التفكير النقدي في ظل المتغيرات العالمية
تاريخ النشر: 21st, June 2025 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
التفكير النقدي هو عملية عقلية تهدف إلى تحليل المعلومات وتقييمها بطريقة موضوعية ومنهجية للوصول إلى استنتاجات منطقية ومُبررة. وهو يقوم على استخدام المنطق، والتحليل، والاستدلال، ويشمل القدرة على التشكيك في الفرضيات وتقييم الأدلة وفهم وجهات النظر وتحليلها قبل اتخاذ قرار أو تبني رأي، ويعد التفكير النقدي من أهم مهارات القرن الحادي والعشرين التي يجب إكسابها للأجيال حتى تتمكن من التفاعل الإيجابي مع المتغيرات الجديدة التي تشهدها المجتمعات بشكل عام نتيجة الثورة المعرفية والتكنولوجية، والتسارع الكبير الذي يسير عليه العالم في مختلف المجالات.
والتحليل من أهم خصائص التفكير النقدي، وهو يعني القدرة على تفكيك المعلومات إلى عناصرها لفهمها بدقة، كذلك يعد التقييم من بين خصائص التفكير الناقد وهو القدرة على الحكم على مصداقية المصادر وقوة الأدلة، كما إن الاستنتاج عنصر أساسي في التفكير الناقد وهو يعني الوصول إلى نتائج عقلانية بناءً على المعطيات، ثم يأتي التحقق للتأكد من صحة المعلومات قبل قبولها، وأخيرًا الانفتاح الذهني والذي يمثل استعدادا للاستماع إلى آراء مخالفة وتقييمها بعدل.
وأهمية إكساب أفراد المجتمع مهارات التفكير الناقد تنبع من ضرورة حمايتهم من الأفكار المنحرفة والضالة، ووقايتهم من الانخداع بكثير مما يتلقونه من معلومات وأخبار وأفكار أصبحت منتشرة وبشكل كبير في الوقت الحالي وذلك لتعدد المصادر والوسائل الناقلة، وصعوبة التحكم بها في ظل انتشار تطبيقات الإنترنت المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، وهذه ضريبة التكنولوجيا التي على العالم أن يتقبلها ولا خيار له في ذلك، ولا يمكن منع هذا التغيير من الحدوث، ومحاولة منعه تشبه الوقوف في وجه عاصفة عاتية بدون أي وسيلة نجاة، ولذلك لابد من وجود فكر واع لمواجهة كل هذه المتغيرات.
ولأن قدرنا أن نكون وسط هذه المنطقة التي تشهد تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، ولا تكاد تمر فترة زمنية إلا وهناك أحداث جديدة، كان لابد لنا من أن نتعايش مع هذه التحديات والأوضاع وأن نتسلح بما يمكننا من المضي قدمًا في طريقنا، وهذا التسلح لا يقتصر على الإمكانيات المادية والعتاد والبنية المادية فقط بل يجب أن يرافق ذلك؛ بل ويتقدمه استعداد فكري يتناسب مع طبيعة ما يحصل في العالم المحيط من تحولات، هذا الأمر هو الوحيد القادر على حماية الوطن والمواطن والإرث والتقاليد والقيم والأخلاق من كل المتغيرات السلبية، ويجعلنا قادرين على التكيف مع الظروف.
هذا التسلح الفكري يأتي في مقدمته اكتساب مهارات التفكير الناقد والإبداعي، لنكون قادرين على تحليل وتمحيص ما نتلقاه من معلومات وأفكار، وأن نحللها وفق سياق علمي دقيق، وأن ننقدها ونشكك فيها دون اعتبارها حقيقة مسلمة مطلقة لا جدال فيها، وأن نستنتج ونستنبط الصحيح منها وغير الصحيح، وكل هذا لا يتأتى دون تخطيط مسبق لكيفية إكساب الأفراد هذه المهارات والمعارف، ويلعب التعليم المخطط الدور الأساسي في هذه العملية ثم يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني، والأسرة والمؤسسات الرسمية ذات العلاقة، كما تلعب البرامج الإعلامية والبرامج المخططة دورًا محوريًا في تنمية الوعي وإكساب المعارف والمهارات وتعزيزها لدى أفراد المجتمع من خلال انتقاء المادة المناسبة لتحقيق هذه الغاية.
