حرب إيران وإسرائيل تهدد الأسواق العالمية.. خبراء: الذهب ليس كافيًا لحماية الاستثمارات.. وغلق مضيق هرمز “ضربة قاضية”
تاريخ النشر: 20th, June 2025 GMT
شهدت المنطقة خلال الأيام الماضية، واحدة من أخطر المواجهات العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل، في تطور وصف بأنه قد يغير موازين القوى السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط.
لكن تداعيات هذا التصعيد لم تبقى داخل حدود الجغرافيا، بل امتدت سريعًا إلى الأسواق العالمية.
ومع التهديدات المتكررة بإغلاق مضيق هرمز، أحد أهم الممرات البحرية لنقل النفط عالميًا، ارتفعت أسعار النفط بشكل ملحوظ، ما أثار مخاوف حقيقية من أزمة طاقة قد تضر باقتصادات تعتمد بشكل كبير على الاستيراد.
وعادت مخاطر التضخم العالمي إلى الواجهة، وفي ظل هذه الأجواء المضطربة، تراجعت مؤشرات الأسهم، وارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، ومع تقلب أسعار العملات، وغياب الرؤية الواضحة، تصاعدت تساؤلات الأفراد والمستثمرين حول أفضل واكثر الإستثمارات اماناً.
وأجاب عدد من الخبراء الاقتصاديين حول قراءتهم لمشهد الأسواق تحت ضغط الحرب، وتوقعاتهم لأفضل أدوات الاستثمار في ظل التصعيد العسكري الراهن، وسط تحذيرات من أن استمرار الأزمة قد يغير شكل الاقتصاد العالمي كما نعرفه.
حنان رمسيس: استمرار الحرب قد يجرّ المنطقة لكارثة اقتصادية.. والذهب هو الرابح الأكبر
وقالت الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس، إن الأسواق المالية حاليًا تشهد حالة من الارتباك بسبب تأثير الحرب بين إسرائيل وإيران، وهو ما انعكس مباشرة على سلوك المتعاملين وتوجهاتهم الاستثمارية، فالظروف المضطربة تدفع المستثمرين إلى التفكير بعناية في خياراتهم، ما بين استثمارات عالية المخاطر وأخرى منخفضة المخاطر، وفقًا لما تسمح به قدرتهم على تحمل الخسائر.
واستطردت حنان رمسيس الخبيرة الاقتصادية، في تصريحات خاصة لصدى البلد، أن الذهب يأتي في مقدمة هذه الخيارات باعتباره الملاذ الآمن الأول، وقد شهدنا خلال الأيام الماضية تحركات قوية في سعره، حيث ارتفع السعر العالمي ليصل إلى نحو 3700 دولار للأونصة، في حين لامس سعر الجرام من عيار 21 محليًا حدود 4000 جنيه، لكن عند كل مستوى تاريخي مثل هذا، تظهر سلوكيات مرتبطة بجني الأرباح أو تعديل المراكز، خاصة مع وجود قناعة لدى بعض المتعاملين بأن استمرار الصعود قد لا يدوم، وأن هناك احتمالات بزيادة الضغوط البيعية التي قد تفقد المستثمر الفرصة المحققة.
وتابعت حنان، إنه في مثل هذه الأوضاع، يلجأ البعض إلى الاحتفاظ بالنقدية بهدف إعادة الدخول في السوق عند ظهور فرص جديدة، هذا التوجه يعكس وعيًا استثماريًا متزايدًا، حيث أصبح المتعامل أكثر حرصًا على اختيار الوقت المناسب للدخول، بناءً على متابعته لتطورات الحرب وتقلبات السوق.
وأضافت: بطبيعة الحال، تتعدد مجالات الاستثمار، وكل متعامل يختار بحسب قدرته على تحمل المخاطرة، فمثلاً يرى بعض المستثمرين أن التداول في البورصة ما زال خيارًا مطروحًا، رغم ما تحمله هذه الفترة من تحديات ناتجة عن الحرب وخروج العديد من رؤوس الأموال، ومع انخفاض المؤشرات، تظهر فرص سانحة في بعض الأسهم، خصوصًا في القطاعات الاستراتيجية مثل قطاع الأغذية والمشروبات، وقطاع الأدوية والرعاية الصحية، وقطاع المواد الأساسية.
