
  • أستاذ قانون دولي يكشف التداعيات الكارثية للهجوم الإسرائيلي على إيران
  • تعيين أحمد وحيدي قائدا للحرس الثوري الإيراني
  • أحمد وحيدي قائدا للحرس الثوري الإيراني خلفا لـ حسين سلامي