بيروت- عاد ملف قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان "يونيفيل" ليتصدر واجهة المشهدين السياسي والأمني، في لحظة إقليمية دقيقة تتشابك فيها تعقيدات الداخل اللبناني مع التصعيد المتسارع بين إيران وإسرائيل، لا سيما في ظل عمليتي "الأسد الصاعد" و"الوعد الصادق 3″.

وفي خضم هذا السياق المضطرب، يسابق لبنان الوقت لحشد التأييد الدولي بهدف تجديد تفويض قوات "يونيفيل"، في وقت يذهب فيه خبراء عسكريون، في حديثهم للجزيرة نت، إلى أن إسرائيل تتجه نحو تفريغ الجنوب من أي رقابة دولية توثق خروقاتها المتكررة تمهيدا لتوسيع هامش مناورتها العسكرية.

وعلى وقع التحذيرات المتزايدة من المساس بجوهر القرار 1701 لوقف القتال بين إسرائيل وحزب الله عام 2006، تبرز مؤشرات على ضغوط غير معلنة، لا تستهدف إنهاء مهمة "يونيفيل"، بل إعادة رسم صلاحياتها بشكل يفرغها -بحسب الخبراء- من دورها الأساسي.

أندريا تيننتي: دور "يونيفيل" الحالي يتمثل في الحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان (الفرنسية) وضع هش

من جانبه، أكد الناطق باسم هذه القوات في لبنان أندريا تيننتي، للجزيرة نت، أن ما تم تداوله مؤخرا في بعض وسائل الإعلام بشأن انسحابها أو عدم تجديد تفويضها، لا يستند إلى معلومات دقيقة ويعتمد على مصادر غير معروفة.

وبشأن التحديات المرتبطة بتجديد تفويض "يونيفيل"، لفت تيننتي إلى أن القرار سيعود إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن التي ستحسم في أغسطس/آب المقبل، ما إذا كانت ستُبقي على التفويض الحالي أو تُدخل عليه تعديلات.

وفي ما يتعلق بالميدان، أوضح تيننتي أن الدور الحالي لقوات "يونيفيل" في جنوب لبنان يتمحور حول الحفاظ على الاستقرار في منطقة تشهد في الوقت الراهن "وضعا هشا للغاية قابلا للتدهور في ظل التطورات الأخيرة".

وأشار إلى استمرار إطلاق النار داخل الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى رصد وجود لقوات الجيش الإسرائيلي داخل الحدود اللبنانية ما يُعد "خرقا واضحا للقرار 1701".

إعلان

وكشف أن "الأشهر الماضية شهدت اكتشاف عدد كبير من الملاجئ ومخابئ الذخيرة والمواقع العسكرية التي كانت تُستخدم في السابق من قبل جماعات مسلحة أو حزب الله"، وقد تم ذلك بتنسيق وثيق ومسبق مع الجيش اللبناني، الذي اعتبره الطرف الأساسي المعني بحفظ الأمن في الجنوب.

ووفق تيننتي، لا تقتصر مهام "يونيفيل" على الدوريات العسكرية، بل تواصل دعم المجتمعات المحلية في هذه المرحلة الدقيقة من خلال تنفيذ مئات الأنشطة يوميا، تتنوع بين إزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة، وفتح الطرق، وتقديم الدعم الطبي، بمشاركة قرابة 10 آلاف جندي حفظ سلام من 48 دولة.

مناطق انتشار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) (الجزيرة) سياق الضغط

كما شدد تيننتي على أن القرار 1701 يمنحها صلاحية تنفيذ عمليات المراقبة والدوريات داخل منطقة العمليات، سواء بمرافقة الجيش اللبناني أو بدونه، وهو ما كان ساريا منذ عام 2006، رغم ما وصفه بسوء الفهم المستمر لهذا الجانب. وأكد أن جميع الأنشطة تُنفَّذ بالتنسيق الكامل مع الجيش اللبناني، ولا تُتخذ أي خطوة دون مناقشة مسبقة.

وأشار إلى أن معظم أنشطة البعثة لا تواجه عقبات، غير أن بعض "التصرفات الفردية" قد تتسبب أحيانا في توترات مع السكان المحليين. ودعا جميع أبناء الجنوب اللبناني إلى فهم دور "يونيفيل" على حقيقته بوصفه يرتكز على دعم السكان وإعادة الاستقرار إلى مناطقهم.

ويرى الخبير العسكري العميد حسن جوني، في حديث للجزيرة نت، أن الجدل الدائر حاليا والضغوط المتزايدة حول قوات "يونيفيل" لا تستهدف منع تجديد التفويض، بل تسعى إلى فرض شروط جديدة لتمديده، تمنحها دورا أكثر فاعلية.