وعلى هذا الأساس، يبدأ بعض المستثمرين في تكوين مراكز شرائية بهذه القطاعات رغبة في تحقيق مكاسب سريعة. ومع ذلك، يغلب على هذا النوع من الاستثمار الطابع قصير الأجل أو ما يعرف بـ”المضاربة”، حيث يسعى المتعامل إلى شراء السهم وبيعه خلال نفس الجلسة أو خلال فترة قصيرة جدًا، دون الاحتفاظ به لفترات طويلة، خوفًا من استمرار تصاعد الأزمة الإقليمية.
وأكدت رمسيس على أن المستثمرين في هذه المرحلة لا يغفلون عن احتمال التدخل الدبلوماسي الذي قد يضع حدًا للأزمة، ولكن في حال استمرار الحرب واتساعها لتشمل أطرافًا أخرى، فإن المنطقة قد تواجه سيناريو حرب شاملة، وفي هذه الحالة يكون “أسرى الحرب” بحسب تعبير البعض هم الفئة التي تربح من تجارة الخردة ومخلفات النزاعات، بينما يعاني المستثمر التقليدي من صعوبة حماية أمواله أو استثماراته وسط هذا الغموض.
ومع عدم وضوح الرؤية، يلجأ بعض المتعاملين إلى الاستثمار في الملاذات الآمنة الأخرى مثل العقود الآجلة، إلا أن هذا النوع من الاستثمار يحتاج إلى خبرة ومعرفة دقيقة، بالإضافة إلى استخدام أدوات تحليل رياضية متقدمة لتوقع الاتجاهات، وهو ما لا يتوفر لكل المستثمرين.
وأشارت الخبيرة الاقتصادية إلى الوسائل الاستثمارية المتاحة حاليًا أمام المتعاملين، حيث تبرز صناديق الاستثمار سواء المرتبطة بالأوراق المالية أو المتخصصة في الذهب والمعادن الثمينة، إلى جانب الاستثمار المباشر في الذهب أو الفضة، والمضاربة السريعة في أسهم البورصات، كما يحدث في السوق المصرية، حيث تمثل المضاربات فرصة لتحقيق مكاسب للبعض، رغم أنها قد تؤدي إلى خسائر لآخرين.
وانهت حديثها قائلة: في النهاية، تبقى قرارات المستثمر مرهونة بشخصيته ومدى قدرته على تحمل المخاطرة، في وقت لم يعد فيه السوق يتحرك وفق مؤشرات مالية فقط، بل بات مرهونًا بالتطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة التي قد تغير المشهد في أي لحظة.
أستاذ اقتصاد: إغلاق مضيق هرمز تهديد للتجارة الدولية.. والذهب لم يعد استثماراً مضمونًابينما قال الدكتور محمود عنبر أستاذ الاقتصاد، إن الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل جاءت في توقيت بالغ الحساسية، في ظل أوضاع اقتصادية عالمية غير مستقرة منذ تفشي جائحة كوفيد-19، مشيرًا إلى أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني من تداعيات متتالية لم يتح له الوقت الكافي للتعافي منها.
وأوضح في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد، أن العالم لم يكد يخرج من أزمة الرهن العقاري والأزمة المالية العالمية التي وقعت قبل أكثر من عقد، حتى فوجئ بحرب روسيا وأوكرانيا، وما تبعها من تغيرات متسارعة على مستوى العالم، مؤكدًا أن هذه التغيرات، رغم أنها تحدث بمعزل عن بعضها، فإن تأثيراتها مترابطة وتمس ليس فقط الدول المنخرطة في الصراعات، بل تمتد إلى الاقتصادات العالمية كافة.
وأضاف أن أبرز تداعيات هذه التغيرات كانت التباطؤ الواضح في حركة التجارة العالمية، وتراجع تدفق الاستثمارات، وهو ما رصدته تقارير منظمات دولية، إلى جانب تراجع معدلات النمو الاقتصادي، في ظل حالة من الضبابية وانعدام اليقين باتت تسيطر على المشهد الاقتصادي الدولي.