يرى الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت أن الشك هو إحدى الطرق المثلى للوصول إلى الحقيقة، نظرية الشك عند ديكارت تتلخص في أن المعروفة يمكن أيضًا أن تتحقق بالشك المنهجي، وهو منهج فلسفي يهدف إلى الوصول للمعرفة اليقينية من خلال الشك في كل ما يمكن الشك فيه، وهذه هي أهم خصائص التفكير النقدي أو الناقد، لا توجد حقيقة مطلقة سوى الله تعالى وما أنزل من كتب سماوية وما احتوت عليه، وبخلاف ذلك فالله تعالى أمرنا بإعمال العقل والتدبر والتفكير والتأمل والتحليل والاستدلال والتفسير، وأوجب علينا أن نستخدم الفكر في الوصول إلى الحقيقة.
لقد انساقت كثير من المجتمعات خلف الاشاعات والأفكار الضالة، وابتليت الامم بهذا الأمر بلاءً عظيمًا، واصبح أفرادها متفاعلون بشكل سلبي لكل ما يطرح في وسائل التواصل الاجتماعي، ومصدقين لكل ما يتلقونه من افكار منحرفة، حتى أن هذه المجتمعات اصبحت تبحث عما يغذي هذا الجانب السلبي في كل يوم، وانصرفوا الى هذا الأمر بشكل كبير، فتراهم يتابعون اشخاص عرف عنهم الانحراف الفكري، وعرف عنهم ورغبتهم في نشر فكر ومعلومات مضللة عن اوطانهم ودينهم وثقافتهم، واستعدادهم للكذب والتدليس لترسيخ هذه الأفكار الضالة، وما هذا الانسياق إلا نتيجة عدم قدرة الفرد على تحليل ما يتلقاه من معلومات وتفنيدها ونقدها واستنتاج ما خلفها من حقائق، ولذلك نرى أن أفكار الإلحاد والمثلية والنسوية أخذت طريقها لعقول الناس في عديد المجتمعات التي لا تتسلح بالفكر المضاد.
إن من يسعون لنشر هذه الأفكار يعلمون ما هي اهدافهم بكل دقة ومن هي الفئات التي يمكن التأثير عليها، ويعملون وفق منهجية واضحة وخاصة اولئك الذين يسعون لزعزعة ثقة الانسان بوطنه، فهم لا يكفون عن البحث في التحديات والعقبات وتضخيمها، وتقزيم المنجزات والاستهانة بها، ويتحدثون بالمقارنات غير العادلة في كل شاردة وواردة منتقين ما يخدم أجندتهم فقط، مستخدمين مصطلحات مغلفة بالوطنية والمصلحة العامة والمُثل العُليا، وهذا سياق أصبح معروف ومعلوم للجميع، فلا يمكن للفاسد أن يكون مصلحًا، ولذلك وجب علينا أن نتدبر ونتفكر ونحلل كل ما نتلقاه، وأن نخضعه للعقل والمنطق والحقائق والشك حتى نستبين مدى صدقه.
يقول الله تعالى: "أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ" (الأعراف: 184)؛ فرغم علم المشركين بصدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأمانته، إلّا أن عدم إعمالهم للتفكير جعلهم يتهمونه بالجنون والشعر وجحدوا صدق رسالته انتصارًا لجاهليتهم التي ورثوها، بينما نجا أصحاب الفكر والتدبر من هذا الأمر واسلموا لله تعالى، ولذلك وجب علينا جميعًا أن نجعل الفكر الذي ميزنا الله تعالى به عن غيرنا هو من يقود حياتنا لا أن نكون تابعين.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نهاية عام 1446
في نهاية عام ألف وأربع مئة وستة وأربعون للهجرة النبوية الشريفة نقف وقفة تأمل ،تلك الوقفة التي تتكرر في نهاية كل عام وبداية العام الذي يليه .
كم من السنوات ودعناها ولازالت بعض ذكرياتها عالقة في أذهاننا تزورنا بين حين وأخر أو نقوم بالبحث عنها في زوايا ذاكرتنا كلما دعانا الحنين.
ومن سنن الله في الكون تعاقب الأشهر والأعوام لتمضي بنا سفينة الأيام مسرعة فما إن نفرح بدخول عام جديد إلا ونجد أنفسنا في نهايته ،انطوت صفحة هذا العام وانطوت معه صفحة من أعمارنا والعاقل منا من أخذ العظة والعبرة من مرور الليالي والأيام ، يمضي قطار الأيام كلمح البصر ليكبر الصغير ويشيب الكبير ويفنى ولابد للعاقل أن يتذكر دائماً أن الحياة مهما طالت به فهو سيصل إلى النهاية لامحالة فالدنيا دار ممر وليست دار مقر .
والعاقل منا أيضاً من سعى وحرص على أن تكون حياته عامرة بطاعة الله خالية من الذنوب والمعاصي ،يسعى لعمارة أخرته ( فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ،والعاجز من أتبع نفسه هواها ) أي أعطاها ماتتمنى وما تطلب دون تفريقاً بين حلال وحرام
مضت هذه السنة وقد مرت بنا أحداث أبكتنا بعضها وأوجعت قلوبنا وأحداث أسعدنا مرورها وأدخل الفرحة علينا وحالنا في كلاهما حمد وشكر لله إيماناً منا بالقضاء والقدر خيره وشره .
وبما أننا نقف على مشارف الوداع لعام 1446 للهجرة النبوية الشريفة أحببت أن أذكر نفسي وإياكم بحمد الله عز وجل أن مد في أعمارنا ولندعوه تعالى أن يمنحنا فرصة للحياة أعواما عديدة وأزمنة مديدة عامرة بذكره وشكره وحسن عبادته .
ولندعوه سبحانه أن يجعلنا صالحين مصلحين بارين بأبائنا نافعين لديننا ولوطننا الغالي الذي لايوجد له مثيل فقد امتن الله تعالى علينا بأن جعل قيادة هذا الوطن في أيدٍ أمينة تبذل قصارى جهدها لخدمة الدين والوطن وأبنائه والمقيمين على أرضه جهود جبارة تبذل لعمارة هذه الدولة العظيمة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه والذي تغنينا جميعاً واستبشرنا خيزاً برؤيته المباركة والتي سيعم نفعها الجميع بإذن الله تعالى .
شكراً ثم شكراً لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين واللذان يحرصان كل الحرص على راحة كل من تطأ قدمه أرضنا المباركة
من زوار ومقيمين ومعتمرين وحجاج لبيت الله الحرام وبمناسبة نجاح موسم الحج هذا العام والذي سُخرت له جميع الإمكانيات لتقديم الخدمات المتكاملة لضيوف الرحمن برعاية وعناية كريمة من لدن مولاي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين محمد بن سلمان فإننا نعتز ونفتخر بهذا النجاح كسعوديون فشكراً ثم شكراً لهم وشكراً لكل القطاعات التي ساهم موظفيها وموظفاتها في هذه الخدمة الجليلة لحجاج بيت الله الحرام
الحمدلله الحمدلله دائماً وأبداً أننا نعيش في مملكتنا الحبيبة وتحت ظل قيادتنا الرشيدة بفضل من الله تعالى في رخاء واستقرار وتقدم وازدهار ومن الواجب علينا جميعاً مواطنين ومقيمين استشعار هذه النعم العظيمة التي ننعم بها على أرض هذه البلاد الطيبة ومداومة الحمد والشكر لله سبحانه وتعالى .
وفي نهاية هذا العام لنقف جميعا ونرفع أكف الضراعة لله سبحانه وتعالى وندعوه بأن يحفظ بلادنا وقادتنا وجنودنا وأن يحفظ شبابنا ويوفقهم ويبعدهم عن الفتن ماظهر منها ومابطن فالشباب هم أمل المستقبل ولندعوه تعالى بأن بديم علينا نعمة السلام والأمن والأمان في وطننا الحبيب وأن يعم السلام والاستقرار أرجاء العالم إنه ولي ذلك والقادر عليه