بعد القسوة .. ماذا يبقى في جوف الإنسان؟
تاريخ النشر: 20th, June 2025 GMT
تنظر ساحات المحاكم يوميا كما هائلا من القضايا التي يرتكبها البشر، ويعجز اللسان عن الحديث عن فظاعتها، ويتألم القلب في شكواه منها. أما العين فتغرق بالدمع حزنا وألما على ما تراه من جرائم يرتكبها بعض البشر ضد بعضهم البعض؛ وذلك بسبب قسوة القلوب، وعدم خوفها من عقاب المولى -عز وجل-.
يقول الداعية الإسلامي خالد الراشد: «قسوة القلب مرض عظيم ابتلينا به في هذا الزمان؛ فأصبحنا نسمع القرآن ولا نتأثر، وندفن موتانا ولا نعتبر، ونسمع المواعظ والعبر ولا نتذكر، والسبب قسوة القلب».
ويضيف: «وما من داء إلا وقد أنزل الله له دواء، فدواء قسوة القلب هو مداومة النظر في كتاب الله بتدبر وتفكر؛ فإن هذا الكتاب لو أُنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله».
فهناك من البشر من يتجردون من إنسانيتهم. يقدمون على فعل أفعال خارجة عن المألوف. بعض تلك أعمالهم تتعدى التوقعات والتخيلات؛ فمنهم من يعتدي على إنسان عاجز، ويبطش بطفل صغير يافع، وينكل بامرأة لا حول لها ولا قوة. فالجريمة أصبحت ليست حكرا على جنس أو لون أو غير ذلك، فهي ترتكب بدون سياج يحدها أو إطار يجمعها في قالب واحد. فكل تلك التصرفات وغيرها تأتي من غلظة القلوب بعد أن أصبحت كالحجارة صماء متجردة من أي مشاعر، أو أحاسيس بشرية. أصبحت كذلك بعد أن انزوت، واتخذت طرقات الشيطان سبيلا لها متحجرة مشاعرها، ونزع الله من قلوب البعض كل معاني الرحمة والشفقة ومخافة العقاب في الدنيا والآخرة.
أحيانا تكشف التحقيقات التي تقوم بها أجهزة الأمن عن فظائع ترتكب في أماكن كان يتخيل للناس أنها الحصن الحصين، والمأوى الذي يضمن السلامة من أي عداء أو اعتداء. الجناة يقدمون للعدالة في هيئة مجرمين متسببين في أذى الناس لينالوا عقابهم. أما الضحايا فيتولاهم الله برحمته يتجرعون ألما تلو الآخر. بعضهم لا يتخلص من الأذى الذي لحق به طيلة حياته؛ بحيث تظل آثار الجريمة التي لحقت به حاضرة في ذاكرته مسببة له الحزن والبؤس والشقاء. وقد تكون بصمة عار لا يستطيع الخلاص منها بسهولة حتى مع مرور الزمن.
فالناس لا تنسى ولا ترحم، وأمام تلك الضغوطات النفسية والمجتمعية يقدم بعض الضحايا على الخلاص من حياتهم؛ بسبب التأثير القاتل الذي يلازمهم لفترات طويلة. فكم من حوادث مؤسفة ومؤلمة حدثت لبعض الذي تعرضوا لانتهاكات إنسانية رغم أنهم لم يكن لهم ذنب في سبب حصولها أو تعرضهم لها! كل هذه الجرائم والتصرفات الخاطئة، والأفعال الخارجة عن المألوف هي نتاج حتمي لضعف الإيمان بالله تعالى؛ فالمجرمون وإن تعددت وجوههم وأساليبهم ومآربهم فهم يقومون بهذه الأفعال بعكس فطرتهم الإنسانية، ويتعمدون مخالفة مبادئ دينهم الحنيف والأعراف التي تعارف عليها الجميع. بعض الجناة يتوهم النفاذ من العقاب، ويتخيل بأن سيف العدالة لن يطاله طالما أبعد الشبهات عنه، لكن الله تعالى يفضح أمره فينال العقاب الذي يستحقه في الدنيا، ويؤخر العذاب الآخر إلى يوم القيامة.