وأشار إلى أن ما يزيد من غموض الموقف الاقتصادي العالمي هو استمرار هذه التغيرات السريعة، والتي بدأت تعيد تشكيل الخريطة الاقتصادية الدولية، ولفت إلى بروز قوى إقليمية جديدة تسعى لمنافسة الولايات المتحدة، في وقت بدأ فيه العالم يتحول من القطبية الواحدة إلى الثنائية وربما نحو التعددية القطبية، مشددًا على أن هذا التحول لا يزال غير محسوم، لكن ما يثير القلق هو الاعتماد المتزايد على الأدوات الاقتصادية في إدارة الصراعات.
وقال إن استخدام العقوبات الاقتصادية أصبح سلاحًا رئيسيًا في النزاعات، سواء عبر فرضها بشكل مباشر أو الرد عليها من الطرف الآخر، مثلما حدث مع استخدام سلاح الطاقة والغذاء.
وأوضح أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تطورت من مجرد رفع رسوم جمركية إلى تعطيل سلاسل الإمداد العالمية، وانتهت إلى ما يشبه “الخنق الصناعي”.
وأكد أن التطور الأخطر حاليًا هو ما يجري في منطقة الخليج، خاصة مع التهديدات المتزايدة بإغلاق مضيق هرمز، وهو ما لم يحدث بهذا الشكل منذ عام 1980.
واعتبر أن أي خطوة في هذا الاتجاه سيكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، لاسيما الاقتصادات العربية والخليجية، حيث أن أي ارتفاع في أسعار النفط قد يبدو مفيدًا ظاهريًا، لكنه سيقود إلى مزيد من التباطؤ في حركة التجارة الدولية وارتفاع حاد في تكاليف النقل والطاقة.
وحول فرص الاستثمار، شدد الخبير على أنه لا يمكن الحديث عن استثمار آمن في ظل هذه الظروف، موضحًا أنه في حال استمرار الأزمة، لن يكون بمقدور أحد التنبؤ بما قد يحدث، لأن المشهد يتغير بشكل سريع وغير قابل للتوقع.
وأضاف أن الحديث عن اللجوء إلى استثمارات تقليدية مثل الذهب أو العقارات باعتبارها “ملاذات آمنة” لم يعد دقيقًا، قائلًا: “حتى الذهب لم يعد استثمارًا مضمونًا، لأنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسعر الدولار، ولا أحد يستطيع التكهن بمصير العملة الأمريكية خلال الفترات القادمة”.
واختتم تصريحاته الخاصة بالتأكيد على أنه لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية أو استثمارات طويلة الأجل، طالما أن الاستقرار السياسي غائب، وأضاف المنطقة والعالم يعيشان مرحلة فارقة لا تسمح ببناء رؤى اقتصادية مستقرة في المدى القريب
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الحرب بين إسرائيل وإيران الاستثمار مضيق هرمز الحرب التجارية النفط الأسواق العالمية مضیق هرمز لم یعد على أن وهو ما
إقرأ أيضاً:
الضربات لم تكسر شوكة إيران ومكانتها الإقليمية باقية ولكنها مأزومة.. دراسة جديدة
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية تحليلية بعنوان: "انعكاسات الهجوم الأمريكي الإسرائيلي على إيران على مستقبل المكانة الإقليمية الإيرانية"، من إعداد خبير الدراسات المستقبلية الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي، حاولت استشراف المسارات المستقبلية لإيران في ضوء الهجوم المشترك الذي نفذته كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل" ضد منشآت إيرانية في حزيران/ يونيو 2025.
الورقة تناولت، بقراءة معمّقة، تقديرات عدد من مراكز الفكر والدراسات الدولية غير العربية، في محاولة لفهم آثار هذه الضربات على البرنامج النووي الإيراني، وعلى موقع إيران في الخريطة الإقليمية الجديدة، وعلى مواقف الحلفاء والخصوم على حد سواء.