وأضاف أن ما يجري يُقرأ ضمن سياق الضغط على الدولة اللبنانية وعلى "حزب الله تحديدا"، لدفعهما إلى القبول بتوسيع هامش تحرك يونيفيل، فالمسألة لا تتعلق بوضع القوات تحت الفصل السابع، بل بتعديل قواعد الاشتباك الميدانية، خصوصا أن هناك إشارات واضحة مفادها أن هذه القوات لا تستطيع تنفيذ مهام مستقلة عن الجيش اللبناني، بالنظر إلى حساسية الواقع الجنوبي وموقف السكان.

وقد يحمل هذا النقاش -وفق جوني- رسالة غير مباشرة مفادها أن أي تحرك منفصل ليونيفيل عن التنسيق مع الجيش لن يكون موضع ترحيب، رغم أن التعديل ما قبل الأخير للتفويض أجاز لها تنفيذ بعض المهام بشكل مستقل، وعليه فإن التلويح بعدم التمديد يبدو أقرب إلى ورقة ضغط منه إلى خيار فعلي.

ويحذر من أن عدم التجديد، إذا ما حصل، ستكون له تداعيات خطيرة:

أولا: تهديد جوهر القرار 1701 الذي يقوم أساسا على وجود قوات الطوارئ الدولية. ثانيا: سيُفقد المنطقة قناة الاتصال غير المباشرة بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي، وهي الآلية التي تسمح باحتواء الاحتكاكات ومنع التصعيد.

وحسب الخبير جوني، فإن غياب "يونيفيل" يعني أيضا غياب العين الدولية التي ترصد الانتهاكات وتوثّق الاعتداءات الإسرائيلية، مما يمنح تل أبيب هامشا أوسع للتحرك في الجنوب، ويزيد من احتمالات التصعيد من دون رادع دولي.

موقف إسرائيل

من جهته، يرى الخبير العسكري العميد بهاء حلال أن إسرائيل لا تخفي رفضها لوجود قوات "يونيفيل" جنوب نهر الليطاني، خاصة في ظل التنسيق الوثيق بين هذه القوات والجيش اللبناني، مما يجعلها بمثابة "عين راصدة" لتحركات الاحتلال وناقلة دائمة لانتهاكاته.

ويذكّر -في حديثه للجزيرة نت- بأن الجيش الإسرائيلي قصف خلال حرب يوليو/تموز 2006 مركزا ليونيفيل في بلدة قانا، في رسالة واضحة على موقفه المعادي لأي جهة تراقب أداءه الميداني.

إعلان

وفيما يتعلق بمصير هذه القوات الدولية، يشير الخبير العسكري إلى أن السيناريوهات المحتملة في صورة عدم تجديد التفويض ترتبط بالمعادلة القائمة حاليا في الجنوب، والتي تضم المواطنين اللبنانيين، والمقاومة والجيش اللبناني إلى جانب "يونيفيل"، ويؤكد أن إسرائيل تعمل على تقويض هذه المعادلة عبر الضغط على كافة مكوناتها، تمهيدا لخلق فراغ أمني وإنساني يسمح لها بتحقيق أهدافها.

ويضيف أن المقاومة التزمت بالقرار 1701 وسحبت عناصرها من جنوب الليطاني وسلمت مواقعها للجيش اللبناني بالتنسيق مع الأمم المتحدة، مما جعل الطرفين الوحيدين المنتشرين على الأرض هما الجيش و"يونيفيل"، إلا أن إسرائيل -بحسب الخبير- لا ترحب بأي دور فعّال للجيش اللبناني وتسعى إلى تقييد حركته، بما في ذلك عبر ما يُعرف بـ"اللجنة الخماسية" المعنية بالتنسيق.

ويحذر من أن تل أبيب تكثف ضغوطها لسحب "يونيفيل"، خصوصا إذا لم يتم التمديد وفق شروطها المتماهية مع الرؤية الأميركية، ويعتقد أن غياب هذه القوات قد يفتح الباب أمام عدوان إسرائيلي جديد يهدف إلى التقدم نحو نهر الليطاني، خاصة في ظل "غياب فعلي للمقاومة جنوبه، وضعف قدرة الجيش اللبناني على خوض مواجهة مفتوحة من هذا النوع".

ولا يقتصر الهدف الإسرائيلي الأميركي على إنهاء دور "يونيفيل"، بل يتعداه إلى إعادة تشكيل هذه القوة ضمن إطار "متعدد الجنسيات"، تعمل تحت الفصل السابع وتنتشر شمال الليطاني، مما يعني عمليا نقل الأزمة من جنوبه إلى شماله، في إطار خطة مدروسة لإعادة رسم خارطة السيطرة في الجنوب اللبناني، وفق الخبير بهاء حلال.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجیش اللبنانی هذه القوات للجزیرة نت أن إسرائیل القرار 1701 فی الجنوب إلى أن

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي يبحث خيارات لتعزيز قوى الأمن الداخلي وتخفيف العبء على الجيش اللبناني

بروكسل "رويترز": جاء في وثيقة اطلعت عليها رويترز اليوم أن الاتحاد الأوروبي يدرس خيارات لتعزيز قوى الأمن الداخلي اللبناني لتخفيف العبء على الجيش اللبناني حتى يتسنى له تركيز الجهود على نزع سلاح جماعة حزب الله.