في كل يوم هناك كم هائل من القضايا التي تأخذ طريقها نحو «القضاء العادل الناجز» الذي يحكم بين الناس بالعدل الذي يردع الظالم، ويساند المظلوم، ويحق الحق بكلمات الفصل والبيان. ولكن مع كل الأحكام المشددة التي تطال الأشقياء لا يزال بعض الناس يأتون بما لا يرضي الله ورسوله بارتكابهم الموبقات والجرائم المختلفة التي تنال من كرامة الإنسان على وجه الأرض.
إن الله -سبحانه وتعالى- أمد الإنسان بالعقل، وجعل الدين الحنيف منارة له يهديه إلى التفكر والتدبير بآيات الله البيانات التي ترسم له خارطة الطريق نحو السعادة. وأيضا السنة النبوية الشريفة توضح له جميع التعاليم الإسلامية النقية التي تبعده عن رجس العمل، وتدفعه نحو السعادة في الدنيا، وتجنبه براثن الكفر والفجور والفواحش ما ظهر منها وما بطن.
إن الاعتداء على الحرمات، وكسر قلوب الضعفاء، وسلبهم لحقوقهم الشرعية، والتنكيل بهم هي أمور لا ترضي أحدا قط، بل تزيد من حالة الاحتقان، والكراهية بين الناس؛ لذا كان العدل هو أساس الملك والحكم بين البشر. والله تعالى أمرنا بأن نسير على خطى الأسوياء؛ حتى ننال الصلاح والرضا في الدنيا والآخرة. وليعلم كل امرئ على وجه الأرض ويعي حقيقة لا مناص منها، وهي أن الدنيا مهما طالت لياليها وأيامها فهي قصيرة، ومهما عظم شأن الإنسان فيها فهي لا تسوى شيئا أمام الموت. سيأتي اليوم الذي ستمدد فيه على فراشك وحيدا. تريد أن تنفر من مكانك، أو تود أن تودع الصغير، فلا تستطيع. تريد أن تودع الكبير، فلا تستطيع إلى ذلك سبيلا «وحيل بينهم وبين ما يشتهون».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الدنیا
إقرأ أيضاً:
إمام الحرم: المقصد من اجتماع الناس التعاون على البر والتقوى
قال فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة خياط، إن كل عبد لا ينفك عن حالتين وواجبين، وهما واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق، فأما الثاني من فأن يكون اجتماعه بالخق وصحبته لهم تعاون على مرضاة الله والتي هي غاية وسعادة العبد وهي البر والتقوى.
وبين أن حقيقة البر هي الكمال المطلوب من الشيئ والمنافع التي فيه والخير، وفي مقابله الإثم وهي كلمة جامعة للشرور والعيب التي يذم العبد عليها.
أخبار متعلقة الصلاة وتشييع جثمان الطالب الراحل محمد القاسم في الحرم المكي"الأرصاد": موجة حارة وأمطار على المنطقة الشرقية ونجرانولا ريب أن التقوى جزء هذا المعنى وأكثر ما يعبر به عن بر القلب، وهو وجود طعم الإيمان فيه وحلاوته، فإن للإيمان لذة وفرحة في القلب فمن لم يجده فهو فاقد الإيمان وناقصه.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } إمام الحرم: المقصد من اجتماع الناس التعاون على البر والتقوىتعاون على البر والتقوىوأوضح أن حقيقة التقوى هي العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا، أمرا ونهيا، فهي تحمل العبد على فعل ما أمر الله به وترك مانهى الله عنه.
وإن كل عمل لا بد له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعة وقربى إلا أن يكون مصدره عن إيمان فيكون الباعث عليه الإيمان المحض وليس العادة والهوى أو طلب المحمدة والجاه وغير ذلك.
ولهذا فالمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك، فاقتضت حكمة الله تعالى أن جعل النوع الإنساني قائما ومعينًا بعضه ببعض.