ووفقًا للدراسة، فإن الضربات الإسرائيلية في 13 حزيران، ثم الأمريكية في 22 من الشهر نفسه، والتي استهدفت منشآت نووية إيرانية، أعقبتها ردود إيرانية مباشرة على أهداف في تل أبيب، ومواقع أمنية واقتصادية إسرائيلية، دون أن تؤدي إلى انهيار شامل في البنية النووية الإيرانية أو إلى تصعيد مفتوح.
وأظهرت الورقة تباينًا في تقدير حجم الضرر الذي تعرضت له المنشآت الإيرانية. فقد أكد مركز كارنيجي للسلام الدولي أن الهجوم أضر بالبنية التحتية النووية لإيران دون أن يوقف برنامجها، مشيرًا إلى بقاء قدرات حيوية تمكنها من الاستئناف السريع، مثل المخزون عالي التخصيب وأجهزة الطرد غير المركبة، إلى جانب الإرادة السياسية للتصعيد.
أما معهد دراسة الحرب الأمريكي فرأى أن إيران لا تزال تحتفظ بقدرتها على تخصيب اليورانيوم، رغم تدمير عدد من أجهزة الطرد المركزي، مشيرًا إلى تعقيدات الدعم الروسي والصيني، والاتجاه الإيراني نحو الصين أكثر من موسكو.
وركّز المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية على هشاشة الداخل الإيراني، لكنه قلّل من فعالية المعارضة، في حين نبه إلى مخاطر التوتر مع أذربيجان وتحالفها مع "إسرائيل"، مقابل دعم طهران لأرمينيا، مما قد يفتح جبهة جديدة للصراع.
إيران، رغم الضربات، لا تزال قادرة على الحفاظ على موقعها الإقليمي، لكنها بعيدة عن بلوغ مكانة "الدولة المركز" في الشرق الأوسط، نتيجة استمرار التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء.أما تحليل موقع "تفكير الصين" السنغافوري، فلفت إلى تقارب إيراني متسارع مع بكين، خصوصًا بعد تراجع المراهنة على الحماية الروسية، متوقعًا أن تستفيد طهران من التجربة الكورية الشمالية في الردع النووي العلني.
بدوره، اعتبر معهد بريماكوف الروسي أن دوافع الهجوم الأمريكي كانت مرتبطة بالانتخابات الأمريكية أكثر من اعتبارات استراتيجية، محذرًا من انزلاق واشنطن في مستنقع إقليمي موسع.
من جهته، حذّر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) من أن تقييد إيران دون إشعال حرب شاملة بات مهمة معقدة، خصوصًا مع تآكل آليات التفتيش الدولي، وتوسع الدور الصيني في المنطقة بما يضغط على النفوذ الإسرائيلي.
وفي ما يخص الداخل الإيراني، رصدت الورقة توقعات المراكز الإيرانية بأن النظام سيستمر في نهج "الغموض الاستراتيجي" بشأن قدراته النووية، ملوّحًا بخيارات تفاوضية دون انسحاب من معاهدة حظر الانتشار. كما رجّحت هذه المراكز أن تعمد إيران إلى تعزيز موقعها الإقليمي رغم فقدانها بعض الزخم في سوريا ولبنان والعراق، وظهور تحالفات مناوئة في أذربيجان والهند.
وخلص الدكتور عبد الحي إلى أن النظام الإيراني سيبقى متماسكًا على المدى القريب رغم الضغوط، وأن احتمالات التخلي عن البرنامج النووي ضعيفة، مقابل إصرار إيراني على تطويره ضمن سياسة تحوّط مدروسة، دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.
كما شدد على أن احتمالات استمرار الصراع الأمريكي الإسرائيلي مع إيران تفوق احتمالات التسوية، مرجّحًا استمرار سياسة التطويق المتبادل بالتحالفات الإقليمية، دون الوصول إلى الغزو المباشر، ومشيرًا إلى أن التهديدات الموجهة لإيران ستُقابل باستراتيجية دفاع مرنة تمنع الانهيار الداخلي رغم الاضطرابات العابرة.
وخلصت الورقة إلى أن إيران، رغم الضربات، لا تزال قادرة على الحفاظ على موقعها الإقليمي، لكنها بعيدة عن بلوغ مكانة "الدولة المركز" في الشرق الأوسط، نتيجة استمرار التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء.