يمانيون | تحليل
تزامناً مع التصعيد المتسارع في العدوان الصهيوني على إيران، تتحرك الولايات المتحدة على مسار موازٍ في سوريا، لكن بأدوات سياسية مغلّفة بغطاء دبلوماسي ناعم يخفي سيناريوهات عسكرية أكثر فتكًا، تعيد رسم الخرائط الاستراتيجية في الميدان السوري.

ففي جلسة حديثة لمجلس الأمن، أطلقت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة تصريحًا لافتًا أعلنت فيه ما وصفته بـ”بداية عصر جديد” في العلاقة مع سوريا، مشروطًا باتفاق عدم اعتداء مع الكيان الصهيوني وفتح ملف ترسيم الحدود، وهي عناوين سياسية تختزن في طياتها جوهر المرحلة المقبلة: تثبيت نفوذ “إسرائيلي” مباشر في جنوب سوريا، وإعادة هندسة الوضع الميداني بما يخدم الأمن القومي لكيان الاحتلال، لا الأمن السوري.

من التفاوض إلى التنفيذ: خارطة احتلال تتسلل من الجنوب السوري
هذا التحول في الخطاب السياسي الأمريكي، الذي وُلد تحت غطاء “السلام” و”ضبط الحدود”، لم يكن سوى خطوة أولى في مسار ميداني متصاعد.. إذ سرعان ما انعكست مفاعيله على الأرض من خلال تحركات مباشرة للكيان الصهيوني في الجنوب السوري، حيث يُترجم الطرح الدبلوماسي إلى وقائع عسكرية متدرجة.

فالمناطق المحاذية للجولان المحتل تشهد تثبيتًا هادئًا لقواعد صهيونية، في مشهد يُعيد إلى الأذهان سيناريو الاحتلال المقنّع الذي يتقدّم على مراحل، بينما تعاني دمشق من ضغوط سياسية واقتصادية تعيق قدرتها على الرد أو المبادرة.

هذا التقدم الميداني ليس معزولاً عن تطمينات أمريكية صريحة للعدوّ الصهيوني، بل هو ثمرة تنسيق دقيق تتقاطع فيه الاستراتيجية الأمريكية مع طموحات “تل أبيب” التوسعية، في إعادة رسم الجغرافيا الأمنية لسوريا جنوبًا، تحت عنوان “ترتيبات ما بعد الحرب”.

فصائل “الجولان” التكفيرية: أداة ميدانية لحماية الاحتلال
وبما أن الاحتلال الحديث لا يقوم فقط بالدبابات أو الرايات، فإن الولايات المتحدة و”تل أبيب” تعتمدان على تكامل الأدوار بين التحرك العسكري الرسمي، والتحرك غير الرسمي عبر الوكلاء المحليين.

وهنا تلعب الفصائل التكفيرية المرتبطة بجبهة الجولاني دورًا رئيسيًا، حيث تعمل ضمن خطة وظيفية لا تخفى أبعادها..انتشار هذه المجموعات على تخوم الحدود الشرقية لسوريا، قرب دير الزور والحسكة، لا يمكن فصله عن انتشار القواعد الأمريكية هناك، ما يُبرز محاولات تطويق المحور الشرقي لسوريا بحزام ناري يمنع أي تواصل استراتيجي بين الحشد الشعبي العراقي والمقاومة داخل سوريا.

بهذا المعنى، يُصبح وجود هذه الفصائل غطاءً عملياتيًا للهيمنة الأمريكية والصهيونية، عبر أدوات محلية تم إعدادها بعناية لتكون حواجز أمنية في وجه أي تهديد ممانع محتمل.

الحدود اللبنانية ـ السورية: فصائل الجولاني لحماية “الخاصرة الإسرائيلية”
هذا الاستخدام الوظيفي لتلك الفصائل لا يقتصر على الشرق فقط، بل يمتد غربًا، حيث تظهر البصمة نفسها على الحدود اللبنانية – السورية.. هناك، تتحرك عناصر الجولاني كعين راصدة لتحركات المقاومة اللبنانية، ضمن نطاق أمني غير رسمي يُدار بأوامر غير سورية.