ولا تزال هدنة عام 2024 بين لبنان وإسرائيل هشة إذ تشن إسرائيل غارات من حين لآخر على الأراضي اللبنانية قائلة إنها تستهدف جهود حزب الله لإعادة تسليح نفسه.

وقالت الوثيقة، التي أصدرتها الذراع الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي ووزعتها على الدول الأعضاء وعددها 27، إنها ستواصل المشاورات مع السلطات اللبنانية وإن بعثة استطلاع ستتم في أوائل عام 2026 بشأن المساعدة الجديدة المحتملة لقوى الأمن الداخلي في البلاد.

المشورة والتدريب

وذكرت الوثيقة أن جهود الاتحاد الأوروبي يمكن أن "تركز على المشورة والتدريب وبناء القدرات"، مضيفة أن التكتل لن يتولى مهام قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، التي من المقرر أن ينتهي تفويضها في نهاية عام 2026 حين يتوقع أن تبدأ عملية تستمر عاما لخفض حجمها تدريجيا والانسحاب من لبنان.

وبدلا من ذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي "المساهمة في النقل التدريجي لمهام الأمن الداخلي" من الجيش اللبناني إلى قوى الأمن الداخلي، مما يسمح للجيش بالتركيز على مهامه الدفاعية الأساسية، بحسب الوثيقة.

ومن المتوقع أن يضع الأمين العام للأمم المتحدة خطة انتقالية في يونيو حزيران 2026، والتي ستعالج المخاطر الناجمة عن رحيل اليونيفيل.

اجتماع قريب

تأتي هذه الورقة الصادرة عن دائرة العمل الخارجي الأوروبية قبل اجتماع مُخطط له بين مسؤولين كبار من الاتحاد الأوروبي ولبنان في بروكسل في 15 ديسمبر.

وذكرت الوثيقة أنه "من خلال تقديم المشورة والتدريب، وربما توفير بعض المعدات، سيكون الهدف العام تمكين الشرطة وقوى الأمن الداخلي من أداء مهامهما في المدن والمناطق الريفية في جميع أنحاء البلاد"، مُضيفة أن الاتحاد الأوروبي يُمكنه أيضا مساعدة لبنان لتعزيز تأمين حدوده البرية مع سوريا.

وذكرت مصادر دبلوماسية أن المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، جان إيف لودريان، كان في بيروت الاثنين لاقتراح خارطة طريق تهدف إلى تقييم عملية نزع سلاح حزب الله بشكل مستقل.

وصرح رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام الأسبوع الماضي بأن لبنان يُريد أن يكون لآلية مراقبة وقف إطلاق النار دور أكثر فعالية للتحقق مما تقوله إسرائيل حول إعادة حزب الله بناء قدراته، وكذلك التحقق من عمل الجيش اللبناني في تفكيك البنية التحتية للجماعة المسلحة.

وعندما سُئل عما إذا كان ذلك يعني أن لبنان سيقبل بوجود قوات أمريكية وفرنسية على الأرض ضمن آلية التحقق، قال سلام "بالطبع".

مقالات مشابهة

  • مدير معهد فلسطين للأمن: إسرائيل مستمرة في نهجها دون تغيير تجاه الجنوب اللبناني
  • سياسي فلسطيني: إسرائيل لا تزال متمسكة باستراتيجيتها العسكرية تجاه الجنوب اللبناني
  • نهج ثابت وأهداف خفية.. لماذا تواصل إسرائيل سياستها التصعيدية تجاه الجنوب اللبناني؟
  • رئيس الكتائب: الجيش اللبناني أولوية وطنية لتنفيذ خطة حصر السلاح
  • «صمود» ترحب بالحكم ضد «كوشيب» وتطالب الجيش السوداني بتسليم المطلوبين للعدالة الدولية
  • حماس تحذر من تداعيات المنخفض الجوي في غزة وتطالب بإغاثة عاجلة
  • العدو الصهيوني يواصل عدوانه على الجنوب اللبناني ويفجر منزلا ويشن غارات
  • أوروبا تدرس دعم الأمن اللبناني لتفريغ الجيش لنزع السلاح
  • الاتحاد الأوروبي يبحث خيارات لتعزيز قوى الأمن الداخلي وتخفيف العبء على الجيش اللبناني
  • رويترز: الاتحاد الأوروبي سيساعد الجيش اللبناني على نزع سلاح حزب الله