وهذا الربط بين الجغرافيا الشرقية والغربية لسوريا يُظهر وحدة الهدف الصهيوني: حماية محيط الكيان من ثلاث جهات (الجنوب السوري، الشرق الحدودي، والخاصرة اللبنانية).

بالتالي، تتضح خيوط الخطة التي تشترك فيها تل أبيب وواشنطن: تحويل سوريا إلى ساحة عازلة، لا للدفاع عن السيادة الوطنية، بل لحماية عمق الكيان الصهيوني من أي تهديد مستقبلي، سواء من الجبهة الإيرانية أو من المقاومة اللبنانية.

واشنطن تفرض “عدم اعتداء” لصالح تل أبيب
في ظل هذا المشهد المتكامل، يتبيّن أن اتفاق “عدم الاعتداء” الذي تروّج له الولايات المتحدة ليس مبادرة سلام، بل مظلة سياسية لاحتلال صامت يُدار من الخلف.

فالمفارقة أن الحديث عن خفض التصعيد يتزامن مع تكثيف الغارات على إيران، وتثبيت القواعد الصهيونية فوق التراب السوري.. ما يعني أن “عدم الاعتداء” هو بالأحرى اتفاق أحادي يُراد به إسكات الدولة السورية ومنعها من الدفاع عن سيادتها، فيما تُمنح “إسرائيل” حق الردع والتوسع دون قيود.

وهكذا، يُستخدم “الاتفاق” لتجميد أي مواجهة محتملة من الجانب السوري، ولمنح الشرعية لتكريس الواقع الميداني الجديد لصالح الاحتلال، بينما تظل سوريا بلا غطاء قانوني فعلي يحمي أرضها أو يتيح لها الرد العسكري المشروع.

سوريا بين احتلال ناعم وتحالفات مضادة
كل ما سبق يقود إلى حقيقة واحدة: سوريا باتت تقف على عتبة مرحلة حساسة، عنوانها “الاحتلال الناعم”. فالسيطرة لا تتم عبر جيوش تقليدية فقط، بل من خلال مزيج مركّب من التدخلات السياسية، والانتشار العسكري الصامت، وتوظيف المجموعات المسلحة المموّهة محليًا، ضمن منظومة إقليمية واحدة هدفها النهائي تحصين الكيان الصهيوني وتفكيك سوريا كدولة ذات سيادة.

لكن هذا المشهد، ورغم ضبابيته، لا يخلو من مؤشرات المواجهة.. فمع تصاعد التوتر واستمرار العدوان على إيران، يبقى احتمال اندلاع مواجهة أشمل قائمًا، خصوصًا في حال تجاوز المشروع الأمريكي ـ الصهيوني حدوده، وبدأ بفرض أمر واقع يتخطّى خطوط محور المقاومة الحمراء.

وفي تلك اللحظة، قد لا تبقى سوريا ساحة احتلال ناعم، بل تصبح ساحة اشتباك مفتوحة، تُمتحن فيها كل التفاهمات القائمة، وترتسم فيها معادلات جديدة بالنار لا بالكلمات.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الجنوب السوری تل أبیب

إقرأ أيضاً:

تشريع جديد لزيادة عدد البطاقات الخضراء في أمريكا.. هل يشكل بداية فصل جديد في ملف الهجرة؟

يسعى مشروع قانون جديد في الكونغرس الأميركي إلى توسيع فرص الحصول على "البطاقة الخضراء" الخاصة بالإقامة الدائمة من خلال إصلاحات واسعة تشمل تقليص التكدسات، وتعزيز أمن الحدود، وسط طلب متزايد على العمالة واحتياجات ديموغرافية متغيرة. اعلان

وقد قدّم مشرّعون أميركيون في الكونغرس مقترحًا جديدًا تحت اسم "قانون الكرامة لعام 2025"، يهدف إلى زيادة عدد البطاقات الخضراء المتاحة للمهاجرين، وإحداث إصلاحات شاملة في نظام الهجرة داخل الولايات المتحدة.

ويسعى القانون الجديد، الذي يحمل رقم إتس آر 4393 (H.R. 4393)، إلى معالجة التراكمات المزمنة في طلبات التأشيرات، وتوسيع معايير الأهلية للحصول على الإقامة الدائمة، إضافة إلى تسوية أوضاع من يُعرفون بـ"الحالمين" (Dreamers)، مع تغييرات كبيرة في سياسات أمن الحدود وأنظمة التحقق من الهوية.

في نوفمبر 2024، وعد ترامب بمنح كل من يتخرج من جامعة في الولايات المتحدة بطاقة الإقامة الدائمة

ومن أبرز التعديلات المقترحة، تمكين الأشخاص الذين دخلوا الولايات المتحدة وهم أطفال، وكذلك حاملي برنامج الحماية المؤقتة (DACA)، من تعديل أوضاعهم القانونية والحصول على إقامة دائمة، بشرط استيفاء شروط معينة مثل التخرج من جامعة أو مدرسة تقنية، أو الخدمة في الجيش الأميركي ثلاث سنوات على الأقل، أو العمل المستمر لمدة 4 سنوات بتصريح قانوني.

كما ينص المشروع على تقليص فترة الانتظار القانونية في ملفات الهجرة العائلية والوظيفية إلى حد أقصى قدره 10 سنوات، من خلال إتاحة خيار الدفع لتسريع المعالجة مقابل 20 ألف دولار.

ومن الإجراءات اللافتة في القانون، رفع الحد الأعلى للحصص السنوية بحسب الدولة من 7% إلى 15%، ما سيساعد في حلّ مشكلة التراكمات التي تواجه مواطنين من دول مثل الهند والصين.

Related "موت بطيء".. اتهامات حقوقية للولايات المتحدة بمعاملة المهاجرين في السجون بطريقة لا إنسانيةبعد أن دشّنه ترامب.. مركز احتجاز "ألكاتراز التماسيح" يستعد لاستقبال أول دفعة من المهاجرين ألمانيا تُوقف تمويل عمليات إنقاذ المهاجرين في المتوسط

في عام 2023، حصل نحو 1.17 مليون شخص على البطاقة الخضراء، بزيادة 15.2% عن العام السابق، وكانت أغلبها مدعومة من العائلة (64.6%) تليها التأشيرات المرتبطة بالعمل (16.7%).

وقد قالت النائبة الجمهورية من فلوريدا ماريا ألفيرا سالازار، إحدى مقدّمي المشروع: "قانون الكرامة هو مشروع ثوري يقدم حلًا لأزمة الهجرة: تأمين الحدود، وقف الهجرة غير الشرعية، ومنح فرصة قانونية للمهاجرين على المدى الطويل للبقاء والعمل. لا عفو، لا هدايا، لا جنسية – فقط محاسبة واستقرار يخدم اقتصادنا ومستقبلنا".

وتمّت إحالة مشروع القانون إلى عدد من لجان الكونغرس، منها لجنة القضاء ولجنة الأمن الداخلي، للنظر في بنوده.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • وزارة الخارجية تُدين قرار الكيان الصهيوني بالسيطرة الكاملة على قطاع غزة
  • الخارجية تُدين قرار الكيان الصهيوني بالسيطرة الكاملة على قطاع غزة
  • تشريع جديد لزيادة عدد البطاقات الخضراء في أمريكا.. هل يشكل بداية فصل جديد في ملف الهجرة؟
  • شركات طيران عالمية تواصل إلغاء رحلاتها إلى الكيان الصهيوني
  • أمريكا ترحب بقرار الحكومة اللبنانية تكليف الجيش بحصر السلاح
  • الحكومة اللبنانية تصوت على حصر سلاح حزب الله ونشر الجيش في الجنوب
  • الإعلام الحكومي في غزة: 92 شاحنة فقط دخلت الأربعاء وسط فوضى ممنهجة
  • صنعاء تعلن فرض عقوبات شاملة على 64 شركة بحرية انتهكت قرار الحصار على الكيان الصهيوني
  • الورداني: من يبرر عدوان الكيان الصهيوني شريك في المذبـ.ـحة
  • من هو نضال القطامين وزير النقل الجديد في الأردن؟”